الانقلابيون يعرقلون نقل 20 مليون دولار لمحافظات الجنوب.. وتوقع بتوقف المؤسسات الحكومية

آلاف الموظفين الرسميين مهددون بوقف رواتبهم في ظل تفاقم الأزمة المعيشية

العملة اليمنية المحلية في أحد مكاتب الصرف في صنعاء (غيتي)
العملة اليمنية المحلية في أحد مكاتب الصرف في صنعاء (غيتي)
TT

الانقلابيون يعرقلون نقل 20 مليون دولار لمحافظات الجنوب.. وتوقع بتوقف المؤسسات الحكومية

العملة اليمنية المحلية في أحد مكاتب الصرف في صنعاء (غيتي)
العملة اليمنية المحلية في أحد مكاتب الصرف في صنعاء (غيتي)

حذرت الحكومة اليمنية من تدخل الانقلابيين في المساس باستقلالية المصرف المركزي المخول بصرف رواتب موظفي الدولة، واتهمت ميليشيات صالح والحوثيين بمنع نقل 5 مليارات ريال يمني (20 مليون دولار) إلى محافظات الجنوب. وتوقع خبراء ومراقبون توقف عمل المؤسسات الحكومية بسبب توقف السيولة النقدية لدى البنك منذ سيطرة الميليشيات على المؤسسات والمراكز المالية الحكومية والتحكم في أعمالها.
وناقشت الحكومة، برئاسة خالد محفوظ بحاح، ما قام به البنك المركزي اليمني – أخيرا - من اتخاذ الترتيبات اللازمة لنقل مبلغ خمسة مليارات ريال يمني (20 مليون دولار) من خزائنه في صنعاء إلى فرعه في عدن للوفاء بالتزاماته ودفع أجور ومرتبات موظفي الجهاز الإداري للدولة في محافظة عدن والمحافظات المجاورة لها.
وأفادت الحكومة، في اجتماعها الأسبوعي في الرياض أول من أمس، بأن قيادة البنك المركزي تفاجأت بقيام ميليشيا الحوثي وصالح الانقلابية بعرقلة عملية النقل جوا، والمساس باستقلالية البنك المركزي في القيام بواجباته في إدارة السيولة في اقتصاد البلاد، وما قد يترتب على ذلك من عواقب خطيرة.
وكانت «الشرق الأوسط» قد نقلت عن منظمات يمنية مالية نهب ميليشيات الحوثي وصالح مئات الملايين من الدولارات من مؤسسات الدولة والبنوك، وفي المقام الأول البنك المركزي اليمني الذي استولى عليه الحوثيون وبداخله ما لا يقل عن 4.2 مليار دولار في مارس (آذار) الماضي. وبينت الإحصاءات - أخيرا - أن الاحتياطي داخل البنك بلغ فقط 1.7 مليار دولار، مع الإشارة إلى أن الصندوق السعودي للتنمية دعم الاقتصاد اليمني بمليار دولار، قبل الانقلاب، كوديعة في البنك المركزي اليمني عام 2012، وقد هبطت العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها حيث وصل الدولار الأميركي إلى مستوى 245 ريالا يمنيا.
وأوقف الانقلابيون مطلع العام الحالي دفع أي استحقاقات مالية في ما عدا الرواتب، لجميع موظفي الدولة، البالغ عددهم في القطاعين المدني والعسكري مليونا ومائتي ألف موظف، ويستحوذون سنويا، وفقا لإحصاءات رسمية، على أكثر من 9 مليارات دولار، من الميزانية العامة للدولة التي تعتمد على ما نسبته 65 في المائة من دخلها من عائدات النفط التي توقفت بشكل كامل.
وخلال الشهور الماضية تراكمت مستحقات موظفي الدولة لدى مؤسساتهم، وهو ما أثار موجة احتجاجات داخل المؤسسات، سرعان ما جرى إخمادها من قبل الميليشيات بحجة أن ذلك يدعم قوات التحالف العربي. ويقول موظفون إن الميليشيات التي تدير مؤسسات الدولة استغلت ما يسمى «المجهود الحربي» كغطاء لنهب ممتلكات وأموال المؤسسات، الأمر الذي أثار احتجاجات داخلها انتهت باعتقالات طالت الكثير من الرافضين للفساد الذي تمارسه القيادات غير الشرعية في هذه المؤسسات. وقال مسؤول مالي رفيع في مؤسسة حكومية، لـ«الشرق الأوسط»، إن الوضع المالي في البنك المركزي أصبح مكشوفا، وإنه لا يملك سيولة مالية لتغطية النفقات التشغيلية للمؤسسات الحكومية في ما عدا الرواتب، وبالتالي فإنها قد تغلق في أي وقت.
وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، أن الإجراءات المالية في البنك تسير بطريقة عشوائية. وأضاف المسؤول أن وزارة المالية أكدت لنا أنها ستدفع رواتب للمؤسسات المدعومة، مؤكدا أن «قيادة البنك المركزي المسؤولة عن صرف رواتب موظفي الدولة وتديره الميليشيات أخبرتنا بأن هناك صعوبات في صرف الرواتب، بحجة عدم توافر السيولة النقدية، نظرا لتوقف إرسال الإيرادات من المحافظات»، مشيرا إلى أن مؤشرات انهيار الموازنة العامة للدولة في تزايد بشكل مخيف.
ويرى فؤاد المقطري، المحلل السياسي، أن قوات التحالف والحكومة الشرعية نجحت في تجفيف مصادر التمويل لخزينة الانقلابيين، وتمكنت من سحب المركز المالي من سلطة الجماعة المسلحة إلى يد الشرعية. ودعا المقطري، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، الحكومة الشرعية إلى قطع علاقة الموظف الحكومي بهذه الميليشيات بشكل كامل، عبر نقل المركز المالي كليا إلى سلطتها، والبدء بدفع الرواتب عبرها بشكل مباشر، خاصة أن أغلب المحافظات في الجنوب والشمال جرت استعادتها من الميليشيات، موضحا أن سرعة تنفيذ الحكومة الشرعية لهذه الإجراءات تعجل بالقضاء على هذه الميليشيات.
بينما أوضح مصطفى نصر، الخبير الاقتصادي، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أن كل مؤسسات الدولة من شركات ووزارات تعاني من شلل كلي، في ما عدا بعض المؤسسات الخدمية التي لا تزال تقدم خدمات محدودة للمواطن. وقال لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي: «جميع المؤسسات الرسمية منذ سيطرة الميليشيات عليها وهي خارج إطار النظم والقوانين المعمول بها رسميا، وتسبب ذلك في أنها أصبحت مؤسسات غير منتجة ولا تقوم بعملها بصورة طبيعية لخدمة المواطنين».
وأكد نصر، الذي يدير مركز الإعلام الاقتصادي، أن معظم المؤسسات الرسمية موجودة في صنعاء، وبسبب المركزية الشديدة في طريقة الحكم خلال العقود السابقة فإن هذه المؤسسات تتحكم في كل المكاتب التابعة لها في كل المحافظات، ويقتصر عملها حاليا على صرف الرواتب فقط.
وأوضح أنه في حال استمرار الوضع كما هو عليه الآن فإن جميع مؤسسات الدولة لن تكون قادرة على صرف الرواتب لمنتسبيها، وهو ما يعني وصول الاقتصاد اليمني إلى حالة الانهيار التام، مشيرا إلى أن هذه المؤسسات لا تزال لديها إمكانية لدفع الرواتب لبعض الوقت، لأن أغلب البنوك والمراكز المالية تحت سيطرة الميليشيا، وبالتالي فليس من مصلحتها إيقاف الرواتب حاليا، لكن ذلك لن يستمر طويلا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.