«داعش» يحاول الاستفادة من التدخل الروسي

وسط تقاطع المصالح الإقليمية

جانب من منطقة كوباني (أ.ف.ب)
جانب من منطقة كوباني (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يحاول الاستفادة من التدخل الروسي

جانب من منطقة كوباني (أ.ف.ب)
جانب من منطقة كوباني (أ.ف.ب)

في موازاة الحملة الدولية التي بدأها المجتمع الدولي العام الماضي تحت عنوان «الحرب على الإرهاب والقضاء على (داعش) في سوريا»، برز لاعبون جدّد لهم أجندتهم وحساباتهم الخاصة. فها هما روسيا وتركيا تنخرطان ميدانيًا في الحرب، وتركزان هجماتهما على الأعداء المحليين لتنظيم داعش، أي المعارضة السورية وحزب العمال الكردستاني، معززتين بذلك قوة التنظيم الإرهابي، وسامحتين له بتوسيع نفوذه خارج الحدود السورية.
وفق مركز دراسات «آي إتش إس جين» لمكافحة الإرهاب والتمرد، زاد عدد الهجمات الإرهابية اليومية التي ينفذها «داعش» بحدود 40 في المائة على الصعيد العالمي. وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، أي ما بين 1 يوليو (تموز) و30 سبتمبر (أيلول) 2015، سجّل مركز الدراسات ما مجموعه 1086 هجمة نفذها مسلحو التنظيم المتطرف، أي بزيادة كبيرة نسبتها 42 في المائة عن المعدل اليومي للهجمات.
ماثيو هينمان، رئيس المركز، قال موضحًا إن «تنظيم داعش حافظ على استراتيجيته لتوسيع وتعزيز سيطرته الإقليمية ضمن الهيكل الحالي المتمثل في المحافظات المحلية». وهذه الاستراتيجية لا تدعو مطلقًا للاستغراب نظرًا للحرب السائدة، وضعف الحكم، والصراع الديني المستمر بين الشيعة والسنّة، وتدخل دول مثل روسيا وتركيا وتركيزها على من تعتبرهم «تهديدا» لها عوضا عن محاربة المنظمة الإرهابية.
وتأكيدا على ذلك، أوردت وكالة «رويترز» الأسبوع الماضي أن ما يقارب 80 في المائة من الضربات الروسية في سوريا وقعت في مناطق لا وجود لـ«داعش» فيها، ذلك أن غالبية الضربات (64) استهدفت مناطق تسيطر عليها جماعات معارضة للرئيس السوري بشار الأسد، منها فروع تنظيم القاعدة، ولكن منها أيضًا قوات مدعومة من واشنطن وحلفائها، بينما استهدفت 15 ضربة فقط المناطق التي يسيطر عليها «داعش».
من جهة ثانية، وفق تقرير صدر أخيرًا عن «معهد دراسات الحرب»، فإن مشاركة روسيا في الحرب سمحت لتنظيم داعش بأن يحقق مكاسب إقليمية، وعززت في الوقت نفسه موقف الأسد بما أن روسيا تدعم هجمات النظام السوري في اللاذقية وسهل الغاب وشمال حماه. كما أن تكثيف روسيا هجماتها على المناطق التي يسيطر عليها المعارضون شمال غربي حلب من المرجح أن يعدّ الأرضية لهجوم روسي - إيراني - سوري نظامي وشيك في المنطقة. أضف إلى ذلك أن هجمات النظام المتزامنة في محافظتي حماه وحلب تشتت قوات المعارضة على طول جبهات عدة، وتمنعها من تعزيز مواقعها في جميع أنحاء شمال غربي سوريا، كما أنها تفقدها السيطرة على بعض المناطق. وفي الخلاصة، يبقى «داعش» المستفيد الأول من الضربات الروسية على حساب المعارضة السورية، وفق ما أورد التقرير.
وتوضيحًا لهذه النقطة، أحرز «داعش» تقدمًا واضحًا، ففي يوم 9 أكتوبر (تشرين الأول) تقدم مسلحو التنظيم الإرهابي المتشدد مسافة 10 كيلومترات ضد مواقع المعارضة في شمال شرقي حلب، وكان هذا أهم إنجاز لـ«داعش» في المحافظة منذ أغسطس (آب) 2015. كذلك واصل «داعش» هجماته ضد المعارضة في ريف شمال شرقي حلب بين 10 و14 أكتوبر. ووفقًا لراشد صطوف، من تيار المواطنة السوري، في حديث لـ«الشرق الأوسط» فإن «داعش» استطاع التوسع في مناطق شمال حلب وكذلك في ريف حمص. وحسب كلام صطوف، يشكل «داعش» حماية للنظام الذي لم يتعرّض لأي طلقة نارية من التنظيم في جبهة حلب.
ويتردد هذا الرأي الذي عبر عنه صطوف أيضًا في تقرير «معهد دراسات الحرب»، الذي يعتبر أن النظام السوري و«داعش» يستفيد كل منهما من الآخر عبر الهجمات التي ينفذها أي منهما ضد مواقع المعارضة في شمال ريف حلب. ومن المرجّح أن كلا من «داعش» والنظام سيحاول استغلال الضربات الروسية التي تستهدف المعارضة، والتي فشلت حتى الآن في ردع «داعش»، بل على العكس، سهلت له السيطرة على أراض جديدة.
في الحقيقة، روسيا ليست وحدها من يعطّل حركة المعارضة السورية. ففي السياق نفسه اعتبر فلاديمير فان ويلينبرغ، وهو باحث في الشؤون الكردية، في تقرير أصدره أخيرًا في «المجلس الأطلسي»، أن هجوم تركيا على مواقع حزب العمال الكردستاني منذ يوليو قد يؤثر سلبًا على الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد «داعش»، وذلك بعدما أثبتت الميليشيات الكردية في سوريا أنها خصم قوي في الحرب على المنظمة الإرهابية. وحسب المعطيات فإن معظم الهجمات التي شنها الجيش التركي أوائل هذا الشهر استهدفت مواقع حزب العمال الكردستاني (بي كيه كيه) الانفصالي في جنوب شرقي تركيا وشمال العراق. كما أعلن الجيش التركي أنه دمّر ملاجئ الـ«بي كيه كيه» في مناطق متينة والزاب شمال العراق. وكان وقف إطلاق النار بين هذا التنظيم الكردي الانفصالي والأتراك تلاشى، وبدأت تركيا في قصف معسكرات الحزب في شمال العراق بعد إقدام الـ«بي كيه كيه» على قتل شرطيين تركيين انتقاما لهجوم استهدف في وقت سابق من هذا العام مدينة سوروج التركية، مات فيه 32 شخصا غالبيتهم من الأكراد.
إن الحرب التركية على حزب العمال الكردستاني، أو «بي كيه كيه»، قد تؤثر على المدى البعيد على سير المعارك بما أن الـ«بي كيه كيه» وميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية أثبتا فاعلية قتالية جيدة في الحرب الحالية على «داعش». وحسب تقرير فان ويلينبرغ، يبدو أن «داعش» يؤيد هذا الرأي، بدليل اعتبار التنظيم الإرهابي المتطرف أن تداعيات الحرب التركية على الـ«بي كيه كيه» قد تصب في صالحه، متمنيًا أن يخدم هذا التطور قوات التنظيم في شمال سوريا.
ومن هنا، يجزم فان ويلينبرغ بأن «داعش» يسعى جاهدا للاستفادة من الضغط على الـ«بي كيه كيه» بما أن الهجمات ضد مواقع الحزب الانفصالي التي تشنها تركيا قد تشكل تهديدًا حقيقيًا على ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية في سوريا، وهي التي تتكل بشكل كبير على الأكراد لتدعيم صفوفها في حربها ضد «داعش». واليوم تجد ميليشيا «وحدات حماية الشعب» نفسها مشتتة جغرافيًا بعدما كانت قد استعادت ما يقارب الـ4100 إلى 11.000 متر مربع من «داعش»، واحتلت المعبر الحدودي في تل أبيض بشمال محافظة الرقة. وللعلم، كانت «وحدات حماية الشعب» تواجه أصلا مشكلات في تجنيد المقاتلين، لكنها اليوم، مع اشتداد الحرب بين الدولة التركية والانفصاليين الأكراد، والضربات ضد مواقع الـ«بي كيه كيه» داخل أراضي العراق، سيكون من الصعب عليها أن تجند مزيدًا من الأكراد الأتراك لقتال «داعش» في سوريا.
وفي المقابل، يرى لؤي الخطيب، الخبير المتخصص في الشؤون الخارجية بمعهد بروكينغز في الولايات المتحدة، ناحية إيجابية للتغييرات على الساحة السورية، معتبرًا أن التدخل الروسي «قد يؤدي إلى تغيير في ميزان القوى، وهو أمر تشتد الحاجة إليه»، حيث صرح في مقابلة مع «الشرق الأوسط» قائلا: «من الصعب خوض حرب عندما يعجز الحلفاء عن التوافق على هوية العدو، وهذا هو بالضبط الوضع الذي تواجهه الولايات المتحدة في سوريا». وأكد الخطيب أن «صناع السياسة الأميركية لديهم مهمة مستحيلة لإرضاء كثير من الحلفاء الرئيسيين، الذين غالبًا ما تكون مطالبهم غير قابلة للتداول ومتناقضة، مثل الإسرائيليين والأتراك والعراقيين ودول مجلس التعاون الخليجي».
ويخلص الخطيب إلى القول إن «نهاية اللعبة في سوريا ربما لن ترضي الجميع. فمحاولة بناء التحالفات الخارقة بين الأمم وعقد مباحثات لا نهاية لها لن تؤدي إلا إلى طريق مسدود. وقد حان الوقت للولايات المتحدة وروسيا لكي تعملا معًا لتعطيل آلة القتل في سوريا، وإخراج أولئك الذين يرفضون الجلوس مع أي كان على طاولة الحوار من أرض المعركة العراقية والسورية. هذه الخطوة على الأرجح هي التي ستمهّد الطريق أمام مرحلة انتقالية سلمية، إذ يجب المحافظة على سوريا السياسية وعلى تعددية المجتمع فيها، وذلك من خلال فيدرالية المناطق».



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».