تصدرت أخبار التدخل العسكري الروسي في النزاع السوري، الصفحات الأولى للصحف العربية والعالمية.
ووضع هذا التدخل السريع وإن جاء بعد أكثر من أربع سنوات على بدء النزاع؛ ولكنّه كان مفاجئًا بتكتيكه العسكري وسرعة بدء عملياته وتحديد أهدافه وضربها، دول حلف شمال الأطلسي أمام مواجهة شرسة للخصم القديم في الحرب الباردة.
يبدو جليًا أنّ أهداف موسكو الاساسية، هي دعم نظام الرئيس بشار الاسد، وضرب المعارضة السورية، التي نالت النصيب الأكبر من الضربات الجوية الروسية، التي صرحت مرارًا وتكرارًا أنّها تدخلت سريعًا للحد من انتشار التنظيمات المتطرفة المتمثلة بتنظيم "داعش" وجبهة النصرة وغيرها.
وفي الوقت الذي كانت القوات الروسية تقصف مقاتلين سوريين على بعد مئات الكيلومترات إلى الشرق، في تحرك منسق مع القوات المسلحة التابعة لحكومة الرئيس بشار الاسد والحرس الثوري الايراني وعناصر من حزب الله اللبناني، بدأ الاطلسي مناورات عسكرية كبيرة في البحر المتوسط هذا الاسبوع.
وعلى الرغم من ضربات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة التي بدأت من أكثر من عام ومشاركة بعض دول حلف شمال الاطلسي، لكنّ الحلف ظلّ متحفظًا بالمشاركة الفعالة ولم يكن طرفًا في النزاع السوري.
ومع التدخل الروسي ليس فقط في سوريا بل أيضًا في شبه جزيرة القرم الاوكرانية ودعمه المتمردين المؤيدين للكرملين في شرق أوكرانيا العام الماضي، كل هذه الأحداث دفعت الحلف لأخذ خطوات سريعة وجديدة بوجه اطلاق يد روسيا في أماكن استراتيجية تهدّد مصالحها.
من جهته، يرى نيك ويتني الرئيس السابق لوكالة الدفاع الاوروبية الذي يعمل الآن في المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية، أنّ الغرب "فوجئ من الناحية التكتيكية. لا أعتقد أنهم توقعوا ما سيفعله (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين".
وكان الحلف قد بدأ العام الماضي أكبر حركة تحديث منذ الحرب الباردة. لكن النخبة السياسية والعسكرية في الحلف ترى الآن حاجة ملحّة لخطة أشمل تتجاوز نطاق ردع روسيا في الشرق. ويطلقون على هذه الخطة اسم "التفكير 360 درجة".
من جهته، قال الجنرال الفرنسي دنيس ميرسيه الذي يتولى مسؤولية قيادة الحلف المسؤولة عن الاخطار المستقبلية "ينبغي أن نطوّر استراتيجية لكل أنواع الأزمات في كل الاتجاهات 360 درجة. ينبغي أن نتحرك في الجنوب وفي الشرق وفي الشمال وفي كل الانحاء".
ويعتقد محللون أن مشكلة الحلف تكمن في أن هذه الاستراتيجية لا تزال في طور النشوء بينما تتحرك التطورات في المناطق المجاورة لاوروبا بوتيرة أسرع من النهج البطيء لمعاهدة الدفاع الخاصة بالتحالف المؤلف من 28 دولة، الذي تشكل في عام 1949 لردع خطر الاتحاد السوفياتي سابقًا.
ومن دول البلطيق حيث لروسيا قاعدة بحرية في كالينينغراد وعبر البحر الاسود وشبه جزيرة القرم إلى سوريا، وضعت روسيا صواريخ مضادة للطائرات والسفن قادرة على تغطية مناطق شاسعة.
كما يرى مسؤولون في الحلف في ذلك استراتيجية لمناطق نفوذ دفاعية تنشر فيها بطاريات صواريخ سطح - جو وصواريخ مضادة للسفن يمكن أن تعرقل حركة الحلف جوًا وبرًا وبحرًا أو تمنعه من دخول مناطق معينة.
قد يكون خطر المد الروسي الأكبر بالنسبة للحلف، ولكنّه ليس الوحيد، فالحلف يواجه دولا فاشلة وحربًا ومنظمات متطرفة وأزمة كبيرة هزّت الكيان الأوروبي بقدوم جحافل من المهاجرين غير الشرعيين واختراق حدود الدول الأوروبية.
ويُرجع مطلعون هذه الأزمات التي تواجه الحلف إلى عدم قدرة الاتحاد الاوروبي على ارساء الاستقرار الاقتصادي في المنطقة المجاورة له. بينما يرى منتقدون أنّ الأمر يرجع أيضًا إلى تجنب الرئيس الاميركي باراك أوباما توريط بلاده في حروب الشرق الاوسط في أعقاب الغزو الاميركي للعراق في 2003. الذي أدى إلى تراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.
وبينما يضع الحلف خطة ردع متعددة المستويات، يقر مسؤولون بأن من المحتمل أن تتحرك روسيا مرة أخرى بشكل أسرع لتسبق التحرك الغربي.
كما يرى خبرا آخرون خطرا في المبالغة في تقدير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يشرف على اقتصاد استنزف بسبب العقوبات الغربية وتراجع أسعار النفط ولا يستطيع أن يكون ندًا لقوة الحلف العسكرية على المدى البعيد.
وفي ذلك، قال ويتني وهو مخطط دفاعي بريطاني سابق "ينبغي ألا يكون لدينا شك في عداء بوتين تجاه الغرب؛ لكن ينبغي أن نحذر المبالغة في رد الفعل على ما يمكن لاقتصاد روسي متعثر أن ينجزه في مجال القدرة العسكرية".
وينفّذ الحلف على مدى الاسابيع الخمسة المقبلة أكبر تدريبات عسكرية له منذ عام 2002، بمشاركة 36 ألف جندي و230 وحدة عسكرية و140 طائرة وأكثر من 60 سفينة بهدف المصادقة على القوة.
ومثل هذه الاجراءات التي جرى الاتفاق عليها في قمة للحلف في ويلز العام الماضي، بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، تهدف بشكل رئيس إلى طمأنة الحلفاء في الشرق، أنّ روسيا لن تقدر على احتلالهم أيضا. ولا يزال هناك نقاش بشأن إن كان من الممكن استخدام قوة رأس الحربة في شمال أفريقيا ومناطق أخرى.
كما جهز الحلف بعض المواقع القيادية الصغيرة عليها أعلامه، من استونيا وحتى بلغاريا إلى جانب قوة رأس الحربة. لكن أحد دبلوماسيي الحلف وصف هذه الاجراءات بأنّها "الحد الادنى المطلوب".
وقال الجنرال ميرسيه إنّ ما يسمى بخطة العمل لرفع الاستعداد هي "مجرد خطوة أولى".
من جهته، أفاد الجنرال فيليب بريد لاف القائد الاعلى للحلف في أوروبا "عملنا على طمأنة حلفائنا".
وردا على سؤال بشأن ما هو الشكل المحتمل لوسائل الردع الحديثة للحلف قال لاف "لسنا متأكدين بالضبط ما الذي يمكن أن ينجح في المستقبل".
وسيعقد الحلف قمة مقبلة في يوليو (تموز) في وارسو وستكون الموعد المستهدف لطرح مقترحات من أجل روادع أحدث وأسرع.
وتشمل مثل هذه الافكار إنشاء مواقع قيادة عليها أعلام الحلف على الجناح الجنوبي وتعديل قوة رأس الحربة لتنفيذ عمليات بحرية وجوية.
كما يمكن أن تتضمن قوة بحرية دائمة لمراقبة البحر المتوسط والعمل بشكل مقرب مع الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة، في إعادة إرساء الاستقرار في الدول المضطربة.
ومن الافكار الكبيرة الاخرى استخدم رادع نووي في التدريبات؛ وهو أمر تدعمه بريطانيا؛ لكن دولا أخرى مثل ألمانيا تخشى أن تعتبره روسيا استفزازا.
هل ينجح حلف شمال الأطلسي في ردع التمدد الروسي؟
هل ينجح حلف شمال الأطلسي في ردع التمدد الروسي؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة