عمدتا بلدتين أوكرانيتين يختزلان بأدائهما المتباين الأزمة

أجواء مشحونة في دونيتسك الشرقية.. وقدرة على التعاون مع أوروبا في لفيف الغربية

عمدة لفيف أندري سادوفي يتحدث إلى الصحافيين في مكتبه (نيويورك تايمز)
عمدة لفيف أندري سادوفي يتحدث إلى الصحافيين في مكتبه (نيويورك تايمز)
TT

عمدتا بلدتين أوكرانيتين يختزلان بأدائهما المتباين الأزمة

عمدة لفيف أندري سادوفي يتحدث إلى الصحافيين في مكتبه (نيويورك تايمز)
عمدة لفيف أندري سادوفي يتحدث إلى الصحافيين في مكتبه (نيويورك تايمز)

ألقى عمدة مدينة دونيتسك، التي تشتهر بالتعدين والواقعة في شرق أوكرانيا، خطابا حماسيا أمام نحو مائة ضابط من الشرطة، حثهم فيه على ضرورة تنفيذ القانون وتحقيق الأمن في هذه الأوقات العصيبة للثورة، وبعد ذلك أمسك رجل ملتحٍ الميكروفون، وصاح قائلا: «إذا كنا نريد السلام، ينبغي علينا الاستعداد للحرب!». فرد العمدة ألكسندر لوكيانشينكو (67 عاما)، قائلا «أخبرني فقط من هو الطرف الذي تخطط لقتاله؟».
كانت الإجابة مرتبكة ويكتنفها الحنين إلى حقبة الاتحاد السوفياتي السابقة، والشبح المفترض للقوميين من غرب أوكرانيا المستعدين لسحق الشرق الذي يتحدث اللغة الروسية.
بيد أن تبادل الحديث بين العمدة الذي يشغل منصبه لفترة ولاية ثالثة، والذي يبدو أنيقا مرتديا بذلة جذابة ذات لون أزرق داكن، والمتحدث الذي يتحدث بنبرة حادة وحدد هويته بأنه «قائد» مجموعة غير معروفة سابقا تسمى «الجبهة الشرقية»، كشف عن حالة التشاحن والعصبية في هذه المدينة البالغ تعدادها نحو مليون شخص، فضلا عن المهمة الشاقة التي تواجه قادتها الذين يعرفون أن عليهم الاستمرار في صرف رواتب العمال والمعاشات والإمدادات، حتى لو شعروا أن قبضتهم على السلطة بدأت تتراخى.
وعلى مسافة مئات الأميال إلى الغرب، نجد المخاوف نفسها والقلق لدى أندري سادوفي، عمدة لفيف، مثلما هو الحال مع لوكيانشينكو. فكلاهما يشدد على إبقاء الأمور هادئة عندما يبدأ النظام السياسي بالتفتت، وازدادت مشاعر الكراهية تجاه الشرطة على نطاق واسع بعد مقتل 82 شخصا في كييف الأسبوع الماضي، حيث من الواضح أنهم قُتلوا على يد قناصة الشرطة.
ولكن في حال عقد مقارنة بين عمدة المدينتين، يبدو أن السياسي المستقل سادوفي، البالغ من العمر 45 عاما، الذي جرى انتخابه مرتين منذ عام 2006، لديه خيارات أفضل؛ فمن المؤكد أنه يستمتع بوقته ليشعر بدفء الشمس مع فريق إخباري صغير يتحدث اللغة الإنجليزية وينشر أخباره شبه اليومية على موقع «يوتيوب».
وعلى ما يبدو، ليس لدى سادوفي أي مشكلات لتحقيق الوحدة بين ضباط الشرطة (الذين ما زالوا في مناصبهم) والمتطوعين المدنيين لتشكيل قوة تضم 2000 شخص يقومون بالدوريات في الشوارع ليلا والتعامل مع حركة المرور. وقضى سادوفي وقتا للحداد على روح أحد المتظاهرين الـ13 متظاهر (على الأقل) من أهالي منطقة لفيف الذين قُتلوا في كييف، حيث وضع سادوفي ثلاث ورود حمراء على نعش شخص يبلغ من العمر 28 عاما كان يعمل أستاذا للتاريخ الأسبوع الماضي.
هذا الأسبوع، سارع سادوفي إلى الإعلان عن تاريخ اللغة الروسية في لفيف بعد إقرار البرلمان الأوكراني للقانون الذي تعرض لانتقاد شديد على نطاق واسع، وجرّد اللغة الروسية من صفتها الرسمية، مما أثار حفيظة الأشخاص الذين يتحدثون اللغة الروسية في أوكرانيا. وشرع سادوفي الذي يتحدث اللغة الروسية والأوكرانية وبعض الإنجليزية، والأب لأربعة أبناء، في توزيع كتب توضح تاريخ لفيف على مدار قرون من الزمان، في المدينة ذات الشوارع المرصوفة بالحصى وكنائس الحقبة الباروكية والقصور والقومية المتشددة.
ويعتز سادوفي بتعاون مدينته مع الجهات الأوروبية، كما يتطلع مثل كثيرين من سكان المدينة إلى تحقيق الرقي نفسه الذي تحظى به مدينة كراكوف في الوقت الحالي (الواقعة بدولة بولندا المجاورة)، مع تطبيق هذا النموذج في لفيف التي ما زال الشخص يشعر فيها، بالكاد، بآثار الحكم السوفياتي الذي استمر خمسة عقود من الزمان، بالنظر إلى أنقاض الواجهات الرائعة لهابسبيرغ، أو العمارات التي تبدو مثل الثكنات في ضواحي المدينة.
وعندما علم سادوفي ونظراؤه الأوكرانيون في المنطقة الغربية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) أن رئيسهم الهارب حاليا فيكتور يانوكوفيتش رفض إبرام اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، الذي ضخ الأموال في بولندا، التي أسهمت في نهضتها مجددا، اندلعت بينهم شرارة الثورة.
وبحلول نهاية شهر يناير (كانون الثاني)، أعلنوا مدينة لفيف منطقة مستقلة ذات سلطة مركزية «مدينة حرة لشعب حر»، وهو الشعار الموجود الآن على العلم الأوكراني في دار البلدية القديم.
ومع سفر يانوكوفيتش من أوكرانيا في عطلة الأسبوع الماضي، نجحت الثورة في الإطاحة بالشخص الذي يتهمه معظم الأشخاص (حتى في مسقط رأسه هنا، دونيتسك) بأنه قاتل وفاسد بشكل كبير للغاية. بيد أن رحيل يانوكوفيتش تسبب في حدوث فراغ في السلطة مع وصول القادة المتشاحنين في كييف إلى السلطة من خلال موجة ثورية عارمة وإقرار قوانين على عجل، فضلا عن اقتراب الاقتصاد (وفقا للتقارير الواردة) من السقوط في هاوية الإفلاس.
كانت سياسة «الكثير من التركيز على الاقتصاد، والتركيز القليل على السياسة» هي السياسة الوحيدة التي قدمها لوكيانشينكو في دونيتسك يوم الثلاثاء، بعد اجتماعه مع الشرطة. وعلى الرغم من طلبه من وسائل الإعلام بألا تصوره بمظهر قائد الجبهة الشرقية، قبل يوم، فإن العمدة ظهر في اجتماع ضم مئات من الرجال المقنعين والمسلحين بالهراوات. وكان معاون سابق ليانوكوفيتش، عمدة إقليم دونيتسك، أندري شيشاتسكي، قد ظهر في مقطع فيديو يدعو الجماهير إلى الاحتفال بالعيد الذي دخل في طي النسيان، وهو يوم الجيش السوفياتي، الذي يلقى مقاطعة في لفيف.
الاختلاف بين المدينتين لا يكمن في الحاضر فقط، بل في تاريخ الإقليمين أيضا. فإقليم لفيف (لفوف باللغة الروسية، ولمبورغ باللغة الألمانية) محل صراع منذ عدة قرون بين البولنديين وهابسبورغ، والقيصرية، والنازية والحكم السوفياتي قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وأوكرانيا، الدولة التي يصل عدد سكانها إلى 46 مليون نسمة، والتي نالت استقلالها في عام 1991. كان الاتحاد السوفياتي، في واقع الأمر، الفترة الفاصلة، مع المقاتلين القوميين السابقين الذين جرى القضاء عليهم فقط في حقبة الخمسينات.
في المقابل، تأسست دونيتسك، التي تبعد ساعة واحدة بالسيارة عن روسيا، عام 1869 فقط. ونشأ الإقليم تحت حكم القياصرة، وكان سكانه في الأغلب يتكونون من آلاف السجناء المفرج عنهم من سيبيريا، الذين جرى جلبهم للعمل في مناجم الفحم هنا.
بُنيت المدينة على الطراز السوفياتي، فلا يزال تمثال لينين الضخم حتى الآن نقطة تجمع للسكان المدخنين، معظمهم من كبار السن، الذين ينفسون عن غضبهم من «الفاشيين» من غرب أوكرانيا. فيما لا تزال الشوارع تحمل أسماء مثل «50 عاما من الاتحاد السوفياتي»، التي قد تعتبر آثارا، حتى في موسكو ذاتها.
لكن دونيتسك توفر نحو 25 في المائة من العملة الصعبة في أوكرانيا، بحسب لنيكولاي زاغوريوكو، زعيم محلي في حزب يانوكوفيتش؛ حزب الأقاليم. وقد عاشت هذه المدينة في السابق لحظة من التمرد قبل ذلك التمرد الأخير، عندما أضرب مئات الآلاف من عمال المناجم ونزلوا إلى الشوارع عامي 1989 و1990.
وتقول ناتاليا كوتشار (38 عاما)، التي تعمل في اتحاد التجارة المستقبل، التي كان والدها أحد قادة عمال المناجم: «كان عمال المناجم القوة الأضخم في ذلك الوقت التي تحرك البلاد».
كان الشخص الأكثر استفادة من الإضراب رينات أخماتوف الملياردير الذي اشترى فريق دونيتسك لكرة القدم، وقام ببناء استاد ضخم جرى اختياره ليستضيف المباراة النهائية في دوري أبطال أوروبا لكرة القدم عام 2012، الذي على عكس يانوكوفيتش، ظل محتفظا بمنصبه. وتقول المتحدثة باسمه إنه بالفعل رجل مشغول للغاية، لا يملك الوقت للقاء الصحافيين الأجانب، ونادرا ما يقوم بزيارة دونيتسك.
وقد أرسل أخماتوف يوم الأربعاء رسالة إلى موظفي شركته، نظام إدارة رأس المال، الذين يقال إن عددهم يبلغ 300 ألف عامل. وكتب أخماتوف، الذي بدا أنه ابتعد عن يانوكوفيتش في الأسابيع الأخيرة: «نحن، كلنا نحب أوكرانيا، ونحاول أن نؤسس دولة جديدة تسود فيها الديمقراطية والقانون، وحماية الملكية والمنافسة الحرة والرفاهية الاجتماعية»، ولذلك لا بد من إجراء إصلاحات موسعة، بحسب نسخة من رسالة حصلت عليها صحيفة «دونسكي نوفوستي».
ربما يكون كيفية تقديم هذه التغييرات أحد أسرار أخماتوف التي يحتفظ بها لنفسه. ولم يقدم لوكاشنكو، ولا الحاكم شيشاتسكي، أدلة كثيرة. وقد أعلن كلاهما ولاءه للبرلمان الذي لا يزال يعمل في كييف، وأعاد التأكيد على ضرورة الحفاظ على تماسك أوكرانيا.
وعلى الرغم من تقديم القنوات التلفزيونية المتنافسة في روسيا وأوكرانيا نسخة متباينة إلى حد بعيد للأحداث، فإن الانقسام يبدو غير متوقع. وتقول كوتشر إن أصهارها لا يفهمون فقط سوى الإذاعات الروسية، وإنها عندما تحاول هي وزوجها عرض وجهة نظرهما عن الأحداث «يقولون أشياء تثير فزعك». ونتيجة لذلك، قالت إنه على الرغم من الارتياح الذي شعرت به وزوجها مع سقوط يانوكوفيتش، فإنهما يبديان حذرا شديدا في إظهار تلك السعادة.
* خدمة «نيويورك تايمز»



«تهيمنان على برامج التصفح على الهواتف»... بريطانيا تحقق بشأن «أبل» و«غوغل»

شعار «غوغل» على هاتف محمول (أ.ف.ب)
شعار «غوغل» على هاتف محمول (أ.ف.ب)
TT

«تهيمنان على برامج التصفح على الهواتف»... بريطانيا تحقق بشأن «أبل» و«غوغل»

شعار «غوغل» على هاتف محمول (أ.ف.ب)
شعار «غوغل» على هاتف محمول (أ.ف.ب)

قالت هيئة المنافسة والأسواق في المملكة المتحدة، اليوم الجمعة، في تقرير إن شركتي «أبل» و«غوغل» لا توفران للمستهلكين خياراً حقيقياً لبرامج التصفح على الإنترنت للهواتف المحمولة، وأوصت بإحالتهما إلى تحقيقٍ بموجب القواعد الرقمية الجديدة في المملكة المتحدة، والتي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ العام المقبل.

ووجهت هيئة المنافسة والأسواق انتقادات لشركة «أبل»، قائلة إن تكتيكات الشركة المصنعة لهاتف آيفون تعيق الابتكار عن طريق منع المنافسين من منح المستخدمين ميزات جديدة مثل تحميل صفحات الإنترنت بشكل أسرع.

وأفاد تقرير الهيئة بأن شركة «أبل» تفعل ذلك من خلال تقييد تطبيقات الويب المتطورة، والتي لا يتطلب الأمر تنزيلها من تطبيق لمتجر التطبيقات، ولا تخضع لعمولات تطبيق متجر التطبيقات.

وقالت هيئة المنافسة والأسواق البريطانية إن «هذه التطبيقات غير قادرة على الانطلاق بشكل كامل على الأجهزة التي تعمل بنظام تشغيل (آي أو إس) الذي طورته شركة (أبل)»، وجاء ذلك في تقرير مؤقت للهيئة عن تحقيقها بشأن برامج تصفح الهواتف المحمولة، والذي شرعت فيه بعد أن خلصت دراسة أولية إلى أن شركتي «أبل» و«غوغل» لديهما سيطرة فعالة على «الأنظمة البيئية المحمولة».

وتوصل تقرير هيئة المنافسة والأسواق أيضاً إلى أن شركتي «أبل» و«غوغل» تتلاعبان بالخيارات المقدمة لمستخدمي الهواتف المحمولة؛ لجعل برامج التصفح الخاصة بهما هي «الخيار الأكثر وضوحاً أو سهولة».

وقالت الهيئة إن اتفاقاً لتقاسم الإيرادات بين شركتي التكنولوجيا الكبيرتين في الولايات المتحدة «يقلل بشكل كبير من حوافزهما المالية» للتنافس في مجال برامج تصفح الهواتف المحمولة على نظام التشغيل «آي أو إس» الذي تصنعه شركة «أبل» لأجهزة آيفون.

وقالت الشركتان إنهما «ستتعاونان بشكل بناء» مع هيئة المنافسة والأسواق.

وذكرت شركة «أبل» أنها لا توافق على نتائج تقرير الهيئة، وأعربت عن قلقها من أن تؤدي التوصيات إلى تقويض خصوصية وأمن المستخدم.

وأشارت شركة «غوغل» إلى أن انفتاح نظام تشغيل «آندرويد» للأجهزة المحمولة الخاص بها «ساعد في توسيع الاختيار وخفض الأسعار، وأتاح الوصول إلى الهواتف الذكية والتطبيقات»، وأنها «ملتزمة بالمنصات المفتوحة التي توفر الإمكانيات للمستهلكين».