مثقفون عرب: الغيطاني كتب تاريخًا موازيًا للتاريخ المصري الشعبي

«أوقن أن شرط الوجود الوعي وقد عشت ترحالي في دنياي أخشى من فقدي وعيي، وعندما راح لفترة مضطرا لدرء ألم ناجم لم أعرف، إذا انتقلت من مرئيات إلى عتمة، لا أعي أنها عتمة، فكيف يكون الحال مع التحول من طور إلى طور؟، هل سأهيم في كون أم أكوان؟» كانت تلك الكلمات آخر ما سطر الأديب جمال الغيطاني في خاتمة كتابه الأخير «حكايات هائمة» الصادر مؤخرا قبيل غيابه عن الوعي، ثم رحيله عن عالمنا صباح الأحد الماضي، تاركا فراغا كبيرا في الوسط الثقافي المصري والعربي.
هنا بعض ردود الأفعال:
قال وزير الثقافة المصري الكاتب حلمي النمنم، في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»: «وفاة الغيطاني خسارة كبيرة لأديب ومفكر وصحافي أثرى الحياة الثقافية بأعماله، استطاع إكمال مشروعه الأدبي وترك بصمة في عالم الأدب العربي فهو الصحافي والمراسل الحربي والروائي الحكاء، وسوف تقوم وزارة الثقافة ممثلة في الهيئة العامة للكتاب بإعادة إصدار سلسلة أعماله الكاملة التي كانت قد بدأت الوزارة في إصدارها مؤخرا احتفالا ببلوغه السبعين عاما، كما سيتم تنظيم حفل تأبيني كبير بالمجلس الأعلى للثقافة، في حضور أصدقائه وتلاميذه ومحبيه».
وعن ذكرياته مع الغيطاني وإصدار الأعمال الكاملة له، قال د. أحمد مجاهد، الرئيس الأسبق للهيئة العامة للكتاب: «بدأت معرفتي الأدبية بجمال الغيطاني بقراءة مذكرات (شاب عاش منذ ألف عام) وأنا في المرحلة الثانوية. أما معرفتي الشخصية به فبدأت عندما كنت رئيسا لهيئة قصور الثقافة وتمكنت من إقناعه بالعودة لرئاسة تحرير سلسلة الذخائر مرة أخرى، وذهبنا للقضاء معا، رئيس مجلس إدارة المؤسسة ورئيس تحرير السلسلة، بعد نشر ألف ليلة وليلة، وقد كان الرد منا هو إعادة نشر طبعة ثانية منها فور نفاد الطبعة الأولى، مضافا إليها صورة حيثيات الحكم بالبراءة في قضية سابقة رفعت على الكتاب نفسه. وعندما انتقلت إلى رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب، حرصت على أن يكون الغيطاني عضوا بمجلس إدارتها. وقد أفادت الهيئة من خبراته الواسعة في النشر العام وفي مكتبة الأسرة التي لم يبخل عليها بالاقتراحات».
أما الكاتب الصحافي طارق الطاهر، رئيس تحرير «أخبار الأدب» التي أسسها الغيطاني، فقال: «فقدنا قيمة أدبية وإنسانية كبيرة، فقد قدم لنا تاريخا موازيا للتاريخ المصري الشعبي الأكثر صدقا والأكثر قيمة، وهب نفسه للحفاظ على ذاكرة هذا الوطن، وكان دائما في (أخبار الأدب) ما يحثنا على ذلك، فكان خير حارس للذاكرة والتاريخ المصريين».
وكتب د. أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة: «الأستاذ الكبير جمال الغيطاني صاحب التجليات العظيمة والتدوينات الفلسفية الشفافة، تركتنا جسدا ولكن لن تتركنا أفكارك أبدا». وقال الفنان نبيل الحلفاوي: «رحل المراسل الحربي الذي أتحفنا بصياغة أدبية رفيعة لتخليد الأبطال.. شوارع القاهرة القديمة ومساجدها وجدرانها تفتقدك».
فيما قال المترجم والكاتب السوري المقيم بباريس بدر الدين عرودكي، عن الغيطاني: «سيبقى جمال الغيطاني علامة بارزة بين روائيي جيل ما بعد نجيب محفوظ. لم يكن سهلاً أن يترعرع كاتب شاب في ظل نجيب محفوظ، ومع ذلك فقد استطاع جمال الغيطاني أن يشق طريقه الخاص بصحبة المعلم الكبير وفي ظله».
أما الأديب منير عتيبة، عضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، فيقول: «قرأت الغيطاني وأنا طالب جامعي، هزتني (الزيني بركات)، وتأثرت بمذكرات (شاب عاش منذ ألف عام) فكتبت قصة بعنوان (مذكرات إنسان لم يحيا) ثم مزقتها. قابلته وأنا طالب في مكتبه بالأخبار، طلب من بركسام رمضان إجراء حوار معي كأني كاتب شاب فأجرت الحوار، لكنه لم ينشر في صفحة الأدب بـ(الأخبار) التي كان يشرف عليها الغيطاني، لكني فوجئت أنه نشر لي قصة كنت قد تركتها له في العدد الأول من جريدة (أخبار الأدب). ولن أنسى له ذلك أبدا فقد منحني ثقة كبيرة بنفسي بوصفي كاتبا». وقال الأديب الليبي أحمد فقيه: «كان حفيا بالثورة الليبية التي قامت ضد الطغيان ولبى دعوتي له للمشاركة في مناقشة كتاب حولها أصدره صديقنا عبد الرحمن شلقم في معرض القاهرة الدولي للكتاب في مطلع عام 2012، وتكلم عن صور البطولة والبسالة والتضحية التي تجلت في مقارعة الطغيان وإنجاز النصر من قبل أبناء ليبيا وشهداء ثورتها».
ونعاه أيضًا أعضاء ورشة الزيتون الأدبية في بيان لهم، وقالوا فيه: «جمال الغيطاني لم يكن يستدعي التاريخ، كنوع من الرمز أو التورية، ولكنه كان يرى التاريخ حلقات متضافرة ومتماسكة يكمل بعضها البعض».
وأفردت الصحف المصرية الصادرة أمس ما يتراوح بين صفحة وأربع صفحات، وبعضها خصص ملفات خاصة عن الغيطاني، من بينها جريدته «الأخبار»، وجريدة «القاهرة».
كما أبرزت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أمس خبر وفاته نقلا عن «أسوشييتد برس»، قال فيه المستعرب البريطاني المقيم بالقاهرة همفري ديفيز، مترجم روايات الغيطاني للإنجليزية: «لقد ابتكر أسلوبا فريدا ينتمي للواقعية السحرية لكن بطابع مصري، بجذور تجمع ما بين التاريخ والأدب العربي، متعمقا في عالم الصوفية والسحر، أعتقد أن صوتا أدبيا مميزا قد فقد».
ورغم الزخم الإعلامي حول انتخابات مجلس الشعب التي بدأت أولى مراحلها والتي غلبت على اهتمامات المواطنين المصريين فإن هاشتاغ اسم جمال الغيطاني تصدر موقع «تويتر»، وفيما انبرى عدد من الكوادر والقيادات المنتمية لجماعة «الإخوان المسلمين» في نعت الكاتب الكبير بـ«الكافر».
كما نعته عدة مؤسسات ثقافية وسياسية مصرية وعربية من بينها جائزة الشيخ زايد ورئاسة مجلس الوزراء المصري، وكل من وزارتي الخارجية والثقافة بمصر، واتحاد الكتاب المصريين، ونعاه المجلس الأعلى للثقافة، قائلا: «ذاكرة مصر التي نقل كنوزها الثقافية إلى العالم من خلال أدبه ومحاضراته العميقة».
وبدوره، فقد نعاه الاتحاد العام للأدباء والكتاب، وقال عنه: «لم يكن جمال الغيطاني قاصًا وروائيًا متميزًا فحسب، ولكنه كان فاعلاً ثقافيًا، فقد لعب دورًا مهمًا في التحريك والمشاركة في توجيه الثقافة العربية من خلال إنشائه ورئاسته لتحرير جريدة (أخبار الأدب) لسنوات كثيرة، وهي إحدى أهم المطبوعات الثقافية والأدبية العربية، وخاض من خلالها معارك ثقافية كثيرة داخليًّا وخارجيًّا».