«مركز بغداد».. الإرهاب والتحالف بين روسيا وإيران وإسرائيل

«داعش» ذريعة موسكو المثالية للتحرك

سحب الدخان تتصاعد من مواقع في الداخل السوري قصفتها المقاتلات الروسية (أ.ب)
سحب الدخان تتصاعد من مواقع في الداخل السوري قصفتها المقاتلات الروسية (أ.ب)
TT

«مركز بغداد».. الإرهاب والتحالف بين روسيا وإيران وإسرائيل

سحب الدخان تتصاعد من مواقع في الداخل السوري قصفتها المقاتلات الروسية (أ.ب)
سحب الدخان تتصاعد من مواقع في الداخل السوري قصفتها المقاتلات الروسية (أ.ب)

تمكّن الإرهاب من تفجير حربين كبيرتين على أفغانستان 2001 والعراق 2003 بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وأدى في نهاية المطاف إلى «هزيمة» أميركا وانسحابها من أفغانستان والعراق. وبعد تمدّد تنظيم داعش الإرهابي عام 2013، عملت نحو ستين دولة على بناء تحالف دولي بقيادة واشنطن ضد هذا التنظيم، بينما تحفظت روسيا وإيران وحزب الله اللبناني عن طبيعة هذا التحالف وطريقة اشتغاله وأهدافه.
يأتي هذا في وقت أدّت الحربان السابقتان ضد الإرهاب إلى ولادة جيل جديد من المقاتلين في كل من أفغانستان والعراق وسوريا، وازدياد عدد التنظيمات المُدرجة في قائمة الإرهاب حسب بعض الدراسات المتخصصة في الموضوع بنحو 300 في المائة ما بين سنة 2003 و2014م، وهو ما يعني أن الإرهاب يزداد بازدياد أسباب التوترات الدولية وشدة تصادم المصالح الاستراتيجية للدول الفاعلة دوليًا وإقليميًا، في الشرق الأوسط وأفريقيا. وإذا كان هذا العامل يجعل من التنظيمات الإرهابية عدوًا للاستقرار السياسي، وخطرًا محدقًا بالأمن القومي للدول الواقعة في مربع الصراع الدولي حول الثروة أو الموقع الجيو – استراتيجي، فإن الحركات الإرهابية ودورها أصبح محط استغلال وتصادم في المنتظم الدولي، وبالتالي أصبحت مكافحة الإرهاب من عوامل خلق التحالفات الدولية الجديدة، على المستويات الإقليمي والقاري والدولي.
أصبحت مكافحة الإرهاب – وبالأخص الإرهاب الذي «يُشرعِن» نفسه بادعاءات دينية – من عوامل خلق التحالفات الدولية الجديدة، على المستويات الإقليمي والقاري والدولي.
من هذا المنطلق يمكننا فهم التحرّكات الروسية الأخيرة، المتعلقة بتعزيز وجودها العسكري بمدينة اللاذقية السورية ونواحيها، أو تلك الهادفة إلى بناء تحالف دولي جديدة ضد الإرهاب، ينافس أو يعوض التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية والسعودية بقيادة الجنرال الأميركي جون آلن. فروسيا التي تعتبر دولة مؤثرة في المسرح الدولي، تبنّت استراتيجية الاندراج القوي في الصراع الدولي زمن الإرهاب. وهي تعي تراجع الهيمنة الأميركية، وما تواجهه هذه الأخيرة من صعوبات تحول دون تفردها بقيادة العالم. لذلك يتبنى الكرملين سياسة «ملء الفراغ» الذي تركه الانسحاب التدريجي لأميركا في الشرق الأوسط، وخصوصا في العراق. ثم إن روسيا تتعامل مع محاربة الإرهاب انطلاقًا من تصوّرها لطبيعة الصراعات وتباين مصالحها مع الدول الكبرى، وما رافق ذلك من تهميش للدور المركزي للأمم المتحدة في حفظ الأمن والاستقرار العالميين.
بدءًا من هذا الواقع الدولي، اختارت روسيا حلفاءها في الحرب على الإرهاب وطريقة الدفاع عنهم، وهي تدرك أن مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية لا بد لها من حماية فعلية في مناطق التوتر، فالتحرّكات التي حصلت أثناء الصراع الغربي الروسي على أوكرانيا أكدت أن العقل العسكري الروسي يمارس الحرب على الإرهاب بما يضمن عودة روسيا الاتحادية إلى المناطق الجيو - استراتيجية الدولية.
وبما أن زعم «محاربة الإرهاب» أصبح سياسة دولية متفقًا عليها، ومتنازَعًا حول آلية تنفيذها، أكدت الدبلوماسية الروسية أن إرسالها لتعزيزات عسكرية إلى إحدى القواعد الجوية الواقعة بمدينة اللاذقية السورية يأتي في سياق جهودها المبذولة لمواجهة تنظيم داعش.
لقد أفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأنه في أسبوع واحد وصلت 15 طائرة شحن روسية إلى اللاذقية محملة بمعدات وشخصيات عسكرية، بينما بدأت طائرات روسية من دون طيار «درون» مهامها الاستطلاعية فوق الأراضي السورية، منذ الأسبوع الأول من شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم، ووضعت القوات الروسية المتمركزة على الأرض في سوريا 28 طائرة مطاردة وطائرات هجوم على الأرض على مدرج للطائرات في محافظة اللاذقية، في الوقت الذي سُلمت للجيش السوري مقاتلات ميغ - 31، وهي من أفضل الطائرات الاعتراضية عالميًا. ومن جهة أخرى، نشرت القوات الروسية نظامها الدفاع الجوي الصاروخي إس - إيه 22 في اللاذقية.
يأتي هذا أمام تطوّر نوعي يتمثل في بدء تزويد جيش النظام لأول مرة بصور الأقمار الصناعية، الشيء الذي سينعكس سلبًا على جهود المعارضة المسلحة لإسقاط بشار الأسد. وكل هذا بمبرّر انخراط القوات العسكرية الروسية في محاربة «داعش» ودعم نظام الأسد ضد الجماعات الإرهابية.
الحقيقة أن الهدف الروسي من مجابهة التحالف الدولي الحالي ضد الإرهاب الذي يقوم بشنّ غارات جوية ضد مواقع تنظيم داعش هو خلق توازن جديد في المنطقة العربية، ولذلك اختارت روسيا إنشاء مركز عسكري في منطقة الشرق الأوسط. وباسم الانخراط الفعلي في مواجهة الإرهاب خطت روسيا خطوتين مهمتين: الأولى تمثّلت في تكوين آلية تبادل المعلومات والخبرة في مجال الإرهاب بين روسيا وإسرائيل، وجاءت بعد مشاورات على أعلى مستوى بين البلدين، تناولت التنسيق والتعاون في ما يخص تنامي الإرهاب في سوريا وعلى «حدود إسرائيل». أما الخطوة الثانية - التي لا تقل أهمية - فتتعلق بالإعلان عن «مركز» أمني - عسكري في بغداد لتبادل المعلومات بين كل من روسيا وإيران والعراق وسوريا، سيبدأ العمل به ابتداءً من الشهر الحالي أو الشهر المقبل.
وهكذا تكون روسيا قد استغلت الدور التخريبي الذي يلعبه «داعش» لتعزيز نفوذها الأمني والعسكري في «سوريا الأسد» و«عراق العبادي». وفي الوقت نفسه استغلت برودة العلاقات بين الرئيس الأميركي بارك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لبناء شراكة أمنية وعسكرية جديدة، ولعب دور الوسيط بين كل من تل أبيب وطهران. وبالتالي، خلق جسر وآلية جديدة وفعالة للتنسيق الأمني والعسكري بين كل من إسرائيل وإيران والعراق وسوريا في زمن ما بعد الاتفاق النووي الأميركي - الإيراني.
وهذا بدوره يعني أن التحالف الدولي ضد الإرهاب وفق الصيغة التي تطرحها روسيا في الشرق الأوسط يعني تعزيز نفوذ إسرائيل وحزب الله اللبناني في الخريطة الجديدة بالمنطقة. وهذا سيتأتى عبر حماية الكيان الصهيوني من داخل التراب اللبناني والسوري وتقسيم سوريا عمليًا لإنجاح أهداف التحالف الجديد. ويوازي ذلك حماية حزب الله من الهزيمة أمام المعارضة السورية، خصوصا السنّية، مع إعادة هيكلته ودعمه ليبقى الحليف المركزي «الممثل للبنان» داخل «مركز بغداد» الجديد.
لا يبدو أن التغيرات الدولية الحالية في منطقة الشرق الأوسط، ومن ضمنها «مركز بغداد» والتحالف الجديد الذي تتزعّمه روسيا، كفيلة بخلق الاستقرار بالمنطقة العربية، خصوصا أن محاربة التحالف الستيني لتنظيم داعش ظل رهين التجاذبات الإقليمية والدولية. وإن رمي روسيا «بثقلها» العسكري والأمني فوق الأراضي السورية والعراقية بتحالف مع إيران وحزب الله من شأنه تعقيد نوعية التناقضات القائمة بين طهران ودول الخليج في ما يخصّ الصراع حول مستقبل اليمن وجماعة الحوثي.
إن موسكو وطهران في حاجة إحداهما إلى الأخرى، فمن جانبها تسعى موسكو لتعزيز التعاون مع إيران من أجل ضمان الاستقرار في بحر قزوين، بما يعني منع مخطط الغاز عبر هذا البحر. وهذا لا يشكل خطرًا على احتكار روسيا إمدادات الغاز للأوروبيين فقط، بل يشكل تهديدًا استراتيجيا لها، خصوصا أن هناك تكثيفًا للتعاون بين الولايات المتحدة وأوروبا وبين بعض الجمهوريات السابقة في الاتحاد السوفياتي في ما يخص قضايا الأمن والطاقة، الشيء الذي تعتبره موسكو مسًّا بأمنها القومي.
ومن جهتها، تحرص الدول الأوروبية والولايات المتحدة على إنجاح الاتفاق النووي مع إيران، ما يجعلها في موقف ضعف أمام التحركات العسكرية لموسكو وطهران. كما أن المطامع الاقتصادية الغربية الخاصة بأسواق إيران تهدد باختزال الأزمة السورية في مجرّد معركة للحرب على الإرهاب، تقودها روسيا وإيران عسكريًا بتنسيق مع أميركا، في تلاعب واضح بالمصالح الاستراتيجية للدول العربية.

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».