جمال الغيطاني.. ما بين مرآتي التاريخ والواقع

رحل صاحب «الزيني بركات» و«التجليات»

جمال الغيطاني
جمال الغيطاني
TT

جمال الغيطاني.. ما بين مرآتي التاريخ والواقع

جمال الغيطاني
جمال الغيطاني

ما بين مرآتي الواقع والتاريخ ومحاولة خلق موازاة سردية بينهما، عاش الروائي المصري جمال الغيطاني حياته الأدبية التي ناهزت سبعين عامًا، وغيبه الموت أمس، بمستشفى الجلاء العسكري بالقاهرة إثر أزمة صحية حادة، توقف فيها القلب عن النبض.
تفتحت بواكير وعي الغيطاني بهذه المرآة منذ مولده في عام 1945 بقرية جهينة بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، في أحضان مشاهد ووقائع لا تزال شاخصة على جدران المعابد وضفاف النيل، تجسد عبقرية الحضارة المصرية القديمة في صناعة التاريخ والحياة، ومع انتقال أسرته للعيش بالقاهرة في حي الجمالية ذي الطابع الأثري الشعبي القديم، وهو الحي نفسه الذي عاش فيه نجيب محفوظ وكان مسرحًا للكثير من رواياته، اتسعت مساحة وعي الغيطاني بالمرآتين، وبدأ يتلمس طرائق للجدل والحوار بينهما. وبرأيي، أنه منذ تلك اللحظة بدأت تتشكل العتبة الأساس التي يدور في فلكها كل إبداع الغيطاني القصصي والروائي، كما انعكست في مرآتها دارساته ومقالاته وآفاق رؤيته الأدبية.. فالماضي لا يزال ماثلاً في الحاضر، والحاضر لا يزال مرتبكًا ومشتتًا يبحث عن ماض يتجسد فيه.
رفد هذا الوعي المبكر بجدل المرآتين نشأة الغيطاني، وتلقى تعليمه في حي شعبي عريق يعج بشتى أنواع المهن والحرف ذات الطابع التراثي، ونماذج من المعمار العريق، تتجلى في الأسبلة والمساجد والتكايا، وفي كنف في أسرة رقيقة الحال، حيث كان والده عاملاً بسيطًا في وزارة الزراعة. وبدراسته لفن تصميم السجاد الشرقي بمدرسة الفنون والصنائع، بدأت تنفك الكثير من العقد والفواصل السميكة لأزمنة هذا الوعي. وعقب تخرجه في سنة 1962 عمل رسامًا للسجاد بالمؤسسة المصرية العامة للتعاون الإنتاجي 1965، ثم مشرفًا على مصانع السجاد بمحافظة المنيا، كما عمل سكرتيرًا للجمعية التعاونية المصرية لصناع وفناني خان الخليلي.
وفي عام 1969 انتقل للعمل صحافيًا في دار «أخبار اليوم». وخاض تجربة مهمة في حياته، بعدها أصبح مستشارًا ثقافيًا للدار ومشرفًا على سلسلة «كتاب اليوم»، ثم أسس جريدة «أخبار الأدب» الأسبوعية، وتولى رئاستها لسنوات كثيرة، لعبت خلالها دورًا مهمًا في شد هموم الكتاب والشعراء والمبدعين إلى فضاء الكتابة الجديدة، كما شكلت نافذة حية للحوار، وطرح الرؤى النقدية المتنوعة، وفتح جسور للتعرف على ثقافة العالم، من خلال ملفات متخصصة.
تنوع الخبرات، ما بين النشأة في حي شعبي أثري، ودراسة فن السجاد بإيقاعه الشرقي، والعمل بالصحافة، وصداقته الكبيرة لنجيب محفوظ، جعل الغيطاني لا يكتفي بتجسيد جدل هاتين المرآتين في أعماله، على شكل المماثلة والانعكاس التقليدي العابر، وإنما بمحاولة إيجاد لغة سردية حية مفتوحة على البدايات والنهايات، تبدو وكأنها منحوتة من طبقات التاريخ، وفي الوقت نفسه، تحاكي شكل الوثائق والوقائع التاريخية، بكل صراعاته ووقائعها التاريخية القديمة، حتى تحس كأنها ليست غريبة عن الواقع الراهن. لذلك لا يحضر التاريخ في أعمال الغيطاني، كمجرد شكل وغطاء خارجي، وإنما كطاقة حية ممتدة في الزمان والمكان، مضفورة بجدل الذاكرة والحلم، كمقومين إنسانيين وفنيين معًا، أو جدل الأصالة والمعاصرة، كما يسميه الناقد الأدبي الشهير الدكتور جابر عصفور في مقالة له عنه، نشرت حديثًا بصحيفة الأهرام المصرية.
يرى الدكتور عصفور أن الغيطاني كان يمضي في الطريق الذي استهله نجيب محفوظ في «أولاد حارتنا»، معارضًا السرديات الرمزية في التراث الفلسفي، مشيرًا إلى أن «الغيطاني عثر على المادة الخام لأسلوب إبداعه الأصيل في السرديات التاريخية للعصر المملوكي، وهو العصر الذي تفتحت عينا الغيطاني على آثاره من مساجد وقصور وأسبلة وطرقات وبوابات ومنازل، وشدته لغة مؤرخيه شابًا، فحاول أن يخلق منها صياغات لغوية جديدة، أشبه بمرايا سحرية تعكس صورًا للماضي المملوكي والحاضر الناصري الساداتي في الوقت نفسه»، لافتًا إلى أن بداية ذلك الطريق كانت في مجموعة الغيطاني القصصية «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» التي صدرت سنة 1969، فأصبحت علامة وبداية في آنٍ، بداية لتيار جديد في الكتابة اكتملت ملامحه مع «الزيني بركات» سنة 1974، و«وقائع حارة الزعفراني» 1976، و«خطط الغيطاني» 1980، و«إتحاف الزمان بحكاية جلبي السلطان - عام 1985».
ويخلص الدكتور عصفور قائلاً: «لا أرى غرابة في أن أرد بعض دوافع الغيطاني في البحث عن هوية إبداعية تحقق صبغة الأصالة المعاصرة، إلى قراءة (السائرون نيامًا) لسعد مكاوي 1963 التي أسهمت في فتح أفق العالم المملوكي في موازياته الرمزية وإمكانات استلهاماته السردية، لكن الغيطاني لم يكن يريد ذلك وحده، كما قلت من قبل، وإنما كان أكثر طموحًا، فقد كان يريد من موضوعه الذي يحكيه أن يكون ذاتًا تحكي في الوقت نفسه، وتحويل السرد المملوكي إلى سارد يتقمص الزمن المملوكي وينطق بصوته، محاكيًا لغة وأسلوب أهم مؤرخيه، وذلك في تركيب إبداعي جديد، يغدو فيه الماضي موازيًا للحاضر ومرآة له، والحاضر إرهاصًا بالمستقبل».
وبوعي المسافة بين المرآتين الواقع والتاريخ، نبش جمال الغيطاني في شتى أنواع السرديات، مشحونًا بطاقة لا تحد من التجريب، على المستويات الواقعية والطبيعة والصوفية والغرائبية، وغيرها من مجالات الإبداع الروائي والقصصي التي تجسدت في باقة خصبة من الأعمال تربو على نحو 50 عملاً أدبيًا، استشرف فيها الموروث الإنساني في كل طبقاته الحضارية، وأفاد منه في تنويع آفاق تجربته في الكتابة.. برز هذا النبش والتنوع على نحو لافت منذ روايته «الزيني بركات»، 1974، التي تعد من الروايات البارزة في الروايات العربية التي عالجت ظاهرة القمع والخوف، وعرت أسبابها وحبائلها السرية المرعبة.
فتحت وطأة الواقع الراهن يستعيد الغيطاني تاريخ ابن إياس في «بدائع الزهور»، مجسدًا شخصية سردية موازية لشخصية كبير البصاصين الشهاب الأعظم زكريا بن راضي ووالي الحسبة الزيني بركات في العصر المملوكي الذي يفضح، خلال فصول الرواية، وسائله في تعذيب الفلاحين والتجار ليحصل منهم على المال، بالإرغام والإكراه والإقرار بجرائم لم يرتكبوها، بل إنه كان يتلذذ بذلك أمام عينيه.
وفي «التجليات» مزج في بردة صوفية بين الحضور الحلم لصورة الأب، وبين أب روحي آخر، تجسد في شخصية الزعيم جمال عبد الناصر، يحاور الاثنين بلغة سردية مشربة بروح التاريخ والحاضر معًا، كما تنوعت هذه اللغة ما بين المشهدية الواقعية في إيقاعها اليومي، ومحاولة استعادة روح الماضي والبطولة الإنسانية في مجموعته القصصية «أرض.. أرض»، التي استفاد منها من تقاريره الصحافية التي كان يكتبها ويطالعها حين عمل مراسلاً حربيًا، وكذلك في رواية الرفاعي»، التي نسجها من كلمات للشهيد إبراهيم الرفاعي الذي استشهد وهو يقود جنوده في حرب الاستنزاف.
وتمثل رواية «وقائع حارة الزعفراني» ذروة روح التجريب الفني في أعمال الغيطاني، من خلال حدث مروع هو (وباء الزعفراني) الذي يهدد حياة سكان حارة شعبية في مقتل، فكل سكان الحارة يفقدون قدرتهم الجنسية عدا شخص واحد غير معروف. وتنفتح الرواية على الحدث ببناء سردي شيق لا يدغدغ حواس القارئ، بحبكة تقليدية، وإنما عبر مسافة مركبة من البحث والتقصي، وإثارة الأسئلة، من خلال معاناة الشخوص، وفي علاقات وسياقات سردية مفعمة بالتجريب والتجديد، يبدو فيها الظاهر غلافًا وكاشفًا للباطن، كما يبدو العقل غلافًا للاعقل في الوقت نفسه.
يقول الغيطاني في «وقائع حارة الزعفراني»، والرواية كلها مجموعة ملفات وتقارير: «استفدت من تجربة ابن إياس اللغوية على الرغم أن الموضوع ليس تاريخيًا، كان ابن إياس يكتب أفظع الحوادث بالهدوء نفسه الذي يكتب به أبسط الحوادث، كان يوجد مسافة موضوعية بينه وبين الحدث، في الزعفراني كنت أعبر عن الأحداث بروح محايدة لأنني أحاول أن أستكشف الشخصي في العام، والماضي في الحاضر، والعكس أيضًا».
شيع جثمان الكاتب الراحل جمال الغيطاني، أمس، بمقابر «أوتوستراد» على الطريق الدائري بالقاهرة، بعد صلاة الجنازة بمسجد السيدة نفيسة. ونعته الأوساط الأدبية في مصر والعالم العربي، ووصفت رحيله بالخسارة الأليمة.
وترجمت الكثير من الأعمال الأدبية للكاتب الراحل إلى «الفرنسية، والسويدية، والإنجليزية، والهولندية، والألمانية، والإيطالية). كما كتب كثيرون من كبار الكتاب العرب والأجانب عن أعماله. وأعد كثير من الأطروحات الجامعية عن أعماله داخل وخارج الوطن العربي، والجامعات الأوروبية. وشارك في عشرات الندوات والمؤتمرات الدولية في العالم العربي وأوروبا وأميركا اللاتينية.
ونال جمال الغيطاني عددًا من الجوائز والأوسمة، منها: جائزتا الدولة التشجيعية والتقديرية في الرواية، ووسام الاستحقاق الفرنسي من طبقة فارس، وجائزة الصداقة العربية - الفرنسية عن رواية «رسالة البصائر في المصائر»، وجائزة مؤسسة العويس في الآداب. كما نال هذا العام «جائزة النيل في الآداب» وهي كبري جوائز الدولة في مصر.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».