وكيل عقاري يقدم نصائحه: كيف تبيع منزلك من دون وسيط؟

تستطيع توفير «العمولة».. لكن الأمر يتطلب جهدًا وحذرًا

بعض الناس يرون أن الوكيل العقاري لا يستحق 6 في المائة من قيمة منازلهم أثناء البيع
بعض الناس يرون أن الوكيل العقاري لا يستحق 6 في المائة من قيمة منازلهم أثناء البيع
TT

وكيل عقاري يقدم نصائحه: كيف تبيع منزلك من دون وسيط؟

بعض الناس يرون أن الوكيل العقاري لا يستحق 6 في المائة من قيمة منازلهم أثناء البيع
بعض الناس يرون أن الوكيل العقاري لا يستحق 6 في المائة من قيمة منازلهم أثناء البيع

أحمل رخصة وكيل عقاري في منطقة فيرجينيا الأميركية، لكنني في المقام الأول مستثمر عقاري أطرح - شأني شأن بقية المستثمرين الآخرين - السؤال الحيوي: هل يستحق الوكيل العقاري حقًا 6 في المائة من قيمة منزلي؟ بعض الناس قرروا أن يجيبوا عن هذا السؤال بالنفي القاطع.
لو قررت أن تبيع منزلك بنفسك فسأخبرك بأنك تستطيع بالقطع، وهنا بعض النصائح لكي تبدأ المهمة.
الأنباء السارة هنا هي أن الكثير من الأدوات تتوافر لمساعدتك في هذا الصدد، فقد ظهرت خلال السنوات العشر الماضية الكثير من مواقع الإنترنت والخدمات التي تمكن الملاك من عرض منازلهم للبيع، وهذا أمر طيب للبائعين بوجه عام.
لكن المشكلة تكمن في وجود الكثير من هذه المواقع، بما يصعب معه الاختيار في ما بينها، كما أن إدراج منزلك على أكثر من موقع واحد قد يكون مكلفًا؛ لذا حاول أن تجد موقعًا يحوي الكثير من القوائم المحلية. وتتقاضى معظم هذه المواقع بضع مئات من الدولارات لإنشاء قائمة واحدة، لكنها تحتوي أيضًا على معلومات جيدة، وتعد مكانًا رائعًا لتبدأ منه رحلتك المعرفية.
وقبل أن تبدأ مراجعة مواقع الإنترنت والموارد الأخرى المتاحة، تأكد من أنك تعي جيدًا ما أنت مقبل عليه. ثق أنك تستطيع بيع منزلك من دون وكيل، وتوفير العمولة، لكن فلتعِ أيضًا أن الأمر يتطلب عملاً دؤوبًا، ويمكن أن يخلف إحباطًا شديدًا.
إذا كنت تريد الحصول على أعلى سعر لمنزلك فعليك أن تبذل الجهد المطلوب. إن الوكيل الجيد للمنزل يصنع فارقًا كبيرًا، ولقد سبق أن طالعت منازل كثيرة، وتساءلت: لماذا لا يباع هذا المنزل؟ إن سعره مناسب ومعروض على نحو طيب، لكنه راكد في السوق بينما يتم التعاقد على شراء المنازل المحيطة.
وعندما أقوم بالاتصال بالوكيل، يصبح السبب واضحًا أمامي. إن الوكيل الكسول يمكن أن يقضي على أي صفقة، فإذا لم يكن الوكيل متاحًا بسهولة، وسريع الاستجابة، وقادرًا على استيعاب العملاء، وملمًا بالمعرفة اللازمة، فإنه قد يتسبب حقًا في كساد الملكية العقارية. إن قليلين هم من يمتلكون منزلاً متفردًا، فإذا لم تتوافر للمشترين المعلومات وإمكانية التواصل كلما رغبوا في ذلك، فسوف ينتقلون إلى المنزل التالي بكل بساطة.. إنك الآن وكيل منزلك، فكن وكيلاً بارعًا.
أيضا يدرك الوكلاء العقاريون أن القوائم المدرجة على مواقع عرض الملاك منازلهم للبيع تعد مكانًا مناسبًا للبحث عن عملاء جدد. إن كثيرين يحاولون بيع منازلهم من دون وكيل ولا يدركون النجاح. وبعد شهور من المحاولات الحثيثة، ينتهي بهم المطاف إلى الاستعانة بوكيل عقاري.
وتتطلب كل صفقة عقارية التحلي بالمرونة، لكن الكثيرين يخشون من التعرض لضغوط من أجل إبرام الصفقة، فيلجأون إلى التشبث بمواقفهم ليفتقدوا تمامًا المرونة المطلوبة، أو يعتقدون أن منزلهم مميز جدًا بما يجعل من جولة المشتري فيه امتيازًا يشرفه. إذا كنت تريد أن تبيع منزلك بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة 20 في المائة فامض قدمًا واطلب أن تجري الصفقة حسب جدول مواعيدك. لكن لو أردت الحصول على أعلى سعر ممكن فعليك أن تستقبل كل مشترٍ محتمل في بيتك؛ لأنك إذا طلبت من مشترٍ محتمل أن يعود في الغد، فربما لن يعود مطلقًا.
ويتعلق بيع المنازل بالأحاسيس في المقام الأول. فالمشترون يتطلعون إلى المنزل وكل ما يرتبط به، وتباع المنازل وتشترى بناء على المشاعر أكثر من أي عامل آخر سواء كان ماليًا أو إنشائيًا. والأسواق زاخرة بالمنازل المتماثلة في السعر ووسائل الراحة، لذا أنت بحاجة إلى شخص ما «يقع في غرام منزلك»، فإذا كنت فظًا كثير المطالب بصفة عامة، فإن ذلك سيسهم في تشكيل مشاعر المشتري المحتمل إزاء الصفقة برمتها.
لو نجحت في اجتياز هذا التقييم الذاتي فستكون خطوتك التالية هي التعلم. كثيرون يظنون أن بيع منزلهم من دون وكيل أمر بسيط لا يتعدى الإعلان عنه، والانتظار حتى تنهال عليهم العروض. لكن الأمر لا يشبه بيع سيارتك أو أي سلعة أخرى، لأن إبرام صفقة عقارية يتطلب إنجاز أمور شتى.
لذلك، أوصيك بأن تتواصل مع محام عقاري قبل حتى أن تدرج منزلك في إحدى القوائم الإعلانية. ويمكن للمحامي العقاري أن يكون مصدرًا عظيمًا للمعلومات والأسماء ويساعدك على إبرام الصفقة، كما أن أجور هؤلاء المحامين قد تكون «في المتناول» على نحو يدعو للدهشة، لا سيما إذا استعنت بهم في إنهاء الصفقة.
لكن أكبر خطأ يقع فيه الملاك الذين يبيعون منازلهم من دون وكيل هو بخس سعر عقارهم أو المبالغة في تقييمه. وهناك بعض الطرق الجنونية التي تستخدم لتسعير منزل ما. على سبيل المثال يكتفي كثيرون بالنظر إلى السعر الذي باع به الجيران منزلهم. بينما يحسب آخرون سعر الشراء ويضيفون إليه التكاليف التي تحملوها منذ ذلك الوقت ليصلوا إلى رقم محدد، كما يميل الناس أيضًا إلى إضافة احتياجاتهم وارتباطاتهم الشخصية إلى سعر البيع.
بالطبع يصعب عليك أن تنظر إلى منزلك على أنه مجرد بناء فحسب بعدما تكون قد صنعت الكثير من ذكرياتك بين جدرانه، لكن الوسيلة الصحيحة لتسعير منزلك تقوم على أساس صفقات البيع الحديثة الصالحة للمقارنة. لكن التحليل السوقي ينطوي على الكثير من التفاصيل التي يصعب شرحها هنا، لذا احرص على إجراء بحث محدد في هذا الموضوع.
ومن المهم أيضًا أن «تجهز منزلك للسوق»، وعليك فحسب التحلي بالحذر في هذا الأمر، حيث لا تعود معظم التجديدات الكبرى في المنازل إلا بنحو 50 إلى 60 في المائة من تكلفتها. وبالأحرى، عليك أن تفحص منزلك جيدًا وتنجز جميع أعمال الصيانة اللازمة، وشراء سجاد جديد ودهان المنزل ربما يمثلان فكرتين طيبتين.
يقضي الوكلاء العقاريون أوقاتًا طويلة في التجول داخل المنازل بصحبة المشترين، ويكتسبون حساسية خاصة إزاء السمات التي تساعد على بيع المنازل. لذا سيتعين عليك أن تقوم بواجبك؛ التخلص من الأغراض الزائدة عن اللزوم والترتيب الجيد والبسيط للمنزل يمثلان عادة خطة ناجحة في هذا الصدد. كما أنني أحب أيضًا استخدام معطرات الجو لبث تلك الأجواء الطيبة في المنزل. ويحتاج منزلك إلى أن يكون في أجمل صورة ممكنة مع إشاعة إحساس بالترحاب، لكن المبالغة في التحسين والتحديث سوف تضر بالسعر النهائي الذي تنتهي إليه صفقتك.
والآن أصبحت جاهزًا للبدء في الإعلان عن منزلك. نأمل أنك قد طالعت الكثير من مواقع عرض المنازل للبيع خلال فترة التعلم، فقد حان الوقت لكي تختار واحدًا أو اثنين منها وتستخدمهما. اشتر حزمة وأعلن عن منزلك في أكبر عدد ممكن من الأماكن. بوسعك الآن أن تحافظ بسهولة ويسر على ميزانيتك الإعلانية دون 1000 دولار.. وتأكد من اتساق إعلاناتك، لكن ذلك يتطلب بعض الحنكة.
والآن بعدما أصبح منزلك جاهزًا ومدرجًا على قوائم الإعلانات، فينبغي أن تضع خطة لاستقبال المشترين المحتملين. إذا كنت لا تستطيع عرض منزلك إلا في عطلات نهاية الأسبوع وبين السادسة والتاسعة مساء فقط، فسوف يفوتك الكثير من المشترين المحتملين وربما ينخفض سعر البيع.
كما يتعين عليك أن تراجع خلفيات المشترين، على الأقل تأكد أن لديهم موافقة مسبقة للحصول على قرض من بنك، أو وسيط رهون عقارية محترما، قبل أن تشرع في الدخول في مفاوضات جادة. كن مستعدًا للتعامل مع المشترين غير الجادين أو مضيعي الوقت؛ ولسوف يدهشك عدد الأشخاص الذين سيحددون موعدًا ثم لا يحضرون قط.
من المهم أن تعد خطة للتفاوض والتعاطي مع العروض، فبعض المتعاملين مع مواقع بيع المنازل لا يبلغون في تحضيراتهم هذه المرحلة. ولو جاءك مشترٍ راغب في إتمام الصفقة وقادر عليها، فعليك أن تنجز الأمر في أسرع وقت ممكن. وكما قلت سلفًا، أوصي بأن تحدد محاميًا عقاريًا بشكل مسبق، لأنه لا وقت لمطالعة الصفحات الإعلانية بحثًا عن أحدهم كي يكتب أو يراجع العرض المقدم إليك.. وتحتاج أيضًا إلى أن تتأكد من أن عقد البيع مستوف للصيغ والبنود القانونية اللازمة.
حسنًا، الآن أصبح لديك عقد. لكن لا ينبغي أن تكتفي بالجلوس والاسترخاء انتظارًا للشيك الموعود، فالآن هو وقت إدارة ذلك العقد. كثيرون يعتقدون أن العقد هو بمثابة قيد سحري شديد لا يمكن كسره ويجبر الإنسان على الإذعان، وإلا صعقته قوى جبارة، لكن في واقع الأمر فإن العقد ملزم للطرفين، وكلاهما منوط به تنفيذ بعض المهام؛ ويكون البائع عادة هو «الخاسر الأكبر» في حال الفشل في إتمامها، كما يكون البائع في الغالب ملزمًا بأداء قائمة من المهام خلال فترة زمنية محددة، ومن شأن الجهل بتلك المهام والعجز عن إنجازها أن يفشل الصفقة برمتها.
أنا أعرف ما يدور في ذهنك الآن - إذا خرق المشتري العقد، فسوف أقاضيه فحسب. حسنا، أتمنى لك حظًا سعيدًا في ذلك. إنني أؤكد لكم أن نظامنا القضائي لا يعمل في مصلحة الأميركيين من أبناء الطبقة الوسطى. إن لدينا وظائف بدوام كامل ومشاغل حياتية كثيرة، ونفتقر لعشرات الألوف من الدولارات التي ينبغي أن ندفعها لمحام كي يمضي في رفع الدعوى القضائية. كما أن فرص انتصارك لا تتجاوز في أفضل تقدير 50 في المائة، وحتى لو جاء الحكم في صالحك، فإن الحصول على ذلك المال ربما يماثل احتياجات وظيفة أخرى بدوام كامل.
لذا عليك أن تحصل على مقدم جدية لا يقل عن 1 في المائة من السعر الوارد في العقد، وتودع المبلغ في حساب محاميك أو حساب شركة ضمان عقاري. فإذا خالف المشتري العقد من دون وجه حق يكون بوسعك على الأقل الاحتفاظ بمبلغ الضمان كتعويض عن الوقت الذي أهدرته في السوق. كما يضمن لك هذا المقدم جدية والتزام المشتري بالصفقة.
بعد ذلك، سوف يجد مراجع المنزل بعض المشاكل، فكيف عساك أن تتعامل مع هذا الموقف؟ إنها مرحلة دقيقة في الصفقة المبرمة، إذ تكونان قد انتهيتما توًا من الشجار حول السعر، والآن يريد المشتري أن يصلح بعض الأمور الصغيرة والكبيرة.. كثيرون يأخذون ذلك على محمل شخصي؛ لكن لا تفعل ذلك.
وعند هذه المرحلة، انتبه جيدًا لصياغة بنود مراجعة المنزل في عقدك، إذ تكون أمام البائع مدة محددة للرد على تقرير المراجعة والتفتيش، وإلا أمكن للمشتري أن يفلت دون تحمل أي عقوبات. وربما ينص العقد أيضًا على أن يدفع البائع مبلغًا محددًا مقابل الإصلاحات. كن مستعدًا سلفًا لتقديم بعض التنازلات، وضع نفسك مكان المشتري. وتذكر أن الرفض والبدء من جديد سوف يكلفانك الوقت والمال، والمشتري الجديد سوف يقدم على الأرجح قائمة إصلاحات مشابهة.
وهكذا إذا نجحت في معالجة كل هذه الأمور، فإنك أخيرًا ستجلس إلى مائدة إنهاء الصفقة، التي لن تكون في حكم المنتهية إلا إذا دخل المال حسابك البنكي. قائمة الأمور التي تطرأ في هذه المرحلة طويلة ومتعددة ولا يسعني ذكرها بالكامل هنا، لذا مرة أخرى استعن بمحام عقاري ماهر من البداية.
وتذكر أن معظم الناس الذين يطالعون مواقع بيع الملاك لمنازلهم يتوقعون الحصول على خصم في سعر المنزل. إنهم يعرفون أنك لن تدفع عمولة لوكيل عقاري، وهو الأمر الذي يتطلب منهم بذل مزيد من الجهد وتحمل بعض المخاطرة. وسوف يفصح كثيرون منهم عن ذلك صراحة؛ وتمثل هذه عقبة لا يسهل تجاوزها.
في العادة يقل سعر المنازل التي تباع من دون وكيل عقاري عن مثيلاتها، ويصعب على أي طرف أن ينكر أن خصمًا ما يقدم. لكن إلمامك بالأمور المتعلقة ببيع المنازل وجاهزيتك ودأبك سوف تساعدك على جسر هذه الفجوة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»