مقتل متظاهرين خلال اشتباكات بين أنصار «الإخوان» وقوات الأمن المصرية

مصرع شرطي مكلف بتأمين قاضي مرسي برصاص مجهولين في الدلتا

ارشيفية
ارشيفية
TT

مقتل متظاهرين خلال اشتباكات بين أنصار «الإخوان» وقوات الأمن المصرية

ارشيفية
ارشيفية

قتل شرطي مكلف بحراسة قاضي محاكمة الرئيس المصري السابق محمد مرسي في قضية قتل متظاهرين أمام القصر الرئاسي، أمس (الجمعة)، في وقت دفعت فيه جماعة الإخوان المسلمين بأنصارها إلى الشارع، في مسعى لاستثمار إضرابات عمالية وفئوية، وإرباك حكومة إبراهيم محلب رئيس الوزراء المكلف، مما تسبب في مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، مما أدى لمقتل متظاهرين اثنين.
وأعلنت وزارة الداخلية عن مقتل رقيب شرطة يدعى عبد الله متولي بمحافظة الدقهلية صباح أمس (الجمعة). وقالت الوزارة في بيان رسمي إن رقيب الشرطة كان مكلفا بحراسة منزل حسين قنديل قاضي اليمين في محاكمة مرسي في قضية مقتل متظاهرين أمام القصر الرئاسي، المعروفة إعلاميا بـ«قضية الاتحادية».
وقال مسؤول أمني في محافظة الدقهلية لـ«الشرق الأوسط» إن مجهولين كانا يستقلان دراجة نارية اعترضا طريق الرقيب متولي (42 عاما) خلال عودته من خدمته، وكشفت المعاينة المبدئية عن إصابته بثلاث طلقات من الخلف، مما تسبب في وفاته في الحال، مشيرا إلى أنه لا يزال من غير المعروف إذا ما كان استهدافه جاء على خلفية خدمته في حراسة قاضي مرسي أم لا، لافتا إلى أن التحقيقات تجري حاليا على قدم وساق.
وقتل خلال الأسابيع الماضية ضباط وجنود شرطة في عدة محافظات مصرية، بسلاح مجهولين.
وفي غضون ذلك، قتل متظاهران اثنان في القاهرة والإسكندرية خلال مواجهات دامية بين الشرطة والمحتجين. وتظاهر آلاف من أنصار جماعة الإخوان في عدة مدن مصرية، أمس، تحت شعار «لن يحكمنا الفسدة»، في أول تحرك ضد الحكومة الجديدة التي يترأسها محلب، وهو عضو المجلس الأعلى للسياسات في الحزب الوطني المنحل، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي أطاحت به ثورة 25 يناير قبل ثلاثة أعوام.
وتأتي المظاهرات الإخوانية عقب سلسلة من الإضرابات العمالية والفئوية خلال الأسبوعين الماضيين عجلت، على ما يبدو، إعلان استقالة حكومة الدكتور حازم الببلاوي.
وشهدت ضاحية عين شمس (شرق القاهرة) مواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن، وقال مصدر أمني إن الشرطة فرقت مظاهرات خرجت من دون الحصول على إذن مسبق من السلطات، مشيرا إلى أن القوات تلتزم بالقانون خلال التعامل مع تلك الفعاليات.
وقال أيمن محمد وهو شاهد عيان لـ«الشرق الأوسط» إن قوات الأمن استخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع وطلقات حية لفض مظاهرة لأنصار (الإخوان) في عين شمس، مما تسبب في مقتل طفل، وإصابة العشرات. وشهدت منطقة السيوف (شرق الإسكندرية) اشتباكات عنيفة بين أنصار «الإخوان» وقوات الأمن، مما تسبب في مقتل شخص واحد على الأقل بطلق ناري في الرقبة بحسب مصدر طبي.
ويتظاهر أنصار «الإخوان» بشكل شبه يومي منذ عزل مرسي في يوليو (تموز) الماضي. وتتحول هذه المظاهرات في الغالب إلى مواجهات مع قوات الأمن، مما تسبب في مقتل المئات.
وأصدرت محكمة مصرية، الأسبوع الماضي، حكما يؤيد قرار حكومي صدر نهاية العام الماضي بعدّ جماعة الإخوان المسلمين «تنظيما إرهابيا»، في خطوة هي الأولى في تاريخ الجماعة التي عملت منذ خمسينات القرن الماضي كتنظيم محظور. ويشكو نشطاء حقوقيون وأنصار جماعة الإخوان مما يقولون إنه «استخدام مفرط للقوة» ضد المظاهرات التي تنظمها الجماعة، وتعرض أنصارها لـ«تعذيب» داخل مراكز الاحتجاز، ودخل على خط تلك الاتهامات، أمس، أربعة أحزاب مدنية، أبرزها حزب الدستور الذي يتزعمه الدكتور محمد البرادعي، والحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي ينتمي له رئيس الحكومة المستقيل.
وطالبت الأحزاب الأربعة في بيان لها، أمس، باختيار وزير آخر للداخلية خلفا للواء محمد إبراهيم الذي أعيد تكليفه في حكومة محلب، كما طالبوا بإعادة هيكلة وزارة الداخلية. وقال البيان إن «الإرهاب يتصاعد ويتسع ليستهدف المواطنين ورجال الشرطة ومؤسسات الدولة والسياحة في كل مكان، اتساع قد كشف عن عجز حقيقي للأجهزة الأمنية للتصدي لهذا التحدي المتزايد».
وأضاف البيان أن «شهادات التعذيب من السجناء السياسيين وشباب الثورة وحتى الجنائيين أصبحت أخبارا يومية يطالعها المصريون»، محذرة من فقدان وزارة الداخلية لثقة المواطنين فيها (الشرطة) وفي الدولة المصرية في لحظة تحتاج فيها الدولة المصرية دعم المجتمع. وفي غضون ذلك، طالب يونس مخيون رئيس حزب النور (السلفي) بسرعة التحقيق في مقتل أحد أعضاء الحزب في كمين للشرطة شمال القاهرة، وإظهار نتائج التحقيقات. وقال مخيون في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه إن الحزب يريد إظهار حقيقة ما حدث، لأن مثل هذه الأعمال تؤدي إلى مزيد من الاحتقان بين الأمن والشعب في وقت لا تتحمل فيه البلاد ذلك.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.