الإعلام الروسي يقود حملة منظمة لدعم بوتين في حرب سوريا

صوته يعلو أصوات القصف والغارات الجوية

نشرات الأخبار تستهدف بشكل عام الرأي الروسي ({الشرق الأوسط})
نشرات الأخبار تستهدف بشكل عام الرأي الروسي ({الشرق الأوسط})
TT

الإعلام الروسي يقود حملة منظمة لدعم بوتين في حرب سوريا

نشرات الأخبار تستهدف بشكل عام الرأي الروسي ({الشرق الأوسط})
نشرات الأخبار تستهدف بشكل عام الرأي الروسي ({الشرق الأوسط})

لا صوت يعلو في الحروب عادة فوق أصوات القصف والتفجيرات وإطلاق النار، لكن في حالة الحرب الروسية في سوريا تبدو كل الأصوات خافتة مقارنة بصوت الإعلام الروسي الذي انبرى في حملة إعلامية مكثفة تهدف إلى حشد أكبر تأييد شعبي ممكن لمغامرة الكرملين العسكرية الروسية في سوريا. إذ كثفت قنوات التلفزة الروسية تغطيتها للعمليات التي تنفذها القوات الروسية في سوريا، عبر ضخ إعلامي هائل، سخرت له نشراتها الإخبارية وعددًا كبيرًا من البرامج الحوارية، فضلاً عن تقارير مراسليها من القاعدة الجوية الروسية في اللاذقية، ومن مناطق العمليات البرية التي تنفذها القوات الحكومية بغطاء جوي روسي على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية.
وتستهدف هذه الحملة بشكل أساسي الرأي العام الروسي، لذلك يظهر بوضوح تركيز نشرات أخبار القنوات الروسية على نقل مشاهد من حياة القوات الروسية في القاعدة الجوية في اللاذقية، فضلا عن تصوير تُستخدم فيه أحدث تقنيات التصوير لعمليات برية تشنها قوات النظام ضد مواقع المعارضة السورية، تحت غطاء جوي روسي، بهدف عرض القوة العسكرية الروسية بأسلوب يدغدغ المشاعر القومية للمواطنين الروس، ليطغى على تفكيرهم الشعور باستعادة الكرامة الوطنية، وهم يتابعون مثلا مشاهد الصواريخ الروسية تنطلق من قزوين لتصيب أهدافا في سوريا، أو مقاتلات روسية تتزود بأحدث أنواع الصواريخ وتنطلق «للقضاء على الإرهاب».
ويبدو هذا الأسلوب مجديًا، ذلك أن وسائل الإعلام الروسية تدرك حقيقة وجود استياء لدى الرأي العام الروسي إزاء السياسات الغربية نحو روسيا، لا سيما السعي للحد من قوة روسيا ومحاولات تطويق الناتو لها، فضلا عن تجاهل رأيها ومصالحها في اتخاذ القرارات المصيرية في السياسة الدولية. انطلاقًا من هذا الأساس يتعمد الإعلام الروسي ضمن عشرات البرامج الحوارية التي خصصها لتغطية الوضع في سوريا، الإشارة إلى أن العمليات التي نفذتها هذه قوات التحالف ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة طيلة عام لم تحقق نتائج ملموسة، بينما «تمكنت روسيا خلال الساعات الأولى من عملياتها في سوريا من بث الذعر في صفوف الإرهابيين وأجبرت أعدادا منهم على الفرار باتجاه أوروبا»، هذا ما قالته كل قنوات التلفزة الروسية، مؤكدة فرار 60 إرهابيًا وكأنها أحصتهم بالعدد. هكذا تجري الأمور عادة في معظم البرامج التي يبثها التلفزيون الروسي يوميا ويخصصها لتغطية الحملة العسكرية الروسية في سوريا، حيث المقارنة بين «الفشل الأميركي» و«الانتصارات الروسية» عنوان حاضر وبقوة ضمن حملة حشد الرأي العام لدعم سياسة الكرملين.
وفي الجانب السياسي تتغير أولويات «جوقة» الإعلام الروسي لتخرج باستنتاجات تتماشى مع التصريحات السياسية الصادرة عن الكرملين أو وزارة الخارجية. وخلال محاولة توضيح «من قصف الطائرات الروسية في سوريا»، حرصت القنوات الروسية على تأكيد «حقيقة» أنه لا وجود لشيء اسمه معارضة سورية، وأن كل من يحمل السلاح في سوريا ليسوا معارضة بل هم إرهابيون، وعليه فإن «أية مواقع للجماعات المسلحة تضربها الطائرات الروسية هي مواقع جماعات إرهابية». لكن ما إن بدأ التصريح السياسي الرسمي يتغير لجهة الاستعداد للتنسيق مع الجيش السوري الحر، أخذ الإعلام الروسي يقر بخجل بوجود قوى معارضة سورية مسلحة، لكنه يصر على أن تمثيلها على أرض المعركة ضئيل. مع هذا ما زالت بعض القنوات تتعمد تجاهل وجود هذه المعارضة حين تعرض تقارير عن العمليات في ريف حماة تقول إنها عملية عسكرية واسعة يشنها الجيش السوري بغطاء جوي روسي ضد «إرهابيي داعش»، ويعزفون في هذا السياق على وتر «ندعم النظام الشرعي ضد الإرهاب» و«كل من يحمل السلاح بوجه الدولة إرهابي».
والحملة الإعلامية على الشاشات الروسية لم تقتصر على البرامج السياسية أو نشرات الأخبار، إذ تحولت النشرة الجوية على أحد القنوات إلى برنامج سياسي «سوري» بامتياز، يستهله المذيع بعرض حالة الطقس في سوريا من زاوية ما إذا كانت مناسبة أم غير مناسبة للطلعات الجوية، ودوما يختم بعبارة معناها أن «الأحوال الجوية ليست عقبة بوجه طائراتنا». أما عرض حالة الطقس فيكون بالإشارة إلى المدن التي استهدفتها الطائرات الروسية مع شرح مفصل للأهداف، التي هي حتى في النشرة جوية «مواقع داعش فقط»، ومن ثم يعرض مقدم النشرة حالة الطقس في تلك المدينة.
ويبقى الأكثر إثارة في هذه الحملة الإعلامية أنها حملة الرأي الواحد، إذ تستضيف البرامج الحوارية خبراء يتمتعون بقدرة على الدفاع عن الموقف الرسمي بكل تفاصيله، مقابل خبير واحد لا يتفق مع الموقف الرسمي وينتقده. وخلال تصوير البرنامج يتحكم أشخاص بتوزيع الفرصة للحديث على المشاركين، فيكون نصيب الأخير - المعارض - رمزيًا مقارنة بمنح الداعمين للموقف الرسمي فرصة أوسع للحديث، ناهيك طبعا بأنهم أغلبية في الاستوديو. بهذا الشكل يتولد انطباع لدى المشاهد وكأن الأغلبية «مع»، مقابل أقلية غير مؤثرة «ضد»، مما يرجح توجه المتلقي لتبني وجهات نظر الأغلبية، أي الأفكار المذكورة أعلاه، والتي يركز عليها الإعلام الروسي في تغطيته للحرب الروسية في سوريا.
وتجدر الإشارة إلى أن الإعلام الرسمي الروسي الممول من الكرملين يسيطر على الفضاء الإعلامي، إذ لا توجد قناة تلفزيونية واحدة تعرض وجهة النظر الأخرى أو تدافع عنها، أو تنتقد هذا القرار الصادر عن الكرملين أو ذاك. فيما يخص محطات الراديو والصحف، وهي أقل تأثيرا على الرأي العام مقارنة بتأثير التلفزيون، فهناك محطات راديو تعرض وجهات نظر «الوسط بين بين» ومحطة واحدة يمكن تصنيفها أنها «معارضة» للرأي الرسمي. مع هذا لا يمكن القول إن الحملة الإعلامية قدمت الكثير لبوتين فيما يخص تأثر المستوى المرتفع من التأييد الشعبي له بالحرب في سوريا، أي أنها لم تؤد إلى زيادة كبيرة، بل ربما حالت دون تراجعها. إذ أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجراها «مركز عموم روسيا لمسح الرأي العام» أن «أداء بوتين كان يحظى قبل القصف في سوريا بقبول 85 في المائة من المواطنين الروس، و86 في المائة بعد القصف»، مما يعني أن شعبية بوتين ارتفعت بنسبة 1 في المائة منذ بداية العملية العسكرية في سوريا.



«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.