لبنان يضع «الصعوبات التعليمية المحددة» تحت المجهر

10 % من الأولاد يعانون منها.. وأكثر من مائة مدرسة تحتضنهم في «صفوف الدعم»

الصعوبة في القراءة واحدة من أبرز مشاكل الأولاد ذوي «الصعوبات التعليمية المحددة»
الصعوبة في القراءة واحدة من أبرز مشاكل الأولاد ذوي «الصعوبات التعليمية المحددة»
TT

لبنان يضع «الصعوبات التعليمية المحددة» تحت المجهر

الصعوبة في القراءة واحدة من أبرز مشاكل الأولاد ذوي «الصعوبات التعليمية المحددة»
الصعوبة في القراءة واحدة من أبرز مشاكل الأولاد ذوي «الصعوبات التعليمية المحددة»

منذ عام 1999 بدأ لبنان التعاطي رسميًا مع مشكلة منتشرة لدى التلامذة في المدارس؛ ألا وهي «الصعوبات التعليمية المحددة». هذه المشكلة التي قد يكون عنوانها العريض الجينات المتوارثة، رضخ أصحابها لنتائجها السلبية، فتوقفوا عن متابعة دروسهم بعد أن كان ذووهم لا يدرون حقيقة أسبابها وعوارضها.
ولكن بعد تأسيس جمعية «كليس»، التي تبنّت هذه المشكلة وأخذت على عاتقها تقديم حلول لها، بدأ اللبنانيون يتفهمونها ويقدّمون المساعدة لأصحابها. ومنذ أكثر من ستة عشر عامًا تنظّم هذه الجمعية وصاحبتها كارمن شاهين دبّانة حملات توعية في هذا الخصوص أرفقتها بورشات تدريب ومراكز تعليم خاصة بها.
«كان الأساتذة في البداية يضطرون إلى ترحيل التلامذة الذين يعانون من هذه المشكلة، لأنهم في اعتقادهم غير أذكياء أو لا يملكون القدرة على الدراسة»، هكذا تقول كارمن التي قررت أن تؤسس جمعيتها هذه بعد تجربة حيّة، عاشتها مع ابنها الذي كان يعاني من المشكلة نفسها أثناء استقرارهم في بلجيكا. هناك تم التعامل معه بشكل مباشر من خلال اختصاصيين ساعدوه على إكمال حياته الدراسية بنجاح. ومن هذا المنطلق بدأ عمل جمعية «كليس» بالتعاون مع السفارة البلجيكية في لبنان، ونجحت في استقطاب دعم وزارة التربية لها التي خصصّت في عدد من المدارس (مائة مدرسة) صفوفًا تعرف بـ«غرف الدعم» من شأنها أن تستوعب التلاميذ الذين يعانون من هذه المشكلة. فتقف على تطورها منذ بدايتها، وتحلّها بمساعدة أساتذة خضعوا لدورات تدريبية في هذا الخصوص. فالتلميذ الذي يعاني مثلاً من صعوبة في القراءة أو في الحفظ، يمرّ بتلك الصفوف ليخضع لحصة تدريبية تخوّل له إكمال سنته الدراسية مع بقية زملائه بنجاح. وتشير الإحصاءات الأولية في لبنان إلى أن نسبة 10 في المائة من الأولاد يعانون من هذه المشكلة التربوية، وأنه مع تطبيق الحملات الخاصة بالحدّ منها، أصبحت تتراجع في القسم الذي له علاقة بالمعالجة النفسية. بينما تمكّنت الجمعية المذكورة من تسهيل حياة تلامذة آخرين، يعانون من هذه المشكلة وراثيًا، مما جعلهم يتأقلمون معها ويندمجون في المجتمع كغيرهم من رفاقهم.
وتؤكد كارمن أن «المشكلة تصبح أصعب إذا كانت وراثية، ولكنها تكون أسهل إذا ما عادت أسبابها لمشكلات نفسية يعاني منها الولد. فكم من مرة سمعنا إحدى الأمهات تعاني من مشكلة ابنها مع الحفظ؟ وكم من مرة قدّم أحد الأساتذة ملاحظاته حول بعض من تلامذته الذين يتمتّعون بالذكاء المطلوب، ولكنهم في المقابل يفشلون في تحقيق النجاح؟».
أمثلة كثيرة يمكننا سردها حول حالات عدة، يعاني منها تلامذة المدارس دون أن يتعرّفوا إلى أسبابها. ومن بين تلك المشكلات قلّة في التركيز وصعوبة في النطق والتعرّف إلى الأحرف، وغيرها من المشكلات التي ساهمت بطريقة مباشرة في عدم اندماجهم بمحيطهم الدراسي وحتى العائلي.
وترتكز هذه الحملات على تفعيل نقاط عدة من شأنها أن تحدّ من هذه المشكلة التربوية، وتتمثّل بحق المعرفة وتعزيز حقّ التعلّم، والحيلولة دون النبذ الاجتماعي والحدّ من التهميش والجنوح من خلال مساعدة الأولاد ذوي الصعوبات التعليمية. كما تساهم هذه الحملة في تدريب المعنيين على كيفية التعلّم على الاندماج وتقديم الخدمات المختصة بشكل مجاني للفئة المحتاجة منهم، وتحسين نوعية التعليم والنهوض بالصحة العقلية من أجل بناء أجيال أفضل.
عدد من الاختصاصيين والخبراء يشاركون في هذه الحملة، وقد شارك فيها أيضًا نجوم من أهل الفن والتمثيل للترويج لها كالممثلين، جورج خباز ورندة أسمر وكارول الحاج.
وتقول كارمن شاهين دبّانة إنه من حقّ كلّ ولد يعاني من صعوبة في التعلّم أن يعطي الفرصة المطلوبة لتحقيق أحلامه كغيره من الأولاد. وتابعت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بفضل هذه الحملات والتدابير التي بدأنا بها منذ عام 2000، استطعنا أن نسلّط الضوء على هذه المشكلة والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لكل حالة من حالاتها، مما يجعلنا نأمل بمستقبل أفضل لأولادنا». موضحة أن «هناك اختصاصيين في مجال الطب النفسي وتعلّم النطق وتحسين التركيز وغيرها من المشكلات التي يعاني منها هؤلاء الأولاد، أخذوا على عاتقهم مساعدتنا. كما أن هناك أساتذة في المدارس الرسمية والخاصة خضعوا لورش عمل ودورات تدريبية تخوّلهم تعلّم كيفية التعاطي مع هؤلاء الأولاد».
ويذكر أن جمعية «كليس» نظمّت أول مؤتمر سنوي لها بهذا الخصوص، ويشارك فيه خبراء تربية وتعليم من لبنان وخارجه. وتقول ماتيلدا، وهي تلميذة في السابعة من عمرها: «منذ أن التحقت بصف (غرفة الدعم) الخاصة بالحالات التي تشبه حالتي، تقدّمت في دروسي، وأشعر بالتحسّن إن في القراءة أو في كتابة الإملاء».
أما يوسف، ابن التسع سنوات، فقد قطع مرحلة هامة في هذا الصدد وصار اليوم واحدًا من التلامذة الممتازين في مدرسته، بفضل التدريبات المجانية التي يتلقاها على يد الخبراء والمختصين في هذا الشأن.
وتؤكّد كارمن أن الأولاد واعوون تمامًا لمشكلتهم، إذ يشعرون بسرعة بأنهم غير مرحّب بهم من قبل زملائهم أو بصعوبة في التأقلم مع غيرهم.
وتستقبل 6 مراكز، موزّعة على 6 مناطق لبنانية (صيدا وزحلة وطرابلس وبيروت والزوق والنبطية)، الأولاد الذين يعانون من صعوبات في التعليم. وتقول ليال الحاج، وهي معالجة نفسية للحركة وإحدى الاختصاصيات: «إن التقنية التي نركن إليها في معالجة هؤلاء الأولاد لا تلمس مباشرة التعليم المدرسي، فلا أطلب من الولد القراءة والكتابة، فمجمل عملي الذي يدور حول المعالجة النفسية للحركة يرتكز على لغة الجسد».
أما دارين النابلسي، المعالجة في الاختصاص نفسه، فتؤكّد من ناحيتها أن التدريبات تدور في إطار ترفيهي، وتقول: «نلعب سويًا، ومن خلال ذلك نعمل على اكتشاف المشكلات التي يعاني منها الولد وإيجاد حلول لها».
وتعمل الجمعية المذكورة على زيادة عدد الصفوف الداعمة لهؤلاء التلامذة في المدارس، التي شجعتها وزارة التربية في لبنان، من خلال مساندتها لها وتوزيعها في أكثر من مائة مدرسة، موزعة على عدد من المناطق اللبنانية. فهي تخطط كي يصل عدد تلك الصفوف إلى مائتين مع نهاية عام 2018.
وتختم كارمن شاهين دبّانة بالقول: «لا شك أننا لمسنا تطورًا إيجابيًا في هذا الموضوع، ونحن نشكر كل من شاركنا وساهم في مساندتنا، فهذا النوع من المشكلات لا يمكن أن يختفي، ولكن في إمكاننا أن نعلّم أصحابها كيفية التأقلم معها».



«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
TT

«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»

يقضي الباحثون في العالم العربي أوقاتاً من البحث المضني عن المراجع الإلكترونية التي تساعدهم في تحقيق أغراضهم البحثية. ويدرك هذه المشقة الباحثون الساعون للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، فإذا لم يكن لديه إمكانية الدخول إلى قواعد البيانات العلمية العالمية عبر إحدى المكتبات الكبرى، التي عادة لا تتاح كاملة أيضاً، فإن عملية البحث سوف تكلفه آلاف الدولارات لمتابعة والوصول لأحدث الأوراق العلمية المتصلة بمجال بحثه، أو أن مسح التراث العلمي سيتوقف لديه على المراجع الورقية.
بينما يحظى الباحثون في مجال البحوث التربوية بوجود «شمعة»، وهي شبكة المعلومات العربية التربوية (www.shamaa.org) التي توفر لهم أحدث البحوث والدوريات المحكمة من مختلف الجامعات العربية، وبثلاث لغات، هي: العربية، والفرنسية، والإنجليزية مجاناً.
تأسست «شمعة» عام 2007 في بيروت كقاعدة معلومات إلكترونية، لا تبغي الربح، توثق الدراسات التربوية الصادرة في البلدان العربية في مجمل ميادين التربية، من كتب ومقالات وتقارير ورسائل جامعية (الماجستير والدكتوراه) وتتيحها مجاناً للباحثين والمهتمين بالدراسات التربوية. تتميز «شمعة» بواجهة إلكترونية غاية في التنظيم والدقة، حيث يمكنك البحث عن مقال أو أطروحة أو كتاب أو فصل أو عدد أو تقرير. فضلاً عن تبويب وفهرسة رائعة، إذ تشتمل اليوم على أكثر من 36000 ألف دراسة، موزعة بنسبة 87 في المائة دراسات عربية، و11 في المائة دراسات بالإنجليزية و2 في المائة بالفرنسية، وهي دراسات عن العالم العربي من 135 جامعة حول العالم، فيما يخص الشأن التربوي والتعليم، إضافة لأقسام خاصة بتنفيذ مشاريع في التربية كورش تدريبية ومؤتمرات.
لا تتبع «شمعة» أي جهة حكومية، بل تخضع لإشراف مجلس أمناء عربي مؤلف من شخصيات عربية مرموقة من ميادين مختلفة، وبخاصة من الحقل التربوي. وهم: د. حسن علي الإبراهيم (رئيساً)، وسلوى السنيورة بعاصيري كرئيسة للجنة التنفيذية، وبسمة شباني (أمينة السر)، والدكتور عدنان الأمين (أمين الصندوق) مستشار التعليم العالي في مكتب اليونيسكو، وهو أول من أطلق فكرة إنشاء «شمعة» ورئيسها لمدة 9 سنوات.
تستمر «شمعة» بخدمة البحث التربوي بفضل كل من يدعمها من أفراد ومؤسّسات ومتطوعين، حيث تحتفل بالذكرى العاشرة لانطلاقتها (2007 - 2017)، وهي تعمل حاليا على إصدار كتيب يروي مسيرة العشر سنوات الأولى. وقد وصل عدد زائريها إلى نحو 35 ألف زائر شهرياً، بعد أن كانوا نحو ألفي زائر فقط في عام 2008.
تواصلت «الشرق الأوسط» مع المديرة التنفيذية لبوابة «شمعة» ببيروت د. ريتا معلوف، للوقوف على حجم مشاركات الباحثين العرب، وهل يقومون بمدّ البوابة بعدد جيّد من الأبحاث والدراسات، أم لا تزال المعدلات أقل من التوقعات؟ فأجابت: «تغطّي (شمعة) الدراسات التربوية الصّادرة في 17 دولة عربيّة بنسب متفاوتة. ولا شك أن حجم مشاركات الباحثين العرب بمد (شمعة) بالدراسات قد ارتفع مع الوقت، خصوصاً مع توّفر وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي سهّلت لهم عملية المشاركة».
وحول طرق تزويد «شمعة» بالأبحاث والدراسات، أوضحت معلوف أن ذلك يتم من خلال عدّة طرق، وهي: «توقيع اتفاقات شراكة مع كليات التربية في الجامعات العربية والمجلات التربوية المحكمة ومراكز الأبحاث التي تعنى بالتربية والتعليم، كما تتيح اتفاقية تعاون مع مركز المعلومات للموارد التربوية (إريك) (ERIC) تزويد (شمعة) بالدراسات الصادرة باللغة الإنجليزية من الدول العربية أو من باحثين عرب. ونعتبر أن الشراكة مع (إريك) هي خطوة كبيرة ومن أهم الإنجازات كمؤسسة عربية، وأيضاً من خلال اشتراكات بالمجلات الورقية التربوية المحكمة العربية، أو عبر الدراسات المتاحة إلكترونياً على شبكة الإنترنت بالمجان أي عبر مصادر الوصول الحر للمعلومات (Open Access)».
وتضيف: «الجدير بالذكر أيضاً أن (شمعة) وقعت اتفاقية من مستوى عالمي مع شركة (EBSCO Discovery Service EDS) التي تعتبر من أهم موزعي قواعد المعلومات في العالم العربي والغربي».
وتوضح معلوف أنه «يمكن تزويد (شمعة) بالدراسات مباشرة من الباحث عبر استمارة متوافرة على موقع (شمعة)، حيث يقوم الفريق التقني من التأكد من توافقها مع معايير القبول في (شمعة) قبل إدراجها في قاعدة المعلومات».
وحول ما إذا كان الباحثون العرب لديهم ثقافة التعاون الأكاديمي، أم أن الخوف من السرقات العلمية يشكل حاجزاً أمام نمو المجتمع البحثي العلمي العربي، قالت د. ريتا معلوف: «رغم أن مشاركة نتائج الأبحاث مع الآخرين ما زالت تخيف بعض الباحثين العرب، إلا أنه نلمس تقدماً ملحوظاً في هذا الموضوع، خصوصاً أن عدد الدراسات المتوافرة إلكترونياً على شبكة الإنترنت في السنين الأخيرة ارتفع كثيراً مقارنة مع بدايات (شمعة) في 2007، إذ تبلغ حالياً نسبة الدراسات المتوافرة مع نصوصها الكاملة 61 في المائة في (شمعة). فكلما تدنّى مستوى الخوف لدى الباحثين، كلما ارتفعت نسبة الدراسات والأبحاث الإلكترونيّة. وكلما ارتفعت نسبة الدراسات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، كلما انخفضت نسبة السرقة الأدبية. تحرص (شمعة) على نشر هذا الوعي من خلال البرامج التدريبية التي تطورّها وورش العمل التي تنظمها لطلاب الماستر والدكتوراه في كليات التربية، والتي تبيّن فيها أهمية مشاركة الأبحاث والدراسات العلمية مع الآخرين».
وحول أهداف «شمعة» في العشر سنوات المقبلة، تؤكد د. ريتا معلوف: «(شمعة) هي القاعدة المعلومات العربية التربوية الأولى المجانية التي توّثق الإنتاج الفكري التربوي في أو عن البلدان العربية. ومؤخراً بدأت (شمعة) تلعب دوراً مهماً في تحسين نوعية الأبحاث التربوية في العالم العربي من خلال النشاطات والمشاريع البحثية التي تنفذها. وبالتالي، لم تعدّ تكتفي بأن تكون فقط مرجعيّة يعتمدها الباحثون التربويون وكلّ من يهتمّ في المجال التربوي عبر تجميع الدراسات وإتاحتها لهم إلكترونيّاً؛ بل تتطلّع لتطوير الأبحاث التربوية العلمية، وذلك لبناء مجتمع تربوي عربي لا يقلّ أهمية عن المجتمعات الأجنبية».