وزير الدفاع التونسي: السياج الإلكتروني من البحر إلى الصحراء لحمايتنا

مصادر رسمية: 250 مقاتلاً تونسيًا فروا من سوريا إلى ليبيا بسبب الضربات الجوية الروسية

تونسي يقرأ في صحيفة محلية أمس خبر فوز رباعي الحوار الوطني بجائزة نوبل للسلام أول من أمس (إ.ب.أ)
تونسي يقرأ في صحيفة محلية أمس خبر فوز رباعي الحوار الوطني بجائزة نوبل للسلام أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

وزير الدفاع التونسي: السياج الإلكتروني من البحر إلى الصحراء لحمايتنا

تونسي يقرأ في صحيفة محلية أمس خبر فوز رباعي الحوار الوطني بجائزة نوبل للسلام أول من أمس (إ.ب.أ)
تونسي يقرأ في صحيفة محلية أمس خبر فوز رباعي الحوار الوطني بجائزة نوبل للسلام أول من أمس (إ.ب.أ)

رغم الفرحة التي ملأت قلوب التونسيين، مسؤولين وسياسيين ومواطنين، غبطة لفوز بلادهم بجائزة نوبل للسلام، ورغم زحمة السير الخانقة التي تلقي بثقلها على سكان العاصمة، وامتلاء الملاهي الليلية في الفنادق والمرابع، ما زل الهم الأمني يضغط على المناخ العام. فما كاد الاعتداءان الإرهابيان اللذان ضربا متحف باردو ثم شاطئ سوسة خلال الأشهر الماضية يغيبان جزئيا عن الذاكرة، حتى جاءت محاولة اغتيال النائب ورجل الأعمال رضا شرف الدين، الخميس الفائت، في ضاحية سوسة نفسها، لتعيد تذكير التونسيين بأن بلادهم ما زالت بعيدة عن الخروج من دائرة الإرهاب وتداعياته.
وزير الدفاع فرحات الحرشاني، في لقاء جمعه بعد ظهر أول من أمس الجمعة مع مجموعة ضيقة من الصحافيين الدوليين، بينهم صحافي «الشرق الأوسط»، وضع الإرهاب على رأس التحديات التي تواجه تونس إلى جانب تحدي استمرار المسيرة الديمقراطية التي من أجلها كوفئت تونس. وحسب وزير الدفاع فإن التهديد الأمني الذي تعاني منه تونس له عنوانان: الأول خارجي آت من الجنوب الشرقي ومن وراء الحدود واسمه فلتان الحدود الليبية - التونسية من الجانب الليبي وغياب بنى الدولة الليبية وهيمنة الفوضى.. والثاني خارجي - داخلي على السواء ويتمثل في المناطق الجبلية القائمة على جانبي الحدود مع الجزائر ومنها جبل الشعانبي حيث تنشط مجموعات إرهابية ارتكبت العديد من المذابح بحق أفراد الجيش التونسي.
وتعمل وزارة الدفاع التونسية، في سعيها لمواجهة الخطر الإرهابي القادم من وراء الحدود الشرقية، على بناء «منظومة الحواجز الحدودية» التي يراد لها أن تمتد على طول الحدود من البحر الأبيض المتوسط وحتى برج الخضراء جنوبا. وتتشكل المنظومة من خنادق بعرض أربعة أمتار وعمق مترين، وسواتر رملية مرتفعة. يضاف إلى ذلك إقامة حاجز إلكتروني كامل التجهيز مع أبراج مراقبة ومواقع عسكرية داعمة. وفيما تجهد تونس للانتهاء من حفر الخنادق ورفع السواتر مع نهاية العام، فإن العمل بـ«الجدار الإلكتروني» لم يبدأ بعد.
وقال الحرشاني: «تونس لن تمول بناء الجدار الإلكتروني، بل إن التمويل ستتولاه دولة من دول مجموعة السبع» التي امتنع عن الكشف عن هويتها. لكن المرجح أن تكون الولايات المتحدة الأميركية. وتريد وزارة الدفاع أن يجهز هذا الجدار بكاميرات حرارية ورادارات من أجل منع تهريب السلاح وتنقل الإرهابيين.
وتعول تونس، وفق ما شرح وزير دفاعها، بالدرجة الأولى على قواها الخاصة. لكن محدودية موارد وزارة الدفاع التي تشكل 7 في المائة من الميزانية العامة تجعلها تنتظر الدعم من «الدول الشقيقة والصديقة».
ورغم وصول هذه المساعدات المتنوعة، فإن تونس ترى أنها ما زالت دون الحد المطلوب خصوصا أن الإرهاب «ليس خطرا على تونس وحدها أو على بلدان الجنوب المتوسطي، لكن أيضا على أوروبا نفسها». فضلا عن ذلك، يشدد الوزير الحرشاني على أن تونس «جزء من التحالف الدولي» الذي يحارب تنظيم داعش وهو «التنظيم الموجود قريبا من الحدود التونسية». لكن هذا الانتماء لا يعني أن تونس ستشارك عسكريا في الحرب على «داعش» في العراق وسوريا لأنها «لا قدرة لها على القيام بذلك». بيد أنها ستتعاون مع التحالف عبر عملية تبادل المعلومات والاستخبارات، وفق إمكانياتها. ويرى وزير الدفاع التونسي أن «الحلول الأمنية» ليست كافية وحدها لمواجهة الخطر الإرهابي. فثمة حاجة لـ«استراتيجية عالمية شاملة» يكون الحل الأمني أحد وجوهها ولكن ليس الوجه «الوحيد» إذ يتعين الغوص في الجذور ومعالجتها.
ويقارن فرحات الحرشاني بين الإرهاب وبين العشب السيئ الذي «إذا قطع يعود لينمو من جديد». ولذا، يدعو الوزير التونسي إلى مقاربات اجتماعية وتربوية وثقافية ودينية وتنموية لمحاربة التطرف والإرهاب أكان ذلك في تونس أو خارجها.
أما في الملف الليبي، فإن المسؤول التونسي يلقي باللائمة على الدول التي أسهمت في إسقاط نظام القذافي والتي ارتكبت، في نظره، خطأ مزدوجا: الأول، أنها «لم تتعاط مع المرحلة التي تبعت سقوطه»، والثاني أنها «لم تعمد إلى جمع السلاح» من الميليشيات المسلحة في ليبيا، الأمر الذي أوصل إلى الفوضى الحالية.
ولا يتردد وزير الدفاع في الاعتراف بأن القوات التونسية واجهت، في المراحل الأولى، صعوبات في التصدي للإرهاب، فذلك يعود، بحسب الأستاذ الجامعي السابق ووزير الدفاع الحالي، إلى «تنشئتها التقليدية» القائمة على تهيئتها لمواجهة الأخطار الخارجية وليس مواجهة الحرب الإرهابية، ولغياب السلاح والعتاد الضروريين. غير أنه يؤكد أنها حققت تقدما وراكمت الخبرات واستفادت من الدعم الخارجي الذي تلقته في ميدان التدريب والتنشئة من طرف ألمانيا وفرنسا. وأفاد الحرشاني بأن الاتفاق العسكري الجديد الموقع بين فرنسا وتونس الأسبوع الفائت ينص على التركيز على التدريب والاستعلام.
وكانت وزارة الدفاع قد عمدت إلى تشكيل «القوات الخاصة» التي تقوم مهمتها الأساسية على محاربة الإرهاب. لكن تونس ما زالت تحتاج لأسلحة ومعدات متطورة أهمها الخاصة بالحرب الليلية. وفي هذا السياق، فإنها تأمل في الحصول على طوافات أميركية الصنع مجهزة للقيام بهذا الغرض خصوصا في منطقة جبل الشعانبي وفي الحرب التي تخوضها على المسلحين المختبئين في هذا الجبل. ويؤكد الحرشاني، بهذا الخصوص، أن القوات التونسية «انتقلت من حالة الانتظار والدفاع عن النفس كما كان الوضع في السابق إلى حالة الهجوم، وهي أخذت تستهدف أوكار الإرهابيين» في جبل الشعانبي و«لم تعد تنتظر نزولهم منها». واللافت أن الحرشاني قال لـ«الشرق الأوسط» إن أعداد هؤلاء بـ«العشرات وليس بالمئات».
وفي سياق متصل، أفادت مصادر رسمية تونسية بأن ما لا يقل عن 250 مقاتلا تونسيا في صفوف «داعش» في سوريا انتقلوا إلى ليبيا منذ بدء العمليات الجوية الروسية فوق الأراضي السورية. وتعتبر المصادر العسكرية أن الحاجة الماسة بالنسبة لتونس هي توفير المعلومات الاستخبارية بكل الوسائل المتاحة وعلى رأسها التبادل بين الأطراف المنخرطة في الحرب على الإرهاب.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.