«رحلة الكتابة في مصر» في مهرجان دولي بإيطاليا

فيلم أنتجته مكتبة الإسكندرية يوثق لتطورها عبر التاريخ

بوستر المهرجان
بوستر المهرجان
TT

«رحلة الكتابة في مصر» في مهرجان دولي بإيطاليا

بوستر المهرجان
بوستر المهرجان

تشارك مكتبة الإسكندرية في المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية الأثرية في إيطاليا بفيلم «رحلة الكتابة في مصر»، وقد رشح الفيلم لنيل جائزتين من جوائز المهرجان، الأولى هي الجائزة العامة للمهرجان، حيث يشارك أكثر من 58 فيلمًا، أما الجائزة الثانية فهي جائزة خاصة تحمل اسم العالم الأثري الإيطالي باولو أورسي، الذي ساهم في تأسيس هذا المهرجان.
تأسس المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية الأثرية في أبريل (نيسان) 1990 في إيطاليا، وهو جزء من سلسلة مهرجانات دولية متخصصة في الأفلام الوثائقية الأثرية تهدف إلى رفع مستوى الوعي العام حول قضايا الأبحاث الأثرية وحماية التراث الثقافي. ويقام المهرجان سنويا في الفترة من 6 - 10 أكتوبر (تشرين الأول) ويشارك في المهرجان 58 فيلمًا.
وفيلم «رحلة الكتابة في مصر» من الأفلام الوثائقية التي أنتجتها المكتبة أخيرا، بالتعاون مع مركز دراسات الخطوط وإدارة الاستوديو بالمكتبة. ويوثق الفيلم لتاريخ ظهور وتطور الكتابة في مصر على مدار العصور التاريخية المختلفة. ويعد أحد مخرجات المشروع البحثي الذي أنجزه مركز دراسات الخطوط على مدار السنوات العشر الماضية، حيث تم مسح ورصد ما يقرب من ثمانية عشر نوعًا من الخطوط والكتابات المختلفة تمثل أحد عشر لغة استخدمها المصريون والجاليات الأجنبية التي عاشت على أرض مصر في سلام.
تم إعداد المادة العلمية للفيلم - بحسب بيان للمكتبة - من قبل مركز دراسات الخطوط تحت إشراف الدكتور خالد عزب رئيس قطاع المشروعات المركزية والباحث أحمد منصور نائب مدير مركز الخطوط، وقد قامت إدارة الاستوديو تحت إشراف دينا أبو العلا بالتصوير في المواقع الأصلية لظهور هذه الخطوط والكتابات، ومنها (سيناء، وسيوة، والمتاحف الأثرية، وأبو سمبل، وسرابيط الخادم، والأقصر، ودندرة، وأبيدوس).
أعقب ذلك عقد مجموعة من اللقاءات التلفزيونية الهامة مع الباحثين المتخصصين، مثل الدكتور زاهي حواس (وزير الآثار الأسبق)، والدكتور مصطفى العبادي (أستاذ الحضارة اليونانية الرومانية، جامعة الإسكندرية)، والدكتور جونتر دراير (المدير الأسبق للمعهد الألماني للآثار الشرقية بالقاهرة)، والدكتور يوحنا نسيم يوسف (جامعة سيدني). كما تم استخدام المؤثرات البصرية وإضافة الموسيقى التصويرية لإخراج المادة العلمية بشكل فني مميز، وهو ما ارتقى بالفيلم بين مصاف الأفلام الوثائقية الدولية.
وقالت الدكتورة عزة الخولي رئيس قطاع البحث الأكاديمي إن «مشاركة المكتبة في هذا المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية تؤكد على تنوع الإنتاج العلمي الأكاديمي للمكتبة من إصدارات، ومشروعات بحثية، وأفلام وثائقية». كذلك تساهم مشاركة المكتبة في رفع مستوى الوعي العام حول قضايا الأبحاث الأثرية وحماية التراث الثقافي، وخصوصا «حفظ وتسجيل الكتابات والخطوط القديمة».



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.