أسبوع باريس لربيع وصيف 2016 ينتهي بروح رياضية ومغازلة واضحة لـ«الإنستغرام»

ولادة اتجاهات ومدارس جديدة تفرضها متطلبات وسائل التواصل الاجتماعي

من عرض «ميزون مارجيلا» و من عرض «ميزون مارجيلا»
من عرض «ميزون مارجيلا» و من عرض «ميزون مارجيلا»
TT

أسبوع باريس لربيع وصيف 2016 ينتهي بروح رياضية ومغازلة واضحة لـ«الإنستغرام»

من عرض «ميزون مارجيلا» و من عرض «ميزون مارجيلا»
من عرض «ميزون مارجيلا» و من عرض «ميزون مارجيلا»

كانت باريس آخر محطة في رحلة امتدت لشهر وكانت أيضا مسك الختام، لأنها دائما تنجح في خلق صور تذكرنا بأنها فعلا أم الموضة ومهدها. إحساس تستشعره حتى خارج قاعات العرض، من خلال مظهر محررات الأزياء والحضور عموما. فهو مختلف عن مظهرهن في عواصم أخرى مثل لندن أو ميلانو، من حيث ميله إلى أناقة تجمع بين الرقي واللامبالاة بدل الاستعراض ونفش الريش إلا إذا استثنينا شريحة قليلة من الشابات أغلبهن من آسيا ممن يعانقن أسلوب يوجي ياماموتو أو إيسي مياكي القديم.
لكن أكثر ما يلفت النظر هذا الموسم توجه كثير من المصممين لتغذية الـ«إنستغرام» وتلبية متطلباته بكل ما يخطر على البال من ألوان وتصاميم، أو على الأقل طريقة تنسيقها لكي تأتي الصورة لافتة. وهنا تكمن أهمية خبراء التنسيق الذين أصبح لهم دور مهم في نجاح العرض أو فشله. الفشل هنا بمعنى عدم لفته الأنظار وحصوله على تغطيات «إنستغرامية»، وعلى «سنابتشات». فالآن، مهما أبدع المصمم يحتاج إلى من يضع لمساته الأخيرة على ما سهر الليالي على تصميمه. بعضهم نجح في المهمة بخلق صورة تلعب على المتناقضات المتناغمة التي يعشقها الباباراتزي وتناسب «موضة الشارع» كما تعرف الآن، وبعضهم اختار التنوع وطرح اقتراحات متعددة حتى إذا فشلت إطلالة في كسب الرضا، تنجح أخرى في لفت الانتباه. كان هذا هو حال ألبير إلبيز، وإيلي صعب، و«بالنسياجا»، و«سان لوران»، و«كلوي» وغيرهم. في المقابل، ظل آخرون متشبثين بالأناقة الراقية كما عودتنا عليها عاصمة النور، مثل «هيرميس»، و«ألكسندر ماكوين»، إلى حد أن بعضها يبدو مستقى من الـ«هوت كوتير» أو امتدادا لها، كما هو الحال في تشكيلة «ميزون مارجيلا» مثلا. فهذه تعد رابع تشكيلة يقدمها جون غاليانو لها حتى الآن، وأهم ما يلفتك فيها ثقتها التي تعكس ثقة مصممها. فقد تأقلم معها وبدأ أسلوبه الدرامي ينصهر مع أسلوبها الهادئ بتناغم وسلاسة، وهو ما تجلى في كثير من القطع التجارية. ولا بد من الإشارة إلى أن معنى التجاري هنا إيجابي لأنها قطع ستجد طريقها إلى خزانة امرأة أنيقة بسهولة ومن دون حاجة إلى إحداث أي تغييرات تُذكر. فالمأخذ على جون غاليانو سابقا، أن بعض الجهات، منها المحلات والمشترون، كانت تشتكي أن الفانتازي كان يغلب على الجانب العقلاني في عروضه وتصاميمه على حد سواء. ورغم أن الكل كان يجمع على أنها تحاكي التحف في فنيتها، كما كانت تسحر العين وتشد الأنفاس فإنها كانت تبقى مجرد صور في الخيال والمجلات البراقة وبضاعة في المخازن. هذه التشكيلة في المقابل، لن تعاني من هذه المشكلة، فهي تشير إلى أنه روض جنوحه لأن العملي فيها تزاوج بشكل متوازن مع الرومانسي، علما بأن العملية كلها مجرد ترويض وليست تغييرا جذريا لأسلوب أدخله مصاف المبدعين. فميله لإحداث الصدمة لم يغب تماما لكنه لحسن حظ المرأة اقتصر على تسريحات شعر جاءت على شكل خلية نحل وبعض القطع التي تحسب على أصابع اليد الواحدة. ففيما تميزت معظم الإطلالات، بالأناقة والرومانسية ولن تحتاج إلى أي تغيير، بدت أخرى صادمة للوهلة الأولى، لكن بعد تفكيكها وتنسيقها مع قطع مختلفة، يتبين أنها تتضمن كثيرا من الجمال وغير متجردة عن الواقع تماما. أكثر ما ميز المعاطف والفساتين، مثلا، الأكتاف المنحنية التي تعطي إحساسا باللامبالاة والحرية، أو الأكمام القصيرة والقمصان البسيطة التي نسقها مع تنورات طويلة بأقمشة معدنية لامعة تنسدل على الجسم بدل أن تعانقه وتشده. بعبارة أخرى، كل قطعة هنا فريدة في تصميمها تجمع أسلوب جون غاليانو، الذي تعشقه أوساط الموضة، من دون أن تلغي أسلوب «ميزون مارجيلا» الدار التي احتضنته منذ عامين تقريبا. فترة تبدو قصيرة لكنها في عمر الموضة طويلة، الأمر الذي يعرفه غاليانو جيدا ولا يتهاون فيه، وربما وضعه تحت ضغوط في السابق. فمن جهة، هناك توقعات المعجبين الكبيرة، ومن جهة ثانية رأى البعض أن العلاقة بينه وبين «ميزون مارجيلا» غير منسجمة أو متوازنة. تبرير هؤلاء أن أسلوبه درامي ورومانسي، بينما «ميزون مارجيلا» وحتى الآن تتعامل مع الموضة بعملية «باردة» وكأنها تتعامل مع أفكار مجردة في مختبر علمي. بيد أن المتابع لمسيرة غاليانو يعرف أنه هو الآخر يميل إلى الاختبار والابتكار، بحيث يبقى الاختلاف بينهما في التعبير والأسلوب فقط. ولذلك، وبعد أربعة مواسم فقط بدأ الزواج يثمر تشكيلات تلمس وترا حساسا بداخل شرائح أكبر من نساء العالم، وهذا ما كانت تأمله «ميزون مارجيلا» عندما استعانت به أساسا، وفي الوقت نفسه يعزز مكانته، ولا يؤثر على سمعته كونه مبدعا. الطريف أنك لو سألت أحدا من هذه الشريحة التي لا تزال ترى عدم انسجام الأسلوبين، عن المصمم الأنسب لـ«ميزون مارجيلا» لذكروا اسم كريستوف لومير نظرا لأسلوبه الغارق في البساطة ظاهريا والتعقيدات الباطنية. وهذا تحديدا ما ظهر في عرضه للموسمين المقبلين. فقد تميزت تشكيلته، أي كريستوف لومير، بخطوطها الواسعة والطويلة، مع لمسة ذكورية تجسدت في الأحجام الكبيرة تحديدا والألوان الأحادية، لم يغفل أن يحقن بعضها بجرعات من الألوان والنقوشات التي أضفت عليها عصرية وحيوية كانت تحتاجها بالنظر إلى تصاميمها الصارمة في بعض الأحيان كذلك أطوالها. جدير بالذكر أن كريستوف لومير كان إلى عهد قريب جدا مصمم دار «هيرميس» وهو ما يمكن أن يفسر ذلك الإحساس بأننا نتابع عرضا عنوانه الرقي يخاطب شابة تريد أن تتعامل مع الموضة بجدية، وفي الوقت ذاته تريد أن تُؤخذ بجدية من قبل المحيطين بها، من خلال أزياء قوية الشخصية.
بالنسبة للمصمم أنطوني فاكاريلو، الذي سبق وأتحف أوساط الموضة بعرض مثير في لندن من خط «فيرسيس فرساتشي» فقد قدم خطه الخاص في باريس، بالقوة نفسها. ما يُحسب له أنه على الرغم من أنه لم يخفف من عنصر الإثارة وبعض الحسية التي ظهرت في كثير من القطع، فإن الأسلوب اختلف عن ذلك الذي اعتمده في خط «فيرسيس». فهو يُدرك تماما أن عليه أن يقوم بدورين، يتقمص في كليهما شخصية مختلفة تماما عن الأخرى، وإلا اتهم بالتكرار، أو «الإفلاس الفني» وهو ما لا يريده أي مصمم شاب، وتجسد في تشكيلة غلبت عليها قمصان مفصلة باللون الأبيض مع استعمال قماش الدينم المطبوع وبنطلونات جينز عالية الخصر، وطبعا لم يغب أسلوبه الخاص المتمثل في التفصيل المشدود على الجسم وبعض القمصان الشفافة التي يمكن أن تكون إضافة إلى خزانة أي واحدة، أيا كان أسلوبها، في الموسمين المقبلين.



هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
TT

هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

إذا اتفقنا على أن مجلس الموضة البريطاني هو الربان الذي يقود دفة هذا القطاع بتقديم وسائل الدعم والأمان لصناعها والمبدعين فيها، فإن تعيين لورا وير رئيساً له، ذو أهمية قصوى. ربما الآن قبل أي وقت مضى. فهذا القطاع يعاني منذ عدة مواسم. محلات كبيرة أغلقت أبوابها واكتفت بتوفير منتجاتها عبر التسوق الإلكتروني، ومصممون شباب اختفوا من الساحة، أو على الأصح من الواجهة بسبب شح الموارد والإمكانات وغيرها من المشكلات التي لا تزال تبحث عن حلول.

شح الموارد والتغيرات الخارجية

حتى دار «بيربري» التي كانت أكبر قوة جذب لأسبوع لندن تعرضت لمشكلات كثيرة (بيربري)

لهذه الأسباب، كان من البدهي أن يفقد أسبوع لندن وهجه، إلى حد أنه بات يمر مرور الكرام من دون تهليل أو حماس في الآونة الأخيرة. المقياس هنا لا يقتصر على تراجع حجم التغطيات الإعلامية فحسب، بل أيضاً على عدد الحضور العالمي، الذي تقلص بشكل ملحوظ، بسبب الحجر أيام جائحة كورونا ومنع السفر بدايةً، ثم بسبب خفض الميزانيات المخصصة لمجلات الموضة، التي لم تسلم هي الأخرى من تبعات الأزمة الاقتصادية.

في ظل هذا التخبط، بين شح الإمكانات ومتطلبات الأسواق العالمية الجديدة وتغير سلوكيات تسوق جيل شاب من الزبائن، يأتي تعيين لورا مثيراً للحماس والفضول. فالمطلوب منها هو تحريك المياه الراكدة وقيادة الدفة بالاتجاه الذي تحتاج إليه الموضة البريطانية لتتجاوز العاصفة إلى بر الأمان.

مَن لورا وير؟

لورا وير الرئيس الجديد لمجلس الموضة البريطانية (مجلس الموضة)

السؤال الذي يمكن أن يطرحه البعض :هو كيف وصلت وير إلى هذا المنصب المؤثر؟ وما سيرتها الذاتية؟ والجواب أنها حتى عهد قريب عملت في محلات «سيلفردجز» اللندنية رئيساً في قسم الإبداع والتواصل. قبل ذلك ولعقدين من الزمن، عملت محررة أزياء متخصصة في عدة مجلات، نذكر منها «درايبرز» و«فوغ» النسخة البريطانية، وصحيفة «ذي صانداي تايمز». في عام 2015، عُيِنت رئيسة تحرير للملحق الأسبوعي ES لجريدة «إيفنينغ ستاندرد» الذي أعادت تصميمه بالكامل. بعد أن تركت المجلة ES أنشأت وكالة استراتيجية متخصصة في الاتصالات والتوجيه الإبداعي، وفي عام 2023، انضمت إلى محلات «سيلفردجز» للإشراف على فريق الإبداع والتسويق والاتصالات. هذا فضلاً عن مناصب أخرى شغلتها وكانت لها ذات الأهمية. كانت مثلاً عضواً في مجلس الموضة البريطاني قبل أن تكون رئيساً له. كما كانت مستشارة للأكاديمية البريطانية لفنون الأفلام والتلفزيون (بافتا).

هذه المناصب وغيرها فتحت أمامها أبواب التعامل المباشر مع صناع الموضة الكبار والصغار وأيضاً مع المواهب الصاعدة من شتى الفنون. تعرفت على طموحاتهم ومشكلاتهم. على خبايا الأمور وظاهرها. وهذا ما يجعلها خير خلف لكارولاين راش التي تبوأت هذه الوظيفة لـ16 عاماً، وأعلنت مغادرتها له في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

التحديات

كادت «روكساندا» تُعلن إفلاسها لولا تدخل مستثمرين (روكساندا)

رغم أهمية المنصب الذي ستبدأه بشكل فعلي في شهر أبريل (نيسان) المقبل، فإن التوقيت شائك ويحتاج إلى دراية عالية ونَفَس طويل. فصناعة الموضة البريطانية تعاني من تباطؤ وركود منذ سنوات، وأسبوعها الذي يعد الأوكسجين الذي يتنفس منه مبدعوها ويطلون من خلاله على العالم أصابه الوهن بشكل لم يشهده منذ انطلاقه في عام 1984. صحيح أنه مرَّ بعدة أزمات في السابق، لكنها كانت ماليّة في الغالب، إذ كان يشكو من شح التمويل والإمكانات، فيما هي الآن نفسية أيضاً بسبب التراكمات الاقتصادية والسياسية وما نتج عنها من ضغوط وقلق.

من تشكيلة إيرديم الأخيرة (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

ما لا يختلف عليه اثنان أن أسبوع لندن لا يزال يتمتع بروح الابتكار، وأنه لا يزال أكثر واحد من بين العواصم العالمية الأخرى، نيويورك وميلانو وباريس، احتضاناً للآخر. يفتح الأبواب على مصراعيها لكل الجنسيات، ويمنح فرصاً لكل من توسّم فيه الإبداع، إلا أنه يتعثَّر منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فنسبة عالية من العاملين في صناعة الموضة من جنسيات مختلفة. كأن هذا لا يكفي، جاءت جائحة كورونا ثم حرب أوكرانيا وغيرها من الأحداث التي كان لها أثر مباشر على كثير من المصممين وبيوت الأزياء. روكساندا إلينشيك، مثلاً، وهي مصممة صربية الأصل ومن أهم المشاركين في أسبوع لندن، كادت تتعرض للإفلاس العام الماضي، لولا تدخل أحد المستثمرين. وإذا كانت «روكساندا» محظوظة في هذا الجانب، فإن غيرها تواروا عن الأنظار بصمتٍ لأنه لا أحد أمدَّهم بطوق نجاة.

دار «بيربري» لم تنجُ من تبعات الأزمة الاقتصادية وتغيرات السوق (بيربري)

بل حتى دار «بيربري» التي كانت تتمتع بأكبر قوة إعلانية في بريطانيا، الأمر الذي يجعلها عنصر جذب مهماً لوسائل إعلام وشخصيات عالمية تحرص على حضور الأسبوع من أجلها، تشهد تراجعاً كبيراً في المبيعات والإيرادات. بدأت مؤخراً تراجع استراتيجياتها وتُعيد النظر في حساباتها.

استثمار في المواهب

ومع ذلك فإن قوة الموضة البريطانية تكمن في شبابها. هم الورقة الرابحة التي تُعوِّل عليها للإبقاء على شعلة الإبداع من جهة، وعلى سمعة أسبوعها العالمي منبعاً للابتكار وتفريخ المصممين من جهة ثانية. قد يجنحون إلى الغرابة أو حتى إلى الجنون أحياناً لكنه جنون يغذّي الخيال ويحرِّك الأفكار الراكدة، وهذا ما تعرفه لورا جيداً بحكم تعاملها الطويل معهم.

من عرض «روكساندا» لربيع وصيف 2025 (روكساندا)

والدليل أن لورا لا تقبل التحدي فحسب، بل تعده مثيراً. في بيان صحفي وزَّعه مجلس الموضة البريطاني قالت: «يشرفني أن أقود الفصل الجديد في وقت مثير ومحوري لصناعة الأزياء البريطانية... إني أتطلع إلى العمل مع فريق المجلس لدعم الثقافة والإبداع، وتحفيز نمو الأزياء البريطانية، محلياً وعالمياً، وكذلك دعم المصممين الناشئين والمخضرمين على حد سواء».

ما مهمات الرئيس؟

رغم موهبة «روكساندا» وبراعتها الفنية تعثّرت مؤخراً وتدخُّل مستثمرين أعاد لها قوتها (روكساندا)

ما خفيَ من مسؤوليات منصب رئيس مجلس الموضة البريطانية أكبر من مجرد دعم الشباب وتحريك السوق. من بين ما على لورا وير فعله، عقد شراكات مجدية مع صناع الموضة، من رجال أعمال وأصحاب مصانع وحرفيين من شتى المجالات، إلى جانب التواصل مع جهات حكومية. فقطاع الموضة من أهم القطاعات الصناعية في بريطانيا، ويعد الثاني بعد صناعة السيارات، وهو ما يجعله من أعمدة الاقتصاد الأساسية.

في دورها الجديد أيضاً، ستشرف لورا على المعاهد الدراسية والأكاديميات المتخصصة، بتوفير منح للمتفوقين أو من ليست لديهم الإمكانات لدفع رسوم الدراسات العليا من خلال برامج عدة جرى إنشاؤها منذ سنوات، وكل ما عليها الآن هو إمدادها بطاقة جديدة تُعيد لها حيويتها وديناميكيتها.