فظائع «بوكو حرام» تفرز جيلاً من المرضى النفسيين والأطفال اللاجئين

في فسحة صغيرة وسط مخيم للاجئين في أساغا جنوب شرقي النيجر، يرقص ويغني نحو 50 طفلا، أصيب جلهم بصدمات نفسية عميقة بسبب فظائع جماعة «بوكو حرام»، بعد أن أصبحوا مع أهاليهم لاجئين هربًا من الجماعة المتشددة. وعلى مقربة منهم تتحلق فتيات صغيرات حول بعض الألعاب، وإلى جانبهن يلهو أطفال حفاة بصدورهم العارية، أو يلبسون ثيابا رثة، أو يلعبون كرة القدم أو كرة الطاولة.. في محاولة لنسيان الكوارث التي حلت بهم بعد أن اضطروا إلى مغادرة مساكنهم.
ولمحاولة التخفيف من معاناتهم وآلامهم تسارع المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة إلى مساعدة هؤلاء الأطفال، الذين يشكلون العدد الأكبر من ستة آلاف لاجئ طردتهم من قراهم جماعة بوكو حرام، التي تواصل ارتكاب أعمال وحشية في شمال شرقي نيجيريا، وفي منطقة ديفا (جنوب شرقي النيجر).
ويبدو مخيم اللاجئين النيجريين الذي أقامته الأمم المتحدة قبل ثلاثة أشهر في أساغا، جنوب شرقي النيجر، مثل مدينة صفيح تفتقر إلى مدرسة. لكن الأطفال الضعفاء يستفيدون رغم ذلك من دعم نفسي يتيح لهم التأقلم بشكل أفضل مع حياتهم الجديدة. وبهذا الخصوص قال أداما كوسيمبو، المسؤول عن المركز النفسي الاجتماعي الذي تموله منظمة التعاون الدولي الإيطالية غير الحكومية، لوكالة الصحافة الفرنسية إن «عددًا كبيرًا من الأطفال كانوا شهودًا أو ضحايا مباشرين للأعمال الوحشية لـ(بوكو حرام)». فيما أوضح مسؤول في الأمم المتحدة أن «(بوكو حرام) أرغمت بعض الأطفال على مشاهدة أمهاتهم وأخواتهم وهن يتعرضن للاغتصاب، بينما رأى آخرون آباءهم أو إخوتهم يذبحون».
وتابع المسؤول، موضحًا أن «الصدمة» كانت قوية وعنيفة، وكانوا «يرفضون الأكل والحديث للناس»، فيما ذكرت منظمة التعاون الدولي الإيطالية أن كثيرين منهم عانوا من «علامات أمراض نفسية»، ولذلك يسعى أطباء النفس والمربون إلى تحضير ألعاب ووسائل تسلية لتعزيز قدراتهم على الصمود بعد الصدمات العميقة التي عاشوها.
وبالإضافة إلى الألعاب الرياضية، تعرض داخل المخيم ألعاب محلية وأخرى للذاكرة بهدف إعادة تكوين شخصياتهم. يقول علي، البالغ من العمر تسع سنوات، والذي فقد قسما من عائلته خلال هجوم لـ«بوكو حرام»: «لقد نجوت من (بوكو حرام) وأشعر بالارتياح هنا». لكن والده الحاج غريما المزارع الثري، قال إن هذا النفي القسري يعد «إذلالاً.. ففي القرية كان أولادي يأكلون عندما يشعرون بالجوع، أما هنا فهم لا يذهبون إلى المدرسة، وينامون أحيانا بلا عشاء».
وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن نحو 4.1 مليون طفل هربوا من الهجمات التي شنها متطرفو «بوكو حرام» في نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد في الأشهر الخمسة الأخيرة، وأعربت عن أسفها في الفترة الأخيرة «لأن تدفق اللاجئين ونقص الموارد يعرقلان بشكل كبير قدرتنا على تسليم مساعدة حيوية لمن يحتاجون إليها».
وخلال زيارة إلى منطقة ديفا في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، لاحظ توبي لانزر، المنسق الإقليمي للمساعدة الإنسانية للأمم المتحدة لمنطقة الساحل وجود «أزمة أمنية حادة جدًا في أساغا.. الوضع فظيع هنا.. وهؤلاء الأشخاص يواجهون اضطرابات نفسية». فيما قال روتيمي دجوسايا، المسؤول المحلي عن منظمة «كاير» الأميركية غير الحكومية، إنه «يتعين التحرك ابتداء من الآن لإنقاذ حياة هؤلاء الأشخاص»، في وقت تؤكد فيه سلطات النيجر أنها قد تواجه أزمة غذائية جديدة في 2016 بسبب رداءة المحاصيل.