الإعلام المصري الخاص يراهن على «انتعاشة جديدة» مع انتخابات البرلمان

يسعى للحصول على إعلانات من ألوف المرشحين لمجلس النواب

جانب من صحف مصرية خاصة أمام أحد الباعة بالقاهرة (صورة أرشيفية)
جانب من صحف مصرية خاصة أمام أحد الباعة بالقاهرة (صورة أرشيفية)
TT

الإعلام المصري الخاص يراهن على «انتعاشة جديدة» مع انتخابات البرلمان

جانب من صحف مصرية خاصة أمام أحد الباعة بالقاهرة (صورة أرشيفية)
جانب من صحف مصرية خاصة أمام أحد الباعة بالقاهرة (صورة أرشيفية)

بعد نحو عامين من سيطرة مؤسسات الدولة على الاضطرابات السياسية، تراهن الصحافة وبعض القنوات التلفزيونية المصرية الخاصة على «انتعاشة جديدة» من نوع مختلف، وذلك مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية، إذ إنه من المتوقع أن ينعكس اشتعال المنافسة بين المرشحين لمجلس النواب على وسائل الإعلام التي خسرت قطاعًا كبيرًا من القراء والمشاهدين ممن انصرفوا عن متابعة التجاذب السياسي، وما كان فيه من شائعات وتهويل.
وتسعى صحف خاصة وقنوات تلفزيون للحصول على حصص من إعلانات ألوف المرشحين لاقتراع البرلمان المقرر الانتهاء منه قبل آخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وإذا نجحت في ذلك فستتمكن إلى حد كبير من تعويض خسائرها المالية كما يتوقع رجال أعمال من ملّاك هذه الصحف. ويوجد في الوقت الراهن نشاط محموم داخل إدارات الإعلانات التابعة لكثير من المؤسسات الإعلامية، للفوز بحصة من موازنة الإعلانات من المرشحين الكبار. وهناك من بين المرشحين المستقلين من تبلغ نفقته الإعلانية مئات الألوف من الدولارات في الصحف فقط، خلال فترة الدعاية الانتخابية التي تقارب الشهر.
ويكتفي بعض المرشحين بنشر إعلان يتكون من صورة كبيرة على مساحة صفحة بالألوان مرفق بها اسم دائرته الانتخابية ورمزه الانتخابي. بينما يلجأ مرشحون آخرون لاستغلال هذه المساحة مدفوعة الأجر في التحدث عن برنامجه الانتخابي وما سوف يحققه إذا فاز في الانتخابات، سواء لدائرته على المستوى المحلي أو لعموم البلاد على المستوى القومي.
وشهد الإعلام المصري طفرة كبيرة في عدد المطبوعات والقنوات الجديدة وفي نسب توزيع الصحف ونسب مشاهدة التلفزيون، أثناء ثورة 25 يناير 2011، وما بعدها. واستمر هذا الوضع إلى أن قام الشعب بالثورة مجددًا لكن ضد حكم جماعة الإخوان، ونجاح الدولة في فرض الاستقرار بعد نحو ثلاث سنوات من التجاذبات والاضطرابات.
ويلخص الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز أسباب المشكلة موضحا أنه يمكن بكل بساطة القول إنه، في أعقاب ثورة يناير، «حدثت عملية انتفاخ، وزيادة ضخمة في الوسائل الإعلامية، لم تستوعبها السوق».
وجاء هذا الوضع رغم أن جانبًا من الصحف الخاصة والقنوات المستقلة يقف خلفها رجال أعمال كبار أيضا، إلا أن الشكوى من نقص الإعلانات بدأت في الظهور على السطح والتأثير على موازنة كثير من الصحف إلى درجة أدت إلى وقوع خلافات بين بعض الشركاء الكبار ممن لديهم حصص في وسائل إعلامية وينشطون في الوقت ذاته في تجارة الحديد واستيراد المعدات الثقيلة والأجهزة الطبية وغيرها.
في الوقت الراهن، وحسب البلاغات المقدمة لنقابة الصحافيين وجهات التحقيق، لا يمر شهر أو شهران إلا بأنباء عن وجود مشكلة تتعلق بالتمويل ونقص الإعلانات في إحدى الصحف أو القنوات. ولهذا التطور المربك للعاملين في الإعلام عدة أسباب من، بينها ما يتعلق بالماضي القريب لبداية تكوين هذه المؤسسات التي اعتمد البعض منها على ما يطلق عليه «المال السياسي»، خاصة بعد 2011، كما يقول عبد العزيز. وأخرى تخص عودة قطاع من الجمهور إلى وسائل الإعلام العتيدة التي توصف بأنها «رصينة» وبعيدة عن الإسفاف والسطحية.
ووفقا لمصادر إعلامية وإحصاءات شبه رسمية، فقد انخفض عدد الصحف المطبوعة يوميا في مصر من ثلاثة ملايين نسخة إلى أقل من مليون نسخة. وهذا يشمل الصحف الحكومية والخاصة والحزبية. كما أدى تراجع مؤشرات مشاهدي القنوات إلى تقليص المعلنين لإعلاناتهم التجارية عبر هذه القنوات، باستثناء شهر رمضان الذي تكثر فيه نسب المشاهدة، مما تسبب في إغلاق قنوات احتياطية كانت تبث بالتوازي مع القنوات الرئيسية وتحمل اسمها باعتبارها قناة ثانية للقناة الأم.
يقول عبد العزيز إن أزمة الإعلام المصري الحالية تتركز في نقطتين رئيسيتين؛ الأولى تخص «المال السياسي» (المحلي والخارجي) الذي دخل في صناعة الإعلام عقب الثورة. والنقطة الثانية تتعلق بغزو الإنترنت للفضاء الإعلامي، مشيرا إلى أن صناعة الإعلام المصري تعرضت لصورة من صور الإغراق اعتبارا من عام 2011، وأنه في الوقت الذي تراجعت فيه مدخلات الإعلان، بنسب زادت عن 60 في المائة بسبب أحداث الثورة، تضاعف عدد الوسائل الإعلامية، بسبب محاولة الكثير من الأطراف اتخاذ نقاط ارتكاز سياسية في الواقع الجديد بعد رحيل نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وحين تردد اللغط حول مصير إحدى القنوات التلفزيونية التي ظهرت بعد ثورة يناير، كانت الحجة الرئيسية هي تأثرها بنقص الإيرادات بسبب توقف الدوري المصري، إذ إن هذه القناة كانت من بين القنوات التي تحرص على بث مباريات كرة القدم في مسابقات الدوري والكأس في مصر، وما يقترن بذلك من إعلانات متنوعة كانت تدر ملايين الجنيهات في كل موسم. ومن المعروف أن مسابقات الكرة المصرية تجري بشكل غير منتظم ودون حضور الجمهور منذ أيام الاضطرابات التي وقعت عقب ثورة يناير.
يملك أحد رجال الأعمال حصة تزيد عن 45 في المائة في قناة أخرى تعتمد على بث الدراما التلفزيونية. ويقول إنه راهن لموسمين على الإعلانات التي تأتي من وراء بث مسلسلات شهر رمضان، إلا أنه حتى هذا الرهان أصبح موضع شك بعد أن تمت ملاحظة تراجع الإعلانات في رمضان الماضي.
ويوضح أن من بين أسباب هذا التطور المقلق، انخفاض عدد مشاهدي المسلسلات. ويضيف أن «مزاج الجهور يتغير سريعا، وهذا مكلف للغاية». ويقول ملاك صحف وقنوات إن الخسائر تبلغ ملايين الدولارات «والحل لن يلوح في الأفق، إلا إذا لجأنا لطرق غير تقليدية في مواجهة مشكلة التمويل بالذات». وبلغت خسائر إحدى الصحف الخاصة أكثر من 50 مليون جنيه (الدولار يساوي نحو 8 جنيهات). ووفقا للمستشار عبد العزيز فإن بعضا ممن استثمروا أموالهم في الإعلام عقب الثورة حسموا موقفهم. أي أن من خسر خسر.. ولا بد أن يخرج من السوق، ومن ربح ربح وسوف يستمر. ويقول: «الآن بعض المال السياسي الذي دخل للسوق حقق أهدافه بالفعل، والبعض الآخر لم يحققها. وبالتالي الاثنان فقدا معظم ذرائع المنافسة على الاستمرار. من نجح نجح، ومن فشل فشل وانتهى».
كان يمكن لمشكلة الخسائر، لا سيما في وسائل الإعلام الخاصة، أن تمر مرور الكرام، لولا العاملون فيها، الذين تقدر أعدادهم بالألوف، بحسب مصدر في اللجنة المعنية بمراقبة مشكلات الصحف المصرية في نقابة الصحافيين. ويضيف أنه حين يبدأ الكابوس يخيم على واحدة من الوسائل الإعلامية يلجأ العاملون فيها إلى النقابة، حتى لو لم يكونوا مسجلين فيها. ولهذا وجدت النقابة نفسها في موقف لا تُحسد عليه، وهي تتفاوض من أجل الحفاظ على حقوق الصحافيين والإعلاميين.
ويقول المستشار عبد العزيز إنه، وبخروج المال السياسي من المسرح الإعلامي، في الفترة الأخيرة، انكشفت الصناعة في هذا المجال، مشيرا إلى أن كل 3 جنيهات كانت تُنفق على الوسيلة الإعلامية كان منها جنيه واحد فقط يأتي من عوائد الإعلانات. ويضيف أن العائدات الطبيعية من الإعلانات هي نحو 3.5 مليار جنيه في السنة، لكن ما ينفق فاق العشرة مليارات. و«بالتالي هناك جنيهان يُنفقان بلا جدوى تتصل بالصناعة من كل 3 جنيهات».
تحاول صحف وقنوات تلفزيون خاصة التخلص من بعض ممتلكاتها من أجل الاستمرار. على سبيل المثال، هناك مؤسسات إعلامية اشترت عقب ثورة 2011 مقار فخمة في مناطق الدقي والزمالك وجاردن سيتي. وتبلغ قيمة المبنى الواحد ملايين الدولارات. ويقول أحد ملاك الصحف، وهو رجل أعمال في مجال البترول، إنه يفكر جديا في بيع المبنى ونقل مقر صحيفته إلى إحدى الضواحي الجديدة.. «سواء بشراء مقر بسعر أقل، أو الاكتفاء باستئجار مبنى جديد في مكان على أطراف العاصمة». وهو يعتقد أن هذا سينعش الموازنة لسنوات، ويبقي مؤسسته على قيد الحياة. ويضيف: «نحن لا نفكر في أنفسنا فقط. بل الأولوية لمن يعملون معنا من صحافيين وإعلاميين وإداريين وعمال».



هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».