رئيس الهيئة التونسية العليا للانتخابات لـ {الشرق الأوسط}: حافظنا على الحياد بين الباجي والمرزوقي

شفيق صرصار أكد أن حل اختلافات الآراء لا يكون إلا عبر صناديق الاقتراع

شفيق صرصار
شفيق صرصار
TT

رئيس الهيئة التونسية العليا للانتخابات لـ {الشرق الأوسط}: حافظنا على الحياد بين الباجي والمرزوقي

شفيق صرصار
شفيق صرصار

كشف رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس شفيق صرصار، في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن الهيئة التي أشرفت على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تونس خلال السنة الماضية دفعت نحو تجاوز الأزمة العميقة التي عرفتها تونس نهاية عام 2013، في إشارة إلى «اعتصام الرحيل» وتشكيل جبهة إنقاذ ومغادرة «الترويكا» الحاكمة بزعامة حركة «النهضة» السلطة بعد مخاض سياسي عسير.
وأشار إلى أن الهيئة وقفت موقف الحياد تجاه كل الأطراف السياسية، وراقبت تطورات الأحداث، وفي مرمى نظرها السيناريو المصري الذي قد يتكرر في تونس. واعتبر صرصار، وهو أستاذ القانون الدستوري، أن الهيئة أسهمت بشكل كبير في ضمان السير العادي للمؤسسات الدستورية، وتمسكت بأن أفضل الحلول لحل اختلافات الآراء لا يكون إلا عبر صناديق الاقتراع.
وبشأن الخلاف الحاد الذي طبع الحملة الانتخابية التي خاضها الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، والرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي، أصر صرصار على أن الهيئة حافظت على مبدأ الحياد، وأقرت النتائج التي أفرزتها عمليات الاقتراع. وقال إن الهيئة نظمت اجتماعا مع كلا المرشحين في محاولة لتهدئة الأوضاع المتشنجة في ما بينهما، ونجحت في ضمان تعهدات من الطرفين بمواصلة العملية الانتخابية في أجواء معقولة والقبول بالنتائج.
واعتبر صرصار أن المسار الانتخابي في تونس نجح بل إنه تميز، على حد تعبيره، لكن عملية ترسيخ الانتقال الديمقراطي لا تزال في حاجة إلى جهود كثيرة ومجهودات شاقة من قبل جميع النشطاء سواء في عالم السياسة أو مجال الحقوق والحريات ومنظمات المجتمع المدني. وجاء الحوار على النحو الآتي:
* كيف تقيم الهيئة المسار الانتخابي الحالي في تونس، وما حكمها على الأوضاع السياسية والاجتماعية التي وصلت لها بعد نحو سنة من إجراء الاستفتاء بشقيه الرئاسي والبرلماني؟
- أعتقد أن المسار الانتخابي نجح وتميز في تونس بشهادة كل الملاحظين الذي أعدوا تقارير حول العملية الانتخابية وما أفضت إليه من نتائج قبلت بها جميع الأطراف السياسية سواء من فاز في الانتخابات أو من فشل في كسب ثقة الناخبين. وقد أجرت كل من جامعتي «سيدني» الأسترالية و«أكسفورد» البريطانية دراستين حول النزاهة الانتخابية خلال الفترة بين عامي 2012 و2014، وأسندت لتونس المرتبة 25 على المستوى العالمي، وهي شهادة مهمة أكدت نجاحنا في الخطوة الأولى، ونحن في حاجة إلى خطوات أخرى ثابتة وناجحة.
* لكن الانتقال الديمقراطي في تونس ما زال بطيئا وثماره لا تزال عالقة، خاصة على مستوى تغيير حياة التونسيين.. فما تفسيركم لأسباب هذا البطء؟
- لا بد من التمييز بين الانتقال الديمقراطي وترسيخ أسس الديمقراطية، إذ من الواضح أن عملية تحقيق مناخ ديمقراطي تتطلب مجهودات أخرى، ومن المنتظر أن تسهم عمليات استكمال المؤسسات على غرار المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء إضافة إلى الانتخابات البلدية في تهيئة المناخ المناسب للمنافسة الديمقراطية.
* أوشكت تونس خلال نهاية سنة 2013 على إعادة السيناريو المصري في تونس مع خروج حركة «النهضة» من الحكم.. كيف عاشت الهيئة تلك الأحداث وهي تنادي بضرورة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في وقت وجيز؟
- كانت المسألة بمثابة التحدي الحقيقي لكل الأطراف، فالبلاد دخلت في أزمة سياسية غير مسبوقة، وكل التونسيين يتذكرون «اعتصام الرحيل» وتشكيل جبهة الإنقاذ والضغط الرهيب الذي سلطته المعارضة من أجل إخراج «الترويكا» بزعامة حركة «النهضة» من الحكم بعد تسجيل اغتيالين سياسيين سنة 2013، لكن الهيئة باعتبارها طرفا محايدا يسهر على إرساء المناخ الديمقراطي سعت إلى ضمان السير العادي للمؤسسات الدستورية، واحترام المواعيد الانتخابية، وتمسكت عبر محاورتها لأطراف الصراع السياسي بأن أفضل الحلول لحل اختلاف الرؤى والآراء لا يكون إلا عبر صناديق الاقتراع.
وكانت أمام الهيئة عدة إشكالات من بينها تخطيط المسار الانتخابي والضغط من أجل تحديد موعد نهائي للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، غير أن ظهور مسألة الفصل بين الموعدين الانتخابيين أو الجمع بينهما قد عقد المسائل بعض الشيء. وكنا نسابق الزمن من أجل احترام الآجال وتهيئة الأرضية المناسبة لإجراء الانتخابات، خاصة أن القانون التونسي لم ينظم بشكل دقيق عملية تمويل الانتخابات. ومن المعروف أن تمويل الحياة السياسية لا يتم خلال الفترة الانتخابية فحسب، وهو ما جعلنا نعجل بتحديد مواعيد الاستفتاء احتراما لمبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين. ومن الضروري الإشارة إلى أن تمويل العملية الانتخابية تتدخل فيه عدة أطراف من بينها البنك المركزي التونسي ودائرة المحاسبات والجمارك، لذلك لا يمكن للهيئة وحدها أن تراقب تمويل العملية الانتخابية.
* لكن حرص الهيئة على نزاهة الانتخابات لم يمنع من اتهام مرشحين للانتخابات الرئاسية بتلقي تمويلات خارجية، وذلك حسب تقارير دائرة المحاسبات، فما هو رأيكم في تلك الاتهامات، وهل كانت على حق ومبنية على حجج قانونية؟
- يمكن تلخيص مهمة الهيئة في هذا المجال في مراقبة تمويل الحملات الانتخابية ومختلف الأنشطة المبرمجة وسير عمليات الاقتراع وضرورة تنزيل كل العمليات المالية في حساب بنكي واحد، لكن المسؤولية كما ذكرت ملقاة على عاتق أكثر من طرف. وبشأن اتهامات دائرة الحسابات، فهي لا تعدو أن تكون في خانة الاتهامات التي لا بد من إثباتها بالحجة والدليل، لذلك لم تذكر دائرة المحاسبات أسماء المتهمين بتلقي تمويلات من الخارج، وأبقت على إمكانية تبرئتهم في انتظار استكمال التحريات، فقد تكون تلك الأموال قد دخلت إلى حساباتهم لغايات أخرى غير تمويل الانتخابات.
* وأنت تنظر الآن إلى العملية الانتخابية التي عرفتها تونس خلال السنة الماضية.. ما تقييمك لها وما هي أوجه التقصير التي وقفتم عليها؟
- كانت تجربة صعبة للغاية، وكانت بمثابة التحدي بالنسبة لنا، إذ إن فشل العملية الانتخابية يعني رجوع البلاد إلى منطق المزايدة السياسية والاحتكام إلى الشارع لفض الخلافات السياسية، وهو ما سعينا إلى إيقافه بشكل قانوني، ومن خلال الضغط على جميع الأطراف بوجوب خضوعها للانتخابات.
* وكيف قبلتم هذا التحدي في ظرف سياسي حساس، وهل انتابكم شعور في فترة ما بأن الانتخابات قد تفشل خاصة بعد احتدام الحملات الانتخابية واصطفاف التونسيين إلى مخيمين أساسيين، في ما يعرف بالاستقطاب الثنائي؟
- لا أخفي عليكم أنني كنت مترددا للغاية في دخول مغامرة الإشراف على العملية الانتخابية، لكن نداء الواجب كان أقوى من كل مشاعر التخوف، وسعينا داخل الهيئة إلى تقديم خارطة طريق واضحة المعالم، ودفعنا نحو احترام الآجال الدستورية التي حددت موعد إجراء الانتخابات قبل نهاية سنة 2014.
لقد عرفنا فترات صعبة، ولكن أمل النجاح كان يراودنا خاصة بعد التوفق في حسم مسألة الجمع أو الفصل بين المحطتين الانتخابيتين. وعلى الرغم من طابع الحياد الذي يميز كل تدخلاتنا فقد وجهنا دعوة إلى الباجي قائد السبسي مرشح حركة «نداء تونس» للانتخابات الرئاسية ومنافسه الأول المنصف المرزوقي المرشح المستقل بعد نجاحهما في المرور إلى الدور الثاني من المنافسات، وذلك بهدف تهدئة مناخ الانتخابات والتقليل من التجاذب الحاد الذي عرفته الحملات الانتخابية.
* وماذا تناولتم من مواضيع في ذلك الاجتماع؟
- كان هدفنا نزع فتيل الاتهامات وحث المرشحين على عدم تجاوز حدود الحملة الانتخابية التي ستنتهي بفوز أحد الطرفين. وكان الاجتماع بالسبسي والمرزوقي بشكل فردي، إذ لم يكن من المنطقي الجمع بينهما حول طاولة واحدة في مثل تلك الظروف، وقد تقبل الطرفان نصائح الهيئة العليا للانتخابات وتوصياتها، ووعدا بتخفيض حالة التوتر السياسي، وهو ما وقفنا عليه خلال الأيام الأخيرة من الحملة. والمريح في تلك العملية الانتخابية الشاقة أن طرفي المنافسة قبلا بالنتائج وسلما بنزاهة العملية الانتخابية، على الرغم من محاولات تشكيك لم تكن مبنية على حجج وأدلة ترقى إلى مستوى الطعن في الانتخابات.
* وكيف عاش شفيق صرصار لحظة تسليم المرزوقي قصر قرطاج لخليفته السبسي؟
- كانت لحظة تاريخية لا تنسى بالنسبة لكل أعضاء هيئة الانتخابات وللتونسيين جميعا، فهي ستبقى عنوان نجاح تونس في المرور من وضعية التمسك بكرسي الحكم إلى حالة التداول السلمي على السلطة.
* من المنتظر أن تعرف تونس انتخابات محلية (بلدية) خلال السنة المقبلة، وقد حددتم تاريخ 30 أكتوبر (تشرين الأول) من سنة 2016 موعدا لإجرائها.. فهل الأرضية مهيأة لتنظيم تلك الانتخابات، خاصة أنكم صرحتم بأنها ستكون صعبة ومعقدة؟
- نص الدستور التونسي الجديد على ضرورة أن يقع إلحاق كامل تونس بمناطق بلدية، وألا تبقى أي منطقة خارج دائرة المناطق البلدية، وهو ما خلق إشكالا لدى الحكومة التي باتت مطالبة ببعث بلديات جديدة من المنتظر أن يتجاوز عددها 17 بلدية حتى يتمكن سكان تلك البلديات من المشاركة في الانتخابات المقبلة.
وتعيش السلطات التونسية على ما يصلها من تقارير في تحدٍ حقيقي للاستجابة لهذا الشرط الدستوري، غير أن موعد الانتخابات الذي قدمته الهيئة قد لا يكون نهائيا، وهو مرتبط بتوافر شروط عدة من بينها تعميم النظام البلدي، كما ذكرنا، وإصدار قانون انتخابي ينظم العملية الانتخابية برمتها، وهذا يتطلب الكثير من الجهد والعمل.
* هل استكملت هيئة الانتخابات تركيز شبكة مقراتها بالكامل للإشراف على هذه المحطة الانتخابية الجديدة؟
- ما زالت لدينا مشاكل عقارية عدة بالنسبة لمقرات الهيئة في مراكز الولايات (المحافظات)، مثل الكاف وتوزر والمنستير وباجة، ونحن ساعون إلى تسويتنا.
* في انتظار المحطات الانتخابية المقبلة، ما هي الخطوة المقبلة التي ستخطوها الهيئة؟
- من المنتظر أن تشرف الهيئة على انتخابات المجلس الأعلى للقضاء قبل إجراء الانتخابات المحلية، وطلبت منها الأطراف جميعها، من حكومة وهياكل نقابية قضائية وأطراف سياسية ممثلة في هذا الهيكل الدستوري، الإشراف على العملية الانتخابية، وفي ذلك تعزيز لرصيد الثقة الذي باتت الهيئة تتمتع به لدى جميع الأطراف.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.