معماري يقتحم واشنطن بأبنية مصنوعة من حاويات الشحن

صاحب الفكرة يعتقد أنها «أفضل شيء منذ اختراع الطوب»

المهندس المعماري ترافيس برايس أمام إحدى الوحدات السكنية المصنوعة من حاويات الشحن في واشنطن (واشنطن بوست)
المهندس المعماري ترافيس برايس أمام إحدى الوحدات السكنية المصنوعة من حاويات الشحن في واشنطن (واشنطن بوست)
TT

معماري يقتحم واشنطن بأبنية مصنوعة من حاويات الشحن

المهندس المعماري ترافيس برايس أمام إحدى الوحدات السكنية المصنوعة من حاويات الشحن في واشنطن (واشنطن بوست)
المهندس المعماري ترافيس برايس أمام إحدى الوحدات السكنية المصنوعة من حاويات الشحن في واشنطن (واشنطن بوست)

جلس ترافيس برايس على مقعده في كافيتريا مدرسة ماينر الابتدائية في شمال شرقي ولاية واشنطن الأميركية، عاقدا ذراعيه أمام صدره، ويحمل وجهه نظرة من التركيز الشديد.
كانت لجنة الحي الاستشارية الممثلة لحي روزديل تنظر في تصميمات برايس لبناء 22 منزلا، مصنوعة بالكامل من حاويات الشحن المستخدمة، والتي يمكن أن تنتقل إلى قطعة أرض مملوكة لمجلس المدينة في شارع كرامر بشمال شرقي المدينة.
كان برايس متحمسا، وفي بعض الأحيان من الدعاة المفرطين في الحماس لتصاميم الحاويات المعمارية، وهو يسمي حاويات الشحن «أفضل شيء منذ اختراع الطوب»، وذلك لأن الصناديق المعدنية تلك توفر أسلوبا رخيصا للبناء، وسريعا وأكثر استدامة من غيره.
يعمل برايس على جلب مزيد من الوحدات في حي روزديل، بما في ذلك 10 وحدات تباع بأسعار معقولة، لقاء القليل من المال وفي أقل وقت ممكن من العروض الأخرى قيد النظر، التي يقدم أحدها بناء 12 منزلا تقليديا والآخر يعرض بناء 10 من المنازل العادية.
وقال دان غولدن، رئيس لجنة «إيه إن سي» الفرعية للتنمية الاقتصادية، أمام تجمع من نحو 60 مواطنا في أبريل (نيسان) الماضي، إن المأخذ الوحيد على حاويات برايس كان في التصميمات الجمالية بها. ويعرف برايس تماما ما يقصده غولدن بذلك، حيث ظن بعض الجيران أن الحاويات سوف تأخذ مكانها بين المنازل التقليدية بالحي، وليس بطريقة جيدة أيضا.
رفع المهندس المعماري برايس، البالغ من العمر 66 عاما، ذو الشعر الرمادي واللكنة الجورجية الخفيفة، يده طالبا الحديث ليقول: «ربما لا يكون من الضرورة النظر إلى أحد جوانب النزعة الجمالية دون غيره».
كان موقفا غريبا من جانب المهندس المعماري، حيث دعا الناس إلى عدم الاهتمام بمنظر المبنى الخارجي. ولكن المدينة طالبت بما هو أكثر من التصميم الجميل، حيث طلبت منه وجود قدر معين من المواد الصديقة للبيئة وكفاءة استخدام الطاقة.
أراد برايس تحويل الانتباه إلى المميزات الاقتصادية والبيئية لتصميماته بدلا من ذلك. وقال معبرا عن غضبه في الردهة بعد ذلك: «إن ذلك محض هراء».
لا تملك اللجنة القول الفصل حول المشروع، بل الكلمة الأخيرة هي لمجلس المدينة. ولكن مع ذلك كان رد الفعل مخيبا لآمال برايس. لقد عمل على تصميم أول مبنى سكني من حاويات الشحن في المدينة على موقع خاص بالقرب من الجامعة الكاثوليكية، الذي افتتح في سبتمبر (أيلول) الماضي. وأطلق عليه اسم «سي يو إيه»، مشيرا إلى كل من المبنى والجامعة، ولقد اجتذب المبنى، المكون من أربعة مستويات من الصناديق المعدنية الزرقاء المجعدة ذات الواجهات من النوافذ الممتدة من السقف حتى الأرضيات، اهتمام وسائل الإعلام والمكالمات ورسائل البريد الإلكتروني إلى برايس من عدد من المطورين في مختلف أنحاء البلاد. ولقد أصيب طلاب الجامعات، الذين انتقلوا للحياة في الشقق الأربع ذات الـ6 غرف نوم، بالإرهاق من تحديق الناس والمارة.
جيمي يونغ، هو أحد المواطنين من كبار السن ممن انتقلوا إلى الطابق الأعلى برفقة سبعة من زملاء فريق كرة القدم، ويقول: «في أول الأمر، كان الأمر مضحكا. وبعد أن طلب الشخص الـ20 الحضور لجولة في المكان، قلنا له: إنه منزلنا، إنه ليس بمتحف».
ويتابع يونغ قائلا إنه على الرغم من أن بعض رفاق السكن الذين يتقاسمون غرفة النوم يجدون الوضع مزدحما بعض الشيء، فإنهم يجعلون من تقاسم الغرف أمرا ممتعا. ويونغ نفسه، الذي ينفرد بغرفته الخاصة، يقول إنه صار محبا للمبنى: «أستطيع القول إنني أعيش في مكان خاص للغاية. لسوف تكون قصة عظيمة يمكنني إخبار الآخرين عنها في كل مكان».
كان استقبال الناس لمبنى «سي يو إيه» خارج واشنطن علامة على وصول هندسة الحاويات المعمارية أخيرا إلى الولايات المتحدة، وهو الاستنتاج الذي تؤيده مقالات مجلة دويل، وبرامج «إتش جي تي في»، وعدد لا يحصى من الصور على موقع «بينتيريست» الشهير. وصار الأمر من الموضات العصرية في مختلف أرجاء العالم، ففي لندن تم إنشاء كثير من مباني الحاويات المؤقتة، ومن بينها استوديوهات البث الخاصة بهيئة الإذاعة البريطانية، لتغطية فعاليات دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية لعام 2012. وفي أمستردام، استخدمت الحاويات في بناء منازل للطلاب. وفي أغسطس (آب)، فازت شركة «غانتي وشركاه» بمسابقة دولية لتصميم المساكن المؤقتة لأجل بناء ناطحة سحاب مشيدة من حاويات الشحن بالكامل. ويقول برايس عن ذلك: «عندما تبدأ في التعامل مع المجال العام تشعر أن شيئا ما سوف يحدث».
وبعد أسابيع من الاجتماع في مدرسة ماينر الابتدائية، استقر السيد برايس داخل مبنى الهندسة المعمارية بالجامعة الكاثوليكية، حيث كان يدرس هناك منذ عام 1991، لمراجعة وتنقيح تصميمات الطلاب لحديقة صناعية مقترحة من الحاويات في مدينة سوينفورد في آيرلندا. استخدم الطلاب الحاويات مثل قطع لعبة الليغو الضخمة، واصطفافها لتكوين أشكال صندوقية أو نثرها حول الحديقة في زوايا غير اعتيادية.
وتوفر الحاويات في تكاليف عمال البناء، كما توفر الوقت والمرونة. وبعد معالجتها وإعادة دهانها وقطعها، والتي تكلف ما بين 1100 إلى 3500 دولار لكل وحدة. يجري إعداد الموقع وترصيص الوحدات، ووضع الأثاثات في الداخل، وتصل التكلفة النهائية إلى نحو 160 دولارا للقدم المربع الواحد، كما يقول برايس، وذلك مقارنة بمبلغ 225 دولارا للقدم المربع الواحد بالنسبة للبنايات التقليدية.
وينبع التوفير في التكاليف بصورة رئيسية من عدم ضرورة إنفاق كثير من المال على الواجهة الخارجية للمبنى، وذلك بسبب أن 40 إلى 50 في المائة من الجدران يمكن إزالتها من دون الإضرار بالسلامة الهيكلية للمبنى، ويمكن للمصممين إضافة النوافذ أو تجميع الحاويات لإيجاد مساحات داخلية أكبر وغير مقصورة على أبعاد الحاويات بمقاييس 8 أقدام عرضا و9 أقدام و6 بوصات ارتفاعا مع 40 قدما طولا. والمبنى الذي يمكن تشييده من الحاويات المستعملة يمكن إقامته في نصف الوقت المستغرق لبناء المبنى التقليدي.
كما يمكن للسيد برايس أن يطيح بكل تلك الحقائق والأرقام، وهو الأمر الذي لا يبرع فيه طلابه حتى الآن. فلقد قال لأحد الطلاب: «إنك تبيعها بأقل من قيمتها الحقيقية». وهو يريد لطلابه أن يكونوا ماهرين في الترويج للأفكار الجديدة في أوساط المطورين، ومجالس تقسيم المناطق، والجيران المتشككين.
يسهل ذلك كثيرا على السيد برايس، إذ إنه متحدث جيد، وحينما ينخرط في حديثه عن أمر ما قد يتسم بالحدة، مثل قوله «إن حجارة التبليط تلك تبدو مثل الأفنية المفتوحة في ضواحي المدن».. وقد يتسم أيضًا بالملل مثل قوله: «ديكورات الواجهات التي تجذبنا بشدة إلى الماضي سوف تشكل شخصيتنا الإنسانية، وتحولها إلى همس أحادي خفيف ولطيف».
تعرف برايس للمرة الأولى على مساكن الحاويات في نيو مكسيكو خلال فترة السبعينات، حينما كانت تستخدم في المساكن الشمسية السلبية. ولقد عفا عليها الزمن إثر أزمة الطاقة، ثم انتقل للعيش في تاكوما بارك بولاية ماريلاند في عام 1980، ثم أسس لممارسة في المحافظة على وتصميمات المباني الحديثة مع قليل من الديكورات الداخلية وكثير من الزجاج. ومن بينها منزله الخاص الذي بناه في عام 2004 في منطقة فورست هيلز بشمال غربي واشنطن، مع واجهة من النحاس المغلف، وجسر زجاجي وجدار رباعي الطوابق من النوافذ في الخلفية.
وأدت شعبية الطراز الصناعي والتصميمات المستدامة إلى إحياء «ثقافة الحاويات» في العقود الأولى من القرن العشرين. وبحلول ذلك الوقت خلقت القوى الاقتصادية العالمية فائضا مزمنا من الحاويات الفارغة. ووفقا لمارك ليفنسون، خبير الاقتصاد ومؤلف كتاب «الصندوق»، فإن توحيد حجم الحاويات قلل وبشكل كبير من تكاليف شحن البضائع من مراكز العمالة المنخفضة في آسيا إلى الأسواق في الغرب. واليوم، بسبب العجز التجاري الغربي الهائل مع الصين، يمكن أن يكون الأمر أكثر فعالية من حيث التكلفة لإرسال الحاويات الجديدة مليئة بالبضائع أفضل من سداد رسوم الحاويات المستعملة لإرجاعها فارغة. وفي أي وقت من الأوقات، ووفقا لتقديرات الخبراء، هناك نحو 2.5 مليون حاوية فارغة حول العالم. بما في ذلك مئات الآلاف من الحاويات في الموانئ الأميركية مثل ميناء بالتيمور، والتي تعاملت مع 126 ألف حاوية فارغة في عام 2014، كما أفاد ريتشارد شير الناطق الرسمي باسم إدارة ميناء ماريلاند. وأصبح العثور على استخدامات للحاويات الفارغة أمرا ملحا ولا يُقاوم بالنسبة للمعماريين والمستهلكين من أصحاب التوجهات البيئية.
الاستثناء الوحيد الجدير بالذكر هو لويد التر، الكاتب في موقع «تري هاغر»، الذي يدير والده شركة لتأجير الحاويات ويستخدمها في مشروعات الهندسة المعمارية بالكليات. وقال التر إن استخدام الحاويات يمكن أن يكون من قبيل الإسراف نظرا لأن المبنى المكون من ثلاث حاويات فقط يحمل من الصلب ما يكفي لبناء مبنى تقليدي مكون من 16 طابقا. ومع ازدياد مستوى الاستدامة في المباني التقليدية، كما يقول التر، فإن «هناك طرقا أكثر صداقة للبيئة للبناء من ذلك».
ويقول برايس إن قيمة الحاويات رخيصة، وإن نماذج وحدات البناء المتاحة بسهولة لا ينبغي التقليل من شأنها. كما يعتقد أنها في يوم من الأيام سوف تحل محل أغلب الأنماط الشائعة لنماذج المباني الرخيصة في الولايات المتحدة، وعلى نطاق كبير. وأضاف قائلا: «إذا جمعت، في أبسط الأنماط، ما بين ليغوس وإيكيا، فستجد نفسك فجأة في مجال جديد تماما»، بسبب أن «المواطن والمواطنة العاديين من الطبقة العاملة سوف يكونون قادرين على تحمل تكاليف السكن الخاصة بهم».
واعتبارا من مطلع سبتمبر، لم تكن هناك أخبار من المسؤولين في العاصمة واشنطن حول مصير حاويات شارع كرامر. فإذا لم تتم الموافقة على تصميمه، كما يقول برايس، فسوف يُعزى الأمر إلى «استبداد بعضهم».
وقضى برايس جزءا من الصيف يعمل على تصاميم لسوق مفتوحة في الهواء الطلق تقع في الطريق الشمالي الشرقي من نيويورك. كما خرج ببدائل لهيكل حاوية مؤقت أطلق عليه اسم «افتتاح سيرك الشمس»، حيث يمكن للناس فيه تناول الوجبات أو الاستماع للموسيقى على طريق محطة مترو ويل ريستون الشرقية. وقال إن المشروع لن يكون مماثلا لأرض المعارض في شارع هالف بالقرب من ناشيونالز بارك، الذي وصفه بأنه غير متطور.
كما بدأ برايس العمل مع سيلفر سبرينغ في ماريلاند، وهي الأسرة التي تستخدم الحاويات في بناء شقق سكنية ومتاجر فاخرة ملحقة بمبنى طبي قديم يمتلكونه في شارع 12 وفرانلكين شمال شرقي المقاطعة في حي بروكلاند.
ولقد كان رد الفعل الأولي من السيدة الينز هيندز، عميدة العائلة، هو: «لا يريد أحد أن يعيش داخل حاوية»، وذلك حينما جاء بها نجلها الفنان روب وابنتها مغنية الأوبرا لورين، الذين يعيشون في بروكلين بنيويورك، إلى الجوار لمشاهدة مساكن الحاويات.
كانت لورين واضحة تماما في سبب توجه أسرتها نحو مساكن الحاويات، حيث قالت: «إننا لا نعتقد فعلا أن الحاويات جميلة أو أنيقة، بل إننا نحبها لأنها قوية، وحديثة، وصديقة للبيئة، ولطيفة، وموفرة للطاقة، وأسرع في البناء من المباني التقليدية، وأخيرا وليس آخرا فعالة من حيث التكاليف».
ولا يعتبر برايس ذلك من قبيل الإساءة، حيث قال: «ما الشيء غير الجمالي فيها؟». وأضاف أن المعماريين اليوم جعلوا من الحاويات مكانا أكثر جمالا وبأسعار معقولة، كما أنها تحولت إلى وسيلة معيارية للبناء. متابعا: «ولكن القادم هو المقدرة على تشكيلها بصورة أكثر إبداعا، وليس بطريقة ساذجة. ليست لدي الإجابة على ذلك الآن، ولكنه أمر في خططي المستقبلية».
* خدمة: واشنطن بوست خاص بـ {الشرق الأوسط}



هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
TT

هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل

يتعين على ديانا كارلين الانتهاء من تأليف الكتاب الذي تعمل عليه بشأن متعة امتلاك بوتيك لولا ستار، ذلك المتجر الصغير والساحر للغاية في ممشى كوني آيلاند، على مدى السنوات الـ19 الماضية. لكن بدلا من ذلك، انتابت السيدة كارلين حالة من الخوف والتوتر منذ أن عرض عليها مالك المتجر الذي تعمل فيه عقدا جديدا للإيجار منذ عدة أسابيع - تزيد فيه القيمة الإيجارية بنسبة 400 في المائة دفعة واحدة. وقالت: «إنني أتساءل إن كان ينبغي علي أن أطلب لافتات (التوقف عن العمل!)».
وفي الصيف الماضي، كانت كوني آيلاند في حي بروكلين بمدينة نيويورك تزدحم بالباحثين عن الاستمتاع على الشواطئ ومختلف أشكال الترفيه الأخرى، ولكنها تميل لأن تكون أكثر هدوءا في فصل الشتاء. وقبل أكثر من عشر سنوات مضت، تعهدت مدينة نيويورك بإنشاء وجهة سياحية ذات حديقة مائية، وساحة كبيرة، وحلبة للتزلج على الجليد، تعمل على مدار السنة، مع ملايين الدولارات من الاستثمارات السكنية والتجارية.
وفي الأثناء ذاتها، قال مايكل بلومبيرغ - عمدة مدينة نيويورك آنذاك، إنه سوف تتم حماية مطاعم الأكل والمتاجر الرخيصة في المنطقة. وكان مارتي ماركويتز رئيس مقاطعة بروكلين قد أعلن في عام 2005 أن الخطة المزمعة سوف تحافظ على الروعة التي تنفرد بها كوني آيلاند مع روح المحبة والمرح المعهودة. ولكن على غرار الكثير من الخطط الكبرى في مدينة نيويورك، لم تتحقق الرؤية الكاملة للمشروع بعد. فلقد بدت كوني آيلاند خالية بصورة رسمية بعد ظهيرة يوم من أيام يناير (كانون الثاني) الماضي، وصارت بعيدة كل البعد عما تعهدت به إدارة المدينة عن الجاذبية والنشاط على مدار العام كما قالت. إذ تهب الرياح الصاخبة على منشآت مدن الملاهي الشهيرة مثل لونا بارك وستيبلشيز بارك، ولكن لا وجود لحلبة التزلج أو الحديقة المائة، حيث لم يتم إنشاء هذه المنشآت قط.
والآن، وفي مواجهة آلة التحسين التي تتحرك بوتيرة بطيئة للغاية، أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند مجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل. تقول السيدة كارلين: «إنهم يحاولون الآن تحويل ساحة اللعب المخصصة لعوام الناس إلى ملعب خاص بالأثرياء فقط».
وكانت السيدة كارلين، رفقة 5 آخرين من أصحاب الشركات الصغيرة في كوني آيلاند - وهم: ناثان فاموس، وروبي بار آند جريل، وبولز دوتر، ومطعم توم، وبيتش شوب - يتفاوضون على عقود جديدة للإيجار تمتد لمدة 10 سنوات مع شركة «زامبيرلا»، وهي الشركة المالكة للمتنزه الإيطالي التي تعاقدت معها مدينة نيويورك قبل عشر سنوات لبناء وإدارة منطقة لونا بارك الترفيهية في كوني آيلاند، والتي تعد الشركات الصغيرة المذكورة جزءا لا يتجزأ منها.
وجاءت شركة «زامبيرلا» بشروط جديدة: زيادة القيمة الإيجارية من 50 إلى 400 في المائة لكل شركة من الشركات المذكورة. وتقول السيدة كارلين عن ذلك: «إنني أعشق كوني آيلاند، والحصول على هذا المتجر على الممشى السياحي كان من أحب أحلام حياتي. ولكن ليست هناك من طريقة أتمكن بها من تحمل الشروط الجديدة».
وفي رسالة وصلت إلى صحيفة «نيويورك تايمز» من أليساندرو زامبيرلا رئيس الشركة المذكورة، جاء فيها: «نحن نهتم بشؤون كوني آيلاند ومستقبلها، ونحن ملتزمون بتحويلها إلى أقوى مجتمع يمكن بناؤه. وذلك هو السبب في تواصلنا مع المستأجرين لضمان نجاح أعمالهم ضمن المحافظة على شخصية كوني آيلاند المميزة».
ورفض السيد زامبيرلا، الذي كان في رحلة سفر إلى إيطاليا، الإجابة عن أسئلة محددة طرحتها عليه صحيفة «نيويورك تايمز»، غير أنه أضاف يقول إن ثلاثة من أصل ست شركات قد وافقت بالفعل على عقود الإيجار الجديدة ووقعت عليها، وإن الشركات الأخرى تحقق تقدما ملموسا على هذا المسار.
أثارت الزيادات المقترحة في القيمة الإيجارية على الشركات الست الصغيرة حالة من الشد والجذب الشديدة المستمرة منذ سنوات داخل كوني آيلاند.
ففي عام 2009، وبعد مواجهة استغرقت 4 سنوات كاملة حول أفضل خطط إحياء وتجديد المنطقة، ابتاعت المدينة تحت رئاسة مايكل بلومبيرغ 7 أفدنة في منطقة الترفيه المضطربة من المطور العقاري جوزيف سيت مقابل 95.6 مليون دولار.
وأراد مايكل بلومبيرغ استعادة المنطقة إلى سابق عهدها، والتي بدأت تواجه الانخفاض منذ ستينات القرن الماضي، من خلال تعزيز تطوير المتاجر والشقق على طول طريق سيرف في المنطقة. وكانت الشركات التي افتتحت في فصل الصيف تنتقل إلى جدول زمني للعمل على مدار العام، مما يساعد على تعزيز رؤية مايكل بلومبيرغ باعتبار كوني آيلاند أكبر مدينة للملاهي الترفيهية والحضرية في البلاد.
ثم استأجرت شركة «زامبيرلا» الأرض من المدينة، مما أتاح لها افتتاح مدينة لونا بارك الترفيهية في عام 2010، مع إملاء عقود الإيجار الخاصة بالشركة مع أصحاب الشركات الصغيرة، ومطالبة هذه الشركات بتسليم جانب من الأرباح المحققة إلى المدينة.
وتعرضت الشركات العاملة على الممشى السياحي في المنطقة للإغلاق، حيث عجزت عن الاتساق مع الرؤية الجديدة للشركة الإيطالية. وكانت شركات صغيرة أخرى، مثل متجر السيدة كارلين، قد عاد للعمل بعد قرار الإخلاء الذي تعرضت له في عهد المطور العقاري جوزيف سيت.
وبحلول عام 2012، كانت جهود الانتعاش جارية على قدم وساق، وشهدت المنطقة نموا في الجماهير والإيرادات. وقالت السيدة كارلين إنها حققت أرباحا بنسبة 50 في المائة تقريبا بعد تولي شركة «زامبيرلا» مقاليد الأمور.
وقال سيث بينسكي، الرئيس الأسبق لمؤسسة التنمية الاقتصادية، حول المنطقة: «يعتقد أغلب الناس أنه قد جرى تطوير المنطقة لتتوافق مع التاريخ المعروف عن كوني آيلاند». ومع ذلك، فإن منطقة الملاهي لا تعمل على مدار السنة. وقال مارك تريغر، عضو مجلس المدينة الممثل لقطاع بروكلين الذي يضم كوني آيلاند، إنه يعتقد أن الوضع الراهن نابع من ندرة الاستثمارات من قبل مجلس المدينة وعمدة نيويورك بيل دي بلاسيو ضمن أهداف المدينة لعام 2009. وقال السيد تريغر: «لا تعرف الشركات إلى أين تذهب كوني آيلاند في ظل إدارة دي بلاسيو للمدينة. فهناك قصور واضح في الرؤية ولا وجود للخطط الشاملة بشأن تحسين المنطقة». وأضاف أن الوعود غير المتحققة منحت شركة «زامبيرلا» قدرا من النفوذ لإضافة المزيد من الأعباء على المستأجرين للمساعدة في استرداد الأرباح المهدرة. وقال إن هؤلاء المستأجرين قد استثمروا أموالهم هناك تحت فكرة تحول هذه المنطقة إلى وجهة سياحية تعمل طوال العام، مع حركة السير على الممشى طيلة السنة، على العكس من 3 إلى 4 أشهر من العمل فقط في العام بأكمله. ولا يمكن لأحد السماح بتحويل الأراضي العامة إلى سلاح باسم الجشع لإلحاق الأضرار بالشركات الصغيرة.
ولقد أعربت السيدة كارلين رفقة العشرات من العمال الآخرين في كوني آيلاند عن اعتراضهم على زيادة القيمة الإيجارية وذلك بالوقوف على درجات سلم مجلس المدينة في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وفي مقابلة أجريت مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وصف نورمان سيغيل محامي الحقوق المدنية قرار شركة «زامبيرلا» بأنه غير مقبول تماما، وأضاف أنه ينبغي على عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو التدخل في الأمر. وأضاف المحامي سيغيل أن إدارة مجلس المدينة يجب أن تطالب الشركة الإيطالية طرح شروط إيجارية معقولة، وإذا لم يحدث ذلك، فينبغي على المدينة التفكير جديا في سحب عقد الإيجار من شركة «زامبيرلا»، التي أفادت في محاولة لتحسين النوايا بأنها سوف تمدد الموعد النهائي للسيدة كارلين لتوقيع عقد الإيجار الخاص بها حتى يوم الأربعاء المقبل.
وقالت السيدة كارلين عن ذلك: «يقضي صاحب الشركة عطلته في إيطاليا في حين أنني أبذل قصارى جهدي لمجرد إنقاذ متجري الصغير ومصدر معيشتي الوحيد». ورفض السيد زامبيرلا وأصحاب الشركات الخمس الأخرى التعليق على عقود الإيجار الخاصة بهم، برغم أن الكثير من الشخصيات المطلعة على الأمر أكدوا أن الزيادة تتراوح بين 50 في المائة للمتاجر الكبيرة و400 في المائة لمتجر السيدة كارلين الصغير، والتي قالت إنها تعتقد أن الشركات الأخرى لم تتحدث عن المشكلة علنا خشية الانتقام من الشركة الإيطالية ومخافة قرارات الطرد.
وأضافت السيدة كارلين تقول: للتعامل مع الزيادات المطلوبة في الإيجار قرر أصحاب المتاجر رفع الأسعار، وإن أحد المطاعم أجرى تغييرات للانتقال من مطعم للجلوس وتناول الطعام إلى مطعم للوجبات السريعة للحد من التكاليف.
واستطردت السيدة كارلين تقول: «حاولت تقديم الالتماس إلى مجلس المدينة مرارا وتكرارا من خلال المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني والاحتجاجات خلال الشهر الماضي - ولكن لم يتغير شيء حتى الآن. وقال لها مجلس المدينة إنه غير قادر على المساعدة وليس هناك الكثير مما يمكن القيام به، ولكنني لا أوافق على ذلك، فهم أصحاب الأرض التي يستأجرها منهم زامبيرلا».
وقال المحامي سيغيل إن الزيادات باهظة للغاية لدرجة أنها قد تكون سببا وجيها للتقاضي، وأضاف: «هناك عدد من السوابق القضائية في ذلك إذا قررت المحكمة أن ما تقوم به الشركة غير معقول، ويمكن أن يكون ذلك من المطالب القانونية المعتبرة في حد ذاتها».
وليست هناك مؤشرات عامة في مجلس المدينة بشأن خطط سحب عقد الإيجار من زامبيرلا، أو التدخل، إذ إن زيادة القيمة الإيجارية لا تنتهك الاتفاقية المبرمة بين مجلس المدينة وبين شركة زامبيرلا. ونفت السيدة جين ماير، الناطقة الرسمية باسم عمدة نيويورك، الادعاءات القائلة بأن إدارة المدينة تفتقد للرؤية الواضحة أو الخطة الشاملة حيال كوني آيلاند. وقالت إن المدينة أنفقت 180 مليون دولار على تطوير البنية التحتية في كوني آيلاند خلال السنوات العشر الماضية، مع التخطيط لتوسيع نظام النقل بالعبّارات في نيويورك إلى كوني آيلاند بحلول عام 2021.
وأضافت السيدة ماير تقول: «تلتزم إدارة المدينة بالمحافظة على شخصية كوني آيلاند مع ضمان الإنصاف والمساواة والاستعداد للمستقبل». في حين تساءل المحامي سيغيل: لمن يُخصص هذا المستقبل؟ وهو من مواطني المدينة ونشأ في حي بروكلين، واعتاد قضاء فترات من الصيف على الممشى السياحي هناك، ويتذكر إنفاق دولار واحد لدخول مدينة الملاهي ثم العودة لتناول وجبة العشاء الشهية لدى مطعم ناثان فاموس المعروف، وقال: «علينا مواصلة الكفاح لإنقاذ كوني آيلاند التي نحبها».
- خدمة «نيويورك تايمز»