الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على 4 أشخاص بسبب أحداث {بوروندي}

المواجهات المستمرة بين السلطة والمعارضين خلفت أكثر من مائة قتيل

عائلة أحد ضحايا العنف في بوروندي تبكي فقيدها الذي قتل خلال المواجهات الأخيرة بين قوات الجيش والمعارضة (أ.ب)
عائلة أحد ضحايا العنف في بوروندي تبكي فقيدها الذي قتل خلال المواجهات الأخيرة بين قوات الجيش والمعارضة (أ.ب)
TT

الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على 4 أشخاص بسبب أحداث {بوروندي}

عائلة أحد ضحايا العنف في بوروندي تبكي فقيدها الذي قتل خلال المواجهات الأخيرة بين قوات الجيش والمعارضة (أ.ب)
عائلة أحد ضحايا العنف في بوروندي تبكي فقيدها الذي قتل خلال المواجهات الأخيرة بين قوات الجيش والمعارضة (أ.ب)

أعلن الاتحاد الأوروبي، أمس، أنه فرض عقوبات حظر سفر، وتجميد أصول ضد 4 أشخاص كان لهم دور في أحداث القتل والعنف الذي تعاني منه بوروندي، وأعرب عن أسفه للافتقار إلى التحسينات في الدولة الواقعة شرق أفريقيا.
وأفادت حكومات الاتحاد الأوروبي في بيان أمس بأنه «لم يتم إحراز تقدم في البحث عن حل سياسي للأزمة في بوروندي، والدولة تواجه خطر تصاعد أعمال العنف».
وتعاني بوروندي من العنف الذي بدأ منذ أبريل (نيسان) الماضي، وذلك عندما أعلن الرئيس بيير نكورونزيزا عزمه الترشح لولاية ثالثة. وفي تحدٍّ للاحتجاجات العنيفة التي استمرت عدة شهور، مضى نكورونزيزا في مساعيه حتى فاز في انتخابات يوليو (تموز) الماضي التي قاطعتها المعارضة. لكن ذلك أدى إلى أحداث عنف خلفت عشرات القتلى، حيث قدرت منظمات حقوق الإنسان عدد قتلى أعمال العنف المستمرة منذ أبريل أزيد من مائة قتيل. فيما أفاد بيان الاتحاد الأوروبي بأن العقوبات تهدف لدعم الجهود الدولية «للوصول إلى حل سياسي دائم عبر الحوار».
لكن لن يتم الإعلان عن الشخصيات الأربعة التي فرضت عليها العقوبات قبل يوم الجمعة، عندما تدخل العقوبات حيز التنفيذ.
وأفاد البيان بأن أنشطة هؤلاء «تقوض الديمقراطية أو تعرقل الجهود الرامية للتوصل لحل سياسي للأزمة الراهنة في بوروندي، ولا سيما عبر أعمال العنف أو القمع أو التحريض على العنف، بما في ذلك أعمال تنطوي على انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان».
وسوف يتم تجميد أي أصول يمتلكها هؤلاء الأشخاص الأربعة في أي من دول الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 28 دولة، كما سيتم منعهم من السفر إلى الدول أعضاء التكتل.
وعلى صعيد متصل بالأزمة في البلاد، قالت منظمات حقوقية إنه منذ إعادة انتخاب الرئيس البوروندي بيير نكورونزيزا بدأ المواطنون يعثرون كل صباح تقريبا على جثث أشخاص تعرضوا لأعمال عنف في أحياء العاصمة بوجمبورا، التي كانت بمثابة رأس حربة الحركة الاحتجاجية على ولاية ثالثة للرئيس.
وفي هذا الصدد، قالت كارينا تيرتساكيان من منظمة «هيومان رايتس ووتش»: «كل يوم تقريبا نكتشف جثثا في الشارع في بوجمبورا، تحمل أحيانا آثار عنف كبير»، موضحة أن الجثث التي يعثر عليها تكون في وضعية متشابهة بذراعين مربوطتين وراء الظهر فوق مستوى المرفق.
وكانت حصيلة الأسبوع الماضي واحدة من الأكبر بعد العثور على 15 جثة. لكن لا يزال مرتكبو هذه الجرائم مجهولين، وإن كان معارضو الولاية الثالثة للرئيس يتهمون السلطات بالتخلص من بعض المحرضين وترهيب آخرين بهذه الطريقة.
وأضافت المسؤولة نفسها أن المنظمة الأميركية المدافعة عن حقوق الإنسان «لا تعرف المسؤول عن هذه الأفعال»، لكنها أوضحت في المقابل أنه «من واجب السلطات البوروندية إجراء تحقيقات ومعاقبة المسؤولين.. ومن حين لآخر يعلن الناطق باسم الشرطة أنهم فتحوا تحقيقًا لكن دون إعلان النتائج بعد ذلك»، مضيفة أن السلطات لم تبذل جهودا كبيرة للعثور عن المذنبين.
وذكرت مصادر أمنية وشهود عيان أن الضحايا غالبا ما يُقتلون في أماكن العثور عليهم ليلاً، بينما يكون السكان في بيوتهم، أو تُلقى جثثهم «في مجارٍ أو على حافة الطريق» من آليات.
وفي هذا الصدد، قال أحد قادة الحركة الاحتجاجية ضد الولاية الثالثة للرئيس البوروندي لوكالة الصحافة الفرنسية، طالبا عدم كشف هويته: «نضع على الفور صور الضحايا على شبكات التواصل الاجتماعي لإبلاغ الرأي العام والتعرف على الضحايا، وتحذير الناس ليتجنبوا هذه المناطق».
وأضافت المصادر ذاتها أن «الأمر يتعلق في أغلب الأحيان بناشطين من المعارضة، أو أشخاص شاركوا في المظاهرات ضد الولاية الرئاسية الثالثة». فيما يتهم سكان الأحياء التي يؤيد معظم قاطنيها المعارضة، السلطات البوروندية بهذه الجرائم، وخصوصا المكتب الوطني للاستخبارات الذي يسمى «التوثيق»، والذي يحظى بسمعة سيئة بسبب وسائله الوحشية.
إلا أن السلطات البوروندية تنفي هذه الاتهامات، وتتحدث في المقابل عن «خطة ماكيافيلية» وضعتها المعارضة «لتصفية» الذين التحقوا بالسلطة، على حد قول ويلي نياميتوي، المكلف الاتصال في الرئاسة.
وتشهد بوروندي أعمال عنف منذ الإعلان عن ترشح الرئيس نكورونزيزا لولاية ثالثة، في خطوة اعتبرتها المعارضة والمجتمع المدني وجزء من معسكره مخالفة للدستور ولاتفاقات اروشا، التي أنهت الحرب الأهلية (1993 - 2006).
لكن، حسب مراقبين، يصعب اليوم معرفة ما يحدث في بوروندي بدقة، وتبيان المسؤولين عن أي مما يحصل في هذا البلد في ظل الإفلات من العقاب السائد، بينما يختبئ الصحافيون المستقلون والمدافعون عن حقوق الإنسان أو فروا من البلاد.
وقالت المسؤولة في «هيومان رايتس ووتش»: «إنها كارثة لأن كل ما بني في مجال حقوق الإنسان منذ انتهاء الحرب الأهلية يُدمر حاليا».



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.