شاشة الناقد

نصّاب الحكومة

«نصب أميركي»
«نصب أميركي»
TT

شاشة الناقد

«نصب أميركي»
«نصب أميركي»

الفيلم: American Hustle‪ ‬
إخراج: ديفيد أو راسل
تقييم الناقد:(4*)(من خمسة)

في اللقطة الأولى من فيلم ديفيد أو راسل الجديد «نصب أميركي»، تتحرّك الكاميرا من جانب رِجْل مرتفعة عن مستوى الأرض بالتدريج. خلال حركتها تلك تكشف عن كرش كبير ثم تنتهي والرجل واقف عند المرآة يضبط شعره. إنه يحاول إخفاء صلعة في منتصف رأسه عبر لصق شعر مستعار. يضع الخصال فوق رأسه ثم يعالجها بمادة لاصقة ثم يرتّبها في النهاية على نحو يوهم الناظر أنه شعر حقيقي.
إنه إرفينغ روزنفلد (كرشتيان بايل) يقوم بعملية نصب على نفسه. يوهمها بأنه ما زال يملك كامل شعره ويحاول إخفاء الواقع بأن شعره الحقيقي غادر رأسه وربما لا يزال يتساقط. هذا النصب ليس الوحيد، لكنه دال على عمليات نصب كثيرة يقوم إرفينغ بها. إنه نصّاب محترف يستعين به مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) للمساعدة بإيقاع عدد من السياسيين لكشف فسادهم وتقاضيهم الرشى. الأحداث، التي يذكر الفيلم أن بعضها وقع فعلاً، تعود إلى سبعينات القرن الماضي عندما قام المكتب بالاستعانة فعلياً بنصّاب حقيقي (اسمه مل واينبيرغ) للغاية ذاتها. للغاية جرى تجنيد عميلين للـ«إف بي آي» لتقمّص شخصيتي عربيّتين وهميتين وتقديمها لحاكم ومسؤولي مدينة أتلانتيك سيتي على أساس أنهما يزمعان دخول عالم مؤسسات القمار جنباً إلى جنب العصابات المنظّمة. للقيام بذلك، عليهما الحصول على تغطية من عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي. هؤلاء وقعوا في الفخ المرسوم، أو بالأحرى في عملية نصب قام بها نصّاب واشترك فيها مكتب التحقيقات الفيدرالية كشريك كامل، والغاية النيل من نصابين مماثلين يعملون في مراكز حكومية أولى.
فيلم أو راسل يحافظ على هذا الهيكل لكنه يغيّر كثيراً في هيئته. يرممه بالكامل. إرفينغ يملك عدداً من محلات غسل الثياب في المدينة، لكن عمله الذي يدر عليه المال أكثر هو ترويج للوحات فنية مزيّفة وبيعها. يشرح نظريّته لعميل الـ«إف بي آي» ريتشي (برادلي كوبر) الذي فرض عليه أن يشتغل معه في مشهد جيد يقول له فيه وهما ينظران إلى لوحة متقنة: «إنها مزيّفة. هل الفن إذن عند الفنان الأصلي أم عند المزيّف؟» ويضيف: «الناس تصدق ما تريد أن تصدّقه».
إرفينغ متزوّج بامرأة شاكية اسمها روزالين (جنيفر لورنس) ولديه منها ولد. لكنه، مع مطلع الفيلم، يتعرّف على امرأة أخرى اسمها سيدني (آمي أدامز) ويشركها في عملياته. عندما يجبرهما ريتشي على العمل معه تتأرجح سيدني بينهما ثم تميل سيدني إلى ريتشي الذي هو أسوأ الثلاثة. يريد تحقيق فوز على الفساد باستخدام فساد مماثل. ربما الغاية تبرر الوسيلة، لكنه يغمس يديه في ما لا علم له فيه، فهو ليس نصّاباً ولو أنه نصب نفسه كذلك.
مثل «Goodfellas» الذي حققه مارتن سكورسيزي سنة 1990، ومثل فيلم سكورسيزي الحالي «ذئب وول ستريت»، يعمد «نصب أميركي» إلى سرد الحكاية عن طريق صوت لاعبيها الأساسيين. إنه راي ليوتا في الفيلم السابق وليوناردو ديكابريو في الفيلم الحالي، لكنه يأتي على لسان شخصيّتين هنا هما إرفينغ وسيدني. العلاقة بينهما، ثم انجذاب ريتشي إلى سيدني وصدّها له وعودتها إلى إرفينغ، عناصر أساسية في حبكة رائعة التنفيذ. في الفيلم كل واحد من الشخصيات (بما فيها حاكم المدينة جيريمي رَنر) ضحية أفعاله، لكن هناك من يقف معه طوال الوقت، وهو إرفينغ لأن نصبه هو أخف أنواع النصب بين الجميع.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.