كانت رحلة طيران اعتيادية من دبي إلى مدينة حيدر آباد الهندية، وبعد نزول كل الركاب في مطار راجيف غاندي الدولي، ظهرت عائلة من خمسة أفراد، امرأة في الثامنة والثلاثين من عمرها، برفقة ثلاث فتيات صغيرات مع رجل، وكانوا آخر الركاب على متن الطائرة. كان هناك وجود لبعض رجال الشرطة، والذين ألقوا القبض فورا على المرأة، بينما تم نقل الأطفال والرجل إلى موقع غير معروف.
والمرأة المحيرة في تلك المسألة تدعى أفشان جابين، وقد وجهت إليها الاتهامات بالتورط في محاولات التجنيد عبر الإنترنت لصالح تنظيم داعش الإرهابي من أبوظبي. كانت السيدة أفشان تعيش في الإمارات العربية المتحدة منذ سنوات، وقد تم ترحيلها إلى الهند مؤخرا بعد 9 شهور من المراقبة المكثفة عليها من قبل الأجهزة الأمنية في كل من الإمارات والهند وبريطانيا. وكانت الإمارات العربية المتحدة قد قامت بترحيل ما يقرب من 12 مواطنا هنديا لمحاولات مزعومة من جانبهم للانضمام إلى «داعش».
ظهر اسم أفشان لأول مرة على سطح الأحداث في 16 يناير (كانون الثاني) 2015، حينما ألقت الشرطة القبض على سلمان محيي الدين، وهو فني يبلغ من العمر 32 عاما، ويحمل درجة الماجستير في مجال الإلكترونيات من هيوستن، حيث كان يستعد لاستقلال الطائرة إلى دبي من حيدر آباد، ومن هناك كان يخطط للمغادرة إلى سوريا عبر تركيا للالتحاق بتنظيم داعش.
اعترف سلمان بأنه كان على تواصل مع أفشان عبر مواقع التواصل الاجتماعي حينما كان لا يزال يدرس في الولايات المتحدة. كان سلمان يعمل في تكساس بعد انتهاء دراسته، وظل تحت مراقبة السلطات الأميركية التي لاحظت أنشطته على الإنترنت واهتمامه المتزايد بتنظيم داعش والمواقع المتطرفة. ولما انتهت تأشيرة العمل التي يحملها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رفضت السلطات الأميركية تمديد التأشيرة خاصته، مما أجبر سلمان على العودة إلى حيدر آباد. وفي الهند، انضم سلمان إلى نيكول (وهو الاسم الحركي لأفشان جابين) في عمليات التلقين العقدي والتجنيد عبر الإنترنت. وعمل كل منهما على إنشاء العديد من المجموعات والصفحات الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي وشرعا في نشر الدعاية المؤيدة لتنظيم داعش لجذب الشباب.
كانت علاقته الافتراضية مع نيكول، التي كان يفضل دعوتها باسم نيكي، تتحول إلى علاقة عاطفية، حيث تعهد كل منهما بالعمل على النجاح النهائي لتنظيم داعش. وعندما طرحت نيكول فكرة الزواج من سلمان، كانت سعادته غامرة. تعرض هو نفسه لعملية غسيل مخ كاملة حتى قرر التخلي عن زوجته وأطفاله ووالديه والذهاب إلى سوريا للالتحاق بـ«داعش»، كما أفاد بذلك أحد المحققين.
كانت السلطات الأميركية قد أخبرت نظيرتها الهندية حول أنشطة المذكور وخططه للسفر إلى دبي، وقامت السلطات الهندية بإخطار الشرطة في حيدر آباد، مما أسفر عن إلقاء القبض عليه. كشفت التحقيقات المبكرة في عام 2008 أن أفشان كونت مجموعة على الـ«فيسبوك» بعنوان «الإسلام مقابل المسيحية»، وهي صفحة تشجع على الحوار والمناقشة بين الديانتين. ومن واقع نشاط جيد للغاية على تلك الصفحة، استخدمت أفشان اسما زائفا هو «نيكول جوزيف»، ولقبا مستعارا هو «نيكي»، للدلالة على ديانتها المسيحية، حيث تحولت إلى اعتناق الإسلام بعد مشاهدتها لأحد الفيديوهات على موقع «يوتيوب». واستخدمت هويتها الكاذبة في اجتذاب غير المسلمين ومحاولة تحولهم إلى اعتناق الإسلام مثلها تماما.
اعترف سلمان، خلال التحقيقات، بأنه أنشأ العديد من الحسابات على الـ«فسيبوك» مع نيكول، والتي وصفها بأنها مواطنة بريطانية تعيش في دبي، وأنها هي التي أثرت عليه ودعته للحاق بها في دبي حتى ينطلقا معا إلى سوريا. وكانت أفشان قد أخبرت سلمان بأنها مواطنة بريطانية تقيم في دبي، وأنها متزوجة من طبيب لأمراض القلب يدعى أفورالي بول.
وقال نائب مفتش الشرطة في حيدر آباد، إيه آر سرينيفاس، إن أفشان جابين بدأت طريقها نحو التطرف في وقت ما خلال عام 2008 عندما كانت حاملا في طفلها الثالث، ثم استقالت من وظيفتها في إحدى وكالات السفريات في الإمارات العربية المتحدة.
وقالت إنها بدأت في مشاهدة الفيديوهات على «يوتيوب» وقراءة الأدبيات المتطرفة على الإنترنت. وكانت كثيرا ما تكتب مقالات مؤيدة لأبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش الإرهابي، على صفحاتها في «فيسبوك»، وتدعو الشباب الهندي إلى إقامة الخلافة في الهند. استخدمت أفشان مجموعتها على «فيسبوك» بعنوان «المناقشات الودية بين الإسلام والمسيحية» لجذب، وتلقين، وتحفيز الناس من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الهند، على الانضمام إلى «داعش». وقالت في اعترافاتها للشرطة إنها تقابلت مع سلمان للمرة الأولى في عام 2010 عبر «فيسبوك». وتابعت تقول: «تعرفت على سلمان عبر صفحته على (يوتيوب) وبدأ يروق لي. ثم تبادلنا هويات المواقع الاجتماعية، وكنا نتبادل وجهات النظر بشأن مختلف القضايا المتعلقة بتنظيم داعش».
وقالت أفشان إنها لكي تدير الحساب طلبت من سلمان أن يكون المشرف. وقبل سلمان طلبها. ومن ذلك الحين ظل الاثنان على تواصل مستمر. اتسمت مجموعة الـ«فيسبوك» تلك بشعبية كبيرة مع أكثر من 50 ألف متابع، لكنها حجبت في 2014 لنشرها محتويات ذات صلة بتنظيم داعش. ولكن سرعان ما أنشأت أفشان مجموعة جديدة تحمل الاسم نفسه.
يقول أحد مسؤولي الاستخبارات: «اعترفت بأنها أرادت تحقيق سيادة الإسلام عن طريق التفاعل مع الناس عبر هذه المجموعات. وقالت إنها من خلال الدردشة عبر مجموعات (فيسبوك) واصلت محاولاتها لتحفيز السذج من الشباب بأن الشباب الهندي يقبعون تحت حكم غير المؤمنين، وأن هناك حاجة لنشر الرقعة الجغرافية لخلافة (داعش) على يد الأنصار من الشباب المسلمين».
اعتاد سلمان إدارة أربع مجموعات على «فيسبوك» — وهي: «غرفة أخبار الدولة»، و«المعتدلون مقابل الليبراليين»، و«الدولة الإسلامية»، و«الآيات والأحاديث». وكانت أفشان، بطلب من سلمان، هي المشرفة على كل تلك المجموعات، كما أفادت الشرطة.
بعد ظهور اسم أفشان قبل 9 شهور مضت، وضعت أجهزة الأمن الهندية أنشطتها على الإنترنت تحت المراقبة، وتحققت من بياناتها بالكامل لدى أجهزة الاستخبارات في الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة، حيث أدركت أن «نيكي جوزيف» ليست إلا السيدة أفشان جابين من حيدر آباد الهندية، والتي انتقلت إلى أبوظبي وهي طفلة صغيرة ثم عادت إلى حيدر آباد في 1996 لاستكمال دراستها العليا. ثم رجعت مرة أخرى إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم تزوجت في عام 2002 من ديفيندر باترا، وهو هندوسي هندي، والذي اعتنق الإسلام في وقت لاحق وصار يُعرف باسم مصطفى. وكان زوجها يدير أعمالا تجارية عقارية في دبي، ولم يكن يعرف شيئا عن أنشطتها عبر الفضاء الإلكتروني.
وقالت المصادر إن أفشان زعمت أنها كانت على اتصال بأحد قادة «داعش» في سوريا، إلا أن الجهود تجري حاليا للتأكد من مزاعمها، لكن من الواضح أنها كانت تستخدم آيديولوجية «داعش» في تلقين التطرف والراديكالية للناس، ولإقناع غير المسلمين باعتناق الإسلام من خلال مختلف صفحاتها على «فيسبوك».
في الأثناء ذاتها، عندما تواصل مراسل «الشرق الأوسط» عبر الهاتف مع أسرة السيدة أفشان جابين التي تعيش في حيدر آباد، كان والداها مترددين في الكشف عن الأنشطة التي تقوم بها ابنتهما، باستثناء أنهما لم يكونا على علم أبدا بما كانت تفعله أفشان في دبي. وبقدر ما يعرفونه، على الرغم من أن أفشان تزوجت من رجل هندوسي ضد رغباتهما، فإنها كانت سعيدة في حياتها في دبي برفقة بناتها الثلاث وزوجها يدير تجارة جيدة في العقارات هناك. أفرجت الشرطة الهندية عن الزوج والأطفال حيث لا علاقة لهم بأي من الأنشطة التي كانت أفشان ضالعة فيها.
يقول آر سودرشان، ضابط الشرطة، إن الأمر سوف يستغرق وقته للكشف عن الحقائق وفضح الأكاذيب. وتتحقق الشرطة حاليا مما إذا كانت أفشان قد اجتذبت آخرين للانضمام إلى «داعش». وفي الوقت ذاته، ركزت جهود الشرطة على خمسة مواطنين آخرين من دلهي، وسورات، ومومباي، وجامو وكشمير، ممن انخرطوا في جهود التجنيد لصالح «داعش» داخل الهند. ولذلك، هناك ما لا يقل عن 30 مواطنا هنديا معروفين للسلطات الرسمية يقاتلون إلى جانب «داعش» في مختلف المواقع، ولقد قتل منهم الكثير. كما أن هناك الكثير من الشباب الهنود على رادار أجهزة الأمن الهندية بسبب أنشطتهم على الإنترنت المتعلقة بتنظيم داعش.
بسبب «داعش».. أفغانية تحت المراقبة الأمنية من قبل الإمارات والهند وبريطانيا
تورطت في عمليات التلقين العقدي والتجنيد عبر الإنترنت.. وكثيرًا ما تكتب مقالات مؤيدة للبغدادي
بسبب «داعش».. أفغانية تحت المراقبة الأمنية من قبل الإمارات والهند وبريطانيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة