أفلام الملاكمة تعكس علاقات الأبوة بين مدربين وملاكمين

الحلبة بين ستالون ودي نيرو وآخرين

 دي نيرو وراء الملاكم في «يدان من حجر»
دي نيرو وراء الملاكم في «يدان من حجر»
TT

أفلام الملاكمة تعكس علاقات الأبوة بين مدربين وملاكمين

 دي نيرو وراء الملاكم في «يدان من حجر»
دي نيرو وراء الملاكم في «يدان من حجر»

بينما تنطلق عروض فيلم «المدرّب» (The Intern) بنجاح لا بأس به، ينتظر فيلم «يدان من حجر» (Hands of Stone) موعد عرض لائقًا فيما بعد موسم الجوائز. الأخبار الواردة تقول إن هذا الفيلم ما زال في مرحلة ما بعد التصوير، وأن شركة «واينستاين» لديها لموسم الجوائز أفلام تؤازرها رغبة في الفوز بالأوسكار أو «غولدن غلوبس» أو سواها، لذلك لا تمانع في أن لا يستعجل مخرج «يدان من حجر» جوناثان جاكوبفيز العمل.
الجامع بين الاثنين أن الفيلمين من بطولة روبرت دي نيرو، وأنه يلعب دور المدرّب في كل منهما. هو ابن السبعين الذي لا يريد أن يتقاعد فيتفق على العمل بلا مقابل في رحى مؤسسة أزياء، وهو المدرّب الرياضي في الفيلم التالي لشاب يُنتظر له أن يشق طريقه في عالم الملاكمة (إدغار راميريز).
«المدرّب» ليس أكثر من رغبة غير منجزة لتقديم عمل كوميدي تعتقد مخرجته نانسي مايرز أنه أعلى مستوى من الأفلام الكوميدية الأخرى المنتشرة حاليًا. وهو بالمقارنة مع تلك الأفلام لديه ما يختلف به ويتميّز، لكنه لا يحقق المستوى الفني الذي يطمح إليه كونه، كمعظم أفلام المخرجة، معالج بعناصر الترفيه المتلألئة مثل أضواء الديسكوتيك من دون أن يُصرف الوقت الكافي على توطين الحكاية وتطوير الشخصيات أو على الاشتغال على العمل، بحيث يحمل في طياته بعض الصدامات الدرامية.
ابن الملاكم
«يدان من حجر»، من ناحية أخرى، قد يكون الفيلم الذي يستطيع دي نيرو الدفاع عنه أكثر. الملاكم المذكور الذي يؤديه راميريز (ظهر في حقيبة من الأفلام المتنوعة وعمل منتجًا منفّذًا للفيلم الفنزويلي الذي ربح جائزة مهرجان فينسيا أخيرا «عن بعد») هو روبرتو دوران، بطل الملاكمة البانامي الذي اختير أحد أفضل خمسة ملاكمين في تاريخ الحلبة الأميركية.
أما الدور الذي يؤديه دي نيرو فهو دور المدرّب راي أرسل الذي، بدوره، حقق مرتبة فريدة بين المدرّبين، إذ وقف وراء الكثير من الملاكمين الذين حققوا مجدًا أو شهرة ما في هذا الرياضة، منهم، لجانب دوران، فرانكي جينارد، جيم برادوك وبارني روس.
المتوقع هنا فيلم بيوغرافي جاد عن هذين الرجلين، وكيف حقق الملاكم النجاح بفضل مدرّبه وكيف وجد المدرب في دوران الطاقة الصحيحة وموهبة القتال الجديرة بالدعم. لكن قبل 35 سنة كان دي نيرو هو الذي يلاكم لاعبًا شخصية جاك لاموتا (أحد الملاكمين الشهيرين أيضًا) في فيلم مارتن سكورسيزي «ثور هائج». أما مدربه ومدير أعماله فكان جو بيشي الذي ظهر مع دي نيرو وتحت إدارة سكورسيزي في أفلام أخرى قبل هذا الفيلم وبعده. في هذا الوقت بالذات، يستعيد الممثل سيلفستر ستالون دوره التقليدي كروكي بالباو في فيلم جديد انتهى تصويره ويحضّر نفسه لملاقاة جمهوره في الخامس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني).
لكن ستالون أكبر من أن يلعب اليوم (بلغ التاسعة والستين من العمر قبل شهرين) دور روكي الذي نقله من العدم إلى الشهرة طلقة واحدة في عام 1976. لذلك سيجيّر خبرته لاعبًا في هذا الفيلم الجديد، وعنوانه «كريد»، بشخصية المدرّب لملاكم أسم أدونيس جونسون (يقوم به مايكل ب. جوردان) الذي يبحث عن ابن الملاكم الذي نازله روكي في الفيلم الثاني من السلسلة («روكي 2») ليصنع منه نجمًا كأبيه. جوردان هو ذلك الابن الذي في البداية يعتقد أنه لن يكون كأبيه أبوللو كريد (لعبه في ذلك الفيلم سنة 1979 كارل وذرز).
كل من أفلام روكي وتجربة دي نيرو في «ثور هائج» مختلفتان بالطبع. روكي شخصية خيالية تعاصر أزمات التحدي والطموح والإحباط، وجاك لاموتا بني على شخصية حقيقية تنوء به مشكلات مختلفة زوجية ومهنية.
ومن الجدير الذكر أن العلاقة بين المدرّب والملاكم عرفت طريقها إلى الشاشات في عقود سابقة وفي أكثر من فيلم، لكن إذا ما أردنا العودة إلى السبعينات ومطلع الثمانينات، أي منتصف الطريق ما بين اليوم والأمس البعيد، سنجد مثالاً آخر لنوعية فيلم الملاكمة معبّر عنه في فيلم «مدينة سمينة» (عن رواية بالعنوان ذاته لليونارد غاردنر).
أحلام وردية
مشكلات روكي ولاموتا هي موزاييك مسلّ بالمقارنة مع تلك الواردة في فيلم جون هيوستون «مدينة سمينة».
هو أيضًا عن العلاقة الأبوية بين المدرّب والملاكم. في هذا الفيلم أدّى ستايسي كيتش دورًا جديرًا بأوسكار. هو المدرب تولي الذي كان ملاكمًا فيما مضى ويبحث عمن يقوم بتدريبه وتأهيله وعبره البقاء في المجد الغابر. يجد كل ذلك في شخصية شاب اسمه إرني (جف بردجز) الذي لا يخلو من الطموح ولو أنه يفتقر إلى الإرادة. كلاهما يجد نفسه مقبلا على مجد متأخر، ثم - وتبعًا لثقوب الحياة التي تتسرب منها الخيارات الصحيحة - يستيقظان على هزيمة مفجعة.
المشهد الأخير في ذلك الفيلم لهما وهما جالسان عند «بار» مطعم يراقبان نادلاً عجوزًا يخدم بصمت. يسأل تولي صديقه إذا ما كان يعتقد أن هذا العجوز كان يحلم بشيء ما سابقًا. عما إذا كان سعيدًا بالفعل. على هذا السؤال لا يعرف إرني إجابة شافية غير «يبدو سعيدًا».. ثم ينتهي الفيلم بهما وهما يشربان القهوة ويحدّقان بالجدار أمامهما.
العبارة تصيب المشاهد بنجاح. هي عبارة وجدانية تتجاوز الحكاية ذاتها وسنجد في فيلم «كريد»، جديد ستالون، ما يوازيها، ففي أحد المشاهد يقول لملاكمه: «كل شيء ملكته ابتعد عني وأنا لا أزال هنا»، ناقلاً بذلك صراع أي إنسان مع أحلام وردية، وربما منجزات فعلية، حققها وتبدو الآن كما لو لم تكن.
كان علينا أن ننتظر وصول «مليون دولار بايبي» سنة 2004، لكي نقف على بعد جديد من بين كل ما مر على الشاشة من أفلام عن الملاكمة والملاكمين والمدرّبين. في فيلم كلينت إيستوود هذا تتجه الدراما صوب منطقة أخرى. إيستوود (أخرج الفيلم وقام ببطولته الرجالية) هو المدرّب فرانكي الذي مر عليه كل نوع من أنواع الحالمين بعرش الملاكمة. فجأة يجد أمامه امرأة شابّة اسمها ماغي (هيلاري سوانك، ربحت الأوسكار عن دورها) تصر على أن يقوم بتدريبها وهو الذي لم يدرب ملاكمة أنثى من قبل.
وينصاع في النهاية ويبدأ تدريبها ومواكبة انتصاراتها الأولى، ويكتشف المرجع الاجتماعي والأسري الذي جاءت ماغي منه. وعندما يخبو الأمل من عينيها وتنقل إلى المستشفى بعد إصابات مبرحة، تطلب من مدربها أن يجهز عليها لترتاح. من شاهد الفيلم يدرك ما فعل.
هذا العام شاهدنا فيلم ملاكمة آخر يستحق الانتباه ولو أنه بالكاد يتساوى مع ما سبق، هو «ساوثبو» حول الملاكم بيلي (جايك جيلنهال) الذي يريد تحقيق البطولة ولا يجد سوى المدرب تيك (فورست ويتيكر) لمساعدته. المشكلات ليست بينهما بقدر ما هي في حياة بيلي الأسرية بعدما قضت زوجته في حادثة مأسوية.



شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
TT

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)

معطراً بالنعناع ★★☆

رسائل شفهية في عتمة الأماكن

فيلم محمد حمدي الأول مختلف جداً عن أي فيلم مصري (أو عربي) حٌقّق في تاريخ السينما العربية. الاختلاف بحد ذاته لا يمنح الفيلم درجة التقييم. من الممكن أن يكون مختلفاً وبديعاً أو مختلفاً ورديئاً وهو أقرب إلى التصنيف الثاني. فيلم داكن في الصورة وفي الذوات البشرية التي تسكنه. يجد المخرج لها مبررات مناسبة. هذا لأن أبطاله يتقدمهم دكتور محبط (علاء الدين حمادة)، يعيشون حالات من الكآبة المطلقة تزداد عبثاً مع تناولهم الحشيشة طوال الوقت. أي نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم (التي تبلغ 113 دقيقة). وعوض استمتاعهم بهذه «السلطنة» تبقى أدمغتهم واعية وقادرة على الحديث في مسائل وجودية وسياسية (على الخفيف) مع قليل من الشّعر وكثير من الذكريات التي تتشابك بحيث لا تتضح لها زاوية فعلية تنطلق منها أو تعود إليها.

في دقائقه الـ10 الأولى يؤسّس أسلوب عمله من حالات شخصية وتصوير (قام به بنفسه) وإيقاع. هذا الإيقاع خافت باستمرار والمُشاهد عليه أن يفتح أذنيه جيداً ليتمكّن من التقاط الكلمات المتبادلة. هذا لأن الإيقاع الخافت يشمل كذلك الأداء والتلقين وتشخيص الحالات. الدكتور وأصحابه (من ثلاثة لأربعة حسب المشاهد) يركضون في الظلمة مثل جرذان هاربة من مطاردين (لا نعرفهم) ويأوون دوماً إلى خرابات تضمّهم بعتمتها أو إلى شِقق هي بدورها تبدو كخرابات كلّ شيء فيها قديم وباهت. حتى في ساعات النهار فإن النور مبتسر تأكيداً أو ترميزاً للحالة التي يمر بها أشخاص الفيلم.

الصورة، على الرغم من سوداويتها، هي أهم وأفضل من الموضوع المطروح. صحيح أن رجال الفيلم يتعاطون، لجانب الحشيش، مسائل تهمّهم، لكن ليس كل ما يهم شخصية ما في فيلم ما يهم المشاهدين. بالضرورة. لذا تنحصر الحسنات في الصورة. بينما تمرّ المَشاهد بإيقاع خافت ورتيب، مما يحدّ كثيراً من قدرة الفيلم على التواصل مع مشاهديه.

* عروض حالياً في مهرجان مراكش

Maria ★★★

العمق العاطفي لماريا كالاس

«ماريا» هو ثالث فيلم بيوغرافي ينجزه المخرج التشيلي بابلو لاراين (حسب اللفظ الأسباني) بعد (Jackie) «جاكي»، 2016 و(Spencer) «سبنسر»2021. مثل سابقيه هو فيلم عن امرأة ومثلهما هو عن شخصية حقيقية هي مغنية الأوبرا ماريا كالاس (هناك حفنة أفلام عنها أهمها «Maria By Callas» لتوم وولف، 2017) إلى جانب فيلم إيطالي آخر في التحضير بعنوان «Maria‪/‬Callas» لروبرت دورنهلم.

«ماريا» (ذِ أبارتمنت)

معالجة لاراين تختلف كونها متّصلة بالكيفية التي يحاول فيها تقديم رؤيته لشخصياته فهو يسعى دائماً إلى التقاط العمق العاطفي أكثر مما يهتم لسرد السيرة حكائياً. على ذلك، «ماريا» كما يقدّمه هنا يبقى على السطح أكثر من الدخول في عمق شخصيّته. ما يشغله في سرد الأيام الأخيرة من حياة بطلته هو التصاميم الفنية والديكوراتية وتحريك الكاميرا عبرها وهذا جيد لولا إنه يأتي على حساب تحديدٍ أفضل لمن هي ماريا كالاس.

يسرد الفيلم أحداثها الأخيرة وبعض مواقفها الشخصية والفنية لكن الحكاية يمكن لها أن تكون عن أي شخصية لمغنية وإن كانت خيالية. بطبيعة الحال، وكما بات مألوفاً، يعمد المخرج إلى مشاهد استرجاعية (الفلاشباك) بالأبيض والأسود لكن أهم عنصر في هذه الدراما هي محاولة ماريا التغلّب على ذكرياتها مع أرسطو أوناسيس (الذي تركها للزواج من جاكي كينيدي، شخصية فيلم لوراين السابق).

* عروض حالياً في مهرجان البحر الأحمر

TROIS AMIES ★⭐︎

حوارات ومشاهد تُراوح مكانها

لا يبتعد المخرج موريه في فيلمه «ثلاث صديقات» عن التيمة التي اختارها سابقاً لمعظم ما حقّقه من أفلام مثل «تغيير عنوان» (Changement d'adresse) 2007، و«هل نُقبّل» (Shall We Kiss) 2007، و«الأشياء التي نقولها، الأشياء التي نفعلها» (Les Choses qu'on dit, les Choses qu'on fait) 2020. التيمة المذكورة لا تخرج عن نطاق تداول وتناول العلاقات المتأرجحة ما بين الحب والجنس، أو الحب من دون جنس أو العكس.

«ثلاث صديقات» (موبي دَك فيلمز)

القصّة في عنوانها: 3 صديقات جوان (إنديا هير)، ريبيكا (سارا فورستييه) وأليس (كامل كوتان) والعديد من الحكايات السابقة (تشعر جوان إنها مسؤولة عن موت حبيبها السابق إريك لأنها تركته)، وفي الحكايات الحاضرة يتداولن التجارب التي مررن بها مع آخرين. لا الأحداث مهمّة ولا الحوار (يمتد بلا نهاية) يعني كثيراً. كل ذلك يَرِد مثل قراءة صفحة واحدة من مجلة إشاعات ومن دون لمسات فنية تذكر. بدورها كل لقطة تشبه، تأسيساً وإدارة. ما يسبقها وما يليها.

* عروض: حالياً في صالات فرنسية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز