المقاومة السلميّة في «صمت البحر»

يعتبره كثيرون أهم وأفضل نص أدبي مقاوم للاحتلال النازي الألماني لفرنسا

المقاومة السلميّة في «صمت البحر»
TT

المقاومة السلميّة في «صمت البحر»

المقاومة السلميّة في «صمت البحر»

صدرت عن دار «أزمنة» بعمّان طبعة جديدة لرواية «صمت البحر» للكاتب الفرنسي فيركور «جان مارسيل برولر»، الذي أنجزها في صيف 1941 ونشرها أول مرة في «مطبوعات منتصف الليل» بباريس في 20 فبراير (شباط) 1942. وقد عدّها النقاد والقرّاء في أوروبا وأميركا بأنها أهمّ وأفضل نص أدبي مقاوم للاحتلال النازي الألماني لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية.
تناوب على ترجمة هذه النوفيلا وحيد النقاش، ورشيد التركي، ومازن محمد علي المغربي، وظهرت في أربع طبعات، وأخيرًا جاءت الطبعة الخامسة عن «دار أزمنة» بعمّان لعام 2015 «ليس لأنها أهمّ وأشهر كتابات المقاومة في تاريخ الأدب الحديث وحسب (كما يذهب إلياس فركوح) بل لأنها أرتنا كيف للمقاومة السلبية غير المسلحة أن تكون ذات فعالية هائلة متمثلة في الصمت. صمت بمقدوره أن يكون (مُخترِقًا) في وقتٍ ما، ومكانٍ ما، وظرفٍ ما، وحيال شخص ما» (ص 7 - 8).
لا شك في أن نفاد هذه الطبعات الأربع من الأسواق والتي لم تجتز الألف نسخة لكل طبعة في أفضل الأحوال هو سبب منطقي لإعادة نشرها من جديد آخذين بنظر الاعتبار أن هذه «النوفيلا» قد تُرجمت إلى 17 لغة عالمية وبيع منها أكثر من مليون نسخة في أوروبا وأميركا الشمالية باللغتين الفرنسية والإنجليزية.
تقوم بنية «صمت البحر» على ثلاث شخصيات رئيسية وهي الرجل الكهل وابنة أخيه، اللذان لم نعرف لهما اسمًا، والضابط الألماني فرنر فون إيبرناك الذي ينطوي على شخصية إشكالية فهو مؤلف موسيقي، ومثقف واسع الاطلاع على الثقافة الأوروبية، وينتمي إلى الجيش الألماني النازي لكن سلوكه اليومي ليس نازيًا البتة، فهو شخص مهذب يحترم الكهل الفرنسي وابنة أخيه على الرغم من مقاطعتهما التامة له. فهما يعتبرانه مُحتلا للبيت أو الوطن بالمفهوم الأوسع لذلك قررا مقاومته بالصمت وكأنه غير موجود فهو الوحيد الذي يتحدث وكأنه يؤدي دورًا مونودراميًا في مسرحٍ خالٍ من النظارة.
لم يشأ جان برولر أن يزجّ قارئه في أجواء الحرب وبشاعاتها المعهودة، وإنما اكتفى بهذه الشخصيات الثلاث التي تجسد فكرة الاحتلال ومقاومته بطريقة سلمية عبر الصمت لا غير ومقاطعة المحتل المتمثل بالضابط الألماني الذي يوحي اسمه بأنه ليس ألمانيًا «فهل تراه ابن مُهاجر بروتستانتي؟»، كما تساءل الكهل وكأن لسان حاله يقول بأن هذا الضابط الدمث الأخلاق الذي لا يلج البيت إلاّ بعد أن يقرع الباب، وإذا دخل فإنه يستجير بعبارة «إذا سمحتم» أو «إنني شديد الأسف»، الأمر الذي دفع صاحب المنزل إلى عدم جرح مشاعر هذا الضيف الثقيل المفروض بالقوة حتى وإن كان عدوًا له. لقد أربكَ هذا الضابط توقعات الكهل وابنة أخيه حين قال: «إنني لأشعر بتقدير كبير للأشخاص الذين يحبون وطنهم» (ص27). فالغازي لا يروّج عادة لفكرة حُب الوطن المُحتَّل، وإنما يسعى إلى تدميره، وتحطيم إرادة أبنائه.
يتكثّف الصمت كل يوم على الرغم من اعتذارات الضابط المتواصلة بأن غرفته باردة جدًا وأن ذريعته في النزول إلى غرفة الاستقبال هي التماس الدفء وقوفًا، فهو لم يجلس على مدى ستة أشهر أو يزيد على الرغم من وجود مقعدٍ خالٍ شديد القرب منه لأنهما لم يطلبا منه الجلوس كي لا يتحطّم الصمت الذي يكثفانه يومًا إثر آخر.
على الرغم من أن الكهل هو الراوي في «صمت البحر» فإن الضابط الألماني يؤازره في العملية السردية أو في البوح، إن شئتم، أو حتى إثارة بعض الأسئلة التي لا يتوقع لها ردودًا محددة. فمن خلال عملية البوح نكتشف أنه كان طفلا أثناء الحرب العالمية الأولى، وأنه كان يحب فرنسا منذ ذلك الحين. وأن والده كان يحب أريستيد برايان ويؤمن بجمهورية فيمار.
يؤكد لهما الضابط أنه موسيقي ومن المُضحك أن يرى نفسه «رجل حرب» ولا غرابة في أن يعتذر لهما إذا كان قد جرح شعورهما، وأنه يحب فرنسا جدًا ويعتقد بأن هناك أشياء عظيمة سوف تحدث لاحقًا لألمانيا وفرنسا. الأمر الذي يدفع العم الكهل للقول: «ربما كان من غير الإنساني أن نرفض التحدث إليه ولو بكلمة واحدة».(ص 34 - 35).
لم يظهر لهما الضابط في بزته العسكرية مذ عاد مبتلاً ربما لأنه يريد أن يجنبهما الزي المعادي لهما وأن يطل عليهما دائمًا بملابسه المدنية. تلعب كلمة الروح دورًا مهمًا في هذه الرواية. فغرفة الاستقبال المُضاءة بنار الموقد لها روح، والمنزل له روح أيضًا مثلما لفرنسا برمتها روح توحِّد أبناءها الخلّص المناهضين لأي احتلال.
لم يقدّم برولر الضابط الألماني كرجل حرب، وإنما كشخص مثقف يعرف عشرات الكُتّاب والمفكرين والموسيقيين الأوروبيين، وأكثر من ذلك فقد قدّمه كمبشِّر بالمحبة والسلام: «ستكون هذه هي الحرب الأخيرة! لن نشتبك بعد الآن، وإنما سنتزوج» (ص39).
يسرد لهما إيبرناك قصة «الحسناء» التي روضت «الوحش» ويأمل في أن تروّض باريس وحشها الألماني وتنزع مخالبه وأنيابه. حدثهما عن القرية التي عاش فيها، والحواضر التي زارها، والمدن التي أحبها جدًا لأن لديها روحا مثل مدينتي براغ ونورنبرغ، ولأن كل حجر فيها يحمل ذكرى أولئك الناس الذين صنعوا مجد ألمانيا الغابرة، وهو الإحساس نفسه الذي يراود الفرنسيين حينما يقفون أمام كاتدرائية شارتر.
يعتقد إيبرناك أن الحُب المتبادل هو العلاج لوحشية النازيين، وأن فرنسا المتحضرة «ستعملهم كيف يكونون رجالا أطهارًا وعظماء حقا» (ص 50).
تنعطف تيمة الرواية في قسمها الثاني حينما يذهب إيبرناك في إجازة إلى باريس لمدة أسبوعين فيترك فراغًا لدى العم وابنة أخيه، ويلتقي بالعديد من أصدقائه الذين يتفاوضون مع رجال السياسة الفرنسيين فيُصاب بالإحباط ويعترف في قرارة نفسه بأنه كان ضحية للدعاية النازية وأكاذيبها الكبيرة.
لا يقتصر التبدل على إيبرناك، وإنما يمتدّ إلى الرجل الكهل الذي أجاب على الطارق بعبارة: «تفضل سيدي»! تُرى لماذا أضاف كلمة «سيدي»؟ هل كان يدعو الإنسان لا الضابط العدو، أم أنه كان يجهل هُوية الطارق؟ قال الضابط: «علي أن أُدلي لكما بكلام خطير»، مفاده أن القوم المنتصرين سخروا منه. «ألم تفهم أننا نهزأ بهم؟ أفلا تفترض أننا ببلاهة سنترك فرنسا تنهض على حدودنا؟ كلا، نحن لسنا بموسيقيين» (ص 56 - 66). ثم أضافوا: «إن الفرصة أمامنا للقضاء على فرنسا، وسنقضي عليها. لا على قوتها فقط، ولكن على روحها أيضا، ففي روحها يكمن الخطر، كل الخطر» (ص 66). لقد أيقن إيبرناك بأنه ليس هناك أمل خصوصًا حينما سمع صديقه الشاعر يقول: «سوف نجعلهم يبيعوننا أرواحهم في مقابل طبق من العدس» (ص 69). كم كان مخدوعًا ومغفلا بترويض الوحش النازي الذي كان يشيّد لألف سنة مقبلة لكنه بدأ بالهدم الآن وتشويه وجه باريس الجميل. عند ذاك استعمل حقوقه وطلب الالتحاق بالجبهة الشرقية وغدًا سوف يسمحون له بالرحيل.. إلى الجحيم». تصل التيمة إلى ذروتها القصوى حينما تكسر البنت حاجز الصمت الكثيف وترد على إيبرناك بكلمة وداعًا بينما هو يغلق الباب مبتسمًا ويتلاشى وقع خطواته في نهاية الدار.
لم يكن جان برولر (1902 - 1991) كاتبًا معروفًا حينما أصدر روايته الأولى «صمت البحر» وإنما كان رسامًا وفنانًا غرافيكيًا، لكن أعماله الأدبية تواترت حتى جاوزت العشرين كتابًا، نذكر منها «الغضب»، و«حيوانات ممسوخة»، و«سيلفا» و«آن بولين».



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.