شاب سعودي نطق أولى كلماته في السادسة وبعد 3 عقود توج بطل العالم في فن الخطابة

محمد القحطاني تنافس على لقب «التوستماسترز» أمام 30 ألف متسابق في أميركا

جانب من تكريم محمد القحطاني بطل العالم في «التوستماسترز» (تصوير: بطرس عياد)  -  القحطاني بعد فوزه بالمسابقة وتتويجه بطلا في لاس فيغاس
جانب من تكريم محمد القحطاني بطل العالم في «التوستماسترز» (تصوير: بطرس عياد) - القحطاني بعد فوزه بالمسابقة وتتويجه بطلا في لاس فيغاس
TT

شاب سعودي نطق أولى كلماته في السادسة وبعد 3 عقود توج بطل العالم في فن الخطابة

جانب من تكريم محمد القحطاني بطل العالم في «التوستماسترز» (تصوير: بطرس عياد)  -  القحطاني بعد فوزه بالمسابقة وتتويجه بطلا في لاس فيغاس
جانب من تكريم محمد القحطاني بطل العالم في «التوستماسترز» (تصوير: بطرس عياد) - القحطاني بعد فوزه بالمسابقة وتتويجه بطلا في لاس فيغاس

رسم السعودي المهندس محمد القحطاني، الذي لم يتجاوز عمره 36 عاما، صورة مختلفة عن ثقافة وقدرات المواطن السعودي والعربي في واحد من أكبر مسارح الإبداع في العالم، بعد أن توج أخيرا بطلا للعالم في «التوستماسترز»، أو ما يُعرف باللغة العربية الفصحى بـ«الخطابة المفوه»، حيث أبهر عشرات الآلاف من المشاركين والمتابعين وحتى المنظمين لهذه المسابقة التي تحتضنها منظمة تحمل اسم المسابقة نفسه، وتنظمها منذ عام 1924 في الولايات المتحدة الأميركية.
وتنافس محمد القحطاني مع 33 ألف متسابق على مستوى العالم حضروا من أكثر من مائة دولة حول العالم، حيث كانت خطبته التي حملت عنوان «قوة الكلمة» هي الحد الفاصل بينه وبين المتسابقين، وبهذا فقد توج بطلا في المسابقة.
الشاب السعودي محمد القحطاني لم يبهر العالم بكونه فاز بهذه المسابقة فقط، بل لأنه قبل 30 عاما فقط بدأ عملية النطق متأخرا جدا، حيث كانت أول كلمة نطقها في عمر السادسة، وكانت له قصص كثيرة مع ما يعرف بـ«التأتأة» أو صعوبة النطق في الكلام حتى بعد أن بدأ فعليا النطق، مما جعله يشعر بالحرج في الكثير من المناسبات والمواقف التي مر بها.
يقول القحطاني المولود في أبها بمنطقة عسير لـ«الشرق الأوسط»: «أبصرت عيناي النور في عام 1980، وحينها كنت أعاني من صعوبة النطق حتى إنني تأخرت في النطق حتى سن السادسة، وهو العمر الذي يتوجب من خلاله أن يبدأ الإنسان مرحلته التعليمية». ويضيف: «بدأت حياتي التعليمية، واجتهدت قدر المستطاع، ورغم كل الصعوبات كانت لديّ أحلام كثيرة وطموح لا حدود له. المرحلة المفصلية لي كانت حينما أنهيت المراحل الدراسية الابتدائي والمتوسط والثانوي ثم انتقلت إلى أميركا حيث بدأت هناك مسيرة التحدي الحقيقية، خصوصا أن مثل هذه المسابقة يتوجب أن يشارك فيها من يتقن التحدث باللغة الإنجليزية».
ويضيف: «في عام 2009 بدأت مشواري في أحد أندية (التوستماسترز) التي ترعاها شركة (أرامكو السعودية) التي أنتمي إليها، وقد كان الهم الأول هو التغلب على التأتأة وصعوبة النطق للجمل المتواصلة والسرد في الحديث». ويكمل قائلا: «من هذه الخطوة دخلت المسابقات على مستوى المملكة للفوز بجائزة المركز الأول على مستوى المراكز الموجودة على مستوى المملكة والتي تبلغ 250 مركزا، ويشارك فيها قرابة عشرة آلاف شخص، وعجزت في الموسم الأول والثاني والثالث وحتى الرابع، ولكن في الموسم الخامس نجحت في الحصول على الترتيب الثاني والذي أهلني للوجود في بطولة العالم في مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا الأميركية».
يضيف القحطاني: «لم يكن بإمكاني الوجود في هذه البطولة لولا أن صاحب المركز الأول على مستوى المملكة اعتذر عن عدم المشاركة في بطولة العالم نتيجة ظروفه العائلية والعملية، ولذا ذهبت بديلا عنه كوصيف، ولله الحمد وفقت في أن أكسب الجميع بفضل الله ثم بفضل كل من دعمني من أستاذتي في هذا المجال والذين لا يتسع المجال لذكرهم، بل يمكنني تقديم شكر خاص لرجل الأعمال عبد الرزاق التركي الذي علمنا أن الطموح لا يتوقف عند حد مهما تكن الظروف الشخصية للإنسان، وأن الإنسان طاقة كبيرة ويتوجب الاستفادة من هذه الطاقة في الإنجاز».
ويعتبر القحطاني أن الحدث التاريخي له هو أنه حظي باستقبال خاص له من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بعد الفوز بالمسابقة العالمية، والكلمات التي سمعها من الملك سلمان بكون الوطن محتاجا لكل المبدعين في كل المجالات بما فيها مجال الخطابة.
وبين القحطاني لـ«الشرق الأوسط» أنه لن يشارك في النسخة المقبلة من المسابقة العالمية المقرر أن تقام في المنطقة الشرقية من السعودية في الثلث الأخير من شهر أبريل (نيسان) المقبل، بكون أنظمة المسابقة لا تسمح للفائز بها بالمشاركة مجددا، كما أنه في كل الأحوال سيعطي الفرص لشاب سعودي آخر من أجل تشريف الوطن في هذه المسابقة.
وكان القحطاني قد عقد مؤتمرًا صحافيًا في أحد الفنادق الكبرى بالمنطقة الشرقية بحضور عدد من الشخصيات القيادية ورجال الأعمال ومسؤولين حكوميين في القطاعين الاقتصادي والرياضي، حيث طرحوا عليه دعوات للتعاون في تنمية هذا الفن، فيما اعتبر عضو مجلس الشورى السابق والكاتب الحالي نجيب الزامل أن ما حققه القحطاني أشبه بالمعجزة قياسا بالظروف التي صادفته في بداية حياته، مبينا أن سرعة البديهة في العقل البشري من الصعب أن تتوافر بنفس المستوى الذي كان لدى القحطاني والذي شاهده الجميع عبر عرض تم في قاعة الاحتفال. بينما اعتبر عبد الرزاق التركي أن هذا التكريم هو أقل واجب تجاه شخص سعودي شرف وطنه والأمتين العربية والإسلامية على حد سواء من خلال واحدة من أكبر وأهم المسابقات في العالم، حيث أكد القحطاني أن الشعب السعودي لديه الكثير من القدرات التي يمكن أن ينافس فيها في جميع المحافل الدولية التي يشارك بها، بل وينجح في التفوق والوصول للقمة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».