الجعفري: ثرواتنا مستنزفة في محاربة الإرهاب.. ولدينا عصابات من 80 دولة تهدد كل دول المنطقة

وزير الخارجية العراقي أشاد في حديث لـ {الشرق الأوسط} بالتفاهم مع السعودية ومساعي البلدين لتطوير العلاقات

إبراهيم الجعفري
إبراهيم الجعفري
TT

الجعفري: ثرواتنا مستنزفة في محاربة الإرهاب.. ولدينا عصابات من 80 دولة تهدد كل دول المنطقة

إبراهيم الجعفري
إبراهيم الجعفري

أشاد وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري بالتفاهم الحالي بين بلاده والسعودية، وبقرب استئناف السفير السعودي مهامه في العراق قريبا، واصفا هذه الخطوة بـ«الإيجابية»، وأنها تسهم في تطوير العلاقات في كل المجالات.
وقال الجعفري، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن بلاده لن تتملص من المسؤولية لما يحدث في العالم العربي، وإن الأبواب مفتوحة للتعاون في كل المجالات، مؤكدا أهمية تطوير الجامعة العربية وانطلاق مشروع الإصلاح. كما طالب بتكثيف التعاون في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، كاشفا عن وجود عصابات إرهابية من 80 دولة تهدد الأمن والاستقرار في العراق والدول العربية بل وفي العالم.
كما تحدث الجعفري عن الإصلاحات التي أطلقها رئيس الوزراء حيدر العبادي، والتزام نواب رئيسي الجمهورية والوزراء بقرار إلغاء مناصبهم. وفي ما يلي أهم ما جاء في الحوار:

* ما هي النتائج التي انتهت إليها أعمال الاجتماع الذي عقدته مؤخرا الهيئة السياسية للتحالف الوطني العراقي تحت رئاستكم؟
- التحالف الوطني العراقي انعقد باعتباره الكتلة الأكبر في البرلمان، ويشكل المجموع الأكبر باعتباره تحالفا وطنيا لا يقبل أن يتملص من المسؤولية، ولذلك فإن ممارساته تتفاعل مع كل مكونات الدولة. وقد انعقد الاجتماع بعد الإعلان عن حزمة إصلاحات أطلقها رئيس الوزراء، وبذلك قمنا بإجراء تقييم لآخر تطورات الساحة العراقية على المستوى الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي والخدمي، وحضر رئيس الوزراء للاستماع منه إلى ما تم تنفيذه بالنسبة لهذه الملفات وإعطاء الأولوية للملفات الساخنة.
* هل الإصلاحات التي أعلن عنها تنفذ بوتيرة تخفف من حدة الاحتقان في الشارع العراقي وكذلك على المستوى القيادي خاصة بعد إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والوزراء؟
- ألغيت بالفعل مناصب بعض القيادات، وكذلك تم تقليص بعض الوظائف التي تأتي في المرتبة الأقل. وتضمنت الإجراءات تخفيض الرواتب والامتيازات وتعديل رواتب التقاعد. ولا شك أن حزمة الإجراءات التي اتخذت كانت في تقديري جيدة، لكنها قد لا تكون كافية.
* هل نفذت القيادات قرار إعفاء نواب رئيس الجمهورية عمليا أم أن هناك أمورا ما زالت غير واضحة؟
- تم تنفيذ القرار بمجرد صدوره، وكل شيء انتهى، واستجابوا ولم يعترض أحد منهم، فقط كانت هناك ملاحظات أو عتب لأن هذه الإجراءات كانت مفاجئة بالنسبة لهم.
* هل يعتزم رئيس الوزراء اتخاذ حزمة أخرى من الإجراءات لتحسين الوضع العام؟
- لا يوجد سقف نهائي لإجراء الإصلاحات، وكلما انتهينا من إجراءات لمعالجة الفساد قد يظهر آخر، وبالتالي علينا التمسك بمعادلة الإصلاح، وكل الدول تعاني من هذا الموضوع، ولا نستطيع تصور عالم من دون فساد، والعراق مهتم بعمليات الإصلاح وتحدياته، وسيستمر في إطلاق كل ما من شأنه التوصل للسياسات الأفضل، ومن هذا المنطلق فإن الحكومة العراقية جادة في تنفيذ الإصلاحات التي من شأنها توفير الخدمات للمواطنين، والقضاء على الفساد وترسيخ التجربة الديمقراطية.
* وما ذا يحتاج العراق من إجراءات جديدة حتى يعالج كل الثغرات محل الشكوى والانتقاد؟
- قلنا منذ خمس سنوات إن المحاصصة سيئة السمعة يجب أن يعاد النظر فيها، لأنها لا تجعل العراق في حالة صحية، سواء كانت المحاصصة على خلفية دينية أو مذهبية أو سياسية. يجب أن تفتح المؤسسات أبوابها على مصراعيها لاستخدام الأكفأ في مجالات السياسة والمالية، وكل في اختصاصه في الصحة والزراعة وغيرهما، وبالتالي لا بد من إلغاء المحاصصة لأن دول العالم تجاوزتها، وهذا في تقديري مهم. والشيء الآخر هو أن مؤسسات الدولة يجب أن تخضع لمعايير في تعيين الموظفين حتى تأتي بالخيرين منهم. نحن لا نعاني أزمة كفاءات، بل يجب أن نأتي بمعايير صحيحة حتى تنضم العناصر الأكفأ وتتحقق العدالة، لأن البلد الذي يختل فيه ميزان العدل والقضاء يختل فيه الأمن وأمور أخرى، والقضاء العراقي عريق يحتاج لدفعة لتحقيق العدالة. ويمكنني القول إن العراق لا يعاني من أزمة قضاء ولا من أزمة أمن، إنما تتكالب عليه التحديات من كل مكان.
* هل يمكن أن تحدد لنا نقاط الخلل كي يستعيد العراق نفسه ودوره من جديد؟
- الخلل في الداخل العراقي، وهو ليس بمعزل عن الخلل في الخارج العراقي. على سبيل المثال كيف تعاملنا مع التحول في اليمن وتونس ومصر وليبيا وكلهم أشقاء، وقد تعاملنا معهم من موقع المسؤولية وليس بمنطق عاطفي، وقد وقفنا متضامنين من منبر جامعة الدول العربية، وأي قضية تخص أي بلد عربي نتحدث فيها بكل صدق لصالح تلك الدولة، وليس لدينا عقد دائم مع حاكم وإنما لدينا عقد دستوري إنساني دائم مع شعب ذالك البلد، وقد تتغير الحكومات، وبالأمس تغيرت الحكومة المصرية لكن يبقى الثابت الشعب والجغرافيا والأهرام والنيل.
* معروف أن العراق من أغنى الدول العربية من حيث الموارد النفطية والزراعية، ومع ذلك يعاني بشكل كبير على المستوى الاقتصادي.. لماذا وكيف يستفيد الشعب العراقي من ثروته؟
- العراق بلد غني بالثروات، لكنه يمر بظروف استثنائية نتيجة الحرب على عصابات «داعش» الإرهابية وانخفاض أسعار النفط في وقت يحتاج فيه للمساعدات الإنسانية للعوائل النازحة من مناطق ديالى والأنبار وصلاح الدين والموصل، والمساعدة في إعادة إعمار المناطق المحررة.
العراق متمسك بسيادته ودستوره وهويته الوطنية، وبتعدده الديني والمذهبي والقومي، ويعتز بجيرانه.. وأبناء العراق اليوم يتعايشون ويسهمون في البناء بمختلف أجهزة الدولة. لكن هل يصدق أحد أن عصابات «داعش» الإرهابية جاءت من أكثر من 80 دولة، وهي اليوم تهدد أمن العراق وقد تهدد أمن الدول المجاورة، والمنطقة والعالم؟ هذا يتطلب وقفة حقيقية، وتوحيد الجهود لمواجهة هذا الخطر العالمي وحفظ وحدة وسلامة الشعوب.
* هل تتهم دولا معينة بالتورط في استهداف العراق؟
- هي تعرف نفسها عندما سكتت وسمحت بوصول العناصر الإرهابية إلينا، والإرهاب كبيت العقرب.. أولاد العقرب ينقضون على أمهم ويأكلونها.
* هناك محاولات لوزارة الدفاع لتحرير بعض المناطق في العراق من الإرهاب لكن النتائج تبدو متواضعة..
- النتائج معقولة، وعلى سبيل المثال في الأنبار تم تحرير 40 في المائة بأيدي القوات المسلحة العراقية، وكذلك مناطق أخرى في صلاح الدين بنسبة 70 في المائة، وفي جنوب بغداد وكربلاء 100 في المائة تحررت.
* إذن من أين تأتي التفجيرات الإرهابية التي تحدث في العراق باستمرار؟
- ذكرت أنها في الأنبار وصلت إلى 40 في المائة، وهذا يعني أن بعض العناصر ما زالت تنشط هناك وفي صلاح الدين، لكن الإعلام لا يتحدث عن المناطق التي تحررت وإنما ينقل فقط الأحداث الداعشية. وهذا هو إعلام الإرهاب خاصة إذا كان ينقل هذا عن قصد، فقد وقع في شراك الإعلام المضاد عندما لا ينقل المواقف المشرفة لأبناء القوات المسلحة العراقية المحررة، وكيف عملوا في أصعب الظروف.
* أغلب الإعلام متعاطف مع العراق حتى يعود بقوة إلى وضعه في المنطقة، لكن الملاحظ أن بناء القوات المسلحة يحتاج لجهد من حيث التدريب والتسليح، وسبق أن انتقدت الجهد الدولي المطلوب لدعم العراق. كيف ترى هذا؟
- صحيح الدعم يجب أن يتناسب وحجم التحدي، ليس مجرد قرار من وحي العاطفة نهب من نشاء ونحرم من نشاء، ليس هكذا ويجب أن تكون هناك حالة من التوازن بين شدة التحدي والتضحيات وشدة الخسائر، والمطلوب من الدعم تعويض كل هذه الأمور. العراق اليوم يخوض حربا ضروسا مع الإرهاب.
* متى تخف حدة العمليات الإرهابية في العراق وتكون الأمور تحت السيطرة؟
- أزمة الإرهاب ليست عراقية – عراقية، ولو كانت كذلك لما ظلت كل هذه المعاناة والحرب الطويلة ضده. نرى أن مكافحة الإرهاب تتم على ثلاث مراحل: المدى القريب والمتوسط والبعيد، ولو فكرنا في كل دولة نستطيع أن نضع السقف النهائي إلى حد ما، لكن هذا يعني اجتثاث الإرهاب من كل الدول، لأنه ينتقل من دولة يحارب فيها إلى دول بديلة، ومعروف أن الإرهاب في البداية انطلق من أميركا ثم إلى أوروبا ومنها إلى أستراليا، ثم انتقل إلى الشرق الأوسط، ومؤخرا انطلق من أفغانستان إلى الشام ومنها إلى العراق، ثم من العراق إلى دول أخرى، وبالتالي لا نستطيع تحديد سقف زمني.
* البعض يرى أنه ليس من مصلحة إيران رؤية العراق قويا مستقرا وبالتالي تحاول الدفع بما يؤثر على الاستقرار.. هل ترون الأمر هكذا؟
- إيران لها من العقل الكافي ما يقنعها بأن عدم استقرار العراق سيؤثر عليها، وإن لم يكن ذلك لأسباب إنسانية وإسلامية وحسن الجوار فعلى الأقل من مصلحتها استقرار العراق.
* من المفترض افتتاح السفارة السعودية لدى العراق بعد عيد الأضحى، ماذا تعني هذه الخطوة؟
- لتقريب المسافة بين الدولتين ومد الجسور بيننا وبينهم وتسهيل عملية التفاهم وتبادل المصالح وإزالة الحواجز القديمة. وقد التقيت مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على هامش اجتماعات وزراء الخارجية العرب، وبحثنا في كيفية تطوير العلاقات في كل المجالات، وقد أكد لي أن السعودية حريصة على تعزيز العلاقات والحفاظ على سلامة العراق واستقراره ووحدة الصف ونبذ الفرقة، وأن السفير السعودي سيصل العراق في غضون الأيام المقبلة في إطار تعميق العلاقات بين البلدين.
* من الملاحظ أن العراق ما زال بعيدا بعض الشيء عن محيطه العربي باستثناء اللقاءات التي تتم في اجتماعات الجامعة العربية..
- كانت لنا بعض الزيارات للدول العربية، وما من دولة وجهت لنا الدعوة إلا واستجبنا لها، كما وجهنا لهم الدعوات، ولا توجد خصومة مع أي دولة عربية. ندعم سياسة الانفتاح والتعاون الكامل بل وننشده في كل وقت مع الأشقاء العرب، ونتعامل معهم على بينة من أمرنا في كل الملفات الاقتصادية والاستثمار وغيرها.
* كيف تنظرون لملف إصلاح الجامعة؟
- لدينا ملاحظات تتعلق بأهمية الإصلاح والمقررات وكثير من الأشياء والأداء والقرارات. لا بد من الإصلاح، والجميع يطالب بذلك، وهناك أخطاء وملاحظات، ولا ننكر وجود أخطاء كبيرة في الجامعة العربية، لكن علينا أن نتفق كيف نعالج هذه الأخطاء من خلال السرعة والإنجاز المناسب في التوقيت المناسب، وتكثيف اللقاءات والجدية في تنفيذ القرارات والنظرة الواسعة التي تتسع لكل الدول العربية، والنظر إلى الكل على أنه جزء لا يتجزأ من مجموع العالم العربي.
* ألا ترون أن القوة العربية المشتركة يكون مفعولها أقوى مما يسمى «التحالف الدولي لمكافحة (داعش) والإرهاب»، خاصة أنه يقوم بعمليات في العراق وسوريا منذ فترة ورغم ذلك ارتفعت وتيرة انتشار الإرهاب؟
- نتمنى أن يشق مشروع القوة العربية المشتركة طريقه في مسألة مكافحة الإرهاب، لكن مسألة التمني شيء ورسم خريطة صحيحة تأخذ به بما يحقق العدالة الصحيحة ولا يمس سيادة الدول شيء آخر.
* ماذا عن العلاقة مع تركيا في ظل اختطاف عدد من العمال الأتراك؟
- هذا العمل مدان لا يمكن القبول به، وقد استنكرنا هذا السلوك الدخيل على العراق لأن هذا يعد إساءة لدولة جارة وللنظام العراقي، وقد قامت هذه المجاميع بهذا العمل دون علم الحكومة وباختراق أجهزتها، وهذا تجاوز على هذه الأجهزة.
* سادت حالة من الغضب خلال اجتماعات وزراء الخارجية العرب تجاه ممارسات إيران ضد الدول العربية وتدخلها وتصدير الإرهاب لبعض الدول خاصة البحرين واليمن والسعودية.. هل سيتضامن العراق مع أشقائه العرب؟
- العراق يرفض تدخل أي دولة في الشأن الداخلي للدول الأخرى. وفي ما يتعلق بالتدخل في هذه الدول عليها أن تقدم وثائق مدعمة بالأدلة، وأن هناك موقفا إيرانيا يخترق سيادتها. فعلى سبيل المثال سبق أن اتصل بي الشيخ صباح الأحمد، وكان وقتها رئيس الوزراء (في الكويت) عام 2006، وكذلك كنت أنا، وأبلغني بأن اثنين من المواطنين الكويتيين خرجا إلى سوريا وسيعبران إلى العراق ولا بد من الانتباه إليهما حتى لا تحدث مشاكل منهما.. وبالتالي هل أحكم على دولة الكويت أنها إرهابية إذا ألقينا القبض على اثنين من مواطنيها، وقد أخبرني بذلك رئيس وزرائها؟! بالتالي لا يصح أن نحكم على دولة بأنها إرهابية لأنه تم إلقاء القبض على فردين من مواطنيها، واليوم لدينا مجموعات إرهابية من 80 دولة هل نتخاصم معها.
* من بينهم أجانب وعرب؟
- نعم. وهل نحكم على 80 حكومة و80 برلمانا بأنهم إرهابيون؟ بالتأكيد لا يعد هذا منطلقا في عرف العلاقات العربية والدولية، نحن لدينا مع هذه الدول علاقات جيدة على كل المستويات.
* سبق أن أعلن وزير خارجية البحرين عن ضبط متفجرات جاءت من إيران كفيلة بتفجير مملكة البحرين.. كيف ترى ذلك؟
- لا أعرف هذا الموضوع، وإذا لم نجد وثائق كافية لإدانة أي بلد فلا بد من مصارحة مسؤوليه، وأن نقول لهم هذا وصل إلينا من قبلكم.
* طرح موضوع الإرهاب خلال مجلس الجامعة.. هل كانت لكم مطالب محددة؟
- الوقوف إلى جانب الدول المنكوبة بسببه ولا نكتفي بالإدانة والسب. اليوم لدينا نازحون ولاجئون وكلهم بصمة من بصمات ضحايا الإرهاب، وبالتالي نحتاج لإجراء حقيقي لمواجهة كل هذا، وقدم العراقي دمه ولم نجد المساعدة. ومن ثم لا نريد من يقاتل معنا، وإنما مساندة من خلال تقديم المعلومات الاستخباراتية والوقوف في المنظمات الدولية إلى جانب العراق.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».