راف فاينس موسيقي وأديب في «رذاذ أكبر».. والمرأة تلهمه

الممثل البريطاني يعتبر أن خوف الفنان من الكاميرا والمسرح طبيعي

أمام عدسات المصوّرين في فينيسيا
أمام عدسات المصوّرين في فينيسيا
TT

راف فاينس موسيقي وأديب في «رذاذ أكبر».. والمرأة تلهمه

أمام عدسات المصوّرين في فينيسيا
أمام عدسات المصوّرين في فينيسيا

في «رذاذ أكبر» نجد الممثل راف فاينس منتجًا موسيقيًا وعلى صداقة وطيدة بالمغنية ماريان (تيلدا سوينتون). اتفقا على ترك بعضهما البعض ليذهب كل في سبيله. ماريان تعرّضت لمتاعب في حبالها الصوتية، والآن هي مع صديق بلجيكي جديد (ماتياس شوونارت) فوق جزيرة بونتالاريو الإيطالية التي يقضي فيها المنتج هاري عطلته مع ابنته بينيلوبي (داكوتا جونسون).
لكن هاري، المنتج، ليس راضيًا عن علاقة ماريان بصديقها الجديد وسيحاول في هذا الفيلم الإيطالي الناطق بالإنجليزية الذي يشارك بمسابقة الدورة 72 لمهرجان فنيسيا الحالي. عوض ذلك سوف يثير الكثير من الذكريات الحزينة والمتاعب الجديدة.
آخر مرّة التقيت فيها مع راف فاينس كانت في تورنتو سنة 2013 بمناسبة عرض فيلم آخر مثل فيه دور العاشق أيضًا هو «امرأة غير مرئية». لكن في حين أن هذا الفيلم السابق مقتبس عن نص يتعامل وشخصية تشارلز ديكنز (كما أدّاها فاينس نفسه)، فإن الفيلم الجديد مأخوذ عن «المسبح» وهو فيلم فرنسي للمخرج الراحل جاك ديراي حققه سنة 1969.
بين الفيلمين بالطبع ظهر في «فندق بودابست الكبير» حيث لعب دور صاحب الفندق الكائن في بعض جبال أوروبا البعيدة المتهم بقتله امرأة مسنّة لاستحواذ ثروتها. ثم مثل في «امرأتان»، وهو فيلم روسي - فرنسي - بريطاني مشترك قبل أن يحط الرحال في هذا الفيلم الجديد.

* من دواعي السرور أن يراك المرء دائم العمل منذ أن ظهرت في شخصية هيذكليف في «وذرينغ هايتس» قبل 21 سنة. إلامَ تعزو هذا الحماس؟
- لا أؤمن بالحلول النصفية على ما أعتقد. لا أجد أنني أجيد لعبة الإقدام على شيء ثم التوقف عنه ولا تهمني العطل كثيرًا. طبعًا يتاح لي أن أرتاح بين فيلم وآخر أحيانا، لكن راحتي الحقيقية هي في أن أمنح العمل الذي أقوم به كل طاقتي. أن أرى نفسي أنجح فيما أقوم به سواء أكان العمل هو التمثيل أو الإخراج.
إذ أقول ذلك لا أريد أن أبدو لك ولقرائك أنني أقبل على كل عرض فيلم أستلمه. لا، حقيقة الأمر أن هذا الممثل الذي أمامك سنحت له الفرصة في تقديم نفسه للوسط السينمائي كشخص يميل إلى نوعية مختلفة من الأفلام عن تلك التي تسود الإنتاجات حاليًا. قد تقول لي، لكنك ظهرت في أفلام من تلك التي تنتمي إلى الأفلام السائدة، لكن هذا له شرح بسيط: على الممثل أن يسمح لنفسه ببعض الأعمال التي قد لا تصنّف فنية، لكن خامتها في الوقت ذاته جيّدة. شيء مثل سلسلة أفلام «هاري بوتر» (ظهر في أربعة منها).
* … أو «سكايفول» والفيلم المقبل «سبكتر» مثلاً…
- هذا صحيح. هذان الفيلمان ليسا من الإنتاجات الفنية المحضة، لكنهما جيدان. لا يمكن اختراق مهنية الصنعة التي تم تنفيذهما من خلالها. أقصد الاحتراف الكبير الذي توزع في كل ركن من أركان العمل. كما لا بد تعرف ألعب شخصية الرئيس «م» الذي يدير شبكة العاملين في المخابرات البريطانية. استلمت المنصب بعد السيدة التي كانت استلمته من مسؤول سابق. لكن - وأنا هنا أحاول إعطاء مثال لا أكثر - الجميع، وأنا منهم، كانوا حريصين على استغلال فرصة وجود «م» جديد لتقديم شخصيّته الخاصة وليس لمجرد الجلوس في ذلك المنصب ومزاولة المهمّة ذاتها. الممثل عادة ما يبحث عن هذه النقاط المضيئة، عن تلك الظروف التي ستتيح له أن يوظفها على نحو مفيد له وللفيلم.
أنت ربما أكثر من سواك حاليًا، قادر على تغيير شخصيّتك على نحو شامل من فيلم لآخر. يكفي أنك لعبت شخصية تشارلز ديكنز التي هي مختلفة عن شخصيتك في سلسلة «هاري بوتر» التي بدورها مختلفة عن شخصيتك في سلسلة جيمس بوند، وهذه عن شخصيتك في الفيلم الأخير. ثم كل هذا ينطبق على أعمالك السابقة. هل هذا متعب أم سهل؟
- يبدأ كل شيء من الكلمة الأولى التي يقرأها الممثل في السيناريو. وإذا كانت الشخصية مرتبطة بشخصية واقعية أمر يختلف عما إذا كانت خيالية. لكن، كم الجهد الذي على الممثل أن يقوم به لإتقان الدور الذي رضي بتمثيله كبير جدًا. لا يكفي أن تقول لنفسك هذا ما سأقوم به.. هذا هو تفسيري للدور وسأتبع هذا التفسير. أعتقد أنه من واجب كل الممثلين البحث عن الجانب الأبعد من الشخصية التي يريدون تمثيلها. حتى ولو كانت مكتوبة على نحو جيّد هناك أكثر من طريقة لأدائها. بعض الطرق تعود لاختلاف كل ممثل عن الآخر بأسلوب عمله أو بسلوكه الأدائي، لكنها ستبقى الغاية التي يريد أن يصبو إليها لاكتشاف ما وراءها ولتقديمها على نحو يؤازر الفيلم. أنت في النهاية لست وحدك. هناك سواك.
* هل شاهدت الفيلم الفرنسي الذي تم اقتباس هذا الفيلم عنه؟
- شاهدته بعد أن وافقت على الدور، لأنه من الضروري أن أعرف الاختلافات بين الفيلم السابق والفيلم الذي كنا بصدد إنجازه. ليس على صعيد التمثيل، لأن الممثل لا يحتاج لأن ينقل ما قام به الممثل السابق، بل على صعيد العمل ككل.
* في هذا الفيلم تمر بحالة من الغيرة العاطفية. هل لو حدث لك ما نراه على الشاشة لتصرفت بالطريقة ذاتها؟
- (يضحك) ربما إذا كان كل شيء في الواقع هو على النحو الذي ورد في الفيلم. لكني أنظر إلى شخصية هاري في الفيلم كرجل غير قادر على ضبط تصرّفاته أو عواطفه. بصحبته ابنته التي لم يكن يعلم بوجودها (من علاقة أخرى) وأمامه امرأة ربما لم يكن يحبها، لكن لمجرد أنها كانت صديقته، فإنه يشعر الآن بالغيرة لأنها بصحبة رجل آخر. أنا أذكى من أن أقع في هذا المطب. لو حدث لي أي شيء مشابه سأكون أكثر تماسكًا.
* أحيانا ما تقوى العاطفة على المنطق.
- لا أستطيع الجدال في هذه النقطة. معك حق.
* قائمة أفلامك وقائمة المسرحيات التي قمت بتمثيلها تجعل من المقبول، ربما، القول إن لا شيء بات صعبًا عليك. أضف إلى ذلك أنك تحوّلت إلى مخرج يملك طموحًا عاليًا. هل هذا التفسير صحيح؟
- لا أعرف إذا ما كان صحيحًا. لا أعتقد. كل دور هو صعب التنفيذ وإلا لما جذبني شخصيًا إليه. لكني أقول لك شيئًا مهمًّا، أو آمل أن يكون: هناك دومًا الأيام التي أبدو فيها أمام نفسي على الأقل، كما لو أنني أجهل كل شيء. تشعر بأنك في الخطوة الأولى من جديد كما لو أنك لم تتقدّم بعد.
* هل هذا هو الخوف الذي يتحدّثون عنه؟ خوف الممثل من الجمهور المسرحي أو من الكاميرا؟
- الخوف موجود قبل أن تبدأ. هو هناك. تشعر به وقد تحاول أن تتجاهله لكنك تدرك أنك هناك. اليوم الأول من التصوير هو الأصعب. كذلك اليوم الأول من الوقوف على خشبة المسرح. لأن ما يسبق تلك اللحظة التي تصل بها إلى أحد هذين الموقعين، التصوير أو المنصة، هو لحظات من القلق الذي هو نتيجة طبيعية تلازم الفنان. لكن هذا القلق يتبدد أول ما يبدأ الإلقاء.
(يستدرك) أول ما يبدأ الإلقاء على المسرح لكن بمجرد الوصول إلى مكان التصوير والالتقاء بالجميع. الخوف يتبدد وكما ذكرت هذا خوف طبيعي يجعلك تتحفز وتنتبه. لا أعتقد أن الممثل الذي يهتم بالعمل، وأنا لا أريد أن أعمم، يخلو منه. إنه خوف صحي، بكلمات أخرى.
* كلام رائع، لأنه عندما تذكر الخوف على هذا النحو تجعلني، كمستمع، أتذكر ممثلين يبدون أمام الشاشة كما لو أن التمثيل مجرد تنفس طبيعي يتعامل مع الرئة أكثر مما يتعامل مع الرأس.
- هذه ملاحظة مصيبة لأن بعض الممثلين، وربما الكثير منهم وأنا لن أذكر أسماء، يقدمون أنفسهم كما هم للمشاهد. الشخصية التي يؤدونها هي الشخصية ذاتها التي هي هم. أو قريبة جدًا منهم. أو أدوها سابقًا فنجحت فعاودوا تقديمها في كل مرّة. هذا النوع من التمثيل لا يعرف لحظات خوف. ربما، كما ذكرت، أشبه بعملية تنفس.
* إلى حد ما في «رذاذ أكبر» يفاجئ اختيار المكان لتصوير هذا الفيلم. لقد زرت الجزيرة ذات مرّة ووجدتها مختلفة عما تبدو اليوم.
- إذا التقيت بلوكا غودانينو (المخرج) سيقول لك لماذا اختار هذا الموقع بالذات.
* طبعًا هناك شيء من الربط الحالي بقضية المهاجرين. في نهاية الفيلم هناك التذكير باللاجئين الهاربين من أوطانهم إلى ساحل الجزيرة.
- أعتقد أن هذا هو بعض السبب. مشكلة اللاجئين مؤسفة. لا أحد كان يتخيّل أن يقع هذا في هذه الحقبة من الزمن. بعد كل تلك الحروب التي مرت في التاريخ. بعد كل ضحاياها وكوارثها ما زال هناك من يقدم عليها. عندما صوّرنا الفيلم كان الهاربون من دول المتوسط هم تونسيون وليبيون. الآن هناك آخرون بالإضافة إلى من سبقهم.
* في أول فيلم أخرجته «كوريليانوس» سنة 2011 طوّعت نص ويليام شكسبير للحديث عن هذه المسألة: الحروب وتوابعها.
- نعم. الفيلم كان مناسبة للتطرق إلى النزعة السلطوية في تلك الحروب. واحدة من العوامل التي هي في الأساس شخصية. شكسبير كتب عن شخصيات ونفذ منها إلى كل المسائل الخلفية الناتجة عن تصرفات وسلوكيات تلك الشخصيات.
* هل سنجدك وراء الكاميرا من جديد؟
- ليس في وقت قريب. عندي مشروعان آخران لكن الوقت مبكر للحديث عنهما.
* في «المرأة غير المرئية» نجد تشارلز ديكنز بحاجة للإلهام الذي توفره له الفتاة الشابة التي وقع في حبها. هنا في «رذاذ أكبر» شخصية هاري، التي تقوم أيضًا بتمثيلها، بحاجة أيضًا للإلهام المتمثل بشخصية تيلدا سوينتون. هل أنت شخصيًا تحتاج للمرأة لكي تهلمك؟
- كنت أسأل نفسي إلى أين ستمضي بسؤالك. الوضعان يختلفان.. لنتكلم عن الأفلام أولاً.. في «المرأة غير المرئية» كان ديكنز، حسب اعتقادي، يحتاج إلى نيلي كملهمة. وهي موجودة في روايته «ديفيد كوبرفيلد» تحت اسم آخر. سمّاها آنا. أعتقد من خلالها كان ديكنز يبحث عن المرأة - الملاك وهو يوفر هذه الشخصية الملائكية في روايته. هل تذكر المشهد الذي يقرأ فيه ديكنز على نيلي مقطعًا من «توقعات عظيمة»؟ أعتقد أن هذا هو أفضل إعلان حب كُتب باللغة الإنجليزية.
في الفيلم الحالي، هناك حاجة لدى هاري للمرأة في حياته لكونها حياة غير مستقرة عاطفيًا. المرأة هنا ليست ملهمة بالمعنى الشعري أو الأدبي وأكثر من ذلك هي حاجة عاطفية في المقام الأول. الشخصيات جميعًا مختلفة ومصادر اختلافها في الأساس مختلفة أيضًا. لكن نعم هاري يحب ماريان وهي ملهمته أو بالأصح كانت ملهمته لحين مضى.
* وبالنسبة لك؟
- أحتاج للمرأة كإلهام، لكنه جانب معين من الإلهام. ما يلهمني تحديدًا هو حبي للعمل والعمل نفسه. أن أستطيع سبره وتحليل شخصيته والخروج بشخصية جديدة ترضيني وترضي المشاهدين.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».