الجندي التركي الذي حمل جثة الصبي آلان: تخيلت ابني مكانه

تشيبلاق قال إنه «كان خفيفًا كطائر لكن حمله ثقيل جدًا»

الصبي آلان كردي وشقيقه غالب الذي مات معه غرقا (أ.ب)
الصبي آلان كردي وشقيقه غالب الذي مات معه غرقا (أ.ب)
TT

الجندي التركي الذي حمل جثة الصبي آلان: تخيلت ابني مكانه

الصبي آلان كردي وشقيقه غالب الذي مات معه غرقا (أ.ب)
الصبي آلان كردي وشقيقه غالب الذي مات معه غرقا (أ.ب)

وصف عنصر الدرك التركي، محمد تشيبلاق، مشاعره عندما شاهد جثة الطفل السوري آلان كردي، بينما كانت تضربها الأمواج على شاطئ مدينة بودروم التركية، قبل أن يتقدم لحملها وتنتشر صورته في جميع وسائل الإعلام حول العالم: «تخيلت ابني يرقد مكانه».
وصل تشيبلاق وفريق فحص موقع الحادثة، في الخامسة من صباح الأربعاء الماضي إلى شاطئ منطقة أقيارلار في بودروم، بعد تلقيهم بلاغًا بغرق قارب كان يقل مهاجرين في تلك المنطقة، وطفو بعض الجثث على الشاطئ.
على الشاطئ، كانت ينتظره المشهد الذي بات أيقونة تلخص معاناة السوريين، الذين باتوا يفرون من الموت إلى الموت: الطفل آلان راقد على بطنه على رمال الشاطئ كما لو كان نائمًا، والأمواج تتقدم من حين لآخر لتلامسه ومن ثم تنحسر عنه.
ورغم أن عناصر المشهد كانت تؤكد موت الطفل، فإن أول ما تبادر إلى ذهن تشيبلاق هو «يا ربي، إن شاء الله يكون على قيد الحياة»، ولكنه لم يعثر على أي مؤشر على حياة الطفل.
مشاعر الأبوة التي تملكت تشيبلاق في تلك اللحظة، جعلته يتخيل ابنه ذي الست سنوات، يرقد مكان آلان، قبل أن يتمالك نفسه، ويستمر في القيام بعمله.
يصف تشيبلاق لوكالة أنباء الأناضول كيف حمل جثة آلان بالقول: «حملته كما يحضن الأب طفله، وليس كموظف يقوم بأداء عمله. كان آلان خفيفًا كطائر، لكن حمله بالنسبة لي كان ثقيلاً جدًا، كنت كأب يحمل بين ذراعيه جسد طفله الذي فارق الحياة». لم يخطر في بال تشيبلاق حينها أن صورته وهو يحمل آلان بين ذراعيه ستجوب العالم، وستتصدر الصفحات الرئيسية لصحف اليوم التالي في أرجاء المعمورة.
يقول تشيبلاق للوكالة التركية إنه شعر بنفس ألم يوم الحادث، عندما شاهد صوره المنشورة، وتلقى تعليقات من معارفه الذين لاحظوا تعبير وجهه، والحزن الكبير الذي كان يبدو عليه، ومواجهة السؤال المتكرر: «كيف تمكنت من نقل ذلك الحمل الثقيل؟». ويضيف أن حادثة الطفل آلان، من أكثر الحوادث إيلامًا التي واجهها خلال فترة عمله في فحص مواقع الجريمة في أنحاء مختلفة من تركيا طيلة 10 سنوات، يليها في الألم عندما ذهب إلى موقع حادث مروري ليجد أحد أصدقائه المقربين بين الضحايا.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».