بعد معاناتهم في المجر.. النمسا وألمانيا تستقبلان اللاجئين بضيافة لم يتوقعوها

قطارات مجانية وصناديق إمدادات ولعب للأطفال.. ولافتات ترحيب باللغة العربية

ألمان يرفعون لافتة ترحيب بالعربية باللاجئين في محطة القطار بسالفيلد في شرق ألمانيا الليلة قبل الماضية (أ.ف.ب)
ألمان يرفعون لافتة ترحيب بالعربية باللاجئين في محطة القطار بسالفيلد في شرق ألمانيا الليلة قبل الماضية (أ.ف.ب)
TT

بعد معاناتهم في المجر.. النمسا وألمانيا تستقبلان اللاجئين بضيافة لم يتوقعوها

ألمان يرفعون لافتة ترحيب بالعربية باللاجئين في محطة القطار بسالفيلد في شرق ألمانيا الليلة قبل الماضية (أ.ف.ب)
ألمان يرفعون لافتة ترحيب بالعربية باللاجئين في محطة القطار بسالفيلد في شرق ألمانيا الليلة قبل الماضية (أ.ف.ب)

على مدى أسابيع وبينما كانوا يسافرون في طريق خطر، نظرت أوروبا بعين باردة إلى اقترابهم غير المرغوب فيه. وأول من أمس، ولأول مرة منذ هروبهم من أوطانهم المضطربة، كان بإمكانهم وضع أقدامهم على أرضهم الموعودة – حدث ذلك بسبب الود الألماني الذي دفع بعض القادمين لذرف الدموع من شدة الفرح.
تم استقبالهم بكرم ضيافة غير متوقعة، وقطارات مجانية فائقة السرعة، وصناديق إمدادات تبدو وكأنها لا قاع لها، كما قدم المهنئون الحلوى للجميع، ولِعب محببة للأطفال وهم بين أذرع أمهاتهم. وحسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس» فإنه حتى أن الكبار تلقوا الترحيب المفاجئ بنظرة انبهار، بينما أعلن الألمان والنمساويون أنهم وصلوا إلى أرض قد تصبح موطنا لهم.
قال همام شحادة، لاجئ سوري، عمره 37 عاما، قضى 25 يوما في الطريق: «أشعر بسعادة غامرة لأنني الآن في ألمانيا. وآمل في أن أنعم بحياة أفضل بكثير هنا. وأريد أن أعمل». ترك شحادة خلفه والديه، وشقيقه، وزوجته، وطفل يبلغ من العمر 7 أعوام وطفلة تبلغ من العمر عامين ونصف العام، ويأمل في أن يحضرهم جميعهم إلى ألمانيا. وحتى ذلك الحين، قال شحادة: «آمل أن يحميهم الله من الطائرات والقنابل. فقد قُصف متجري، وقُصف أيضا منزلي».
وبينما غادر المهاجرون المجر، واجه القادة بعض الانتقادات الشديدة لترحيلهم الضيوف. قال رئيس الوزراء فيكتور أوروبان للصحافيين إن «المجر قادت المهاجرين إلى الحدود فقط لأنهم كانوا يشكلون خطرا عاما، وبالأخص من خلال تعطيلهم لخطوط المرور والسكك الحديدية غرب بودابست عندما شنوا سلسلة هروب مفاجئ الجمعة الماضية من المناطق التي تسيطر عليها الشرطة وتوجهوا إلى النمسا سيرا على الأقدام». وأضاف أوروبان أن «الأشخاص الذين أوتهم ألمانيا جاء معظمهم من مناطق لم يتم تدميرها بفعل الحرب، لكنهم أرادوا فقط أن يعيشوا هذا النوع من الحياة الذي نعيشه. وأنا أتفهم ذلك، لكنه مستحيل. فإذا سمحنا للجميع بالدخول، سيتسبب ذلك في تدمير أوروبا».
وتسلط المظاهرة التي نظمها ثالث أكبر حزب في المجر – الحزب الفاشي الجديد «جوبيك» - في وسط بودابست، الضوء على السبب الذي دفع هؤلاء المهاجرين للبحث عن ملاذ في أوروبا إلى السعي للخروج من البلد في أسرع وقت ممكن. وفي وقت سابق من ذلك الأسبوع، سافر الكثير من نفس نشطاء جوبيك جنوبا نحو الحدود مع صربيا للاعتداء لفظيا على المسافرين الذين وصلوا حديثا إلى بلادهم.
وشتان بين ما عانه اللاجئون في المجر وما شاهدوه في محطة القطار المركزية في فيينا. فعندما وصل نحو 400 طالب لجوء في أول قطار قادم عبر الحدود في الصباح، قدم المتطوعون الغذاء والماء وعبوات منتجات النظافة الشخصية للرجال والنساء. وهلل المتفرجون النمساويون بوصول المهاجرين، مع صياح بعضهم بكلمة «أهلا» باللغتين الألمانية والعربية. وأخرجت امرأة نمساوية زوجا من أحذية المطر المطّاطة الخاصة بالأطفال وأعطتهما لامرأة قادمة من الشرق الأوسط تحمل صبيا صغيرا.
وفي المحطة المركزية في ميونيخ، تلقى أول القادمين من المجر الهتاف والتصفيق. وبدا الكثير منهم ممن تحملوا النوم على أرضيات خرسانية مزدحمة في محطة كيليتي في بودابست، مشّوشا مع اقتراب الألمان منهم بصواني الطعام. وشعر الأطفال الصغار بالابتهاج مع أخذهم دمى الدببة كهدايا.
قالت سيمون هيلجرز، المتحدثة باسم وكالات تابعة لحكومة بافاريا العليا مكلفة بتوفير الدعم الفوري للمهاجرين: «نعبر عن ترحيبنا الحار بهؤلاء الناس اليوم. ونحن ندرك أنه سيكون تحديا كبيرا، لكن الجميع والسلطات والمواطنون العاديون يتحاملون على أنفسهم». وتابعت هيلجرز أن «ما مجموعه نحو 6 آلاف شخص جاءوا عن طريق ميونيخ مساء السبت، وتم توزيع الغذاء والشراب عليهم جميعا، وتم إيواء معظمهم في مساكن مؤقتة».



الأوروبيون ينظرون بقلق إلى طموحات ترمب التوسعية و«الإمبريالية»... وشولتس يعدها تهدد النظام العالمي

علم غرينلاند يرفرف في مستوطنة إيغاليكو (رويترز)
علم غرينلاند يرفرف في مستوطنة إيغاليكو (رويترز)
TT

الأوروبيون ينظرون بقلق إلى طموحات ترمب التوسعية و«الإمبريالية»... وشولتس يعدها تهدد النظام العالمي

علم غرينلاند يرفرف في مستوطنة إيغاليكو (رويترز)
علم غرينلاند يرفرف في مستوطنة إيغاليكو (رويترز)

يوماً بعد يوم، ومع اقتراب عودته إلى البيت الأبيض، تتزايد مخاوف الأوروبيين من السياسات التي سيتبعها الرئيس دونالد ترمب إزاء مجموعة من الملفات التي تشغل أذهان التكتل الأوروبي، على رأسها ملف الحرب الأوكرانية.

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في صورة جماعية مع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، يوم 19 ديسمبر 2024 (رويترز)

لقد دأب الأوروبيون، في اجتماعاتهم الأخيرة، على تأكيد أنهم مستمرون في دعم أوكرانيا طالما طال الزمن واحتاجت لذلك. لكن أصواتاً مختلفةً أخذت تُسمع في الفترة الأخيرة، وآخرها صدر عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يريد أن يُفرض كأفضل صديق وداعم لأوكرانيا. فقد دعا، في خطابه أمام السلك الدبلوماسي لبلاده، الأوكرانيين، إلى تقبل «إجراء مناقشات واقعية حول القضايا الإقليمية»، أي حول الأراضي التي تطالب كييف باستعادتها لوضع حد للحرب. وبكلام آخر، فإن ماكرون يدعو كييف لتبني مقاربة «براغماتية» باعتبار أن طرد القوات الروسية من شرق أوكرانيا ومن شبه جزيرة القرم لن يتم بقوة السلاح، وأن التمسك باستعادة كامل أراضيها المحتلة قد لا يكون مطلباً «واقعياً». إلا أن ماكرون سارع، بالمقابل، إلى تحذير الرئيس ترمب الذي يريد بناء علاقة وثيقة معه من أنه «لا يوجد حل سريع وسهل» في أوكرانيا، وأنه يعود للأوكرانيين «وحدهم» أن يتخذوا بأنفسهم القرارات التي تخص بلادهم، لا أن تفرض عليهم من الخارج فرضاً.

كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي مع وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا في روما يوم الخميس (إ.ب.أ)

* عودة الإمبريالية الأميركية

بيد أن أوكرانيا ليست وحدها مصدر الصداع الذي يؤرق الأوروبيين. ففي الأيام الأخيرة، تتحدث الصحافة الغربية عن «طموحات ترمب» التوسعية التي وصفتها صحيفة «لو فيغارو» اليمينية و«لوموند» المستقلة بـ«الإمبريالية». وكرر ترمب في مؤتمره الصحافي الأخير أنه يريد شراء جزيرة غرينلاند من الدانمارك، ولم يستبعد اللجوء إلى القوة حال رفضت كوبنهاغن عرضه. كذلك أكد أنه عازم على «استعادة بنما الاستراتيجية، لوضع اليد مجدداً على قناتها التي تربط المحيطين الأطلسي والهادئ». وسبق له أن أعرب عن رغبته في تحول كندا إلى الولاية الأميركية الحادية والخمسين.

وكتبت «لو فيغارو»، في عددها ليوم الجمعة، أن طموحات ترمب «من شأنها أن تنسف العلاقات الدولية، وأنها أثارت الذهول والفوضى رغم أن عدداً من المحللين العقلانيين نظروا إليها على أنها جزءٌ من استراتيجية تفاوضية تقوم على المطالبة بالمستحيل للحصول على تنازلات محدودة اقتصادية وجمركية». ورأى آخرون أنها «تكتيكات» للهيمنة على المناقشات والمواضيع المطروحة والتفرد بالاهتمام الإعلامي.

ترمب وميلوني في صورة جمعتهما مع المرشّحين لمنصبي وزير الخزانة سكوت بيسنت (يسار) والخارجية ماركو روبيو في مارالاغو 4 يناير (إ.ب.أ)

كان أولاف شولتس، المستشار الألماني، من بين القادة الأوروبيين الأكثر جرأة في الرد على تهديدات ترمب، إذ شدد في تصريحاته الأخيرة على «مبدأ حرمة الحدود الذي ينطبق على أي دولة، سواء صغيرة أو دولة قوية للغاية، إنه مبدأ أساسي في القانون الدولي». إلا أن هذه الشجاعة لم يتحل بها وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، الذي امتنع الخميس، في حديث لقناة «سكاي نيوز»، عن «إدانة» طموحات ترمب التوسعية بتأكيده أن هدفه «ليس التنديد بأقرب حلفائنا» (الولايات المتحدة). وبرر لامي موقفه المتساهل بأن تهديدات ترمب «لن تتحقق»، قائلاً: «لنكن جديين: هذا أمر لن يحصل، إذ إن أي بلد ينتمي إلى الحلف الأطلسي لم يدخل في حرب (ضد عضو آخر) منذ أن أنشئ». وبرأيه، فإن ترمب «يشير إلى المخاوف المرتبطة (بما تقوم به) روسيا والصين في المحيط المتجمد الشمالي وهي مشروعة لأنها تتناول الأمن الاقتصادي الوطني» للولايات المتحدة.

* أوروبا الخائفة

حقيقة الأمر أن ترمب يخيف الأوروبيين، وبعضهم لا يريد أن يوتر العلاقات معه، بل يحرص على التقرب منه، على رأس هؤلاء القادة جيورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية، التي زارت ترمب في الرابع من الشهر الحالي، وكالت له المديح في العديد من المرات. وأكدت ميلوني أن ترمب «لن ينفذ» تهديداته، وأن ما قاله «رسائل موجهة إلى قوى عظمى (الصين وروسيا) أكثر مما تعبر عن مطامع» تطول الدنمارك أو بنما.

وسعت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية، إلى التخفيف من أهمية تصريحات ترمب، إذ قالت، في مقابلة مع صحيفة «لو موند»، يوم الخميس، إن واشنطن «تحترم ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على وجوب احترام السلامة الإقليمية للدول وسيادتها. ولذلك فإنني على يقين من أنها ستتبع هذه المبادئ أيضاً في المستقبل». وقد ذهبت كالاس إلى حد إيجاد الأعذار، لا بل الترحيب بما سمته «اهتمام الرئيس المنتخب بالقطب الشمالي، لأن هذه المنطقة مهمة للغاية من حيث المواد الخام الحيوية وطرق التجارة والأمن». أما رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، ورئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، فقد كتبا، في رسالتين متطابقتين على منصة «إكس»، أنه ينبغي على الولايات المتحدة وأوروبا «المضي قدماً جنباً إلى جنب»، ودعيا إلى «مشاركة إيجابية مع الإدارة الأميركية الجديدة، استناداً إلى قيمنا المشتركة ومصالحنا المشتركة. ففي عالم صعب، ستكون أوروبا والولايات المتحدة أقوى معاً».

طائرة تحمل رجل الأعمال الأميركي دونالد ترمب جونيور تصل إلى نوك في غرينلاند (أ.ف.ب)

* كوبنهاغن: لا أزمة مع واشنطن

أما الحكومة الدنماركية، فإنها تسعى للتوفيق بين موقف متشدد من أطماع ترمب، والحرص على عدم إثارة أزمة دبلوماسية معه. كما أنها تسعى لموقف وطني جامع كان هدف الاجتماع الذي دعت إليه كل الأحزاب مساء الخميس الماضي. وقالت ميتي فريديريكسن، رئيسة حكومتها، إن غرينلاند «ملك لأهلها»، معتبرة أن اقتراح ترمب «عبثي». لكنها أكدت بالمقابل أن الولايات المتحدة «أقرب حليف لبلادها». وتبدو كوبنهاغن «مرتبكة»، وهو ما يبرز من خلال تصريحات لارس لوك راسموسن، وزير الخارجية، يوم الخميس، إذ نفى من جهة «وجود أزمة دبلوماسية» مع واشنطن، مضيفاً أن بلاده «لا تسعى بتاتاً إلى تأجيج حرب كلامية مع رئيس سيعود إلى المكتب البيضوي» قريباً. لكنه أضاف، من جهة ثانية، أنه لا بدّ من أن نأخذ «أقوال» ترمب على محمل الجدّ بدرجة كبيرة لكن ليس بالضرورة حرفياً.

قام نجل الرئيس المنتخب بزيارة خاصة لغرينلاند في 7 يناير (أ.ب)

ما سبق ليس سوى عينة من المشاكل التي ستندلع بين ترمب والقارة القديمة، إذ تتعين الإشارة إلى تهديدات الأخير بمضاعفة الرسوم المفروضة على الصادرات الأوروبية، ومطالبة الأوروبيين أعضاء الحلف الأطلسي برفع ميزانياتهم الدفاعية إلى 5 بالمائة، وهي لا تزيد بالإجمال راهناً عن اثنين بالمائة.

علما الدنمارك وغرينلاند (أ.ف.ب)

ويشتاط غيظ الأوروبيين من تدخل إيلون ماسك، حليف ترمب وعضو إدارته القادمة، من تدخلاته المتلاحقة في الشؤون الأوروبية، أكان بالنسبة للانتخابات الألمانية، أو إزاء رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر... إلا أن غيظهم لم يترجم، حتى الساعة، إلى إجراءات ما، إزاء مالك منصة «إكس»، ما يعكس، مرة أخرى، ضعفهم إزاء الحليف الأميركي وكبريات المنصات الرقمية الأميركية الكبرى.