السيستاني يغلق أبوابه بوجه السياسيين العراقيين.. ويطالب خامنئي بالحد من نفوذ سليماني

لم يدم شهر العسل طويلا بين المرجعية الشيعية العليا في مدينة النجف، التي يقف على قمة هرمها علي السيستاني، والطبقة السياسية العراقية، لا سيما قادة الخط الأول الذين كان أغلق أبوابه أمامهم طوال فترة الولاية الثانية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
السيستاني الذي كان له الدور الأبرز في تنحية المالكي وركله إلى الأعلى بصفة نائب رئيس جمهورية بلا صلاحيات، عاود فتح أبوابه أمام الرئاسات الثلاث التي تشكلت بدءا من يوليو (تموز) 2014 إلى سبتمبر (أيلول) من العام ذاته، وهم رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، وسليم الجبوري رئيس البرلمان، وحيدر العبادي رئيس الوزراء، إذ استقبلهم المرجع في أوقات مختلفة، منهيا تلك القطيعة التي ترتب عليها في النهاية إصرار السيستاني على إزاحة المالكي.
لكن طبقًا لمعلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» من سياسي مطلع في بغداد وعبر الهاتف من لندن، فإن «المرجعية الدينية صعدت موقفها فجأة ضد الطبقة السياسية في الجمعة الأخيرة، بعد تهدئة اللعب من قبلها خلال الجمعتين اللتين سبقتاها بعد أن طفح الكيل بها، سواء على صعيد مطالبة الجماهير السيستاني ومرجعية النجف بشكل عام بممارسة أقوى صيغ الضغط على الحكومة الحالية ورئيسها حيدر العبادي لتلبية مطالب الجماهير المنتفضة، من خلال تسمية الأشياء بمسمياتها، وإحالة كبار الفاسدين إلى القضاء، طبقًا لما أعلنه وبشكل صريح لا لبس فيه ممثل السيستاني في خطبة الجمعة بكربلاء السيد أحمد الصافي، أو على صعيد ما باتت تلحظه من تدخل إيراني بطريقة يمكن أن تؤدي إلى إرباك عملها في مرحلة تالية، كونها المرجعية الشيعية العليا في العراق والعالم، وهو ما يعني، أن مرجعية النجف بدأت تدرك أن هذا التدخل في الشأن السياسي العراقي من خلال توفير الحماية للمالكي ولرئيس السلطة القضائية مدحت المحمود، وكل من بات هدفًا للناس بالمحاسبة أو بالإحالة على التقاعد، إنما بات ينسحب بالتتابع على دور مرجعية النجف التاريخي وهو ما يمكن أن يؤشر إلى بداية خلاف واضح بين حوزتي النجف اللتين يتربع على قمتهما السيستاني، الذي بات مقبولا من العراقيين من كل الأطياف، وحوزة قم التي يتزعمها المرشد الإيراني علي خامنئي، والتي يمثل تدخلها حساسية مفرطة للعراقيين بمن فيهم الشيعة».
ويكشف السياسي المطلع عن رسالتين سبق أن وجههما السيستاني؛ إحداهما إلى المالكي العام الماضي، لكن الأخير رفض التعامل معها، والأخرى قبل شهور، وتحديدًا في شهر مارس (آذار) الماضي إلى خامنئي. وبينما لا يستطيع السياسي الجزم بكون الرسالتين تحريرتين أو شفويتين عن طريق وسطاء، فإنه يقول عن مضمون الأولى إن «المرجع السيستاني كان خاطب المالكي بضرورة التنحي عن المنصب، غير أن أوساطا في حزب الدعوة ممن تلقت الرسالة لم تستطع إيصالها إلى المالكي خوفا من رد فعله، لكنها وصلت في النهاية دون أن يعيرها المالكي اهتمامًا». غير أن هذه الرسالة ومثلما يقول السياسي العراقي «فعلت فعلها لدى بعض قيادات حزب الدعوة التي رأت أنه من الصعب تجاهل رسالة أو توجيه من المرجع الأعلى، الأمر الذي أدى ببعض تلك القيادات إلى بعث رسالة إلى المرجع تطلب منه توضيح موقفه بشأن رئاسة الوزراء، وكان جواب السيستاني الذي أصبح معروفًا فيما بعد، وبعد تسريبه من بعض قيادات الدعوة، وملخصه ضرورة اختيار رئيس جديد للوزراء، وهو ما أسقط بيد المالكي تماما».
لكن السيستاني الذي أمل خيرًا في الحكومة الجديدة، وجد بعد شهور أنها لم تكن بمستوى طموحه وآمال الناس، وهو ما دعاه إلى أن «يوجه ممثليه في خطب الجمعة إلى تكرار نقد السياسات الخاطئة ومحاربة الفساد واحتواء الشركاء، وهو ما لم يتحقق منه إلا النزر اليسير، مما دفع الناس إلى التظاهر الذي حظي بدعم السيستاني بقوة».
ويربط السياسي العراقي بين هذه التطورات وما جرى الحديث عنه أثناء معارك تكريت بشأن ما بدا نفوذا متزايدا لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، وهو ما دعا المرجع الأعلى للشيعة في العالم إلى أن «يستفسر من خامنئي بطريقة ما عن نفوذ سليماني المتزايد في العراق، الذي بدأ يشكل إحراجًا للمرجعية الدينية، وما إذا كان ذلك يتم بتوجيه من خامنئي أم اجتهاد من سليماني». ويشير السياسي العراقي إلى أن «سليماني اختفى فعلا عن واجهة الأحداث في العراق، وبدأت شخصيات أخرى في البروز على صعيد ميليشيات الحشد الشعبي، أمثال أبو مهدي المهندس وهادي العامري حتى ما تم الكشف عنه عن وجود سليماني خلال اجتماع عقدته أخيرًا الهيئة السياسية للتحالف الوطني الشيعي الحاكم والمجادلة التي حصلت بينه وبين العبادي». ويكشف السياسي المطلع جانبًا آخر من تلك المواجهة، إضافة إلى ما كانت «الشرق الأوسط» قد كشفته في حينه، إذ إنه «خلال النقاش بين الطرفين، وعتب سليماني على ما بدا إجراءات متسرعة من العبادي، لا سيما تلك التي طالت المالكي (إقالته من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية بقرار من العبادي) أبلغ العبادي سليماني بأنه يتعرض لضغوط من المرجع الأعلى السيستاني بشأن اتخاذ خطوات فاعلة في الإصلاح، وأنه، أي العبادي، لم يعد بمقدوره رؤية المرجع لكي يوضح له ما يعانيه من إشكاليات».
ويرى السياسي المطلع أن «الإشكالية الكبرى هي أن الفساد في العراق تحول إلى منظومة متكاملة، وهو ما يتطلب اتخاذ خطوات هي أشبه بعملية جراحية، وهو ما أثار خلافًا لم يظهر على السطح حتى الآن، وقد لا يظهر بسبب التقاليد الصارمة للحوزة العلمية لدى الشيعة، لكنه الآن يتمحور حول نقطتي خلاف بين خامنئي والسيستاني، ففيما يحرص خامنئي على البعد السياسي للقضية لكون أي محاسبة لكبار الفاسدين سوف تطال قادة شيعة كبار، وهو ما يعني محاكمة النموذج الشيعي في الحكم، فإن السيستاني ينظر إلى الأمر من زاوية شرعية، ويرى أن محاربة الفساد واجب شرعي بصرف النظر عن التبعات السياسية له».