انطلاق المهرجان القومي للمسرح بالقاهرة بمشاركة 35 عرضًا

يحمل اسم خالد صالح.. ويكرم نور الشريف وضحايا محرقة مسرح بني سويف

مشهد من استعراض افتتاح المهرجان
مشهد من استعراض افتتاح المهرجان
TT

انطلاق المهرجان القومي للمسرح بالقاهرة بمشاركة 35 عرضًا

مشهد من استعراض افتتاح المهرجان
مشهد من استعراض افتتاح المهرجان

شهدت دار الأوبرا المصرية انطلاق الدورة الثامنة المهرجان القومي للمسرح المصري، التي تستمر حتى 25 سبتمبر (أيلول) الحالي، وتحمل اسم النجم المصري الراحل خالد صالح. ويتنافس 35 عرضا على جوائز المهرجان، فضلا عن 5 عروض تقام على هامش المسابقة الرسمية التي يترأس لجنة تحكيمها الفنان محمود الحديني.
افتتح المهرجان وزير الثقافة المصري الدكتور عبد الواحد النبوي، الذي قال في كلمته إن المسرح مدرسة وتاريخ للقيم، فهو القادر على إيقاظ الوعي وتصحيح مسارات الخطابات المتطرفة التي شوهت الشخصية المصرية بصورة تخالف أصولها وتاريخها العريق، مشيرا إلى أن «المسرح يستطيع أن يعيد ويجسد الشخصية المصرية وأصالتها بل ويدفعها ويحمسها للبناء والتغلب على المعوقات»، مضيفا أن «المسرح منذ نشأته كان مهرجانا ومصدرا للمتعة، وفي الوقت ذاته معلما للشعوب ومظهرا من مظاهر تحضرها»، مضيفا «أراهن أن انتظارنا لعودة المسرح لن يطول، وسيقدم لنا مسرحًا من المبعدين والفنانين والكتاب المصريين ممن يقدمون لنا رؤى مختلفة لمواجهة الواقع الصعب الذي نعيشه».
وتم تكريم الفنان خالد صالح، وتسلم درع المهرجان نجله أحمد خالد صالح، بالإضافة إلى تكريم الفنان نور الشريف الذي تسلمت الدرع زوجته الفنانة بوسي. كما تم تكريم كل من الفنان الراحل محمد عوض، والفنانة سناء جميل، والفنان حسن مصطفى، والكاتب المسرحي لينين الرملي، وأستاذ الديكور سيد أحمد، والناقد حسن عطية، والكاتب والناقد محمد الشربيني، والمخرج المسرحي الراحل هاني مطاوع.
وشهدت الليلة الأولى للمهرجان إقامة 5 عروض، أعادت الروح إلى مسارح القاهرة التي بات معظمها مغلقا أو مهجورا. وتشارك في المهرجان فرق تابعة لمسرح الدولة وفرق المسرح المستقل وفرق الهواة وفرق المسرح الجامعي، فضلا عن فرق تمثل المسرح العمالي.
وأعلن رئيس المهرجان ناصر عبد المنعم أن المهرجان سوف يستمر 18 يوما، في دورة متميزة تحمل جوائزها أسماء رموز في فن المسرح المصري المعاصر، ومنها جائزة «نور الشريف» لأفضل ممثل، و«جائزة شويكار» لأفضل ممثلة، و«جائزة فتحية العسال» لأفضل نص، و«جائزة سمير العصفوري» لأفضل إخراج و«جائزة عبد الغفار عودة» لأفضل عرض، و«جائزة محسن مصيلحي» لأفضل مؤلف صاعد، و«جائزة سامي العدل» لأفضل ممثل صاعد.
وقال عبد المنعم إن هذه الدورة تحمل اسم الممثل المصري الراحل خالد صالح (1964 - 2014) الذي انطلق من مسرح الدولة ثم أصبح من أبرز نجوم التمثيل في مصر. وأوضح أن صالح «كان فنانا مسرحيا من الطراز الرفيع وبدأ مشواره الفني من خشبة مسرح جامعة القاهرة، وكان أحد رموز المسرح المستقل في العالم العربي، ومنه انطلق في عالم السينما وحقق فيه نجاحا كبيرا، إلا أنه كان دوما يحلم بالعودة للمسرح». وأشار رئيس المهرجان إلى أنه سيتم تكريم «مبدعي محرقة بني سويف» حيث تقام ندوة عن إنجازاتهم وشهادات لأصدقائهم. وكان حريق اندلع في مسرح قصر الثقافة بمدينة بني سويف (نحو 100 كيلومتر جنوب القاهرة) أثناء عرض مسرحي في الخامس من سبتمبر 2005. وسجل تقرير رسمي أن سببه تصاعد لهب من شموع استخدمت في ديكور العرض وانتشرت النيران في القاعة التي ساعد إغلاقها على زيادة أعداد الضحايا إلى 50 من الممثلين والمخرجين والنقاد، إضافة إلى اثنين من رجال الدفاع المدني.
ويتضمن المهرجان محورين رئيسيين؛ هما «آليات الإنتاج في المسرح المصري وعلاقتها بالدولة»، و«المسرح وتحديات الواقع»؛ سيتم فيهما تناول أزمة التمويل التي تعاني منها كل الأنماط الإنتاجية في المسرح المصري سواء المدعومة من الدولة كليًا أو جزئيًا أو تلك المدعومة من جهات أخرى.
وكانت فعاليات المحور الأول للبرنامج «آليات الإنتاج في المسرح المصري وعلاقتها بالدولة» قد انطلقت الأحد الماضي، بندوة تحت عنوان «المسرح المستقل وسؤال المستقبل» بإدارة سعيد قابيل، وضمت قائمة المتحدثين الكاتبة والدراماتورج رشا عبد المنعم، والمخرجين سيد فؤاد وطارق الدويري ومحمد عبد الخالق وعبير علي ود.محمد عفيفي ومحمد عبد الحافظ. أما الندوة الثانية «مسرح الدولة.. الواقع والمستقبل» فأدراها د.جمال ياقوت، وشارك في مناقشاتها المخرجون أحمد السيد، وإسماعيل مختار، وهشام عطوة، وأشرف عزب، وسامح مجاهد، والناقد عبد الناصر حنفي.
واستكمل المحور ندواته يوم الاثنين بندوة «الفرق الحرة والهواة ومشاركة الدولة»، التي أدارها الشاعر والناقد يسري حسان، وتحدث فيها د.عمرو دوارة، والناقدان سامي طه، ورامي البكري، والمخرجان أحمد إسماعيل وهشام السنباطي. وكانت آخر ندوات المحور بعنوان «آليات إنتاج جديدة»، وأدارها الكاتب الصحافي باسم صادق، وتحدث فيها الكتاب والمخرجون محمود جمال، ونادر صلاح الدين، ومحمد جبر، ومازن الغرباوي، وأحمد العطار.
وستعقد مائدة مستديرة يوم الثلاثاء 8 سبتمبر لمناقشة المحور الثاني «المسرح وتحديات الواقع»، يديرها د.سيد الإمام، ويشارك فيها المخرجان إسلام إمام وعزة الحسيني، والنقاد عز بدوي وإبراهيم الحسيني وأحمد عبد الرازق أبو العلا، ورامي عبد الرازق.
وتنظم يوم الأربعاء 9 سبتمبر في تمام الثانية عشرة ظهرًا ندوة الفنان الراحل خالد صالح، وستتحدث فيها د.هدى وصفي، بينما يتحدث الكاتب كرم النجار في ندوة عن النجم الراحل نور الشريف تقام يوم الخميس 10 سبتمبر.
من جانبه، صرح الفنان فتوح أحمد، رئيس البيت الفني للمسرح، بأن ستة عروض ستشارك في المهرجان، 3 عروض من إنتاج فرقة مسرح الطليعة، هي «هنا أنتيجون» تأليف سوفكليس وجان آنوي وإخراج تامر كرم، وعرض «ثري دي» تأليف صفاء البيلي وإخراج محمد علام، وعرض «روح» تأليف ج. ب. بريسلي وإخراج باسم قناوي. كما تشارك فرقة المسرح الحديث بالعرض المسرحي «حلم ليلة صيف» لويليام شكسبير، إخراج مازن الغرباوي، بينما تشارك فرقة مسرح الشباب بعرض «سهرة ملوكي» عن نص أبي خليل القباني لسعد الله ونوس وإخراج خالد حسونة، وتتقدم فرقة «مسرح ملك» بعرض «رجالة وستات» تأليف ياسمين إمام وإخراج إسلام إمام.
ويعتبر المهرجان منذ انطلاقه عام 2006 في عهد وزير ثقافة مصر الأسبق فاروق حسني مناسبة سنوية لتشجيع الحركة المسرحية في مصر والشرق الأوسط. وقد تأثر المهرجان بأحداث ثورة يناير (كانون الثاني)؛ لذا توقف عامي 2011 و2012 بسبب الظروف الأمنية الصعبة التي مرت بها مصر. ويحمل المهرجان سنويا اسما بارزا لأحد المسرحيين. وعقدت دورة العام الماضي باسم الشاعر المصري صلاح عبد الصبور. وكسائر المهرجانات المصرية، يعاني المهرجان من عدة مشكلات تتعلق بالتنظيم واختيار العروض وصراعات ما بين النقاد والقائمين على المهرجان.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.