بعد شهور من الاضطرابات المتواصلة في النيجر.. المسلمون والمسيحيون يطمحون للعيش في وئام وسلام

مشروع الحوار بين الديانتين يهدف إلى تدارك أعمال العنف وترسيخ التعايش

القس جون أونايكن مع إمام مسجد أبوجا خلال مشاركتهما قبل أيام في حملة للمطالبة باسترجاع الفتيات اللواتي تم اختطافهن من طرف «بوكو حرام» (رويترز)
القس جون أونايكن مع إمام مسجد أبوجا خلال مشاركتهما قبل أيام في حملة للمطالبة باسترجاع الفتيات اللواتي تم اختطافهن من طرف «بوكو حرام» (رويترز)
TT

بعد شهور من الاضطرابات المتواصلة في النيجر.. المسلمون والمسيحيون يطمحون للعيش في وئام وسلام

القس جون أونايكن مع إمام مسجد أبوجا خلال مشاركتهما قبل أيام في حملة للمطالبة باسترجاع الفتيات اللواتي تم اختطافهن من طرف «بوكو حرام» (رويترز)
القس جون أونايكن مع إمام مسجد أبوجا خلال مشاركتهما قبل أيام في حملة للمطالبة باسترجاع الفتيات اللواتي تم اختطافهن من طرف «بوكو حرام» (رويترز)

بعد ثمانية أشهر على الاضطرابات التي عصفت بالنيجر بسبب ما نشرته مجلة «تشارلي إيبدو» الفرنسية قبل شهور، بدأ المسلمون والمسيحيون حوارا من أجل وضع لبنات تعايش سلمي في بلد تنتشر فيه تيارات متطرفة، ويتعرض مواطنوه من حين لآخر لاعتداءات جماعة بوكو حرام.
وحتى بداية السنة، كان المسيحيون يعيشون بوئام مع أكثرية المسلمين الذين يشكلون الأغلبية (98 في المائة) في هذا البلد الفقير والعلماني، الذي يبلغ عدد سكانه نحو 17 مليون نسمة. لكن مظاهرات الاحتجاج، التي وقعت على خلفية نشر رسم كاريكاتوري للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الصفحة الأولى لمجلة تشارلي إيبدو، بعد الاعتداء الذي تعرضت له المجلة الفرنسية، تحولت إلى أعمال شغب أسفرت عن وقوع عشرة قتلى في 16 من يناير (كانون الثاني) الماضي.
أيام قليلة بعد ذلك تعرضت خمس وأربعون كنيسة وخمسة فنادق وحانات لبيع الكحول، ومتاجر ومدارس مسيحية للنهب، ثم الإحراق في العاصمة وفي زيندر، ثانية أكبر المدن في النيجر. لكن منذ ذلك الحين، بدأت الطائفتان تحاولان إعادة الوئام المفقود بينهما.
في هذا الإطار إذن جاء مشروع «الحوار بين الديانتين»، الذي يهدف إلى إعادة تثبيت التعايش سويا، والذي يموله الاتحاد الأوروبي بقيادة منظمة «كير إنترناشونال» الأميركية غير الحكومية، كما يهدف أيضا إلى «تدارك أعمال العنف وترسيخ التعايش السلمي»، حسب تصريح رئيسه إبراهيم نياندو لوكالة الصحافية الفرنسية، مضيفا أن «لجان حوار» قد تشكلت في مناطق البلاد الثمانية، تتمثل فيها «كل الاتجاهات»، بما فيها «الأشد تطرفا».
وفي نيامي والأقاليم ينظم أتباع الديانتين لقاءات ونقاشات هادفة، وبهذا الخصوص أوضح نياندو أن «المسيحيين والمسلمين يتبادلون الآراء حول تعايش سلمي أفضل، عملا بوصايا الكتاب المقدس والقرآن».
من جانبه، ذكر بوبكر سيدو توري، العضو الواسع النفوذ في الهيئة الإسلامية في النيجر، والأقدم والأقوى في البلاد، أن «هذا الحوار أضحى ملحا منذ يناير الماضي».
وشارك نحو مائة من علماء الدين والكهنة والفقهاء المسلمين واللاهوتيين الأسبوع الماضي في ندوة دعت إليها الهيئة الإسلامية في النيجر، حول موضوع «التعايش السلمي». لكن سيدو توري أوضح أن «المسؤولين الدينيين غالبا ما يتسببون في اندلاع الأزمات عبر خطبهم وعظاتهم النارية في المساجد أو الكنائس».
من جانبه، ذكر الكاهن بارادجي دياغو أن الاضطرابات التي وقعت في يناير الماضي «زادت من ضرورة العيش سوية بوئام وانسجام.. وإذا عاش كل منا في منطقته منعزلا، فمن الصعب جدا أن يفهم بعضنا البعض الآخر».
وفي بداية الأسبوع الحالي اجتمع للمرة الأولى الإنجيليون والكاثوليك حول طاولة واحدة ليناقشوا أيضا «موضوع التعايش السلمي»، وخلال هذه الجلسة أكد بوريما كيومسو، رئيس اتحاد الكنائس والإرساليات الإنجيلية في النيجر، أن «القبول بأن يستمع أحدنا إلى الآخر وبأن نعيد النظر في كل شيء من أجل التقدم سوية، أمر بالغ الأهمية».
لكن بعض المراقبين لا يتوقعون حدوث تغيرات كبيرة، ذلك أن النيجر تشهد بالتأكيد فورة إسلامية، فالمساجد تزايدت في كبرى المدن والقرى، وفي بعض الأوساط باتت النساء أكثر ميلا للتشدد. كما أن بعض المتطرفين لا ينظرون بعين الرضا إلى انتشار أماكن العبادة المسيحية، ولا سيما الإنجيلية، إلى جانب المساجد أحيانا. كما أن وجود شبان نيجريين في صفوف جماعة بوكو حرام النيجيرية المتشددة، التي تخوض حربا ضروسا ضد نيامي، يظهر بالفعل مدى تمدد التطرف في البلاد.
ومنذ السادس من فبراير (شباط) الماضي، شنت بوكو حرام وعناصرها المحليون هجمات دامية في منطقة ديفا (جنوب)، أسفرت عن وقوع عشرات القتلى من المدنيين والجنود. وتقع هذه المدينة الصغيرة على الحدود الشمالية الشرقية لنيجيريا، معقل المتمردين المتطرفين الذين يقاتلون السلطات النيجرية منذ 2009.
ويتعين على النيجر التي تستعد لانتخابات عامة في 2016 أن تواجه أيضا تهديد المجموعات المتشددة على حدودها مع مالي وليبيا، وفي هذا الصدد قال بوريما كيومسو إن «المسيحيين باتوا أكثر حذرا بعد أعمال العنف التي وقعت في يناير... وهم مضطرون إلى إعادة النظر في مواقفهم، والتأقلم مع الظروف الجديدة حتى يتمكنوا من العيش في النيجر». لكن أدامو الذي يعتنق الديانة الإسلامية والمقيم في نيامي يرى أن «أعدادا كبيرة من المسيحيين كسبت تعاطف المسلمين الذين كانوا لا يحتملونهم». فيما أكد عيدي، وهو مسلم أيضا، أنه ساعد على «إعادة بناء كنيسة محروقة».



إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)

عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وساطة بلاده لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة على غرار ما قامت به لتسوية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا حول اتفاق الأخيرة مع إقليم أرض الصومال على استخدام ساحلها على البحر الأحمر.

وقال إردوغان، في اتصال هاتفي، الجمعة، مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إن «بإمكان تركيا التوسط لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة». وبحسب بيان للرئاسة التركية، تناول إردوغان مع البرهان، خلال الاتصال الهاتفي، العلاقات بين تركيا والسودان، وقضايا إقليمية وعالمية، وأكد أن تحقيق السلام والاستقرار في السودان والحفاظ على وحدة أراضيه وسيادته ومنع تحوله إلى ساحة للتدخلات الخارجية، من المبادئ الأساسية لتركيا.

ولفت إردوغان، بحسب البيان، إلى أن تركيا توسطت لحل الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، وأن الاتفاق بين البلدين سيساهم في السلام بالمنطقة.

اتهامات متبادلة

ودأب قادة الجيش السوداني على اتهام دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم قوات «الدعم السريع» وتزويدها بالأسلحة والمعدات. وتقدم مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، بشكوى رسمية ضدها، واتهمها بالتخطيط لإشعال الحرب ودعم «قوات الدعم السريع» بمساعدة من تشاد، طالباً إدانتها، بيد أن أبوظبي فندت تلك الاتهامات ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر للأدلة الموثوقة.

وفي المقابل وجهت دولة الإمارات رسالة إلى مجلس الأمن في 21 أبريل (نيسان)، شددت خلالها على أن نشر المعلومات المضللة والروايات الزائفة، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان بعد عام من الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع». وأكدت أنها «ستظل ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، ودعم أي عملية تهدف إلى وضع السودان على المسار السياسي للتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة بقيادة مدنية».

الشيخ محمد بن زايد وعبد الفتاح البرهان في أبو ظبي 14 فبراير (أ.ف.ب)

وفي يوليو (تموز) الماضي، بحث رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في اتصال هاتفي، مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، «سبل دعم السودان للخروج من الأزمة التي يمر بها»، وأكد حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان.

تعهدات تركية للبرهان

ووفقاً لنشرة صحافية صادرة عن مجلس السيادة السوداني، فإن الرئيس إردوغان تعهد للبرهان باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية التركية للسودان، وباستئناف عمل الخطوط الجوية التركية قريباً، وباستعداد بلاده لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتعاون في الزراعة والتعدين.

وذكر السيادي أن البرهان أشاد بمواقف تركيا «الداعمة للسودان»، وجهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم، ودورها في معالجة الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، ودورها في الملف السوري، مبدياً ترحيبه بأي دور تركي لوقف الحرب «التي تسببت فيها ميليشيا الدعم السريع المتمردة». ودعا البرهان لتعزيز الاستثمارات التركية في مختلف المجالات، مؤكداً ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراته.

ويرى مراقبون أن الاتصال الهاتفي بين إردوغان والبرهان في هذا التوقيت يأتي في ظل متغيرات وترتيبات جديدة في المنطقة تشمل السودان، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

ومنذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حرباً خلفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.

حضور تركي في القرن الأفريقي

وقطعت تركيا، الأربعاء الماضي، خطوة كبيرة على طريق حل النزاع بين الصومال وإثيوبيا، بعد جولات من المباحثات بين الطرفين في إطار ما عرف بـ«عملية أنقرة»، يراها مراقبون ترسيخاً للحضور التركي القوي في منطقة القرن الأفريقي.

إردوغان يتوسط الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال مؤتمر صحافي في أنقرة مساء الأربعاء الماضي (الرئاسة التركية)

وأعلن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الصومالي، آبي أحمد، في مؤتمر صحافي مع إردوغان مساء الأربعاء، أعقب 8 ساعات من المفاوضات الماراثونية سبقتها جولتان من المفاوضات في أنقرة في الأشهر الماضية، أنهما قررا بدء المفاوضات الفنية بحسن نية بحلول نهاية فبراير (شباط) 2025 على أبعد تقدير، والتوصل إلى نتيجة منها والتوقيع على اتفاق في غضون 4 أشهر، بحسب ما ورد في «إعلان أنقرة». وقبل الطرفان العمل معاً على حل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي تسببت في زيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وقال إردوغان إن البلدين الجارين توصلا، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة، إلى اتفاق «تاريخي» ينهي التوترات بينهما.

وبحسب نص إعلان أنقرة، الذي نشرته تركيا، اتفق البلدان على «التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك، والعمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولاً إلى البحر «موثوقاً به وآمناً ومستداماً تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفيدرالية».

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر، قائلاً: «أعتقد أنه من خلال الاجتماع الذي عقدناه سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر لإثيوبيا».

إردوغان مع الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي عقب توقيع إعلان أنقرة (الرئاسة التركية)

وتدخلت تركيا في النزاع بطلب من إثيوبيا، التي وقعت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي اتفاقية مع منطقة «أرض الصومال»، التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991، لكن لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي، وتشمل النقل البحري واستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر، واستغلال 20 كيلومتراً من ساحل أرض الصومال لمدة 50 عاماً مقابل الاعتراف باستقلالها عن الصومال، مع منحها حصة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية.

ترحيب دولي

ورحب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال لقائه إردوغان في أنقرة، ليل الخميس – الجمعة، بنجاح تركيا في التوصل إلى اتفاق بين الصومال وإثيوبيا. كما رحب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق، وأشاد بدور الوساطة الذي لعبته تركيا بهذا الخصوص.

وترتبط تركيا بعلاقات قوية بإثيوبيا، كما أصبحت حليفاً وثيقاً للحكومة الصومالية في السنوات القليلة الماضية. وافتتحت عام 2017 أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في مقديشو، وتقدم تدريباً للجيش والشرطة الصوماليين.

وبدأت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة في الصومال تمثل كل منها مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع، بموجب مذكرة تفاهم وقعت بين البلدين في مارس (آذار) الماضي، لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي.

وجاء توقيع المذكرة بعد شهر واحد من توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، تقدم تركيا بمقتضاها دعماً أمنياً بحرياً للصومال، لمساعدته في الدفاع عن مياهه الإقليمية لمدة 10 سنوات.