رائد الوظائف المعقدة في الثمانينات لا يزال يعانق التحديات والجديد

فرانك موللر لـ«الشرق الأوسط»: هناك أنواع كثيرة من التوربيون في السوق وما نقدمه مختلف لا يتقنه الكل

رائد الوظائف المعقدة في الثمانينات لا يزال يعانق التحديات والجديد
TT

رائد الوظائف المعقدة في الثمانينات لا يزال يعانق التحديات والجديد

رائد الوظائف المعقدة في الثمانينات لا يزال يعانق التحديات والجديد

عندما كان في السادسة من العمر، أهداه والده ساعة كُتب على مينائها «غير قابلة للكسر» كانت بمثابة السحر بالنسبة له، لأنها أطلقت لخياله العنان وزرعت البذرة التي شكلته ليصبح واحدا من أهم صناع الساعات المعاصرين. هذا الطفل هو فرانك موللر، الذي تدين له صناعة الساعات السويسرية المعقدة والراقية، بالكثير. فقد كبر الطفل، وهو يعرف أن قدره هو الغوص في أعماق الساعات ليسمع دقاتها ويُبدع منها تصاميم وتقنيات فريدة من نوعها. عندما التحق بالجامعة في جنيف لدراسة هذه الصناعة، لم يستغرب أنه كان يستوعب الدروس بسرعة شديدة، ويحصل على أعلى العلامات دائما، فقد كانت كل ألغازها كتابا مفتوحا بالنسبة له. في هذه الفترة، كان من البديهي أن يثير الشاب موللر الانتباه والإعجاب إلى حد سواء، إلى حد أن متحف باتيك فيليب، طلب منه صيانة وتجديد مجموعة كاملة من ساعاته الكلاسيكية، وكانت النتيجة مبهرة. فلحد الآن لا يستطيع الخبراء التمييز بين الأصلي وما قام به موللر من تجديدات.
كانت بدايته في السبعينات، الفترة التي كان فيها هواة اقتناء الساعات لا يزالون مهتمين بساعات الجيب أكثر، لكنه أدرك بحسه أن المستقبل سيكون لساعات اليد، وبالفعل، صب فيها كل جهده، ووضع فيها تعقيدات متعددة مثل التوربيون المكشوف ليكون أول من يقوم بذلك، مما أثار ضجة كبيرة في معرض «بازل» آنذاك.
الآن تذكر ساعات «فرانك موللر» فيتبادر إلى الذهن الدقة السويسرية والتميز لكن أيضا التنوع، «فكل شخص يمكن أن يجد ساعة تناسبه، لأننا نطرح مئات النماذج، تختلف في مواصفاتها ما بين التعقيدات وبين أشكال العلب وألوان الموانئ»، حسبما صرح في لقاء خص به «الشرق الأوسط»، مسارعا للتأكيد على أنه على الرغم من التنوع الذي يستهدف مخاطبة شرائح واسعة من عشاق الساعات المتخصصة، فإنه من السهل التعرف على ساعة من «فرانك موللر» من بعيد، لأنها تمزج بين التقنيات المعقدة التي تتضمنها بالداخل وشكلها الخارجي الأنيق واللافت.
ولد فرانك موللر في سويسرا في عام 1958 لأم إيطالية وأب سويسري، مما يفسر الجانبين المبدع والمنضبط في شخصيته. في عام 1984، ونتيجة افتتانه بتعقيدات ووظائف الساعات الفخمة، ابتكر أول ساعة يد بتوربيون مكشوف، ليتبعه باقي صناع الساعات. وهكذا أصبح التوربيون البارز تعقيدا يتفننون فيه ويظهر كجزء جمالي يستعرض قوة الساعة وتقنياتها ككل. ومع ذلك، يبقى فرانك موللر السباق إلى ذلك، ليس لأنه كان أول من طرحه فحسب، كما يقول، بل لأن «هناك أنواعا كثيرة من التوربيون حاليا، وما نقدمه نحن، يتحرك على ثلاثة مستويات، أو ثلاثة محاور مختلفة، وهو ما لا يقدر عليه الكل». ويتابع: «ثم يكفيني أني كنت السباق إلى هذا، وأحرص أن أبقى دائما من الرواد في ابتكار الجديد وليس من التابعين». جاذبية التوربيون المكشوف بالنسبة له تكمن في دقته العالية وتعقيداته الأخرى التي تجعل النجاح فيها وإتقانها، عملية لا يقدر عليها سوى قلة من صناع الساعات المتمرسين.
العنصر الذي ركز عليه في البداية، أنه خاطب شريحة الهواة والمقتنين الذين كانوا يرغبون في ساعات يد بنفس التعقيدات والوظائف التي تتمتع بها ساعات الجيب، ولم يجد أفضل ولا أقوى من توربيون مكشوف وظاهر على وجه الميناء عوض الظهر، ليقوم بهذا الواجب.
ما يُحسب له أيضا، أنه عندما طرح هذه الساعة المعقدة في الثمانينات، كان يتصدى لموجة الكوارتز التي كادت تودي بصناعة الساعات في سويسرا، وأدت بالفعل إلى إفلاس الكثير من الشركات القديمة. يمكن القول إن دوره في تجاوز سويسرا أزمتها لا يقل عن دور الراحل نيكولا حايك الذي تدين له سويسرا عموما وصناعة الساعات خصوصا بالتصدي لزحف الكوارتز وإيقاف تأثيراته السلبية عليها. وهكذا، في عز الأزمة، برز اسم موللر كنجم مبتكر نجح في إعادة الاعتبار للتقنيات العالية، والتعقيدات الدقيقة والتصاميم الراقية، رغم أن الكل آنذاك كان متخوفا من أن استرجاع مكانتها السابقة من سابع المستحيلات. يشرح موللر أن الأمر بالنسبة له «لم يكن مجرد تحقيق حلم في الخيال أو فكرة نظرية، بل واقعا قابلا للتنفيذ والاستمرار حتى يورث لأجيال كثيرة قديمة تستمتع به».
الآن وبعد أن أصبح له دارا خاصة تحمل اسمه، يمكن القول إن مسيرة فرانك موللر غنية، رغم مدتها الزمنية القصيرة مقارنة بشركات عريقة يمتد تاريخها إلى قرنين أو أكثر. السبب أنه لم يحب مثله غيره، بل تعلم الجري والقفز قبل المشي، وأثبت مع الوقت أنه لا يتقن فن الابتكار وصناعة الساعات فحسب، بل يتقن أيضا أصول التسويق بدليل أنه أول من تعامل مع النجوم، وهو ما لا ينكره ويفسره بقوله إنه ينحدر من أسرة تعمل في التجارة، مما يجعل التعامل التجاري بالنسبة له تحصيل حاصل وجزءا من تكوينه. ويعلق على هذه النقطة قائلا إنه تسويق ساعات متميزة ورفيعة، ليست عملية صعبة في الوقت الحالي، لأن المنافسة تدور بين عدد قليل من الشركات المتخصصة في الساعات المعقدة، بسبب غياب مئات الأسماء القديمة التي أودت بها الأزمات، وهو ما كان سيجعل المنافسة لاقتطاع قطعة من الكعكة المتوفرة في السوق، أصعب بكثير. ورغم قوله هذا، فإن عشاق الساعات الراقية يشيرون إلى أن موللر جد متواضع، وأن الفضل في ترسيخه لمكانته بين الكبار، ليس انعدام المنافسة بل توفر إبداعاته على وظائف معقدة بتصاميم لافتة، وهو ما جعلها تجذب انتباه النجوم، بمن فيهم المغني إلتون جون الذي طلب منه سابقا أن يصمم له مجموعة كاملة، قدمها كهدايا لضيوفه في حفل أقامه في هوليوود بمناسبة عيد ميلاده.
عندما يسمع هذا التعليق يرد بتواضع:
«أنا لا أنكر أني رجل مثابر ومولع بعملي، فكل ساعة ابتكرها هي بمثابة مولود جديد بالنسبة لي». ويضيف مبتسما: «الفرق هنا أن عملية المخاض بالنسبة لي ممتعة أشعر فيها بالسعادة أكثر من أي شيء آخر».
من الواضح أن الإبداع والمتعة لصيقان ببعض بالنسبة له، بدليل قوله إنه يُذكر نفسه دائما بألا يتعامل مع هذه الصناعة «بروتينية تقتل متعته» لأنه دون متعة لا يمكن لأحد أن يتألق في مجال عمله.
آخر فتوحات «فرانك موللر» محل بـ«دبي مول» على مساحة شاسعة يأمل أن يسلط من خلاله الضوء على ساعاته لتخرج من النخبوية إلى شريحة أكبر من الزبائن، خصوصا وأنه تعمد فيها تقديم تشكيلة متنوعة، من مجموعة «ذا غراند دايت»، التي تتميز بملامح قوية تبرز فيها المزايا الرياضية والفنية، إلى مجموعة «فانجارد» الكلاسيكية وغيرها.

* الساعات:
1 - ساعة من مجموعة «غراند دايت» حيث تبرز المزايا الرياضية والفنية على حد سواء يظهر فيها عداد للدقائق عند الساعة الثالثة وعداد للثواني عند الساعة التاسعة وتاريخ كبير عند الساعة 7:30. يشمل هذا العمل الفني الحصري الحركة الذاتية ويقدم مزايا احتياطية 46 ساعة
2 - من مجموعة «فانغارد» التي تنقلنا إلى أبعاد جديدة مع أرقام بارزة وواضحة بطلاء متميز وإبداعات يدوية تضفي على الأرقام روح المغامرة والفخامة في آن واحد.. وتشمل الطرازات التي طرحت لعام 2015 «ذا فانغارد فرافيتي» و«ذا فانغارد كاربون» و«ذا فانغارد ليدي»
3 - ساعة من مجموعة «غراند دايت» حيث تبرز المزايا الرياضية والفنية على حد سواء يظهر فيها عداد للدقائق عند الساعة الثالثة وعدادً للثواني عند الساعة التاسعة وتاريخ كبير عند الساعة 7:30. يشمل هذا العمل الفني الحصري الحركة الذاتية ويقدم مزايا احتياطية 46 ساعة
4 - من مجموعة «فانغارد» التي تنقلنا إلى أبعاد جديدة مع أرقام بارزة وواضحة بطلاء متميز وإبداعات يدوية تضفي على الأرقام روح المغامرة والفخامة في آن واحد.. وتشمل الطرازات التي طرحت لعام 2015 «ذا فانغارد فرافيتي» و«ذا فانغارد كاربون» و«ذا فانغارد ليدي»



الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
TT

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

تحظى سراويل الجينز اليابانية المصبوغة يدوياً بلون نيلي طبيعي، والمنسوجة على أنوال قديمة، باهتمام عدد متزايد من عشاق الموضة، الذين لا يترددون في الاستثمار في قطع راقية بغض النظر عن سعرها ما دامت مصنوعةً باليد. وعلى هذا الأساس يتعامل كثير من صُنَّاع الموضة العالمية مع ورشات يابانية متخصصة في هذا المجال؛ فهم لا يزالون يحافظون على كثير من التقاليد اليدوية في صبغ قطنه وتصنيعه من الألف إلى الياء.

يوضع القطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن لا يلوّنها وحدها بل أيضاً أيدي العاملين (أ.ف.ب)

داخل مصنع «موموتارو جينز» الصغير في جنوب غربي اليابان، يغمس يوشيهارو أوكاموتو خيوط قطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن يلوّن يديه وأظافره في كل مرّة يكرر فيها العملية. يتم استيراد هذا القطن من زيمبابوي، لكنّ الصبغة النيلية الطبيعية المستخدَمة مُستخرجةٌ في اليابان، ويؤكد أوكاموتو أنّ لونها غني أكثر من الصبغات الاصطناعية. وكانت هذه الطريقة التي يشير إلى أنها «مكلفة» و«تستغرق وقتاً طويلاً»، شائعةً لصبغ الكيمونو في حقبة إيدو، من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر.

العمل في هذه المصانع صارم فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع من صبغة إلى خياطة (أ.ف.ب)

وتشكِّل «موموتارو جينز» التي أسستها عام 2006 «جابان بلو»، إحدى عشرات الشركات المنتِجة لسراويل الجينز، ويقع مقرها في كوجيما، وهي منطقة ساحلية تشتهر بجودة سلعها الحرفية، بعيداً عن سراويل الجينز الأميركية المُنتَجة على نطاق صناعي واسع. ويقول رئيس «جابان بلو»، ماساتاكا سوزوكي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن صارمون جداً فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع». ويشمل ذلك «جودة الخياطة والصبغة»، ما يجعل الاعتماد على مهارات التصنيع التقليدية للحرفيين المحليين، مسألة ضرورية.

بيد أن كل ما هو منسوج يدويا ومصنوع بهذا الكم من الحرفية له تكلفته، إذ يبلغ سعر النموذج الرئيسي من الجينز الذي تنتجه «موموتارو» نحو 193 دولاراً. أما النموذج الأغلى والمنسوج يدوياً على آلة خشبية محوّلة من آلة نسج كيمونو فاخرة، فيتخطى سعره 1250 دولاراً.

يعمل أحد الحرفيين على تنفيذ بنطلون جينز باليد بصبر رغم ما يستغرقه من وقت (أ.ف.ب)

ومع ذلك، ازداد الاهتمام بما تنتجه «جابان بلو» على أساس أنها إحدى ماركات الجينز الراقية على غرار «إيفيسو»، و«شوغر كين». وتمثل الصادرات حالياً 40 في المائة من مبيعات التجزئة، كما افتتحت الشركة أخيراً متجرها السادس في كيوتو، ويستهدف السياح الأثرياء بشكل خاص. يشار إلى أن صناعة الجينز ازدهرت في كوجيما بدءاً من ستينات القرن العشرين لما تتمتع به المنطقة من باع طويل في زراعة القطن وصناعة المنسوجات. وخلال حقبة إيدو، أنتجت المدينة حبالاً منسوجة للساموراي لربط مقابض السيوف. ثم تحوّلت بعد ذلك إلى صناعة «تابي»، وهي جوارب يابانية تعزل إصبع القدم الكبير عن الأصابع الأخرى، وانتقلت فيما بعد إلى إنتاج الأزياء المدرسية.

تعدّ سراويل الجينز الياباني من بين أغلى الماركات كونها مصنوعة ومصبوغة باليد (أ.ف.ب)

ويقول مايكل بندلبيري، وهو خيّاط يدير مشغل «ذي دينيم دكتور» لتصليح الملابس في بريطانيا، إنّ سوق سراويل الجينز اليابانية «نمت خلال السنوات الـ10 إلى الـ15 الماضية». ومع أنّ محبي الجينز في الدول الغربية يبدون اهتماماً كبيراً بهذه السراويل، «لا يمكن للكثيرين تحمل تكاليفها»، بحسب بندلبيري. ويتابع قائلاً: «إن ماركات الجينز ذات الإنتاج الضخم مثل (ليفايس) و(ديزل) و(رانغلر) لا تزال الأكثر شعبية، لكن في رأيي تبقى الجودة الأفضل يابانية». ويرى في ضعف الين وازدهار السياحة فرصةً إضافيةً لانتعاش سوق هذه السراويل.

رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها فإن الأنوال القديمة لا تزال هي المستعملة احتراماً للتقاليد (أ.ف.ب)

يعزز استخدام آلات النسيج القديمة رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها، وبالتالي لا تملك سوى رُبع قدرة أنوال المصانع الحديثة، من سمعة «موموتارو جينز» التي تعود تسميتها إلى اسم بطل شعبي محلي. وغالباً ما تتعطَّل هذه الأنوال المصنوعة في الثمانينات، في حين أنّ الأشخاص الوحيدين الذين يعرفون كيفية تصليحها تزيد أعمارهم على 70 عاماً، بحسب شيغيرو أوشيدا، وهو حائك حرفي في موموتارو.

يقول أوشيدا (78 عاماً)، وهو يمشي بين الآلات لرصد أي صوت يشير إلى خلل ما: «لم يبقَ منها سوى قليل في اليابان» لأنها لم تعد تُصنَّع. وعلى الرغم من تعقيد هذه الآلات، فإنه يؤكد أنّ نسيجها يستحق العناء، فـ«ملمس القماش ناعم جداً... وبمجرّد تحويله إلى سروال جينز، يدوم طويلاً».