«القومي لحقوق الإنسان» في مصر يواجه أعنف موجة انتقادات بعد تقرير عن زيارته لسجن العقرب

شكلت تغريدة لاذعة للدكتور محمد البرادعي، النائب الرئاسي السابق، ذروة موجة انتقادات للمجلس القومي لحقوق الإنسان (شبه الرسمي) في أعقاب إصداره تقريرا موجزا عن زيارة قام بها وفد من المجلس لسجن طرة شديد الحراسة، المعروف بـ«سجن العقرب» جنوب القاهرة. لكن حافظ أبو سعدة عضو المجلس، أحد أعضاء وفد الزيارة أبدى دهشته من تلك الانتقادات قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «الوفد قام بدوره بمراجعة التقارير والسجلات في ضوء رفض قادة الإخوان مقابلتنا، ورغم ذلك تمسكنا بلقاء مندوب عنهم لإبلاغنا هذا الرفض»، وأضاف: «لا أعتقد أن البرادعي قرأ التقرير وربما نرسل له نسخة منه».
وقال البرادعي في سياق سلسلة تغريدات على حسابه على موقع «تويتر»: «يعلمنا التاريخ أن مجالس حقوق الإنسان القومية لا تستر الأنظمة بقدر ما تعري أعضاءها». وتسببت موجة الانتقادات تلك في إحراج أعضاء بالمجلس وسط تنامي ضغوط لتقديم استقالتهم مما قد يمثل عبئا جديدا على الحكومة المصرية التي تواجه تحديات في ملف حقوق الإنسان.
وأصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان تقريرا فند فيه شكاوى قيادات في جماعة الإخوان وحلفاء لهم من نزلاء السجن الشهير، مما أثار استياء واسعا لدى ذوي السجناء وناشطين حقوقيين.
وقال أبو سعدة لـ«الشرق الأوسط»: «لم أفهم أسباب هذا الهجوم العنيف.. إننا لم نقل إن السجن جناح فندقي.. كل ما قمنا به هو مراجعة السجلات للتأكد من تلك الشكاوى ونقلنا ما جاء بها خاصة في ضوء رفض السجناء مقابلتنا».
وأضاف أنه «لا سبيل لأعضاء الوفد للتأكد من صحة هذه الشكاوى إلا عبر الأوراق الرسمية أو تجاوب السجناء، ورغم أن سلطات السجن أبلغتنا برفضهم اللقاء بنا تمسكنا بأن يبلغنا مندوب عنهم بالرفض وهو ما تم بالفعل».
وتابع أبو سعدة، وهو أيضا رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن «وفدا من الإخوان ضم أحمد أبو بركة ومحمد الأنصاري وأحمد السبيعي أبلغنا برفض اللقاء باعتبارنا معينين من قبل سلطة لا يعترفون بها.. كان السبيعي منفعلا وأبلغ الرسالة وانصرف لكن لقاء أبو بركة والأنصار كان وديا، وأبو بركة لم يشر إلى وجود حالات تعذيب»، وقال لنا ألا ننشغل بالأوضاع في السجون وطالبنا أن نهتم أكثر بالمحاكمات التي تفتقر لشروط المحاكمات العادلة في تقديره.
وانصبت شكاوى السجناء ومن بينهم خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان، الذي يقضي عقوبة السجن في سجن العقرب، على ضعف الخدمات بالسجن وعدم توفير الرعاية الطبية اللازمة للحالات المرضية، ووضع إجراءات مشددة على دخول الأدوية للسجناء، وإلغاء الزيارات.
لكن تقرير المجلس أكد بعد فحص الملفات الصحية لمقدمي الشكاوى «توفر العناية الطبية اللازمة سواء داخل مستشفى السجن أو خارجها، وتبين وجود تقارير تفصيلية ونتائج التحاليل وتقارير الأشعات والفحوصات المختلفة التي أجريت لهم».
وأشار التقرير إلى حالة الشاطر قائلا إنه «خضع خلال الشهر الماضي للكثير من الفحوصات والتحاليل والأشعات الطبية على نفقة مصلحة السجون بمستشفيات جامعة القاهرة، ولقد اتضح ذلك من خلال التقرير الطبي الذي اطلع عليه الوفد وأوضح أن حالته مستقرة».
لكن منتقدي التقرير يشيرون في المقابل إلى وفاة 4 سجناء داخل سجن العقرب خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كان آخرهم عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، نظرا لتدهور حالتهم الصحية داخل السجن.
وطلب المجلس القومي لحقوق الإنسان من وزارة الداخلية خلال الأشهر الماضية زيارة سجن العقرب، لكن لم يسمح لهم. وفي أعقاب وفاة دربالة جدد المجلس طلبه.
وعلق ناصر أمين، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، مقرر لجنة الشكاوى، على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، بعد الإعلان عن تقرير المجلس، «سجن العقرب سجن حقير منذ نشأته حتى هذه اللحظة، وأماكن الاحتجاز غير إنسانية، والسجناء يعاملون معاملة لا تحفظ عليهم كرامتهم أو إنسانيتهم».
لكن التقرير تضمن الإشارة لأوضاع مرافق السجن (المطبخ والمقصف والمستشفى والمكتبة)، وأكد صلاحيتها جميعا، كما تقدم وفد المجلس بتوصيات لإدارة السجن انصبت معظمها على إتاحة زيارة السجناء وتيسير إجراءاتها.
وقال أمين في تغريدة أخرى إن «إصرار الحكومة على عدم احترام توصيات تقرير المجلس حول أحداث رابعة. يدعم سياسة الإفلات من العقاب ويعلن إنهاء دولة سيادة القانون». ولم يتسن لـ«الشرق الأوسط» الحصول على تعليق من أمين.
ويتعرض أمين وأعضاء آخرون في المجلس لضغوط من أجل تقديم استقالتهم رفضا للتقرير الأخير، واحتجاجا على تجاهل الحكومة لتوصيات المجلس، خاصة فيما يتعلق باعتراضات على سوء أوضاع مراكز الحجز في أقسام الشرطة، مما تسبب في وفاة عدد كبير من السجناء.
ورفض عضو المجلس محمد عبد العزيز التعليق على التقرير، كما رفض الإفصاح عما إذا كان يفكر في تقديم استقالته من المجلس أو لا. وقال عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط» إنه «لم يكن ضمن الوفد الذي زار سجن العقرب ولم يتح له الفرصة لمناقشة أعضاء الوفد».
ويطالب المجلس القومي لحقوق الإنسان بحق زيارة السجون دون إخطار. وقال أبو سعدة: «وضعنا مادة تمنحنا هذا الحق في مشروع قانون جديد للمجلس لكن الحكومة رفضت هذا المقترح فسحبنا المشروع».
وأصدر أهالي السجناء بيانا أعربوا فيه عن إدانتهم لتقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، ووصفوه بـ«الهزيل».
وأصدر الرئيس السابق عدلي منصور في 5 أغسطس (آب) 2013 قرارا بإعادة تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان عقب شهر واحد من تسلمه السلطة كرئيس انتقالي للبلاد، بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. وضم المجلس في تشكيله مجموعة من أبرز رموز المعارضة المصرية.
وقال الدكتور ياسر عبد العزيز، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط» إن «المجلس بتشكيله الحالي واجه خلال العامين الماضيين موجات متلاحقة من الانتقادات ما يهمنا أن هذه الانتقادات كانت تخرج من كل الأطراف حسب موقع هذا الطرف أو ذاك من تقارير المجلس، وهذا يشير إلى أننا على الطريق الصحيحة». وتابع الدكتور عبد العزيز: «حينما أصدرنا تقريرا يجمع رابعة (في إشارة لفض اعتصام ميدان رابعة العدوية لأنصار جماعة الإخوان) أنصار السلطة وجهوا لنا انتقادات حادة وكذلك أنصار الإخوان».