المرأة.. الحصان الأسود في الانتخابات البلدية السعودية

هل تعكس الصناديق ترحيب المجتمع بالسعوديات المتميزات؟

المرأة.. الحصان الأسود في الانتخابات البلدية السعودية
TT

المرأة.. الحصان الأسود في الانتخابات البلدية السعودية

المرأة.. الحصان الأسود في الانتخابات البلدية السعودية

كان ضربًا من خيال، لكنه استوى اليوم، وبفعل قرارات سياسية سامية تطمح أن تكون للمرأة السعودية فرص المشاركة في العمل السياسي والاجتماعي، بعد عقود لم يعرف المجتمع السعودي أن تكون المرأة سوى في سلك التعليم، رغم أن التعليم كذلك كان علاجه الأخير من المؤسسة السياسية لا صراعات المجتمع، في تاريخ لا ينسى منذ الستينات الميلادية.
ولئن كانت الكويت ذات التجربة الديمقراطية التي تتجاوز الخمسة عقود، لم تسمح للمرأة بدخول مجلس الأمة إلا في عام 2005 بعد صراعات داخل المجلس في قبول تصويت المرأة قبل ترشحها؛ فإنها حققت الحضور الأول في عام 2009 بأربع عضوات من النساء، والمقارنة مع الكويت باب من تأثير المجتمعات الخليجية ببعضها واتصالها المجتمعي.
تعيش المملكة العربية السعودية اليوم تبدلاً بارزًا في الظروف الاجتماعية المتصلة بشؤون المرأة، وكانت المرأة السعودية قد حققت على الدوام، ولكن خلال العقود الأخيرة بالذات، منجزات كبرى داخل المملكة وخارجها. ويطل اليوم استحقاق جديد وفرصة مهمة لافتة من باب «المجالس البلدية» في انتخابات الدورة الثالثة، بعد أن حملت الأولى تجربة أولى للمملكة كان التوافد عليها جيدًا في عام 2005 وزادت في انتخابات الدورة الثانية خلال عام 2011.
لقد شهد التاريخ السعودي، خاصة فيما يتعامل مباشرة مع شؤون النساء، أن الدولة بمفهومها وجهازها السياسي هي من تقود تطوير المرأة، تاركة النقاشات المجتمعية والرؤى التقليدية المحكومة بعوامل عدة على هامش الصحف أو في حيّز أحاديث المجالس البعيدة عن صناعة القرار. ومن ثم تنطلق النساء السعوديات بعد «مجلس الشورى» في رحلة جديدة، ومعلومٌ أن «الشورى» كان فاتحة تاريخية بكل المقاييس حين جرى تعيين ثلاثين سيدة بعضوية كاملة داخل المجلس، وعبره شكلت مساهمة المرأة خلال سنتين منذ دخولها لقاعة المجلس الذهبي في عام 2013 حضورًا بارزًا على صعيد كثير من الملفات، وحاولت تلك «الكوتة» النسائية في حيزها أداء الكثير على شتى اللجان العاملة.

* تحديات أمام المرشحات والناخبات
بين المرشحات وعضوية المجالس البلدية صندوق الاقتراع، وبين حضورها كمرشحة أو ناخبة أمواج من التحديات تتمثل في الثقة التي من الممكن أن تنالها وسط المنافسة الرجالية الكبرى، ومحاولة إشعال الحراك الانتخابي بوجود امرأة في أي مجلس من المجالس البلدية في مدن ومحافظات المملكة كافة.
وإذا عادت الأيام القهقرى، فإن الأحداث تسجّل للمرأة السعودية حضورًا مبكرًا جاء عبر انتخابات الأندية الأدبية، وإن كانت المشاركة حينها مبتدئة لحداثة التجربة من ناحية، وإن نخبوية في عالم المثقفين من ناحية لأخرى. تلك الانتخابات في أواخر عام 2011 تمخضت عن مشاركة نسائية محدودة لم تشكل إلا أقل من 15 في المائة، وفي حقيقة الأمر، حملت معها مؤشرات خفت بريقها في عدد من الأندية إذ انتهى مطاف بعضها إلى المحاكم اعتراضا، كما واكبتها شكوك مثقفين على نطاق واسع حول الانتخابات ونزاهتها.
وعلى صعيد آخر، في القطاع التجاري، كانت انتخابات مجالس الغرف التجارية ذات السبق في التصويت النسائي، وشهدت الغرفة التجارية الصناعية في جدة عام 2005 أول فوز لسيدتين سعوديتين - هما لمى السليمان ونشوى طاهر - في تاريخ انتخابات المجالس التجارية، وكانت هذه سابقة جعلت من الانتخابات على ذلك الصعيد الأشرس في تاريخ الانتخابات بين التجار.

* تمثيل سليم لمجتمع طبيعي
في لقاءات أجرتها «الشرق الأوسط» مع العد التنازلي لمساهمة المرأة في الانتخابات البلدية، اعتبرت الدكتورة لطيفة الشعلان، عضوة مجلس الشورى، في حوار معها أن مشاركة المرأة في المجلس البلدي كمرشحة وناخبة «حدث استثنائي يصب في تمكين المرأة السعودية، ويوازي في أهميته دخول النساء إلى مجلس الشورى للمرة الأولى في تاريخه خلال الدورة السادسة الحالية». ورأت أن «دخول النساء إلى المجالس البلدية سوف يساهم في تعزيز مفهوم المواطنة والانتماء باعتبار انتخابات المجالس البلدية القادمة ستعكس تمثيلاً سليمًا لمجتمع طبيعي يتكون من النساء والرجال».
غير أن الدكتورة الشعلان أضافت أن هناك «تحديات كثيرة ستقف في طريق حصول النساء على عضوية المجالس البلدية خاصة ضمن الثلثين المختارين بالانتخاب، وأن هذه التحديات كثيرة منها وقوف بعض التيارات ضد تمكين المرأة، ولقد بدأنا نرى بوادر ذلك في بعض الحملات الموجّهة في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى طبيعة الثقافة النمطية والتقاليد السائدة في النظرة الدونية إلى قدرات النساء».
أيضا قالت إنه «ليس لدينا تجربة سابقة للقياس عليها سوى في انتخابات الغرف التجارية، وهذه تعزّز حضور المرأة فيها من خلال التعيين المباشر، وبالنسبة للانتخابات البلدية من المتوقع أو المفترض أن تعزز فرص النساء من خلال (كوتة) ثابتة وذلك ضمن الثلث الذي سيجري تعيينه وهذا هو المعمول به في دول كثيرة».
وأردفت الشعلان في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن العمل البلدي «عمل مجتمعي تنموي، والمرأة شريك في المجتمع ولديها الكثير من الرؤى التي ستساهم في تحقيق الأهداف الموضوعة لعمل المجالس البلدية، خاصة، ما يتعلق بتنمية المجتمع المحلي والمشاركة في السلطة الرقابية واقتراح الخطط والبرامج ودراسة مشاريع الأنظمة وتعزيز المسؤولية الاجتماعية، مع اتساع صلاحيات هذه المجالس في الدورة الجديدة». وأكدت أنها ترى أن «التطور في تمكين المرأة خلال السنوات الأخيرة، الذي عزّز من خريطة الإصلاح في الدولة، لم يكن له أن يحدث من دون وجود قاعدة واسعة من النساء السعوديات المتعلمات تعليمًا نوعيًا ويتميزن بالمؤهلات من خلال تكوينهن المعرفي وخبراتهن المتنوعة، وذلك بمستوى إن لم يتفوّق فهو لا يقل عن مثيلاتهن في الدول العربية والإسلامية الأخرى».
واختتمت الدكتورة الشعلان كلامها بالإعراب عن أملها بأن «تكون الانتخابات البلدية فتحًا جديدًا لمجالات أخرى أمام المرأة على صعيد التمكين ورسم السياسات العامة في كل مناحي الدولة، سواءً في الداخل أو على صعيد التمثيل الخارجي وأن يؤدي التوسع في منح المرأة حقوقها إلى إضعاف الصراع الاجتماعي المكرّر والباهظ التكلفة بين الأطياف المختلفة حول قضية المرأة».

* المرأة وجه للتقدم الاجتماعي
من جهة ثانية، ترى أستاذة علم الاجتماع الدكتورة سمية حسن الصافي أن «حضور المرأة سيعزز من قيمة دخولها العمل السياسي بشكل كبير، وأنه لا يمكن الحكم على شيء حديث بمدى تقبل المجتمع للنساء شريكات في العمل الاجتماعي».
وأضافت الصافي خلال اتصال هاتفي بـ«الشرق الأوسط» أن «الإسلام منح المرأة مشاركة متساوية على كافة الأمور من الثواب إلى العقاب مع الرجل، وحفظ لها مكانة العمل والمشاركة في المسؤولية التي تعتبر أن المجالس البلدية هي أحد أوجه المشاركة». وشدّدت على أن رقي المجتمعات وصياغة قواعده الاجتماعية معني بالمرأة على الدرجة الأولى، ومشاركتها للرجل سيجعل من العمل الاجتماعي ذا تطوّر أكبر، مشيدة بالقرار السياسي الذي تتوقع أن «يمكّن المرأة من كسر القيود الوهمية التي ظلت عالقة في تفكير المجتمعات».
هذا، وترى الدكتورة الصافي في حديثها أنه «لا عوائق ستقف في وجه النساء خلال مشاركتها بالانتخابات البلدية، حتى وإن خرجت نتائجها النهائية - وفق توقعها - من دون أسماء نسائية ستساهم هذه الانتخابات ومشاركة المرأة فيها في تشكيل وعي آخر حول الدور الذي تلعبه المرأة في التقدم الاجتماعي، ذلك أن أي تحرير لقيود حول المرأة هو تحرير قيود أخرى عن الرجل».

* سجل من ذهب
في الحقيقة، حضور السعوديات في الشأنين العام والخاص شكّل ذهنية أخرى، وحضورهن عبر إنجازاتهن في مختلف المجالات على مدى السنوات الماضية كان لافتًا ومؤثرًا، وإن عارضته أصوات، تظل أصوات معروفة ومواقفها مألوفة معتادة. ومنذ فتح باب مشروع الابتعاث الكبير للطلبة السعوديين والسعوديات في الجامعات العالمية، ومرورًا بفتح مجالات العمل للمرأة في الأنشطة التجارية، وحتى دخول النخبة الكبرى إلى «مجلس الشورى»، ظلت الرياح المؤقتة تحاول النيل من نجاحات المرأة، ولكن من دون التأثير سلبًا لا على زخم التطور ولا قيمة الإنجازات.
من الدكتورة ثريا عبيد، التي سبق لها العمل وكيلا للأمين العام للأمم المتحدة ومديرة تنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، وحتى العالمة سميرة إسلام التي حازت على جائزة اليونيسكو لأفضل النساء في العالم نظير تميزها في مجال الأدوية، مرورًا بالدكتورة فاتن خورشيد عالمة اكتشاف علاج سرطان الرئة، والدكتورة إلهام أبو الجدايل عالمة الخلايا الجذعية، وغيرهن.
لا تزال القائمة عبر أجيال نسائية سعودية حاضرة تمتد، من الثقافة إلى العلوم مرورًا بالإدارة والسياسة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، في بريطانيا حازت الدكتورة أفنان الشعيبي التي تتبوأ منصب الأمين العام والرئيس التنفيذي لغرفة التجارة العربية البريطانية، على جائزة «دبلوماسي العام» عن عام 2011 تقديرًا لإسهامها الكبير في تحسين العلاقات التجارية بين العالم العربي وبريطانيا وتطوير قطاع التجارة والإعمال.
وعلى المدى الزمني القصير ذاته في السنوات الماضية، كانت الباحثة السعودية هبة الدوسري ذات إنجاز مختلف في محاولة إيجاد علاج للسرطان، باستخدام تقنية «النانو»، متفوقة بذلك على أكثر من ألفي طالب من أكثر من مائة دولة، ما حدا بالرئيس التنفيذي للمجلس الثقافي البريطاني، مارتن ديفيدسون، إلى وصفها بـ«المؤثرة والمهمة».
ومن الإنجاز إلى تبوء المناصب القيادية، كانت نورة الفايز أول امرأة سعودية تنال مرتبة وزير، عندما جرى تعيينها في عام 2009 نائبا لوزير التربية والتعليم لتعليم البنات، وحملت كذلك الأوامر الملكية السامية تعيين الدكتورة منيرة العلولا نائبة لمحافظ مؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني، وترافق ذلك مع تعيين الدكتورة أروى الأعمى نائبا لأمين محافظة جدة.
وتمرّ الشواهد الكثيرة وتتعدّد حتى على صعيد العمل في سفارات المملكة خارجيًا بالدكتورة موضي الخلف التي تسنمت حتى الشهر الماضي منصب مساعد الملحق الثقافي للشؤون الثقافية والاجتماعية.
وبناءّ عليه، مع أبواب قيد الناخبين والناخبات في انتخابات المجالس البلدية في الدورة الثالثة، تكون المرأة السعودية خطت خطوة جبارة أخرى نحو تفعيل دورها المجتمعي. ثم لاحقًا، مع مشاركتها الفعلية ترشحًا واقتراعًا ستؤكد بصورة مختلفة وبأوجه واضحة صلاحيات أوسع عن سابقتيها. جدير بالذكر، تتولى المجالس البلدية إقرار الخطط والبرامج البلدية ذات الصلة بتنفيذ المشاريع البلدية المعتمدة في الميزانية، ومشاريع التشغيل والصيانة، والمشاريع التطويرية والاستثمارية وكذلك الدراسة والرأي حول المخططات الهيكلية والسكنية، وكذلك مشاريع نزع الملكية للمنفعة العامة، وشروط وضوابط البناء، بجانب نظم استخدام الأراضي والخدمات البلدية والرسوم والغرامات البلدية، ومتابعة الشروط والمعايير المتعلقة بالصحة العامة.

* الدورة الثالثة من انتخابات المجالس البلدية
ساهمت المجالس البلدية خلال الدورتين السابقتين في تطوير العمل البلدي عبر رسم الخطط والبرامج ومتابعة تنفيذ المشروعات، وتلبية احتياجات المواطنين من الخدمات البلدية وتحسين مستوياتها وتفعيل أداء البلديات والرفع من قدراتها حتى تتمكن من تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها. وتنطلق الدورة الثالثة من انتخابات أعضاء المجالس البلدية خلال الفترة القادمة بحلة جديدة إذ تشهد جملة من التحديثات التطويرية للعملية الانتخابية التي أقرها نظام المجالس البلدية الجديد الذي سيتم العمل بموجبه خلال هذه الدورة من عمل المجالس البلدية، بما في ذلك الانتخابات المتعلقة بتشكيلها.

** من أبرز هذه التحديثات التي أرساها النظام الجديد ما يلي:
* رفع نسبة أعضاء المجالس البلدية المنتخبين من النصف إلى الثلثين.
* خفض سن القيد للناخب من 21 عامًا إلى 18 سنة.
* فتح باب مشاركة المرأة كناخب ومرشح (حسب الضوابط الشرعية).
وتتيح انتخابات أعضاء المجالس البلدية للمواطنين فرصة المشاركة في صنع القرار من خلال اختيار ذوي الكفاءة والخبرة لإدارة الشؤون المحلية والخدمات البلدية، ويقوم مفهوم الانتخابات بصفة عامة على إدلاء مجموعة من المواطنين تتوافر فيهم الشروط اللازمة لممارسة حق الانتخاب بأصواتهم لصالح المرشحين الذي يحظون بتأييدهم، ضمن عملية منظمة وفق أنظمة الاقتراع المعتمدة. وتستمد انتخابات أعضاء المجالس البلدية أهميتها من مشاركة المواطنين للأجهزة الحكومية في إدارة الخدمات البلدية، إذ تعد هذه المشاركة عاملاً مساعدا في دعم القرار الحكومي بما يحقق مصلحة المواطنين، إضافة إلى ذلك فإن هذه المشاركة تجعل المواطنين في موقع المسؤولية المشتركة مع الجهات الرسمية، وهذا يزيد من مستوى الوعي والمبادرة لدى المواطنين.
وقد حرصت وزارة الشؤون البلدية والقروية السعودية على إطلاق تطبيق «انتخاب» للأجهزة الذكية يحتوي على الخدمات الإلكترونية واللوائح والقوائم وكافة التفاصيل المتعلقة في العملية الانتخابية.

* قيد الناخبين
تعد مرحلة قيد الناخبين التي تستمر لمدة (21) يومًا أولى المراحل العملية لإجراء الانتخابات، وفي هذه المرحلة يجري حصر وتسجيل من تنطبق عليهم شروط الانتخاب في سجلات مخصصة تسمى جداول قيد الناخبين، ويتم فيها قيد الناخبين خلال المدة المحددة في مراكز الانتخاب التي تنشأ في نطاق المجلس البلدي، ويصار بعد انتهاء مدة القيد إصدار جداول قيد الناخبين ونشرها لمدة محددة وبالشكل الذي يتيح الاطلاع عليها ويفتح مجال الطعن والتصحيح فيها. وتعد مرحلة قيد الناخبين بالنسبة للمواطن المتوافرة فيه الشروط اختيارية وليست إلزامية ومن يفقد فرصة القيد في المدة المحددة لا يحق له الترشح أو الاقتراع في يوم التصويت.

* تسجيل المرشحين
تتميز الدورة الثالثة، وللمرة الأولى بتزامن عملية قيد الناخبين مع تسجيل المرشحين وتستمر لمدة (17) يومًا إذ لا بد لممارسة حق الترشح أن يكون طالب الترشيح مقيدًا في جداول قيد الناخبين. وسيكون الترشح خلال الفترة المحددة ووفق إجراءات معينة تسبق إصدار قوائم المرشحين ونشرها في الدوائر الانتخابية بما يتيح الاطلاع عليها ويفتح باب الطعن والتصحيح فيها ثم تنشر بشكلها النهائي.
حملات الدعاية الانتخابية للمرشحين
وهي المرحلة قبل الأخيرة وتبدأ بعد نشر القوائم النهائية لأسماء المرشحين وتستمر لمدة (12) يومًا حيث يفتح المجال للمرشحين المقبولين لبدء حملاتهم الانتخابية وتعريف الناخبين بهم وببرامجهم الانتخابية وأفكارهم وتطلعاتهم وخططهم المستقبلية، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يبدأ أي مرشح حملته الانتخابية أو الإعلان عن ترشيح نفسه قبل إعلان القوائم النهائية لأسماء المرشحين. ولهذه الحملات أهمية بالنسبة للمرشحين وللناخبين في آن واحد فهي تعطي الفرصة للناخب ليقرر من هو المرشح الأنسب الذي يرى فيه العناصر التي تجعله صالحًا لعضوية المجلس البلدي، ومن ناحية أخرى فهي فرصة لقيام المرشح بإيصال رسالته للناخبين وتعريفهم بنفسه للحصول على تأييدهم له يوم الاقتراع.

* خلفيات عن الانتخابات البلدية
* تُعقد الانتخابات البلدية في المملكة العربية السعودية مرة كل أربع سنوات، وتتيح للمواطنين المشاركة في إدارة شئون المجالس البلدية واختيار أعضائها من الأكفاء، حيث ينص نظام البلديات والقرى الصادر بالمرسوم الملكي رقم 5-م في 21-2-1397هـ (10 فبراير/شباط 1977) في مادته التاسعة على أنه «يتم اختيار نصف الأعضاء بالانتخاب، ويختار وزير الشؤون البلدية والقروية النصف الآخر من ذوي الكفاءة والأهلية». كما تنصّ المادة العاشرة منه على أن «يختار المجلس البلدي رئيسه ونائبه من بين أعضائه بصفة دورية لمدة سنتين قابلة للتجديد، وإذا تساوت الأصوات بين المرشحين فيعتبر قرار وزير الشؤون البلدية والقروية مرجحًا».



كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)
TT

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن)»، كما قال الناطق بلسان الجيش. وخلال الشرح المتحمس عن هذه الزيارة، سمح الناطق لنفسه بأن يقول إنهم جاؤوا لكي يتعلموا منه العديد من العمليات الحربية. وقال إن بين هذه الجيوش حضر مندوبون من كل من الجيوش؛ الأميركي والألماني والهندي والكندي والتشيكي والبولندي، وغيرها. وعرض عدة مجالات، قال إن جيشه أبدع فيها واستحدث طرقاً حربية سيصار إلى تدريسها في الكليات الحربية في العالم، خصوصاً المعركة ضد الأنفاق والتدمير ومسح الأبنية في قطاع غزة وتخريب الحقول الزراعية والسيطرة التامة على سماء إيران والاغتيال الجماعي لقادة «حماس» و«حزب الله» وقيادة سلاح الجو الإيرانية وعملية تفجير أجهزة النداء واللاسلكي في لبنان لقادة «حزب الله» (البيجر والوكي توكي) وغيرها.

لأول وهلة، يُحسب أن الرسالة - أعلاه - موجهة إلى العالم، لكن من يتابع الأوضاع في إسرائيل خلال العقدين الأخيرين، يدرك أن هذا النشر هو جزء من الحرب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي على «الجبهة الثامنة».

إنها الحرب التي تعدّ الأكثر إيلاماً للجيش، لأن «العدو» فيها للجيش الإسرائيلي هو الحكومة واليمين العقائدي الذي يقودها.

يخوض اليمين هذه الحرب منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم عام 2009، وفي حينه حاول فرض حرب على إيران، لكن قادة الجيش وسائر الأجهزة الأمنية اعترضوا. فغضب، وراح يحاربهم، في البداية بهدوء وسريّة، لكن الحرب غدت علنية شيئاً فشيئاً. وكان فيها مسؤولون في الحكومة وباحثون وخبراء يهاجمون الجيش ويتهمونه بالتبذير، والجنرالات ينشرون المقالات التي تظهر الحكومة فاشلة وفاسدة.

أيضاً لعبت الشرطة والنيابة والمحكمة دوراً نشيطاً في كشف تورّط نتنياهو في قضايا فساد... وقدمته إلى المحاكمة. فاستعرت المعركة لتتحوّل إلى «حرب شاملة» بين الطرفين، ما جعل اللواء المتقاعد إسحاق بريك، عضو رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، يقول، في مقال نشرته صحيفة «معاريف» يوم 8 يونيو (حزيران) 2025: «لدينا قيادة فقدت البوصلة، في الحكومة وفي الجيش». ويضيف: «السياسة الحمقاء المتغطرسة التي يتبعانها، ستشجع أعداءنا على الاستعداد لحرب أخرى ضدنا، وكل هذا بسبب جماعة فقدت طريقها وعقلنتها وحكمتها».

نتنياهو وسموترتش (رويترز)

سموتريتش... والميزانية

أحد أبرز السياسيين في هذه الحرب هو بتسلئيل سموتريتش، الذي مع تشكيل الحكومة أصر على تولي حقيبة وزارة المالية وحقيبة أخرى هي وزير ثانٍ في وزارة الدفاع. وسموتريتش هو الممثل المباشر لليمين العقائدي. لديه أجندة واضحة لمنع قيام دولة فلسطينية وتهجير الفلسطينيين. ومنذ تسلمه مهامه، يخوض حرباً علنية على الجيش بلغت حد رفض العديد من طلبات زيادة الميزانية العسكرية. ثم إنه يتهم قادة الجيش بالتبذير وصرف رواتب عالية، وقام بنشر قائمة الرواتب لنحو 50 قائداً أساسياً، فاتضح أنهم يقبضون رواتب أعلى من رئيس الحكومة ورئيس الدولة.

وفي الأسابيع الأخيرة، عندما قرر الجيش رفع عدد جنود الاحتياط الدائم من 6 إلى 60 ألف جندي، سنة 2026، وطلب تمويلاً من المالية (كل جندي يكلف الجيش 300 دولار في اليوم ومعدل الخدمة لكل جندي يصل إلى شهرين في السنة المقبلة، وهذا البند وحده يكلف مليار دولار)، رفض سموتريتش، قائلاً إن على الجيش إيجاد التمويل من تقليص مصاريفه الأخرى. ووفق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن قادة الجيش «يشعرون بالمهانة وهم يستجدون وزير المالية»، علماً بأنه على صعيد شخصي يبدو صبيانياً، ومن الناحية الجماهيرية يفقد الجمهور الذي انتخبه، إذ تشير الاستطلاعات إلى أنه سيسقط إذا أجريت الانتخابات اليوم.

للعلم، سموتريتش هذا حاقد على الجيش. فعام 2005، عندما كان في الخامسة والعشرين من العمر، بينما عمل الجيش على إخلاء مستوطنات قطاع غزة، جاء سموتريتش مع ألوف المستوطنين لمحاربة الإخلاء. ويومذاك، بطش به الجنود وجرّوه على الأرض عندما اعتقلوه. وهو جزء من الحركة التي قامت في حينه لمنع تشكيل حكومة في إسرائيل تقرّر إخلاء مستوطنات في الضفة الغربية مثلما حصل في غزة. وهو يستذكر هذه الحادثة تقريباً في كل خطاب سياسي له، منذ ذلك الحين. ويعدّ رأس حربة في معركة اليمين لتحجيم مكانة الجيش ونفوذه في البلاد.

انتقاد المهنية العسكرية

في إطار هذه المعركة، تشهد وسائل الإعلام الإسرائيلية موجة نشر ضخمة تنتقد الجيش وتظهره فاشلاً مهنياً. ويجنّد اليمين لهذا الغرض مجموعة كبيرة من الجنرالات السابقين، قسم منهم يكتب في معاهد الأبحاث التابعة لليمين، وقسم آخر ينشر مقالاته في وسائل الإعلام المستقلة، فضلاً عن الإذاعة والتلفزيون والشبكات الاجتماعية.

وأدناه نماذج من هذه المعركة:

العميد أورن سولومون، الذي عيّن رئيساً للجان التحقيق الداخلي في الجيش حول إخفاقات 7 أكتوبر (تشرين الأول) كشف في تقرير للقناة «14» عن أن قيادة الجيش «تتستر على الحقائق وليس صحيحاً الانطباع بأنها أول من تحمل المسؤولية». بل «أخفت الفشل الحقيقي لكونها اتبعت تكتيكاً حربياً خاطئاً منذ البداية... وبدلاً من أن تأمر سلاح الجو بقصف عناصر حماس في أثناء مهاجمتهم البلدات الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر 2023، فتشلّ حركتهم وتوقف تقدّمهم، قرّرت شنّ عملية انتقامية لاغتيال قادتها وتدمير مقراتها في شتى أنحاء غزة. وبذا فشلت في حماية مئات من الإسرائيليين الذين قتلتهم حماس ومئات المخطوفين».

وذكر سولومون أيضاً في التقرير، أنه طلب لقاء رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي والحالي إيال زامير لعرض استنتاجاته، لكنهما تهرّبا من لقائه. ومن ثم راحا يحرّضان عليه، لدرجة أنه قرّر إخفاء تقاريره والوثائق التي اعتمدها بهدف الحفاظ عليها في حال جرى له أي سوء. ورداً على سؤال طرحه عليه صحافي معروف بقربه من نتنياهو: «هل تخشى على حياتك؟ هل تعتقد أن هناك مَن قد يقتلك بسبب هذا التحقيق؟». فأجاب «نعم».

من جهة ثانية، تطرّ ق الصحافي والمؤرخ اليميني عكيفا بيغمان، صاحب كتاب «كيف حوّل نتنياهو إسرائيل إلى إمبراطورية»، كشف في موقع «ميدا» (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025)، عن نتائج تحقيق أجري في لجنة فرعية سريّة للجنة الخارجية البرلمانية، خلال الشهرين الماضيين، تفيد بأن هناك «خللاً بنيوياً» في عملية تأهيل الضباط في الجيش الإسرائيلي. وممّا جاء في تقريره أن الضباط لا يتلقّون تدريبات عسكرية لأكثر من يومين في الأسبوع، بينما يتمتعون بـ«امتيازات دلال لا تلائم جيشاً مقاتلاً»، وأنه في كثير من دورات التعليم التي يمرّون بها ثمة ازدواجية وتناقضات لأن هذه الدورات لا تدار بشكل مهني.

زامير (الجيش الإسرائيلي)

مرحلة بنيامين نتنياهو...استخفاف بالجنرالات وطعن بهم علناً وفي الخفاء

عدوانية متزايدة في عدة اتجاهات

الصحافة الإسرائيلية، أيضاً، تنشر باستمرار تصريحات لوزراء يهاجمون بها قادة الجيش ويهينونهم في جلسات «الكابنيت» (مجلس الوزراء المصغّر)، الذي يقود الحرب، بينما كان نتنياهو صامتاً. ولكن، في يناير (كانون الثاني) 2025 تجرأ وأوقف الجلسة التي هاجم فيها الوزيران إيتمار بن غفير وميري ريجف رئيس الأركان هاليفي، على قراره تشكيل لجان تحقيق داخلية حول أداء الجيش.

وفي شهر مايو (أيار) تعرّض زامير لـ«بهدلة» مماثلة، لكنه ردّ على الهجوم بكلمات قاسية ونابية، ما جعل نتنياهو يلفت نظره ويوقفه عن الكلام في جلسة الحكومة. وحقاً، زامير نفسه لم يسلم من الانتقادات. وعندما اقترح صرف النظر عن إعادة احتلال غزة في نهاية الصيف، اتهمه غلاة اليمين بالتراجع عن وعوده في «تغيير نهج الجيش القتالي وجعله جيشاً هجومياً أكثر». وقالوا إن «الدولة العميقة الليبرالية تمكنت من السيطرة عليه وتدجينه».

في هذه الأثناء، هناك ما تشهده الضفة الغربية من اعتداءات. وهنا لا نقصد الاعتداءات الإرهابية على الفلسطينيين، بل الاعتداءات اليهودية على اليهود، التي تتصاعد باستمرار وفيها يهتف «شبيبة التلال» الاستيطانية لجنود وضباط الجيش الإسرائيلي «يهود نازيون».

أيضاً، أحد كبار الجنرالات، وكان مسؤولاً عسكرياً يعمل في وظيفة رفيعة في الضفة الغربية، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» (7 نوفمبر 2025)، يقول: «يبدو لي الوصف (فتيان التلال) أو (شبيبة التلال)، رومانسياً بعض الشيء، كما لو كانوا رعاة غنم يعملون في الزراعة، لكن هذا ليس ما نتكلّم عنه هنا. هؤلاء فتيان يحتاجون إلى رعاية مؤسّسات الرعاية الاجتماعية وسلطة الوالدين والتعليم. إنهم يتصرّفون كما لو كانوا في الغرب (الأميركي) المتوحش. ليس لديهم قانون ولا قاضٍ. يتجوّلون بقمصان كُتب عليها (شعب إسرائيل نعم ودولة إسرائيل لا)».

وتابع الجنرال: «إنهم لا يعترفون بالمؤسسات، وهم معادون تماماً للصهيونية، ويرسمون شعارات صهيونازية على الجدران، ويتلقون دعماً من بعض وسائل الإعلام القطاعية. لقد بنوا ماكينة عمل محكمة وحقيقية. يمكنك أن ترى فتىً في الثالثة عشرة من عمره يقود سيارة مشطوبة، وهو لا يملك حتى رخصة قيادة؛ بينما يُشعل فتيان آخرون النار في المركبات. ما عاد هؤلاء يكتفون بالاعتداءات على الفلسطينيين، بل أضحوا يعتدون بعنف وكراهية حاقدة على جنودنا وضباطنا، حتى ونحن نحميهم. وكذلك يعتدون على المواطنين اليهود، وليس فقط اليساريين منهم الذين يأتون إلى هنا للتضامن مع الفلسطينيين، بل يعتدون على مستوطنين ممّن كانوا ذات يوم شبيبة تلال لأنهم لا يوافقون اليوم على أساليبهم. وأنا لا أتكلم عن اعتداء واحد أو اثنين. لقد شكا عشرات المستوطنين الذين يتعرضون للاعتداءات منهم. ومن ثمّ، شعوري أن عدوهم الأول هو الجيش».

الرد لا يقل حدة

في المقابل، نجد أن الجيش أيضاً يملك جهاز دعاية يهاجم الحكومة بقوة شديدة ولديه مجموعة كبيرة من الكتّاب والناطقين باسمه، الذين يحذّرون من تبعات سياسة الحكومة وممارساتها، ويرون أنها «تُضعِف الجيش وتشجع العدو على تكرار الهجمات الشبيهة بهجمة حماس في 7 أكتوبر». كذلك ينتقد هؤلاء الحكومة بشكل لاذع على «فشلها المهني»، ويحمّلونها، رئيساً ووزراء، مسؤولية أساسية عن إخفاقات 7 أكتوبر، ويقولون إنها أدارت الحرب بشكل سيئ وفرضت على الجيش «إطالة الحرب لأغراض بعيدة عن الحسابات الأمنية والاستراتيجية، هدفها سياسي وحزبي للبقاء في الحكم». «وحقاً، الأمر الجوهري الذي يهاجمونها عليه هو: أنها لم تعرف كيف تستثمر المكاسب العسكرية التي وفّرها لها الجيش في مكاسب سياسية».

وهكذا يكتب الجنرال عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسة والاستراتيجية في تل أبيب، يوم 17 نوفمبر 2025: «لقد نجح الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن في توجيه ضربة قاصمة لتحالف الشر في جميع جبهات القتال السبع. في الوقت نفسه، ثمة حاجة إلى استراتيجية لإرساء أمن طويل الأمد. حتى الآن، فشلت الحكومة الإسرائيلية في صياغة سياسة لما بعد (اليوم التالي)، ما أدى إلى خلق فراغ، ملأته الإدارة الأميركية بكل قوتها».

وأردف جلعاد: «من جهة، لهذا الأمر نتائج إيجابية تتمثل في إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء وعملية إعادة الرهائن القتلى، ووقف الحرب في غزة، وتوطيد العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة، واحتمال تحقيق انفراج دبلوماسي مع الدول العربية. ولكن من جهة أخرى، قد يؤدي هذا التطور إلى أضرار جسيمة، مثل نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة بمشاركة دول معادية بقيادة محور تركي - قطري داعم لجماعة الإخوان المسلمين، واستمرار وجود حماس بصيغة جديدة في غزة. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال الإضرار بالتفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، من خلال نقل قدرات عسكرية غير مسبوقة إلى الدول العربية. في الخلفية، تُبذل جهودٌ من إيران وحزب الله لاستعادة القدرات العسكرية المتضررة خلال الحرب. ولكن الأنكى هو أنه على الصعيد الداخلي، تشهد إسرائيل بقيادة الحكومة سلسلةً من العمليات الهدامة التي تُلحق الضرر بالمناعة الوطنية والاجتماعية، التي تشكل ركيزةً أساسيةً من ركائز الأمن القومي الإسرائيلي. ويشمل ذلك استمرار الانقلاب القضائي وإلحاق الضرر بالمؤسسات القضائية، والحرب على وسائل الإعلام في البلاد، والتدخل في أنشطة أجهزة الأمن وإنفاذ القانون، وغيرها».


إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
TT

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في أحد أبرز القرارات المفصلية ضمن إطار سياسة الابتكار العسكري للولايات المتحدة منذ إعادة هيكلة «البنتاغون» (وزارة الحرب الأميركية) عام في 2017. وذلك ليس فقط لأن المنصب يُعدّ رأس الهرم في الهندسة العسكرية والتطوير التكنولوجي، بل لأن مايكل يمثّل نموذجاً جديداً تماماً عن ذلك الذي اعتادت المؤسسة الدفاعية الأميركية تعيينه في هذا الموقع. إذ إن المسؤول الذي يُمسك عملياً بمفاتيح التفوق التكنولوجي الأميركي، من الذكاء الاصطناعي إلى الأنظمة غير المأهولة، ومن الحرب السيبرانية إلى الجيل الثاني من الدفاع الصاروخي، رجل أعمال مهاجر من جذور مصرية قبطية، بنى مسيرته في شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، بدءاً من شركة «تيل مي نيتوورك»، مروراً بـ«كلاوت»، ووصولاً إلى «أوبر»، إحدى أكثر شركات العقد الماضي إثارة للجدل والتأثير في آن واحد.

تعيين إميل مايكل وكيلاً لـ«البنتاغون» للبحث والهندسة لم يكن مجرد مفاجأة، بل كسرٌ لخطٍ طويل من الشخصيات المنتمية تقليدياً إلى عالم الصناعات الدفاعية أو البحث العلمي الأكاديمي. وفي حين يرى البعض أنّ الرئيس دونالد ترمب يكرّر رهانه المألوف على رجال الأعمال - كما فعل في الحكومة الأولى - يعدّ آخرون أنّ ما حدث هو إعادة توجيه جذرية لطبيعة القوة التكنولوجية الأميركية، بحيث تُسلَّم مفاتيح المستقبل لمن يملكون القدرة على «تسريع» الابتكار، وليس فقط تنظيره. وأدناه نبذة عن مسيرة مايكل نحو هذا المنصب، وتكوينه السياسي ومسارة المهني ومنطق تعيينه وتأثير خلفيته القبطية المصرية في شخصيته ودوافعه.

مهاجر في قلب سردية النجاح

ولد إميل مايكل في القاهرة عام 1972 لأسرة قبطية، وهاجر في سن مبكّرة مع عائلته إلى الولايات المتحدة.

وعام 2012 التقى جولي هيرين في لاس فيغاس (ولاية نيفادا)، وتزوجا عام 2018 في حفل أقيم بمدينة ميامي، بولاية فلوريدا.

الانتماء القبطي ليس تفصيلاً هامشياً، بل جزء أساسي في تكوينه السياسي وطريقة تفكيره. وفي شقّ من الهوية القبطية، عند البعض في مصر، ثمة بالهامشية السياسية والبحث عن الحماية عبر «المؤسسات القوية». وهذا انعكس لاحقاً على توجهات مايكل في السياسة الأميركية، وخاصة في علاقة الأقليات بالدولة الحديثة، وقيمة وجود دولة مركزية قادرة على فرض النظام.

وكان مايكل يشير دائماً في مقابلاته القليلة حول خلفيته، إلى أنّ تجربة الهجرة منحته ثقافتين من زاويتين: إيماناً أميركياً تقليدياً بالفرصة الفردية، وحسّاً «واقعياً» في فهم أخطار انهيار الدول وضعف مؤسساتها، وهو أمر لا يمرّ عادة في تكوين المسؤولين الأميركيين الذين يترعرعون داخل «الاستقرار المؤسساتي» الأميركي.

هذه الخلفية تفسّر أيضاً شغفه المبكر بالدفاع الوطني. فمع أنه رجل أعمال تقني، اختار عام 2009 الانضمام إلى برنامج الزمالة في «البيت الأبيض»، والعمل مباشرةً تحت وزير الدفاع روبرت غيتس (الجمهوري) في إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، إبان سنوات الحرب في العراق وأفغانستان. وما لبث رجل الأعمال الشاب الآتي من وادي السيليكون أن وجد نفسه فجأة في قلب العمليات العسكرية واللوجيستية، في مسار غير شائع إطلاقاً.

جمهوري من هارفارد... إلى ستانفورد

درس إميل مايكل في جامعة هارفارد العريقة، وفيها تولّى رئاسة نادي الجمهوريين. واللافت أنّه فور تسلمه المنصب بادر إلى تحويل اسم النادي إلى «نادي الجرف الأحمر لجمهوريي هارفارد»، في إشارة إلى رغبته في إدخال النساء إلى الهيكل السياسي الطلابي المحافظ. وهو موقف مبكر يعكس قدرة سياسية على قراءة البيئة الاجتماعية ومحاولة توسيع التحالفات، وهي مهارة ستظهر لاحقاً في إدارة الشركات.

بعد هارفارد، تابع دراسته في كلية الحقوق التابعة لجامعة متميزة أخرى هي جامعة ستانفورد، المختبر الفكري الذي أنجب نخبة من روّاد التكنولوجيا.

هناك ازداد تماهيه مع التيار البراغماتي داخل الحزب الجمهوري، الذي يركّز على الاقتصاديات الحديثة والابتكار، وليس فقط على خطاب «القيَم التقليدية». ولعل هذا المزيج، أي يميناً اقتصادياً وابتكاراً تكنولوجياً، كان أساسياً لاحقاً في فهم لماذا رأى ترمب فيه الشخص المناسب لقيادة سباق الحرب التكنولوجية.

المسيرة المهنية

على امتداد 25 سنة، بنى إميل مايكل سمعة استثنائية في عالم الشركات العالية النمو، حيث بدأ مسيرته المهنية مستشاراً استراتيجياً في شركة «كونفيرجينغ» التابعة لشركة «جيميني» للاستشارات. وبعد تخرجه في كلية الحقوق، عمل مايكل مساعداً في مجموعة الخدمات المصرفية الاستثمارية للاتصالات والإعلام والترفيه في «غولدمان ساكس» بنيويورك حتى عام 1999. ثم عمل في مشاريع استشارية للاندماج والاستحواذ العدائي، وفي تمويل الأسهم والديون المصرفية. ومن 1999 حتى 2008 شغل مايكل منصباً تنفيذياً في شركة «تيل مي نتوركس» الناشئة للاتصالات عبر الإنترنت لمدة تسع سنوات. وكانت تلك الشركة رائدة في تقنيات التعرف على الصوت، وبيعت لـ«مايكروسوفت» بـ800 مليون دولار عام 2007.

بعدها، عام 2012، أصبح رئيساً للعمليات وعضواً في مجلس إدارة شركة «كلاوت»، منصة تحليل النفوذ الرقمي (التي سبقت عصر البيانات الضخمة)، ليغادرها عام 2013، للانضمام إلى شركة «أوبر». وحقاً، بيعت «كلاوت» إلى شركة «ليثيوم» مقابل نحو 200 مليون دولار في أوائل عام 2014.

ثم انضم مايكل إلى «أوبر» نائب رئيس أول للأعمال، وكان بمثابة الذراع اليمنى لرئيسها التنفيذي، ترافيس كالانيك، وساعد الشركة على جمع ما يقرب من 20 مليار دولار. وللعلم، كان مايكل لاعباً رئيساً في تطوير جهود «أوبر» في الصين، حيث استثمر ملياري دولار لتصل قيمتها إلى 7 مليارات دولار عام 2016. كذلك عمل على بناء شراكات مع «بايدو» وشركات صينية أخرى. وعام 2016 قاد مايكل عملية دمج «أوبر الصين» مع منافستها المحلية «ديدي تشوكسينغ». وفي 2021، جمعت شركة «ديدي» 4.4 مليار دولار في طرحها العام الأولي.

تقدير قدراته التسويقية

عام 2014 اختير مايكل واحداً من «أكثر الأشخاص إبداعاً في مجال التسويق» وواحداً من «أكثر 100 شخص إبداعاً في مجال الأعمال» من قِبل شركة «فاست».

وفي عام 2017، ساعد مايكل في التفاوض على صفقة مع «ياندكس»، أكبر شركة تكنولوجيا وأشهر محرّك بحث على الإنترنت في روسيا – هي المعروفة باسم «غوغل روسيا» - حيث امتلكت «أوبر» 36.6 في المائة من كيان مشترك لمشاركة الرحلات في روسيا. واستثمرت «أوبر» 225 مليون دولار، واستثمرت «ياندكس» 100 مليون دولار.

رأس المال «المخاطر» يدخل «البنتاغون»

عام 2014، عُيّن إميل مايكل وثمانية آخرون في «مجلس أعمال الدفاع» التابع لـ«البنتاغون». انضمّ الثمانية إلى خمسة عشر عضواً من أعضاء المجلس، الذي أُسس عام 2002 لتقديم استشارات مستقلة بشأن القطاع الخاص. وكان مايكل الوحيد من بين المعيّنين الجدد الذي يتمتع بخبرة في مجال الشركات الناشئة.

وبالفعل، لعبت خلفيته في الاستثمار بشركات الذكاء الاصطناعي، و«البلوك تشين»، واللوجيستيات، والأنظمة الرقمية... وتحديداً، في المجالات التي تُعدّ اليوم قلب المنافسة الاستراتيجية مع الصين، دوراً كبيراً في جعله - في نظر فريق ترمب - «المختبر العملي» لقيادة سباق التكنولوجيا العسكرية، وهو ما أغرى ترمب بوضعه في رأس منظومة الابتكار العسكري.

خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، أعلن ترمب - وكان لا يزال رئيساً منتخباً - عن نيته ترشيح مايكل لمنصب وكيل وزارة الدفاع للأبحاث والهندسة، وأكد مجلس الشيوخ ترشيحه في مايو (أيار) 2025. وفي أغسطس (آب)، أصبح قائماً بأعمال «مدير وحدة الابتكار الدفاعي».

واليوم، يُعد منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة أخطر منصب تكنولوجي في الحكومة الأميركية. فهو الذي يحدّد اتجاهات الاستثمار التكنولوجي، وأولويات «وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة» (داربا)، وبرامج الأسلحة الاستراتيجية، وتوازن القدرة الأميركية مقابل الصين وروسيا.

ولفهم أسباب اختيار ترمب لمايكل، يرى البعض أنه يجب النظر إلى سمات الشخصية مقابل حاجات المرحلة. وفي ظل الحاجة إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»، ويُنظر إليه كمن يستطيع اختصار سنوات من الدورة البيروقراطية في وزارة الحرب.

وفي عهد فتح الأبواب للقطاع الخاص، اتجه ترمب أيضاً خلال ولايته الثانية إلى جعل الابتكار العسكري يعتمد على الصناعة الخاصة لا على مختبرات الدولة فقط، وهو بالضبط ما يجسده مايكل في هذا النهج. وطبعاً، يضاف إلى ما سبق أن خبرته العالمية، ولا سيما مع الصين وروسيا، منحته نظرة دقيقة على نماذج الابتكار لدى الخصوم.

مع هذا، يثير تعيين مايكل في منصبه جدلاً داخل واشنطن. فبعض الأصوات ترى في تعيين رجل أعمال بهذا الانغماس في رأس المال المخاطر، خطوة قد تعمّق نفوذ الشركات على حساب القرارات الدفاعية. ثم إن موقفه الحازم من الصين - بعدما حذر من أنها تهدف إلى «احتكار الذكاء الاصطناعي العسكري» خلال 10 سنوات - قد يدفعه إلى قرارات سريعة وغير تقليدية، بعضها يزعج التيارات التقليدية.

خلفيته ورؤيته لـ«البنتاغون»

من جهة ثانية، مع أن مايكل لا يقدّم نفسه بوصفه «سياسياً هوياتياً»، ورغم أنه شخصية محافظة سياسياً، فإنّ تأثير هويته واضح. ذلك أن خلفيته بصفته قبطياً مهاجراً جعلته، بحسب مقرّبين، أقرب لفهم أهمية «توازن القوة» في المجتمعات الهشّة، ما جعله يؤمن بأن التفوّق العسكري الأميركي هو أحد صمامات استقرار الأقليات حول العالم.

هذا البعد له تأثير ضمني لكن مفهوم في قراره بالدخول إلى قطاع الأمن القومي، وينعكس في دعمه لبرامج الدفاع غير التقليدية، ولتطوير تقنيات يمكن أن تمنع الحروب قبل وقوعها. وعلى عكس كثير من التكنولوجيين الأميركيين الذين يملكون حسّاً «ليبرالياً » تجاه الأمن القومي، ينظر مايكل إلى الجيش كـ«قوة استقرار»، وليس فقط كمجرد مؤسسة عسكرية.

ومن ثمّ، من الآن وحتى 2030، تشير كل المؤشّرات داخل وزارة الحرب إلى أنّ مايكل يخطط لثلاثة محاور حاسمة:

- تفعيل «نظام الابتكار السريع»، عبر تحويل «البنتاغون» إلى بنية مشابهة لشركات التكنولوجيا، في اتخاذ القرارات السريعة، وتجارب متكررة، ونسخ أولية، ثم تصنيع.

- إعادة توجيه وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا) نحو الذكاء الاصطناعي العسكري الكامل، ليس فقط كأداة دعم، بل كمكوّن قتالي مستقل.

- عسكرة البيانات، عبر تطوير أنظمة ميدانية تعتمد على بيانات اللحظة، بما يشبه نموذج «أوبر» في مراقبة الحركة البشرية، لكن في ساحات الحرب.

ولهذا بالضبط، نجده اليوم في رأس الهرم التكنولوجي للولايات المتحدة، في لحظة تتقرر فيها ملامح القرن الأميركي أو نهايته.


كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)
TT

كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)

يمثّل صعود إميل مايكل إلى منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة تحولاً واضحاً في طبيعة القيادة التكنولوجية داخل «البنتاغون»، مقارنةً بكل من مايكل غريفين وهايدي شو وديفيد هوني وكاثلين هيكس، الذين شكّلوا المسار المؤسسي التقليدي خلال العقد والنصف الماضيين.

مايكل غريفين (2018 - 2020) العالم الصاروخي، هو نموذج «العالم الكلاسيكي» داخل المؤسسة الدفاعية الأميركية. فيزيائي صواريخ، ومدير سابق لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، ورجل قائم على المدرسة البحثية الثقيلة.

كان تركيزه على الفضاء، والصواريخ، والأنظمة الفرط صوتية، وتطوير أنظمة الردع الاستراتيجي. والفارق الجوهري بينه وبين مايكل يكمن في الخلفية: غريفين ابن المؤسسات الأكاديمية والعسكرية التقليدية، بينما مايكل آت من شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، ما يجعله أكثر ميلاً للسرعة والمخاطرة وتبني الابتكار التجاري.

هايدي شو (2020 - 2023) سيدة المنظومات الدفاعية، جاءت من خلفية إدارية - تكنولوجية تمتد لعقود داخل «البنتاغون»، مركّزة على الدفاع الصاروخي والسيبراني، ومثّلت «الاستمرارية» أكثر من التغيير، بينما يجسد مايكل «القطيعة» مع الإرث المؤسسي. إذ إنه لا ينتمي لتقاليد «البنتاغون»، بل لثقافة استثمارية عالمية، ما يجعله أقرب إلى مقاربة «الابتكار المفتوح» مع الشركات الناشئة.

ديفيد هوني (2023 - 2025) المهندس البيروقراطي، يُعدّ خبيراً في البيروقراطية الدفاعية، عارفاً بتعقيدات الهياكل الداخلية ودوائر الاستحواذ. وظيفته كانت تحسين الانسيابية لا تغيير الفلسفة. أما مايكل فيقدّم رؤية انقلابية: تسريع القرارات، ونقل تقنيات القطاع الخاص مباشرة إلى ساحة القتال، وتخفيف دور البيروقراطية لصالح دينامية الشركات.

كاثلين هيكس (2021 - 2025) نائبة وزير الدفاع، تعد العقل الاستراتيجي المدني، ومع أنها لم تشغل الموقع نفسه، لكنها قادت بحكم موقعها، الإشراف على ملفات التكنولوجيا والتحوّل الدفاعي.

أيضاً مثلت هيكس المدرسة الاستراتيجية الليبرالية - التقليدية في الأمن القومي، ويمثل مايكل المدرسة المحافظة - التجارية، المتمحورة حول المنافسة مع الصين والتفوق الصناعي.

أخيراً، في حين يمثل الأربعة المذكورون خط الاستمرارية المؤسسية، يأتي إميل مايكل من خط الاختراق التكنولوجي التجاري. فهو أول من جمع بين خبرة وادي السيليكون والعمل المباشر في ساحات الدفاع، ما يجعل تعيينه انتقالاً من «عقود البحوث البطيئة» إلى «سباق الزمن التكنولوجي» في مواجهة الخصوم الدوليين للولايات المتحدة.