إذا كنت من عشاق السفر والترحال فلا بد أنك تعشق الفنادق المميزة التي تعكس جانبا من تاريخ البلد التي ستقيم بها، وإذا كنت في القاهرة فمن المثير أن تقيم في «قصر الجزيرة» الذي شيده الخديو إسماعيل، من أجل ضيفه الشرف الإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث وحاشيتها الملكية وضيوفه من ملوك أوروبا والعالم لحفل الافتتاح الأسطوري لقناة السويس عام 1869 أي منذ 146 عاما. وتشاء الأقدار أن يظل شاهدا على افتتاح قناة السويس الجديدة في أغسطس (آب) 2015، وقد احتفل الفندق ونزلاؤه بهذه المناسبة مستعيدين أمجاد هذا القصر التاريخي الذي أقام به أيضا إمبراطور النمسا فرنسوا جوزيف وأمير بروسيا وأمير وأميرة هولندا وأمير هانوفر، والأمير الجزائري عبد القادر، والكاتب المسرحي النرويجي الشهير إبسن، والكاتب المسرحي أوزوبيو بلاسكو. ونخبة من كبار الفنانين الفرنسيين فائقي الشهرة جيروم وبرشير وفرومنتان. وتورنمين ولونوار.
يقبع الفندق في بقعة ساحرة في جزيرة الزمالك وهو يعكس في تصميمه المعماري شغف الخديو بطراز النيو كلاسيكي الذي كان شائعا في أوروبا آنذاك، لذا استقدم المعماري النمساوي يوليوس فرانز ليتعاون مع المعماري ديل كرول ديل روسو الذي صمم قصر عابدين الملكي، كما أتى بالمهندس الألماني كارل فون ديبيتش لكي يشرف على التصميم الداخلي وديكور وأثاث القصر الذي انتقي بعناية، فقد تم جلب أفخم ما يمكن الحصول عليه من ديكورات وإكسسوارات من باريس وبرلين في ذلك الوقت. ويلفت الانتباه مزج الطراز المعماري الإسلامي مع الطراز الأوروبي في مدخل القصر المنيف الذي تزينه الأقواس المعمارية والتي صنعت خصيصا في ألمانيا من الحديد الزهر، وقد قام مهندس التصاميم الداخلية الألماني ديبيتش في ورشته ببرلين بتصميم وتجميع الزخارف الداخلية الخاصة بالقصر، ثم تم شحنها في حاويات عملاقة على متن قطار نقلها من برلين إلى مدينة تريستي الإيطالية ثم تم شحنها على متن سفينة إلى مدينة الإسكندرية حيث تم نقلها إلى القاهرة بالقطار. وكانت تكلفة تشييد القصر في ذاك الوقت باهظة جدا بلغت ثلاثة أرباع المليون جنيه، واستغرق بناء القصر 5 سنوات كاملة. لذا تعد كل قطعة في الفندق تحفة أثرية لا تقدر بثمن، ويعد التجول بين أرجاء الفندق الواسعة أشبه برحلة داخل متحف للآثار. فمنذ دخولك لبهو الفندق سوف يقع ناظراك على النافورة الرائعة من المعدن المشغول، وسلم من الرخام المزخرف، وست ساعات جدارية قديمة بلون ذهبي لامع، ولوحات زيتية باهرة، منها: لوحة ضخمة للإمبراطورة أوجيني، ولوحة أخرى للاحتفالية الأسطورية التي أقيمت في الإسماعيلية لافتتاح قناة السويس. وطاولة من الرخام تعود لعهد الملك لويس الرابع عشر.
كما أسس الخديو إسماعيل حجرتين للنوم للإمبراطورة أوجيني الأولى ذات طابع فرنسي مثيلة تمامًا لحجرتها في قصر التولير بفرنسا وأخرى إسلامية الطابع (أرابيسك)، وكتب عليها أبيات من الشعر ترحيبًا بقدومها.
أما حديقة القصر التي صممها جوستاف ديلشيفارليه فهي تجمع أندر النباتات والأشجار الباسقة المعمرة، وتقع على مساحة ستة أفدنة، وهي الحديقة التي شهدت أداء أوبرا عايدة لأول مرة في التاريخ، التي ألفها الموسيقار الإيطالي الكبير فيردي لأجل افتتاح قناة السويس.
تحول القصر الملكي الخاص بأباطرة وملوك أوروبا إلى فندق لعشاق الفخامة والأجواء التاريخية الأسطورية من زوار القاهرة. وعلى مدار نحو قرن ونصف من الزمان استضاف الفندق مناسبات تاريخية وهامة وشخصيات بارزة من مختلف الجنسيات، من أهمها: الاحتفالات بحفل زفاف ابن الخديو إسماعيل التي استمرت 40 يوما، وفي النصف الأول من القرن العشرين، احتضن حفل زفاف ابنه النحاس باشا رئيس وزراء مصر، وشهد احتفالات زفاف الملك فاروق على الملكة ناريمان آخر ملكات مصر.
بالطبع مر الفندق بعدد كبير من التغييرات والتجديدات حتى أصبح بهذه الصورة الرائعة، ففي عام 1879 بيع القصر لشركة الفنادق المصرية لسداد جزء من ديون الخديو إسماعيل وتم تحويله إلى «فندق قصر الجزيرة»، أما في الفترة من عام 1894 وحتى عام 1903 فتم إدخال الكهرباء للقصر وتم إضافة 400 غرفة، بعد بيع القصر تم تقسيم حدائقه إلى أقسام عدة منفصلة من بينها الحديقة الخديوية التي أصبحت نادي الجزيرة الرياضي وهي تشمل مضمار سباق الخيول وملعب البولو، أما حديقة الأسماك الخديوية الواقعة على الجانب الغربي من القصر فقد تم تحويلها إلى حديقة لأسماك الزينة النادرة «حديقة للأسماك»، وتم افتتاحها رسميا في عام 1902 وما زالت موجودة حتى الآن.
وتحول الفندق إلى مستشفى وثكنة عسكرية إبان الحرب العالمية الأولى 1914 وحتى 1918. وفي عام 1919 اشتراه أحد كبار تجار الأراضي من أمراء الشام وهو الأمير لطف الله مقابل 140 ألف جنيه مصري، والذي حوله لمسكن خاص به. وفي عام 1961 في حقبة الرئيس جمال عبد الناصر تم تأميم الفندق وأصبح ملكا للدولة المصرية وسمي باسم « فندق عمر الخيام».
مع بداية السبعينات شهد القصر تحولا أساسيا في تاريخه بتولي شركة «ماريوت العالمية» إدارته، فتم ترميم القصر والحدائق مع بناء برجين على جانبيه ليضما 1250 غرفة وجناحا فاخرا مع الاحتفاظ بالقصر الأصلي مقرًا للاستقبال والمطاعم وقاعات الاجتماعات وصالات الاحتفالات، وقد افتتح الفندق في عام 1982. ويتكون الفندق الحالي من ثلاثة مبان، المبنى الأول «مبنى القصر» وهو مكون من 5 طوابق بها قاعات الفندق والمطاعم ومحلات التسوق والقاعة الرئيسة والاستقبال، والمبنى الثاني «مبنى برج الزمالك»، والثالث «برج الجزيرة وترتفع أبنية أبراج الفندق 20 طابقًا». وبين هذه المباني يوجد حمام السباحة تحيطه الحدائق الزاخرة بتماثيل يونانية ورومانية من الرخام الإيطالي، والمطاعم والمقاهي وملاعب التنس والنادي، كما يوجد مسرح مكشوف على سطح الفندق.
ويعتبر فندق ماريوت الزمالك من أفخم الفنادق المصرية التي توجد في قلب العاصمة، ويعد نزلا لكبار زوار الدولة المصرية من رؤساء ومشاهير في الفن والمسرح والسينما، فكان من زواره بيل كلينتون وهيلاري كلينتون ولورا بوش وجيمي كارتر والفنانة الإيطالية صوفيا لورين، والفنانة كاترين دونيوف، والفنان وأبطال المسلسل الأميركي الشهير «الجريء والجميلات»، والإعلامي الأميركي جون ستيوارت والنجم الهندي أميتاب باتشان، وتعقد بالفندق أهم المؤتمرات العالمية والمؤتمرات الصحافية والإعلامية للإعلان عن الأحداث الكبرى. ومن وقت لآخر يقيم الفندق احتفالات تنكرية يستعيد فيها أجواء مصر الملكية وزيارة الإمبراطورة أوجيني التي تظهر لتطل من شرفة جناحها بالقصر لتحيي نزلاء الفندق. وتكفل لك أن تكون شاهدا على تاريخ مصر عبر أكثر من قرن كما تتيح لك رؤية بانورامية لواقعها المعاصر من خلال غرف الفندق المطلة على صفحة النيل وحي الزمالك الشهير بأنه حي السفارات والدبلوماسيين.
زوار الفندق من مختلف الجنسيات صيفا وشتاء. ويمتاز ماريوت الزمالك بمجموعة رائعة ومتنوعة من المطاعم التي مأكولات يابانية ومصرية وإيطالية وفرنسية. ويتم تقديم الوجبات داخل المطعم أو في الهواء الطلق. كما يحتوي الفندق على 6 مقاه وأماكن لتناول المشروبات والمرطبات الخفيفة. كما يمكنك الاسترخاء في الساونا أو الاستمتاع بمجموعة متنوعة من أنواع العلاجات الصحية في السبا. وتحتوي صالة الجيمانيزيوم على معدات حديثة للعناية بالقلب والأوعية الدموية وأوزان حرة. ويتيح لك الفندق برنامجا لزيارة أهم معالم القاهرة التي لا تبعد عن الفندق سوى دقائق. وتتراوح تكلفة الإقامة في الغرفة المزدوجة في الليلة الواحدة من نحو 1500 جنيه مصري وحتى 2500 جنيه مصري، ويضم الفندق الضخم الذي يعد من أضخم فنادق الشرق الأوسط 1082 غرفة فضلا عن الأجنحة المميزة والأجنحة الرئاسية، وتبلغ تكلفة الإقامة في الجناح الملكي 2600 وحتى 3200 جنيه، أما الجناح الرئاسي فتبلغ تكلفة الإقامة به لمدة ليلة واحدة فيه ما يزيد على 58 ألف جنيه (نحو 9000 دولار).
{ماريوت الزمالك}.. من قصر لأباطرة وملوك أوروبا إلى فندق لعشاق الفخامة
الشاهد على افتتاح قناة السويس القديمة والجديدة
{ماريوت الزمالك}.. من قصر لأباطرة وملوك أوروبا إلى فندق لعشاق الفخامة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة