مصر على قدم وساق استعدادًا لإتمام خارطة الطريق

القوى السياسية تكثف من اجتماعات اللمسات الأخيرة.. وأجهزة الدولة جاهزة للتحدي

الرئيس المصري خلاله لقائه أمس نظيره السنغافوري توني تان، ضمن جولته الآسيوية التي تشمل الصين وإندونيسيا.  («الشرق الأوسط»)
الرئيس المصري خلاله لقائه أمس نظيره السنغافوري توني تان، ضمن جولته الآسيوية التي تشمل الصين وإندونيسيا. («الشرق الأوسط»)
TT

مصر على قدم وساق استعدادًا لإتمام خارطة الطريق

الرئيس المصري خلاله لقائه أمس نظيره السنغافوري توني تان، ضمن جولته الآسيوية التي تشمل الصين وإندونيسيا.  («الشرق الأوسط»)
الرئيس المصري خلاله لقائه أمس نظيره السنغافوري توني تان، ضمن جولته الآسيوية التي تشمل الصين وإندونيسيا. («الشرق الأوسط»)

فور إعلان اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية في مصر عن الجدول الزمني للانتخابات مساء أول من أمس، انطلقت القوى السياسية المصرية في مسارها من أجل وضع اللمسات الأخيرة على قوائم مرشحيها، بينما أكدت أجهزة الدولة المصرية المختلفة جاهزيتها التامة للاستحقاق الثالث والأخير في خارطة الطريق المصرية التي أعلنت عقب ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013، والذي يمثل تحديا تخوضه الدولة المصرية في وجه أعمال العنف والإرهاب، وكذلك أمام بعض التيارات التي شككت طويلا في مصداقية الإدارة المصرية لإتمام الاستحقاقات السياسية.
ورحبت أغلب القوى السياسية والأحزاب بشكل عام بالجدول والإجراءات المعلنة، رغم توجيه بعض الانتقادات خصوصا حول ضيق الحيز الزمني بين الإعلان وفتح باب التقدم بأوراق الترشح وما يصاحبه من خطوات إجرائية. بينما انشغلت أغلب كوادر هذه القوى السياسية في اجتماعات متواصلة أمس من أجل تجهيز قوائمها والاتفاق على الأسماء النهائية التي تخوض الاستحقاق النيابي.
من جانبها، دعت اللجنة العليا للانتخابات المرشحين إلى التقدم لإجراء الكشف الطبي المقرر في المستشفيات التي تحددها وزارة الصحة للتأكد من خلو المرشح من الأمراض التي تمنعه من ممارسة واجباته وفقا للدستور، كإحدى الأوراق المطلوبة ضمن أوراق التقدم للترشح، على أن تقبل التقارير الطبية التي سبق وأن قدمها من ترشحوا سابقا للانتخابات في شهر مارس (آذار) الماضي، قبل وقفها وفقا لقرار من المحكمة الدستورية التي قضت بعدم دستورية إحدى مواد قانون الانتخاب آنذاك.
كما سلمت اللجنة العليا للانتخابات تصاريح متابعة الانتخابات البرلمانية لوسائل الإعلام المصرية والأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان والموظفين المشرفين على الانتخابات بالمحاكم واللجان الفرعية والعامة.
وأعلنت اللجنة برئاسة المستشار أيمن عباس، عن ضوابط المتابعة، والتي تضمنت السماح للمراقبين بدخول اللجان الفرعية والعامة، ومتابعة عمليات الاقتراع والفرز والجمع، إلى جانب ضوابط الحصول على البيانات. كما أشارت اللجنة إلى ضوابط الدعاية خلال العملية الانتخابية.
من جانبه، أوضح اللواء عادل لبيب، وزير التنمية المحلية المصري، أن قطاع التفتيش والرقابة بالوزارة جرى تكليفه بتفقد محافظات المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية، والتي تشمل الجيزة والفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط وأسوان والوادي الجديد وسوهاج وقنا والأقصر والبحر الأحمر والإسكندرية والبحيرة ومطروح، وذلك للتأكد من استعدادها للانتخابات المقررة يومي 17 و18 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وتجهيز المراكز الانتخابية التي سيتم اختيارها بالتنسيق مع اللجنة العليا للانتخابات.
وأشارت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك خططا خاصة بتأمين العملية الانتخابية في كافة محاور الدولة المصرية، وتشمل تعزيزات خاصة في عدد من المناطق الساخنة.
وعلى صعيد القوى السياسية، شهدت الأروقة السياسية في مصر حراكا كبيرا أمس لكل القوى السياسية والحزبية من أجل التنسيقات النهائية للانتخابات البرلمانية. وأكدت مصادر حزبية أن أغلب التيارات والتحالفات عكفت طوال يوم أمس على وضع قوائمها النهائية، بعد أن تغيرت هذه القوائم بالحذف والإضافة عقب تأجيل الانتخابات في شهر مارس الماضي.
وأكد الدكتور محمد غنيم، رئيس تحالف الجبهة الوطنية، أن توقيت إجراء انتخابات مجلس النواب جاء في الوقت المناسب، وأثبت حرص الدولة على إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها، لافتا إلى أن الجبهة ومرشحيها جاهزون تماما للانتخابات البرلمانية. مشيرا إلى أن التحالف يستقبل أسماء المرشحين على مقاعد الفردي، وهناك اجتماعات تعقد بشكل دوري لحسم أسماء المقاعد الفردية، وقمنا بتقديم بأسماء المرشحين للقائمة إلى قائمة صحوة مصر.
كما أعلن حزب المؤتمر عن ارتياحه لإعلان خارطة الطريق الخاصة بالانتخابات النيابية قبل انقضاء العام، كما وعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من قبل وأكد على ذلك عدة مرات.
وقال رئيس الحزب عمر المختار صميدة إن «تحديد الجدول الزمني للانتخابات رسالة مفادها أن مصر تسير في الطريق الصحيح وتستكمل باقي مؤسسات الدولة، وتؤكد أن ثقة الشعب في الرئيس السيسي في موضعها وأن الرئيس حريص على دفع البلاد للأمام».
وشدد صميدة على وضع ضوابط حاكمة وواضحة توازن بين المرشحين لخروج الانتخابات في أفضل صورة، مطالبا الجميع باحترام القانون. ومشيرا إلى أن الحزب جاهز بمرشحيه، حيث سيخوض الانتخابات علي المقاعد الفردية بـ150 مرشحا في مختلف محافظات مصر وسوف يعلن في وقت لاحق جميع أسماء مرشحيه.
من جهته، أكد حزب المحافظين برئاسة المهندس أكمل قرطام، أن لجنة انتخابات الحزب في انعقاد دائم حتى موعد إجراء الانتخابات. مشيرا في بيان له إلى أن اللجنة بدأت في تجهيز أوراق مرشحيها على المقاعد الفردية والقائمة، تمهيدا لتقديم أوراقهم إلى اللجنة العليا للانتخابات. بينما قال المهندس محمد أمين، المتحدث الرسمي لحزب المحافظين، إن «البرنامج الانتخابي تم الانتهاء منه وسيتم عرضه في أقرب اجتماع للهيئة العليا، قبل بدء الحملة الانتخابية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.