ألمانيا تكافح لإيواء جحافل اللاجئين

ثكنات عسكرية قديمة وملاعب وحاويات الشحن تحولت لمساكن

ناشطون في الحزب القومي الديمقراطي اليميني يتظاهرون ضد سياسة اللجوء الألمانية في مدينة أيسناخ أمس (إ.ب.أ)
ناشطون في الحزب القومي الديمقراطي اليميني يتظاهرون ضد سياسة اللجوء الألمانية في مدينة أيسناخ أمس (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا تكافح لإيواء جحافل اللاجئين

ناشطون في الحزب القومي الديمقراطي اليميني يتظاهرون ضد سياسة اللجوء الألمانية في مدينة أيسناخ أمس (إ.ب.أ)
ناشطون في الحزب القومي الديمقراطي اليميني يتظاهرون ضد سياسة اللجوء الألمانية في مدينة أيسناخ أمس (إ.ب.أ)

قضت ليلى البالغة من عمرها 23 عامًا، برفقة زوجها وطفليها الصغيرين أسبوعهما الأول في ألمانيا داخل مأوى مؤقت، وهو ملاذ متواضع للغاية، ولكن الحاجة إليه ملحَّة عقب رحلة موجعة من سوريا بدأت عندما وجهت الأوامر لزوجها بالقتال لصالح القوات الحكومية هناك.
من بين 800 ألف طالب للجوء السياسي يُتوقع مجيؤهم إلى ألمانيا هذا العام، نحو أربعة أضعاف الرقم المسجل العام الماضي، تقاسمت ليلى مع عائلتها غرفة صغيرة مبنية في ملعب للتنس مغطى في وسط مدينة برلين، خلال الأسبوع الأول في البلاد الذي بدأ في أغسطس (آب)، وهي غرفة مؤثثة بثلاثة أسرّة من طابقين، وطاولة صغيرة وخزانة صغيرة. وهم يتلقون ثلاثة وجبات في اليوم في الغرفة المشتركة بالمبنى الذي يضم 300 لاجئ غيرهم، وتوجد به دورات مياه مشتركة.
المكان متواضع جدا، وفقا للمعايير الأوروبية، لكنه يعتبر بداية جديدة بالنسبة إلى ليلى التي لا تستطيع نسيان مشاهد الجثث المتناثرة في شوارع مدينتها السابقة حلب. تقول ليلى، التي فضلت عدم نشر اسم عائلتها خشية الانتقام منهم في سوريا، لوكالة «أسوشييتد برس»: «كنا خائفين للغاية قبل أن نأتي إلى هنا، ولكننا نشعر الآن بالارتياح لحسن المعاملة هنا. كما أننا نشعر بالأمان فعلا».
دفعت الزيادة الكبيرة في أعداد المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا من سوريا وأفغانستان والعراق وإريتريا ودول أخرى خلال هذا العام بالدول الأوروبية إلى الهرولة لإيجاد مساكن إيواء (المؤقتة منها لأولئك الذين ينتظرون نتائج طلبات اللجوء، والدائمة لأولئك المسموح لهم بالإقامة. وتقول السلطات الألمانية إنه لديهم 45 ألف مكان شاغر في المساكن المؤقتة الخاصة بطلبات اللجوء السياسي، ويستثنى منها المخيمات التي أقيمت على وجه السرعة، ولكنهم في حاجة إلى إيجاد ما لا يقل عن 150 ألف مكان آخر.
وتواجه الكثير من الدول الأوروبية المشكلة نفسه، ولكن ليس أكبر من ألمانيا بحال، حيث تجتذب الدولة صاحبة أغنى اقتصاد في أوروبا 43 في المائة من إجمالي طلبات اللجوء البالغة 400 ألف طلب خلال النصف الأول من العام الحالي، وهي نسبة أكبر مرتين من الفترة نفسها في عام 2014.
وكان من المفترض إغلاق ملعب التنس المغطى الذي تعيش فيه ليلى مع عائلتها الصغيرة في مايو (أيار)، لكن السلطات أبقت عليه مفتوحا للمساعدة في التعامل مع طوفان اللاجئين القادمين. يجري تمويل الملعب المغطى من المدينة، ويدار بواسطة إرسالية مدينة برلين، وهي منظمة مسيحية غير ربحية، ويعمل فيها عدد كبير من المتطوعين.
في أماكن أخرى من برلين، تحولت حاويات الشحن المحمولة إلى أكوام صغيرة من الشقق التي تتسع لعدد 2400 لاجئ موزعين حول المدينة. وفي إحدى قرى الحاويات في جنوب غربي برلين، التي افتتحت أخيرا، توفر الحاويات الملونة بألوان زاهية المساحة المريحة لعدد 300 لاجئ. فهي تضم غرفًا منفردة بمطابخ ودورات مياه مشتركة في كل طابق، فضلا عن شقق صغيرة للعائلات، وأماكن لإقامة ذوي الاحتياجات الخاصة.
في المشروعات الحكومية وغير الحكومية حول البلاد، تتحول الثكنات العسكرية السابقة إلى مساكن للإيواء، ويجري تجديد منازل الممرضات غير المستغلة، ويتم نصب الخيام الصغيرة حتى داخل المدن. ولقد ضاعفت حكومة المستشارة أنجيلا ميركل المساعدات المالية المتاحة للسلطات المحلية إلى مليار يورو (112 مليار دولار)، كما دعت لاجتماع مع قادة الدولة في سبتمبر (أيلول) لمناقشة موقف اللاجئين عن كثب.
بعض المواطنين الألمان تدخلوا في حل المشكلة بجهود شخصية. فخلال العام الماضي، قررت جوناس كاكوشي مع زميلتها في السكن إيواء أحد اللاجئين في منزلها أثناء غيابها عن البلاد لمدة ستة شهور.
ساعدت كاكوشي اللاجئ، وهو رجل من السنغال، في تعلم اللغة الألمانية، واستيفاء أوراقه الخاصة، والعثور على شقة خاصة له في نهاية الأمر. والآن، ومع مشروع «مرحبا باللاجئين» عبر الإنترنت الذي أطلقته كاكوشي مع زميلتها، تمكنتا من العثور على أماكن خاصة للوافدين الجدد من اللاجئين، عن طريق مطابقة الأعمار، والمهارات اللغوية، وغير ذلك من المعايير.
تقول كاكوشي عن ذلك: «يقول العديد من اللاجئين إنهم ليس لديهم اتصالات مباشرة مع السكان المحليين، وإن مشروعنا يساعدهم في تجاوز ذلك». وأضافت أنها تمكنت في شهر يوليو (تموز) من إيجاد أماكن لعدد 64 لاجئًا في مختلف أرجاء ألمانيا و34 لاجئًا في النمسا في شقق خاصة. كما أن هناك تقارير حول أناس في مختلف أنحاء ألمانيا ممن استقبلوا لاجئين في منازلهم، ولكن من غير المعلوم أعدادهم تحديدا.
حتى في ظل مزيج من الجهود الحكومية، والمنظمات غير الحكومية، والجمعيات الشعبية، لا تزال المستشارة ميركل تنظر إلى وضع المهاجرين في ألمانيا بأنه «غير مرضٍ للغاية». وقالت: «كل شخص يأتي إلينا هو إنسان وله الحق في المعاملة الإنسانية الكريمة».
في برلين، التي تتوقع أن تتلقى 35 ألف لاجئ هذا العام - وهو ثلاثة أضعاف الرقم المسجل في 2014 - يقول العمدة مايكل مويللر إن النظام في حاجة إلى الانسيابية السريعة لفصل أولئك المرجح السماح لهم بالإقامة لمدة طويلة وأولئك غير المسموح لهم بذلك، مضيفا: «نحتاج إلى سرعة عالية في الإجراءات حتى يمكننا معرفة من لديه الفرصة للحصول على الإقامة هنا في أقرب وقت ممكن».
ومما يضيف إلى التحديات ارتفاع وتيرة أعمال العنف ضد الأجانب، وخصوصا في مدن ألمانيا الشرقية السابقة. فقبل أسبوع في هايدناو، وهي بلدة بالقرب من دريسدن عاصمة إقليم ساكسونيا في ألمانيا الشرقية، قام حشد من المتطرفين القوميين اليمينيين بإلقاء الزجاجات والألعاب النارية على الشرطة التي كانت تحمي ملجأً مؤقتًا أقيم لصالح 600 لاجئ. ولقد وصفت السيدة ميركل التي زارت البلدة يوم الأربعاء الماضي بأنها «شائنة ومثيرة للاشمئزاز».
وفي بلدة ميسين القريبة، تعرض منزل لاجئين للحريق منذ شهرين، قبل أيام من افتتاحه لاستقبال 32 من طالبي اللجوء السياسي. وفي مدينة رايخرتشوفن في إقليم بافاريا، تعرض منزل يضم 67 لاجئا للحرق الشهر الماضي، قبل انتقال اللاجئين السياسيين إليه.
بوجه عام، وخلال النصف الأول من هذا العام، تم الإبلاغ عن 202 حالة اعتداء ضد الأجانب في ألمانيا، أكثر مما كان عليه الوضع في عام 2014. واضطرت السلطات إثر ذلك لاتخاذ تدابير إضافية، حتى في أماكن مثل برلين، التي لم تشهد أي حوادث كبيرة من هذا النوع.
ويقول ديتليف كاودجيدسكي، المسؤول عن إدارة تشييد أحد المباني السكنية للاجئين في جنوب غربي برلين: «لم تشهد قرية الحاويات لدينا أي هجمات، ورغم ذلك فنحن قلقون للغاية. وذلك هو السبب وراء وجود الخدمات الأمنية في الموقع منذ أن بدأنا العمل في المشروع».
بدورها، انتقدت نورا بريغر، الخبيرة لدى مجلس برلين للاجئين، وهي جمعية غير ربحية لدعم اللاجئين، حلول الإسكان المؤقت، واعتبرتها قصيرة النظر، وقالت إنها تكلف المدينة ما يقرب من 25 يورو (28 دولارًا) في اليوم لإسكان اللاجئين في قرى الحاويات أو الملاجئ. ودافعت أن تلك الأموال يمكن استخدامها في سداد ثمن الشقق التي قد تساعد الناس على الاندماج في المجتمع بصورة أفضل، فضلا عن أن يشعروا بمزيد من الارتياح.
في الملجأ الذي تعيش فيه ليلى، يبذل المتطوعون قصارى جهدهم ليشعروا اللاجئين وكأنهم في بيتهم. ويبدو المبنى وكأنه بيت للشباب مع مكتب للاستقبال، ومقصف، وصالة للطعام. وتتاح هناك الفعاليات الثقافية، وورش العمل، وحتى دور الحضانة للأطفال بالنسبة لأولئك الباقين لفترات طويلة. هناك أكثر من 950 شخصًا يعملون متطوعين في ذلك المبنى منذ افتتاحه في نوفمبر (تشرين الثاني)، ويقدمون المشورة النفسية، والرعاية الطبية، والمساعدات العامة.
ويقول يواكيم لينز، مدير إرسالية مدينة برلين «إننا لا نفتح لهم الأبواب فحسب، بل نوفر لهم الإقامة والإعاشة الكريمة كذلك».
أما ليلى فتقر بأن عائلتها في سوريا ليس لديهم غاز أو كهرباء والقليل من الطعام الذي يكفي بالكاد للبقاء على قيد الحياة لطفلها البالغ من العمر عامين ونصف العام، وابنتها التي لم تبلغ نصف عامها الأول. وهي الآن تشغل نفسها بالتفكير في المستقبل، حول إدخال أطفالها في الحضانة، ثم التعليم الجيد، والوظائف المجزية في نهاية المطاف. وتضيف: «ليس هناك مكان أفضل من الوطن، ولكن ألمانيا أكثر أمنا بالنسبة لنا الآن. نريد لأطفالنا أن يعيشوا حياة طبيعية، وأن يتمتعوا بطفولتهم مثل أطفال أي شخص آخر».



ماذا نعرف عن الصاروخ «أوريشنيك» الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا؟

TT

ماذا نعرف عن الصاروخ «أوريشنيك» الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا؟

صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)
صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)

أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، بإطلاق بلاده صاروخاً جديداً فرط صوتي على مصنع أسلحة أوكراني. وهذا السلاح، غير المعروف حتى الآن، استخدمته روسيا للمرة الأولى ضد أوكرانيا ولتحذير الغرب.

فيما يلي ما نعرفه عن هذا الصاروخ التجريبي الذي أُطلق عليه اسم «أوريشنيك»:

آلاف الكيلومترات

حتى استخدامه يوم الخميس، لم يكن هذا السلاح الجديد معروفاً. ووصفه بوتين بأنه صاروخ باليستي «متوسط المدى»، يمكنه بالتالي بلوغ أهداف يتراوح مداها بين 3000 و5500 كيلومتر، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

صاروخ «يارس» الباليستي الروسي قبل إطلاقه (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

وحسب الرئيس الروسي، فإن إطلاق الصاروخ كان بمثابة تجربة في الظروف القتالية؛ مما يعني أن هذا السلاح لا يزال قيد التطوير. ولم يعطِ أي إشارة إلى عدد الأنظمة الموجودة، لكنه هدّد بإعادة استخدامه.

تبلغ المسافة بين منطقة أستراخان الروسية التي أُطلق منها صاروخ «أوريشنيك»، الخميس، حسب كييف، ومصنع تصنيع الأقمار الاصطناعية بيفدينماش الذي أصابه الصاروخ في دنيبرو (وسط شرق أوكرانيا)، تقريباً 1000 كيلومتر.

وإذا كان لا يدخل ضمن فئة الصواريخ العابرة للقارات (التي يزيد مداها على 5500 كيلومتر) يمكن لـ«أوريشنيك» إذا أُطلق من الشرق الأقصى الروسي نظرياً أن يضرب أهدافاً على الساحل الغربي للولايات المتحدة.

وقال الباحث في معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح (Unidir) في جنيف، بافيل بودفيغ، في مقابلة مع وسيلة الإعلام «أوستوروزنو نوفوستي»، إن «(أوريشنيك) يمكنه (أيضاً) أن يهدّد أوروبا بأكملها تقريباً».

وحتى عام 2019 لم يكن بوسع روسيا والولايات المتحدة نشر مثل هذه الصواريخ بموجب معاهدة القوى النووية متوسطة المدى الموقّعة في عام 1987 خلال الحرب الباردة.

لكن في عام 2019 سحب دونالد ترمب واشنطن من هذا النص، متهماً موسكو بانتهاكه؛ مما فتح الطريق أمام سباق تسلح جديد.

3 كلم في الثانية

أوضحت نائبة المتحدث باسم «البنتاغون»، سابرينا سينغ، للصحافة، الخميس، أن «(أوريشنيك) يعتمد على النموذج الروسي للصاروخ الباليستي العابر للقارات RS - 26 Roubej» (المشتق نفسه من RS - 24 Yars).

وقال الخبير العسكري إيان ماتفييف، على تطبيق «تلغرام»، إن «هذا النظام مكلف كثيراً، ولا يتم إنتاجه بكميات كبيرة»، مؤكداً أن الصاروخ يمكن أن يحمل شحنة متفجرة تزن «عدة أطنان».

في عام 2018، تم تجميد برنامج التسليح «RS - 26 Roubej»، الذي يعود أول اختبار ناجح له إلى عام 2012، حسب وكالة «تاس» الحكومية، بسبب عدم توفر الوسائل اللازمة لتنفيذ هذا المشروع «بالتزامن» مع تطوير الجيل الجديد من أنظمة «Avangard» التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ويُفترض أنها قادرة على الوصول إلى هدف في أي مكان في العالم تقريباً.

صاروخ «يارس» الباليستي الروسي على متن شاحنة مدولبة (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

حسب بوتين فإن الصاروخ «أوريشنيك» «في تكوينه غير النووي الذي تفوق سرعته سرعة الصوت» يمكن أن تصل سرعته إلى 10 ماخ، «أو 2.5 إلى 3 كيلومترات في الثانية» (نحو 12350 كلم في الساعة). وأضاف: «لا توجد أي طريقة اليوم للتصدي لمثل هذه الأسلحة».

عدة رؤوس

أخيراً، سيتم تجهيز «أوريشنيك» أيضاً بشحنات قابلة للمناورة في الهواء؛ مما يزيد من صعوبة اعتراضه.

وشدد بوتين على أن «أنظمة الدفاع الجوي المتوفرة حالياً في العالم، وأنظمة الدفاع الصاروخي التي نصبها الأميركيون في أوروبا، لا تعترض هذه الصواريخ. هذا مستبعد».

وأظهر مقطع فيديو للإطلاق الروسي نُشر على شبكات التواصل الاجتماعي، ست ومضات قوية متتالية تسقط من السماء وقت الهجوم، في إشارة -حسب الخبراء- إلى أن الصاروخ يحمل ست شحنات على الأقل. يقوم هذا على تجهيز صاروخ بعدة رؤوس حربية، نووية أو تقليدية، يتبع كل منها مساراً مستقلاً عند دخوله الغلاف الجوي.