السيستاني: الطبقة السياسية فشلت في إدارة العراق بشكل صحيح

حذر من «خطر جسيم» بسبب الأوضاع المزرية في البلاد

السيستاني: الطبقة السياسية فشلت في إدارة العراق بشكل صحيح
TT

السيستاني: الطبقة السياسية فشلت في إدارة العراق بشكل صحيح

السيستاني: الطبقة السياسية فشلت في إدارة العراق بشكل صحيح

بررت المرجعية الشيعية العليا في النجف تدخلها ضد الفساد ودعم رئيس الوزراء حيدر العبادي في مكافحته بما وصل إليه العراق من «أوضاع مزرية» جراء فشل الطبقة السياسية في إدارة البلد بصورة صحيحة.
وتشكل مواقف المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني والمطالب الشعبية غطاء لرئيس الوزراء للمضي في الإصلاح في مواجهة خصومه، إلا أنها قد لا تكفي لتخطي تعقيدات المشهد السياسي العراقي والطبيعة المتجذرة للفساد.
ويقول السيستاني: «كانت المرجعية تأمل أن تقوم الطبقة السياسية التي وصلت إلى السلطة عبر صناديق الانتخاب بإدارة البلد بصورة صحيحة، ولا تحدث مشكلات كبيرة بحيث تضطر المرجعية إلى التدخل»، بحسب رد من مكتبه على أسئلة وجهتها وكالة الصحافة الفرنسية. ويضيف المرجع: «ولكن - للأسف الشديد - جرت الأمور بغير ذلك، وقد تسبب سوء الإدارة - بالإضافة إلى عوامل داخلية وخارجية أخرى - في الوصول بالبلد إلى هذه الأوضاع المزرية التي تنذر بخطر جسيم». ويوضح أنه بعدما «نفد صبر كثير من العراقيين واحتجوا على سوء أوضاع البلاد»، وجدت المرجعية أن «الوقت موات للدفع قويا بهذا الاتجاه»، وأكدت «ضرورة الإسراع في الخطوات الإصلاحية وتحقيق العدالة الاجتماعية».
وبعد انطلاق المظاهرات للمطالبة بمكافحة الفساد وتحسين الخدمات وسط درجات حرارة فاقت الخمسين، حض السيستاني العبادي في 7 أغسطس (آب) على أن يكون أكثر جرأة ضد الفساد. وسارعت الحكومة بعد يومين إلى اقتراح إجراءات أقرها البرلمان وأرفقها باقتراحات إضافية. وكرر السيستاني بعد ذلك المطالبة بإصلاحات، لا سيما في القضاء.
وفي دلالة على خطر الفساد على مستقبل العراق، حذر المرجع الشيعي من «تقسيم» البلاد بغياب «إصلاح حقيقي»، مؤكدا أن الفساد ساهم في سقوط مناطق من البلاد بيد تنظيم داعش في يونيو (حزيران) 2014.
ويأتي الحراك الإصلاحي وسط مرحلة من المراحل الأكثر دقة في تاريخ العراق الحديث، إذ تخوض قواته معارك مكلفة على جبهات عدة ضد الجهاديين، تزامنا مع انخفاض مدخوله المالي بشكل حاد جراء تدهور أسعار النفط.
ويرى الباحث في معهد «شاتام هاوس» حيدر الخوئي أن «السيستاني لا يحب الانخراط في السياسة لأنه يؤمن بأن رجال الدين يجب أن يلتزموا بتوفير التوجيه والقيادة الروحية»، إلا أنه يتدخل «بتردد عندما يتعلق الأمر بقضايا استراتيجية كبرى فقط». ويضيف: «يشعر بأن لديه واجب التحرك لإعادة العراق من شفير الهاوية».
ونادرا ما يعلن السيستاني مواقف سياسية مباشرة، إلا أن نداءاته تلقى صدى لدى ملايين العراقيين. ومن أبرز هذه المواقف، فتوى «الجهاد الكفائي» بعد هجوم تنظيم داعش، التي تجاوب معها عشرات الآلاف من العراقيين الذين حملوا السلاح وانضموا للقتال ضد المتطرفين.
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري أن «الأوضاع المأساوية الأخيرة» دفعت السيستاني إلى التدخل «بشكل مباشر»، بعدما أدرك أن القوى السياسية «لا تستطيع أن تنتج مخارج أو حتى حلولا لطبيعة الأزمات السياسية المتراكمة (...) وأخفقت في تقديم الخدمات بشكل كبير».
وبدأ العبادي خلال الأسبوعين الماضيين بالإعلان تدريجيا عن تطبيق خطوات إصلاحية، شملت تقليص عدد المناصب الوزارية إلى الثلثين، وتخفيض أعداد أفراد حماية الشخصيات وإصلاح الرواتب. وتتضمن الإصلاحات المقترحة إجراءات أكثر جذرية، أهمها إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية التي يشغلها سياسيون بارزون هم نوري والمالكي وإياد علاوي (شيعيان) وأسامة النجيفي (سني).
ويرجح محللون أن يصطدم العبادي بمعوقات في حال مضيه نحو إصلاحات جذرية، لا سيما أن معظم سياسيي العراق ذي التركيبة المذهبية المعقدة، استفادوا من الفساد لتحقيق النفوذ والثراء.
ويرى فنار حداد، الباحث في معهد الشرق الأوسط بالجامعة الوطنية في سنغافورة، أن «تغيير ثقافة فساد متجذرة إلى هذا الحد كما الحال في العراق ليس فقط خطوة طموحة، بل مسار طويل المدى». ويضيف: «يمكننا أن نتوقع رؤية خطوات رمزية إضافية (...) لكن الرهان ليس لصالح حصول أي تغيير جذري في المدى القصير».
ويعتبر الخوئي أن من أكبر العقبات التي ستواجه أي «تغيير كبير» ستكون من الأحزاب، «ومنها حزب الدعوة الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء، التي كانت المستفيد الأكبر من الفساد الممنهج الذي ابتليت به البلاد». وأضاف أن «التغيير الحقيقي سيعتمد على مدى قوة العبادي في الدفع باتجاهه على حساب خصومه وشركائه وحزبه السياسي». ويعد حزب الدعوة من أبرز الأحزاب الشيعية، وينتمي إليه العبادي والمالكي الذي تولى رئاسة الحكومة بين 2006 و2014.
وحمل السيستاني المسؤولين الذين حكموا البلاد منذ سقوط النظام الأسبق عام 2003، مسؤولية الأوضاع لأنهم «لم يراعوا المصالح العامة للشعب العراقي، بل اهتموا بمصالحهم الشخصية والفئوية والطائفية والعرقية».
وتشكل مواقف السيستاني (85 عاما)، بكلمته المسموعة في العراق لا سيما في الأوساط الشيعية، عائقا أمام أي معارضة علنية من القوى السياسية. ويوضح الشمري أن المرجعية هي «الأداة الفاعلة بالنسبة إلى العبادي لمواجهة خصومه السياسيين لأن القوى الشيعية لا تستطيع أن تعارض رغبات السيستاني بشكل علني (...) لأن ذلك يعد انتحارا سياسيا لها». رغم ذلك، يرى أن العبادي لا يزال «يتردد لأنه يدرك أن (...) الوضع السياسي معقد جدا في العراق».
وقد يتحول دفع السيستاني إلى سيف ذي حدين، ففي حال لم يتمكن العبادي من مجاراته، قد يؤدي ذلك إلى رفع الغطاء عنه وإنهاء مسيرته. وكان السيستاني حسم العام الماضي النقاش حول ترشح المالكي لولاية ثالثة، بدعوته إلى «التغيير»، في رسالة واضحة له بالتنحي.
ويقول الشمري: «إذا كانت هناك إشارة واحدة من المرجعية (...) بأنه (العبادي) عجز عن المضي بالإصلاحات، فسيكون إيذانا بتقديم استقالته».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.