الرواية في العالم.. من روبنسون كروزو حتى نهاية القرن العشرين

مجلد ضخم بألف ومائتي صفحة يتتبع تاريخها وانعطافاتها

جيمس جويس  -   دي. إتش. لورنس
جيمس جويس - دي. إتش. لورنس
TT

الرواية في العالم.. من روبنسون كروزو حتى نهاية القرن العشرين

جيمس جويس  -   دي. إتش. لورنس
جيمس جويس - دي. إتش. لورنس

مجلد ضخم في قرابة ألف ومائتي صفحة من القطع الكبير صدر عن مطبعة جامعة هارفارد خلال العام الماضي يتتبع تاريخ الرواية في الأدب الإنجليزي مع ربطها بآداب أخرى تحت عنوان «سيرة الرواية»، والكتاب من تأليف الناقد الإنجليزي مايكل شميت، أستاذ الشعر بجامعة غلاسغو الاسكتلندية.
رقعة واسعة يغطيها هذا المجلد: فهو يغطي أعمالا صادرة في المملكة المتحدة وآيرلندا وأميركا وكندا وأستراليا والهند وبحر الكاريبي وجنوب أفريقيا. والرواية الإنجليزية أشبه بمنظر طبيعي رحيب يعكس مؤثرات من فرنسا وروسيا وألمانيا وإسبانيا وغيرها. وهي لا تسير في خط واحد منتظم وإنما تمر، عبر العصور، بانعطافات ودورات تجعل منها نسيجا متداخل الخيوط، متعدد الجدائل.
آثر مايكل شميت – وأظنه في هذا على صواب – ألا يركز اهتمامه على أقوال النقاد والأكاديميين وإنما على كتابات الروائيين الممارسين عن فنهم، فهم به أخبر، وأهل مكة أدرى بشعابها، وليس من اكتوت يداه بنار الإبداع (ومتعته) كمن يقف محايدا على الشط البعيد. إنه يرجع هنا إلى رسائل الروائيين المبدعين – رجالا ونساء، ويومياتهم ومقالاتهم وسير حياتهم لكي يوقفنا على الحوار الخلاق بين الكتاب والكتب، بين المبدع والمتلقي، بين اللحظة الزمنية والواقع المكاني. فن الرواية، عند شميت، بطبيعته فن ثوري، بمعنى أنه يخلخل القيم التقليدية السائدة، وإنه قوة تحريرية تطلق عنان الخيال وتفتح الباب لإمكانات المستقبل. على أن الروايات لا تعيش في المحل الأول بفضل موضوعاتها أو أفكارها فهذه، على أهميتها، يمكن أن يتجاوزها الزمن، وإنما تعيش أساسا بفضل استخدام كتابها للغة، وقدرتهم على الابتكار، وتجاوزهم للكلشيهات التقليدية. هذه الأمور هي ما يجعلنا نرجع اليوم إلى صفحات كتبت من قرن أو قرون بمتعة متجددة.
يطرح شميت في مطلع كتابه عددا من الأسئلة: ما أصول الرواية أو جذورها؟ لماذا بدأت بطابع أخلاقي صارم (كما في رواية جون بنيان «رحلة الحاج» في القرن السابع عشر) ثم جنحت تدريجيا إلى التحرر الأخلاقي بصورة كاملة؟ وهو يبدأ رحلته بكتاب أسفار جون ما ندفيل (القرن الرابع عشر) الذي يغلب عليه الطابع القصصي، ويصل حتى عام 2000. ويقول شميت إنه لا يعتنق نظرية بعينها في فن الرواية، وإنما وضع كتابه بروح يحدوها حب الاستطلاع والرغبة في الاكتشاف.
والتعريف الذي يقدمه شميت للرواية هو أنها: سرد قصصي، يكون نثريا عادة ولكن ليس دائما. ومن المحقق أنه أطول من القصة القصيرة، فهو يتضمن (مرة أخرى عادة وليس دائما) أكثر من 25 ألف كلمة، ويتضمن عناصر تخيلية ابتكارية تقدم شخصيات أو أفرادا «أو أصواتا» في علاقات متفاعلة فيما بينها، وتصور عوالمهم باللغة المناسبة.
من علامات الطريق التي يتوقف عندها شميت في تاريخ الرواية الإنجليزية رواية دانييل ديفو (1660 – 1731) «روبنسون كروسو» (1719) المروية بضمير المتكلم والتي رسّخت لفترة طويلة تالية صورة الرجل الأبيض. (كروسو) بوصفه سيدا للرجل الأفريقي فرايداي (معنى اسمه: جمعة، وقد سماه كروسو كذلك لأنه أنقذه من أيدي أكلة لحوم بشر أفارقة همج في يوم جمعة، ثم اتخذه خادما «مطيعا» له). إن كروسو يصمم (غير ملق بالا إلى نصائح أبيه وتوسلات أمه) على أن يركب متن الأمواج بحثا عن المغامرة.
تحمل الرواية عنوانًا طويلا نصه: «حياة روبنسون كروسو»، من مدينة يورك، البحّار ومغامراته الغريبة المدهشة: وهو الذي عاش ثمانية وعشرين عاما «وحيدا» تماما على جزيرة غير مأهولة على شاطئ أميركا قرب مصب نهر أورنوك العظيم، وقد رمى به تحطم سفينته إلى الشاطئ، وفني كل من معه إلا هو، مع بيان كيف أنه، في النهاية، وعلى نحو لا يقل غرابة، أنقذه قراصنة. نحن نراه يبني لنفسه مأوى، ويجمع الطعام، ويربي أغناما، و«يصنع قاربا» وأواني للطهو، متغلبا على العقبات المادية والمعنوية التي تعترضه.
كان القرن التاسع عشر هو عصر الرواية في إنجلترا كما في فرنسا وروسيا. وأعظم روائيي ذلك القرن هو تشارلز ديكنز (1812 – 1870) صاحب «ديفيد كوبرفيلد» (1850) وغيرها. تشتمل هذه الرواية على عناصر سيرة ذاتية كثيرة، وتعكس خبرات مؤلفها السارة والمكدرة على السواء (فشخصية مستر ميكوبر، المتفائل «دائما» رغم كل المشاكل، مستوحاة من شخصية والد ديكنز الذي سجن لعجزه عن سداد ما تراكم عليه من ديون. وقد اضطر ديكنز – حين كان في الثانية عشرة من عمره – إلى أن يعمل في لندن لمدة أربعة أشهر، ملصقا البطاقات على زجاجات تلميع الأحذية في مصنع بأجر قدره ستة شلنات في الأسبوع، وكانت هذه الخبرة الباكرة من أكثر الخبرات المؤلمة في حياته).
وحين نصل إلى القرن العشرين نلتقي بروائيين مهمين مثل جويس ولورنس وهكسلي وفورستر وفرجينيا وولف. يتوقف شميت عند رواية د.هـ.لورنس (1885 – 1930) «نساء عاشقات» (1920) التي بدأ يكتبها في مقاطعة كورنول في ربيع وصيف 1916 وكانت خامس رواياته وأعظمها. وقد حاول البعض حجبها عن النشر لأجوائها الجنسية، ولكن الناشر مارتن سيكر اتخذ موقفا «صلبا» في الدفاع عنها، ومن ثم لم تمنع قط من التداول.
كذلك يتحدث شميت عن رواية جيمس جويس (1882 – 1940) «صورة فنان شاب» (1916) التي تعد تطويرا لرواية باكرة له هي «ستيفن بطلا». صدرت الرواية في نيويورك، وسبق ذلك نشرها منجمة في مجلة «ذي ايجوست» (1914 – 1915)، بطل الرواية ستفن ديدالوس (الذي يحمل ملامح من جويس ذاته) يخوض غمار عدة تجارب في مراحل الطفولة والصبا والمراهقة والشباب في بيئة آيرلندية كاثوليكية متزمتة. ويثور عليها في النهاية لكي يغدو فنانا متفتح الوجدان للإبداع والانطلاق روحيا و«عقليا» و«جسديا»، وأسلحته في هذا النضال – على حد قوله – هي «الصمت والمنفى والدهاء».
إن كتاب شميت – الذي ترفده ثقافة عريضة ومعايشة طويلة لفن الرواية – يمتاز بأنه يربط بين الرواية وأجناس أدبية أخرى كالشعر والدراما. كما أنه لا ينحصر في نطاق لغة بعينها – وإن كان موضوعه هو الرواية الإنجليزية – وإنما يتلمس تجليات الإبداع الروائي أينما وجد. وهذه الرؤية الشاملة من أحوج ما نحتاج إليه في عصر العولمة لأنها تأكيد للوحدة الإنسانية (متجلية في الأدب) وتجسيد للروابط الفكرية والشعورية بين بني البشر.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».