مغامرة تبدأ من العراق إلى اليونان وتنتهي في ألمانيا

أخطر مراحلها عبور بحر إيجه إلى سواحل أوروبا

الشاب العراقي شاهين العبيدي في إحدى محطات قطارات برلين (أ.ف.ب)
الشاب العراقي شاهين العبيدي في إحدى محطات قطارات برلين (أ.ف.ب)
TT

مغامرة تبدأ من العراق إلى اليونان وتنتهي في ألمانيا

الشاب العراقي شاهين العبيدي في إحدى محطات قطارات برلين (أ.ف.ب)
الشاب العراقي شاهين العبيدي في إحدى محطات قطارات برلين (أ.ف.ب)

يواجه الشاب العراقي شاهين البالغ من العمر 21 عاما صعوبة في تذكر البلدان التي اجتازها في رحلته الطويلة جدا قبل أن يصل في نهاية المطاف إلى ألمانيا آملا العيش بسلام وأمان.
هل عبر صربيا أو ألمانيا بعد اليونان؟ أو بلغاريا على الأرجح؟ لا تعني له كثيرا في الواقع البلدان التي اجتازها. فإلى ألمانيا الوجهة الأولى لطالبي اللجوء في أوروبا، أراد هذا الشاب العراقي أن يذهب. ويقول بمزاح رافعا إبهامه علامة الفوز: «ألمانيا هي البلد الأول».. حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وعلى غرار شاهين العبيدي الذي غادر قبل سنة بالضبط مسقط رأسه مدينة الموصل التي سقطت تحت نير تنظيم داعش، يطرق مئات آلاف المهاجرين باب ألمانيا. ومن المتوقع أن يرتفع عددهم إلى 800 ألف هذه السنة ليشكلوا بذلك رقما قياسيا غير مسبوق يتخطى توقعات السلطات الألمانية.
ويرسم هذا الشاب الذي يعتمر قبعة ويضع في أذنيه سماعة موسيقى على طريقة مغني راب أميركي، على وجهه ابتسامة فوق كوب القهوة بالحليب الذي يحمله، لدى جلوسه على شرفة مقهى قريب من ممر مائي في برلين.
ومع شقيقه الذي يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ووالده (54 عاما)، يتجول في أرجاء مركز لطالبي اللجوء، منتظرا كما يأمل الحصول على الأوراق التي ستتيح له استئناف دروسه «في اللغات الأجنبية والمعلوماتية».
وقال إن هذه «المسألة تستغرق وقتا طويلا. يقولون لنا الأولوية هي للاجئين السوريين». وفي هذه الأثناء ينصرف إلى تعلم اللغة الألمانية، وقد أحرز فيها تقدما سريعا.
ومع ذلك، يمرر في عباراته باللغة الإنجليزية كلمات بالألمانية مثل «أوسفايس» التي تعني أوراق الهوية، أو «غيدولد» التي تعني التحلي بالصبر في مركز طالبي اللجوء، لكن هذا الشاب المستعجل ليس قادرا على احتماله.
قبل سنة كان مشردا على الطرق، في مكان ما بين تركيا واليونان. وكان العبور بالسفينة للوصول إلى بوابة الاتحاد الأوروبي أكثر اللحظات خطورة في مغامرته. وترتسم على أمواج بحر إيجة ملامح المآسي اليومية للمهاجرين.
وقد حالف الحظ شاهين الذي قال: «يدفع أشخاص ألف دولار للعبور. دفعنا مبلغا يفوق الألف دولار بكثير لنحصل على ضمانة بأن تكون حمولة السفينة التي ستنقلنا أقل من حمولة السفن الأخرى». وأضاف: «كنا 50 أو 60 وليس أكثر في سفينة مخصصة لنقل 40».
وعائلته ميسورة، وقد دفع والده عشرات آلاف الدولارات بالإجمال لرحلة قام بها ثلاثة أشخاص من الموصل إلى ألمانيا. وقال: «دفعنا نصف المبلغ لدى انطلاقنا، والنصف الآخر لدى وصولنا». وتدبر المسألة مهرب كردي قبل مغادرة العراق.
وكان هاجسه الأول خلال الرحلة حماية هاتفه الجوال حتى يتمكن من طمأنة والدته التي بقيت في بغداد. وقال: «هذا تشرد عائلي وتمزق».. لكن الرحلة كانت محفوفة بالمخاطر في نظره.
وبعد اليونان، بدأت الأيام التي لا تنتهي على متن سيارة يقودها سائق يعمل لحساب المهربين. وقال شاهين: «كان صامتا، ويقود خلال الليل ولا يتوقف إلا صباحا» في الأرياف النائية. أما وجبات الطعام فكانت تتألف من البسكويت ورقائق البطاطا، ولا شيء آخر.
وفي إحدى محطات الرحلة بدول البلقان، أحس شاهين بشيء من الضياع. وقال: «كنت أعرف إلى أي بلد وصلت، لكني في أحد الأيام رأيت علما لا أعرفه».
وفي ألمانيا، أراد التوجه إلى مدينة هامبورغ الشهيرة بمرفئها في الشمال. وقال: «كنت أحلم بأن آتي إلى هذه المدينة في أحد الأيام سائحا لا لاجئا». ثم تحدث عن حياة على وقع الاعتداءات وعمليات الخطف والرعب الذي يبثه تنظيم داعش في العراق.
وقال: «في العراق، كان لا يمكنني ارتياد أماكن تؤمها أعداد كبيرة من الأشخاص. إنه أمر محفوف بالمخاطر». أما في الموصل، فكانت ساعات يومه تمضي على وقع الاتصالات الهاتفية، إلى والده ووالدته، ليقول فقط: «نعم، الأمور على ما يرام، وإننا وصلنا سالمين إلى المدرسة أو إلى الكلية».
وفي الحادية والعشرين من عمره، لم يعرف إلا الاضطرابات في بلاده، لذلك يقول: «أحلم بأن أعيش حياة يسودها الأمان والسلام».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.