البشير يعلن عفوًا سياسيًا مشروطًا ووقفًا لإطلاق النار.. والمعارضة ترفضه

اعتبرت الدعوة للحوار الوطني مجرد استهلاك سياسي

البشير يعلن عفوًا سياسيًا مشروطًا ووقفًا لإطلاق النار.. والمعارضة ترفضه
TT

البشير يعلن عفوًا سياسيًا مشروطًا ووقفًا لإطلاق النار.. والمعارضة ترفضه

البشير يعلن عفوًا سياسيًا مشروطًا ووقفًا لإطلاق النار.. والمعارضة ترفضه

وصفت أحزاب المعارضة السودانية الرئيسية إعلان الرئيس عمر البشير عن استعداده لوقف إطلاق النار لمدة شهرين، والعفو المشروط عن حاملي السلاح الراغبين في المشاركة في الحوار الوطني، بأنه دعوة لتسوية جزئية لاقتسام المناصب، ومحاولة لكسب الوقت، وشددت على موقفها الداعي لتوفير المناخ الملائم، واتخاذ إجراءات عملية تعزز الثقة لبدء حوار حقيقي، يهدف إلى معالجة جذور المشكلة السودانية.
وأوضح جبريل آدم، المتحدث باسم حركة العدل والمساواة الدارفورية، لـ«الشرق الأوسط» أن حديث الرئيس البشير عن العفو مجرد استهلاك سياسي، وأنه شخصيًا لا يلتزم بما يبرمه من وعود، وقال بهذا الخصوص: «نحن في حركة العدل والمساواة لدينا تجربة مريرة معه، فقد أصدر مرسومًا بإطلاق سراح أسرى الحركة منذ 2010 بعد توقيع اتفاق حسن النيات مع حكومته، وما زال الأشخاص الذين أصدر مرسومًا يقضي بإطلاق سراحهم يقبعون في الأسر، وهو ما يؤكد أن حديثه مجرد استهلاك سياسي».
واعتبر آدم إعلان الرئيس البشير وحكومته بشأن الحوار هو الآخر مجرد «استهلاك سياسي»، لا يسهم في حل المشكل السوداني، وتابع موضحا: «لقد أكدنا أكثر من مرة للوساطة الأفريقية والمجتمع الدولي رغبتنا في تسوية سياسية شاملة، لكنه يرفضها ويدعو لتسوية جزئية، والجلوس مع كل حركة على انفراد لاقتسام المناصب، ونحن في الجبهة الثورية لا نرغب في حوار المناصب». كما سخر آدم من إعلان الرئيس البشير بالعفو المشروط بقوله: «لسنا بحاجة ليعفو عنا، ولن نعفو عنه».
وكان الرئيس البشير قد أعلن استعداد حكومته لوقف إطلاق النار لمدة شهرين في إطار تهيئة المناخ للحوار السياسي في البلاد، وجدد عفوًا عامًا مشروطًا بالرغبة في المشارك في الحوار عن حاملي السلاح. وقال البشير في كلمته للجمعية العمومية للحوار مساء أول من أمس إن سجون البلاد تخلو من المعتقلين السياسيين، وقطع بعدم العفو عن محكومين حملوا السلاح بأنهم «موقوفون بسبب القتل»، وأن المعتقلين الاثنين متهمان بتجنيد السودانيين للالتحاق بتنظيم «داعش».
من جهته، قال يوسف حسين، عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي السوداني، لـ«الشرق الأوسط»، إن إعلان الرئيس البشير ليس جديدًا، وإن الجمعية العمومية للحوار انعقدت في السابق أكثر من مرة، لكن دون أن تحكم بشأن قضايا الحوار الوطني الرئيسية، وأضاف ساخرًا: «البشير قال إنه لا يوجد معتقل في السودان، في الوقت الذي تؤكد فيه منظمات حقوق الإنسان أن التدهور الذي تشهده أوضاع حقوق الإنسان في البلاد غير مسبوق، فهناك حروب في أنحاء واسعة من البلاد، وكوارث إنسانية، وتدهور الحريات الصحافية، وتقديم معارضين للمحاكم لمجرد أنهم اشتركوا في حملات لمقاطعة الانتخابات».
وأشار حسين إلى أن الرئيس البشير لم يعلن وقف إطلاق النار، واكتفى بالتذكير بأنه على استعداد لوقفه بقوله إن «الاستعداد لوقف إطلاق النار يختلف عن وقف إطلاق النار.. ولذلك فموقفنا ليس فيه تغيير».
ولاحظ مراقبون أن الرئيس البشير لم يقدم أية إفادات عن التزامه بإشاعة الحريات العامة والحريات الصحافية، ومنع سفر قيادات المعارضة إلى خارج البلاد، وهو الأمر الذي عده معارضون «سيرًا في ذات النهج القديم».
وقال البشير في كلمته مساء أول من أمس إن حكومته حريصة على الحوار واستكمال مسيرته، وإن السلم «هدف استراتيجي ومفتاح لحل كل المشكلات»، مؤكدًا توفير الضمانات لإنجاحه، وجدد دعوته للجميع للمشاركة فيه بقوله: «نرحب بكل من ينضم إلى ركب السلام».
وقطع البشير بأن حزبه (المؤتمر الوطني) وحكومته سيلتزمان بتنفيذ كل ما يتم التوافق عليه أثناء علمية الحوار، وأن دعوته لوقف الحرب لا تأتي من موقف ضعف بقوله إن «الجميع يعلمون أن مسارح العمليات العسكرية تحت هيمنة القوات المسلحة، لكن لا بد من صيانة السلام من خلال الترتيب السياسي الحر».
وكان الرئيس البشير قد أطلق مبادرة للحوار الوطني في يناير (كانون ثاني) 2014، لكن قاطعتها قوى المعارضة الرئيسية، مشترطة تهيئة المناخ وإطلاق الحريات وتكوين حكومة انتقالية، ثم وافقت في وقت لاحق على لقاء تحضيري برعاية الآلية الأفريقية رفيعة المستوى التي تتولى الوساطة بينها والحكومة في مارس (آذار) الماضي، لكن حكومة الخرطوم لم تشارك في اللقاء رغم موافقتها المبدئية.
ووفقًا لمعارضين ولمنظمات حقوقية، تشهد أوضاع الحريات في البلاد تدهورا غير مسبوق، حيث تتعامل السلطات الأمنية مع القوى السياسية بقمع غير متناهٍ، وتحول دون ممارسة أنشطتها السياسية، وتلقي القبض على قادتها وقواعدها وتلقي بهم في المعتقلات، في الوقت الذي تفرض فيه رقابة صارمة على الصحافة، وتستخدم أساليب جديدة في التعامل مع المعارضين، كالاعتقال الجزئي المتطاول واحتجاز الممتلكات دون قرارات قضائية.
وعقد في الخرطوم، ليلة أول من أمس، اجتماع للجمعية العمومية للحوار الوطني، التي يترأسها الرئيس عمر البشير، وتتكون من أحزاب سياسية تعتبرها المعارضة أحزابًا ليست ذات أثر، بل تابعة للحزب الحاكم، إضافة إلى من أطلق عليهم شخصيات قومية، وأمانة عامة، وينتظر أن يبدأ الحوار المرتقب في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».