صعود وهبوط ثم غموض صاحب «الحاسة السادسة»

شيامالان استلهم سينماه من أفلام الدهشة

المخرج م. نايت شيامالان أثناء التصوير و من فيلمه الجديد «الزيارة»
المخرج م. نايت شيامالان أثناء التصوير و من فيلمه الجديد «الزيارة»
TT

صعود وهبوط ثم غموض صاحب «الحاسة السادسة»

المخرج م. نايت شيامالان أثناء التصوير و من فيلمه الجديد «الزيارة»
المخرج م. نايت شيامالان أثناء التصوير و من فيلمه الجديد «الزيارة»

«أرى أمواتًا».. يقول الصبي هايلي جووَل أوزمنت ناظرًا إلى بروس ويليس في «الحاسة السادسة» (1999) ولاحقًا ما نعرف أن بروس ويليس هو أيضًا إنسان ميّت كان الصبي هايلي جووَل أوزمنت يتحدث إليه.
كلنا نعلم ما حل بهما: هايلي كبر سنّا وتعرضت مهنته أمام الكاميرا لانقطاع ما بين 2003 و2012 بسبب استكماله لدروسه، وهو وإن عاد الآن، إلا أنه لم يحقق النجومية التي حققها في دوره ذاك. بروس ويليس عاد إلى الحياة في كل أفلامه اللاحقة، وما زال من بين أنجح الأسماء المتداولة في هوليوود وحول العالم.
لكن ماذا عن مخرج «الحاسة السادسة» م. نايت شيامالان (وحرف الميم نسبة إلى اسمه الأول مانوج)؟ ما الذي حدث له بعد ذلك؟ هل واصل نجاحه؟ وإلى متى؟ لماذا ظهر بقوّة واختفى بقوّة أيضًا؟ وماذا عن أفلامه في السنوات الأخيرة؟

باب التدريب

في العروض القريبة فيلم «الزيارة» الموقّع باسم المخرج شيامالان. وهو من بطولة ممثلين غير معروفين، من بينهم كاثرين هون وإد أوكسبولد وأوليفيا ديجونج. والسائد قوله في هوليوود أن المخرج استخدم أجره (خمسة ملايين دولار) عن تحقيقه فيلمه السابق «بعد الأرض» لأجل تمويل فيلمه هذا، وأنه حرص على القيام بإنتاجه ومتابعة توليفه بنفسه ليتأكد من أن الفيلم يطابق المواصفات التي يريدها له. بعد ذلك عرضه على شركة «يونيفرسال»، التي لم يسبق لها التعامل معه من قبل، وهذه وافقت على توزيعه.
سيرة شيامالان، المولود في الهند من أبوين طبيبين، والنازح - معهما - إلى ولاية فيلادلفيا عندما كان لا يزال صبيًا يافعًا - تشي بأنه مخرج عشق السينما من دون خطّة فنية مسبقة. استلهم إعجابه من أفلام الدهشة (يقول إنه تأثر بأفلام ستيفن سبيلبرغ ولو أن هذا التأثر لا يمكن أن يكون قد طبّق أسلوبيًا). وبعد فيلمين كوميديين، يعتبرهما شيامالان من باب التدريب، أنجز فيلمه الرئيسي الأول «الحاسّة السادسة» متعاملاً مع الغيبيات والأرواح. الصبي المعذّب بتلك القدرة على رؤية الأرواح تتحرك ليس كهلامات وأشباح بل كأجساد أيضًا. المعضلة الخفية التي يفصح الفيلم عنها بمهارة وتدرّج هي أن هؤلاء الأشخاص البادين له ولنا، ومنهم شخصية الطبيب مالكولم (بروس ويليس) لا يعلمون أنهم موتى!
كان لهذا الفيلم صدى نقدي وتجاري كبير (أنجز نحو 600 مليون دولار حول العالم). الحال أنه ما من ناقد غربي إلا وذكر أن شيامالان هو اكتشاف جديد ومهم للسينما. والحقيقة أنه في ذلك الفيلم كان محاطًا بخبرات لا تستطيع أن تفشل ولا تسمح له بأن يفشل أيضًا: المنتجان كاثلين كندي وفرانك مارشال، اللذان كانا لا يزال يعملان مع ستيفن سبيلبرغ، توليا إنتاج هذا الفيلم.

انحدار

لم ينتظر م. نايت شيامالان طويلاً. بعد عام واحد ضرب من جديد. هذه المرّة ارتفعت الميزانية من 40 مليونا إلى 75 مليونا، ومع أن الفيلم، وعنوانه «غير قابل للكسر» Unbreakable لم ينجز الرقم الكبير الذي حققه الفيلم الأول، إلا أنه أكد على لمعان مخرجه. هذه المرّة تعامل شيامالان مع سيناريو غرائبي آخر حول الرجل الذي يتعرض لحادثة قطار مليء بالركاب. كلهم ماتوا باستثنائه.
فيلمه الثالث، «إشارات» كان أيضًا لـ«ديزني» وفي البطولة مل غيبسون الذي يلعب دور مزارع ورب أسرة يحاول فهم ألغاز تقع في أرضه. هل هبطت مخلوقات فضاء؟ هل هي مخلوقات شريرة؟ طيّبة أو أن الطيبة والشر أمران نسبيان في هذا العالم وما وراءه؟!
عند هذا الحد انطفأت الشعلة المتوهجة بدليل أن أفلامه اللاحقة، وقد كتبها أو شارك بكتابتها جميعًا، أخفقت في إبقائه على السدّة التي وصل إليها. كان شيامالان قد صعد القمّة ولم يبق له سوى البقاء فوقها، إذا استطاع، أو الانحدار إذا لم يستطع. وهو انحدر. ليس عن قصد بالطبع، لكن بنتيجة مركّبة من ثقة فاضت عن الحاجة وصعب عليها تحقيق أهدافها جيدًا.
هذه الأفلام اللاحقة بدأت بفيلم «القرية» (2004) حيث فتاة عمياء تضيع في الغابة لكنها لا ترتطم بأي شجرة، و«السيدة في الماء» (2006): حكاية بين البوليسي والغموض الميتافيزيقي والملل المؤكد. ثم، بعد سنتين، «الحادث» حيث يحاول طبيب (مارك وولبرغ) وزوجته (زووي دشانل) تجنّب وباء يدفع المصاب للانتحار، ثم «آخر الملاحين» وهو فيلم خيالي علمي تميّز بكونه لم يكن رديء الكتابة والإخراج فقط، بل رديء التنفيذ تقنيًا (شغل ديجيتال) في كل صعيد. وهذه الرداءة شيء لها أن تتجسد بالأبعاد الثلاثة.
وآخر الإخفاقات وقع قبل عامين عندما أنجز «بعد الأرض» حكاية طيّار وابنه (ول سميث وابنه الفعلي جادن) يهبطان من الكوكب البعيد إلى سطح الأرض التي كان الآدميون هاجروا منها. الأب لا يستطيع الحراك لكسر في قدمه، وعلى ابنه السفر لثلاثة أيام وسط المجاهل والمخاطر لكي يعود بجزء من المركبة سقط بعيدًا عنها عندما تحطّمت في تلك المجاهل.
في «الزيارة» يعيد ترتيب نفسه، أو كما يقول لصحيفة «ذا نيويورك تايمز»: «لا أدري ما حدث لي.. شيء خرّب عقلي». الشيء، يقول بعد حين، كان أشبه بكم من الدهونات التي تراكمت عليه. أدرك أنه إذ غادر جهد الابتكار الفعلي سقط في منوال الفيلم للفيلم وليس للإبداع. وهو يؤكد أنه تعلّم الدرس فهو كان شعر بتخمة الشهرة. اعتقد أن أي شيء يقدّمه سينجح وعلى هذا المنوال استمر ليكتشف أن النجاحات نسبية، وأسوأها ذلك الذي يتبدى له كنجاح في حين أنه حفرة لا تمكنه من الرؤية بعيدًا.
«الزيارة» فيلم صغير (بعيد بسنوات ضوئية عن ميزانيات أفلامه الأخرى) حول أم (كاثرين هون) اكتشفت أن ولديها الصغيرين (صبي وفتاة) باتا يتصرّفان على نحو غريب، منذ أن عادا من زيارة الجدّة. هذا الفاصل الدقيق بين الطبيعي والغرائبي الذي مارسه شيامالان في «الحاسّة السادسة» هو ما يعاود التطرّق إليه في فيلم وصفه أحد نقاد المواقع الإلكترونية بأنه «أفضل فيلم لشيامالان منذ زمن بعيد جدًّا».



مخرجون كبار يحشدون أفلامهم في مهرجان «ڤينيسيا»

أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
TT

مخرجون كبار يحشدون أفلامهم في مهرجان «ڤينيسيا»

أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)

يعود مهرجان «ڤينيسيا» إلى الأضواء مجدداً في 27 من الشهر المقبل وحتى 11 من الشهر التالي، ومعه يعود الحديث عن أحد أهم ثلاثة مهرجانات سينمائية في العالم، والحدث الأول في عداد الاهتمام بتوفير النوعية بعيداً عن اللمعان الخاطف والبهرجة المعهودة لمهرجانات أخرى. المهرجانان الآخران هما «برلين» و«كان». الأول يقف على أهبة تغيير شامل حالياً لكي يعاود إطلاقاً جديداً بعد سنوات من تآكل البرمجة، والثاني يشبه قطار إكسبرس جامح ملئ بالأنوار والإغراءات الإعلامية وعقود البزنس.

اختلاف «ڤينيسيا» يبدأ بالتقدير الكبير الذي يكنّه له نقاد السينما العالميين، وذلك تبعاً لما ينتخبه من أفلام ويوفره من برامج.

الحال أن الدورة الـ81 لا تختلف مطلقاً عن الدورات السابقة في هذا المجال. أفلام عديدة، وأسماء كبيرة وأخرى جديدة واعدة، وأقسام تتنقل بينها وكل منها يوفر متعاً بصرية مختلفة.

مايكل كيتون ووينونا رايدر في «بيتلجوس» (بلان ب انترتاينمنت)

بداية ونهاية

الافتتاح سيكون من نصيب الفيلم الأميركي (Beetlejuice Beetlejuice) «بيتلجوس، بيتلجوس» لتيم بَرتون، الذي أنجز بدوره «بيتلجوس» الأول سنة 1988 حين كان لا يزال في بداياته. الآن يعاود طرق باب هذه الفانتازيا التي منحته مكانة لدى النقاد مع ممثلين جدد (مونيكا بيلوتشي، وويليم دافو، وجينا أورتيغا، داني ديفيتو)، وقدامى لعبوا أدوارهم في الفيلم السابق (مايكل كيتُن، كاثرين أوهارا، ووينونا رايدر).

فيلم الختام إيطالي للمخرج بوبي أڤاتي بعنوان «الحديقة الأميركية» (L‪’‬orto americano) مع ثلاثة ممثلين في القيادة ينتمون إلى الجيل الجديد، هم كيارا كازيللي، وفيليبو سكوتي، وأندريا رونكاتو. كلا الفيلمان يعرضان خارج المسابقة.

بين الافتتاح والختام 21 فيلماً في المسابقة الرسمية من بينها فيلم جديد للإسباني بيدرو ألمودوڤار بعنوان «الغرفة المجاورة» (The Room Next Door) مع تيلدا سوينتون، وجوليان مور.

في «ساحة المعركة» (Campo di Battaglia) للإيطالي جياني أميليو سنجد الإنفلونزا الإسبانية اجتاحت المدينة التي تقع فيها الأحداث خلال الحرب العالمية الأولى وتنافُس طبيبين على حب ممرضة.

المخرج التشيلي بابلو لاران (الذي استعرضنا له قبل أسابيع قليلة فيلمه الجديد الآخر «الكونت») لديه جديد بعنوان «ماريا» عن المغنية الشهيرة ماريا كالاس (تؤديها أنجيلينا جولي) وهو، حسب ما صرّح به المدير العام للمهرجان ألبرتو باربيرا، قد يكون آخر أعمال المخرج المستندة إلى شخصيات حقيقية التي بدأت سنة 2016 بفيلم «نيرودا».

من فيلم وولتر ساليس «لا زلت هنا» (فيديوفيلمز)

عودة ثنائية

هناك عودة من مخرج لاتيني آخر غاب طويلاً اسمه وولتر ساليس عبر فيلم «أنا لا زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) الفيلم يلعب على معنيين: الأول مشتق من ذكريات امرأة اختفى زوجها خلال حكم العسكر في البرازيل سنة 1964. والثاني حقيقة أن المخرج غاب لعشر سنوات كاملة تفصل ما بين هذا الفيلم وآخر أفلامه السابقة «جيا جانكي: رجل من فنيانغ». آخر مرّة شارك ساليس في هذا المهرجان كانت قبل 23 سنة عندما عرض - في المسابقة - «وراء الشمس» عن أحداث وقعت سنة 1910.

الإيطالي لوكا غوادانينو يوفر لمشاهديه فيلمه الجديد «غريب» (Queer) حول رجل يبحث عن آخر في مدينة نيو مكسيكو. البطولة لدانيال كريغ، ولسلي مانڤيل وجاسون شوارتزمان.

هناك فيلمان أميركيان قد يسرقان الضوء أولهما (The Order) «النظام»، والثاني (Joker‪:‬ Folie à deux) «جوكر، على حافة الجنون».

الأول للمخرج الأسترالي جوستين كورزل حول تحري في مدينة أميركية صغيرة تعاني من جرائم رهيبة. هو الوحيد الذي يؤمن بأن هذه الجرائم من ارتكاب عصابة إرهابية محلية. البطولة هنا لجود لو، ونيكولاس هولت.

أما «جوكر، على حافة الجنون» فهو الجزء الثاني من «جوكر»، الذي كان حصد الجائزة الأولى سنة 2019. المخرج تود فيليبس والبطولة ما زالت لواكيم فينكس، الذي يجسّد الدور كما لم يفعل «جوكر» آخر في أفلام «باتمان» السابقة. معه في الدور الرئيسي لايدي غاغا.

فيلم ثالث من أميركا يبدو أقل إثارة للاهتمام حالياً عنوانه «بايبي غيرل» من بطولة نيكول كيدمان، وهاريس ديكنسون، وأنطونيو بانديراس.

الاشتراك الأميركي موجود خارج المسابقة أيضاً. في هذا القسم، وإلى جانب «بيتلجوس، بيتلجوس» سنستقبل الفيلم التسجيلي الجديد «منفصلان» (Separated) الذي كان عرض سنة 2013؛ فيلمه الأسبق (The Unknown Known) «المعلوم المجهول» حول حرب العراق ودور وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد فيها.

هناك أيضاً «وولفز» (Wolfs)، الذي يجمع بين براد بِت وجورج كلوني في تشويق معاصر (العنوان الإنجليزي الوارد هنا هو المستخدم للفيلم عوض Wolves).

جبهتان ساخنتان

طبعاً لا يوجد مهرجان بهذا الحجم من دون سياسة. هناك حربان دائرتان في العالم حالياً؛ واحدة في فلسطين، والأخرى في أوكرانيا.

يعالج الأولى المخرج الإسرائيلي أمور غيتاي عبر فيلمه «Why War» (من دون إشارة السؤال)، ويطرح الثانية الفيلم التسجيلي الروسي «روسيا في الحرب» لأناستاسيا تروفيموڤا. فيلم آخر عن الموضوع الفلسطيني نجده في فيلم تسجيلي آخر «إسرائيل فلسطين على التلفزيون السويدي: 1958 - 1989» كما يكشف عنوانه.

حقيبة المهرجان العام الحالي مزدحمة بأنواع الموضوعات المطروحة، وبالفنانين الواقفين وراء كاميراتها. وإلى جانب من ذكرناهم، اليابانيان تاكيشي كيتانو، وكيوشي كوروساوا، والصيني وانغ بينغ، والفرنسيان إيمانويل موريه، وكلود ليلوش، والبريطاني عاصف قبضايا، الذي يوفر فيلماً وثائقياً عن المخرج كريس ماركر وفيلمه «المرفأ» (La Jetée) المُنتج سنة 1962 حول مصير العالم كما تخيّله ماركر آنذاك.