الناقد الإنجليزي رين يهاجم بيكيت وأودن ويمدح كتابًا أقل مستوى

أراد لكتابه أن يكون «نوعًا من الديناميت» لكن لم يحالفه الحظ

أودن و غلاف الكتاب و بيكيت
أودن و غلاف الكتاب و بيكيت
TT

الناقد الإنجليزي رين يهاجم بيكيت وأودن ويمدح كتابًا أقل مستوى

أودن و غلاف الكتاب و بيكيت
أودن و غلاف الكتاب و بيكيت

«مزيد من الديناميت: مقالات 1990 – 2012» (الناشر كتب الأطلنطي، لندن 2013) عنوان أحدث كتاب صدر للشاعر والناقد الإنجليزي المعاصر كريج رين. وهو يتألف من قسمين: أحدهما عن الأدب والآخر عن الفن التشكيلي.
في قسم الأدب يتناول كريج بالنقد عددا من دواوين الشعر والروايات والمسرحيات وفن الأوبرا، وفي القسم الثاني نجد مقالات عن عدد من الفنانين مثل موديلياني وديفيد هوكني وغيرهما.
في إحدى مقالات الكتاب وعنوانها «كراسات بول فاليري»Paul Vale›ry (2000) يتحدث كريج عن هذا الشاعر والمفكر الفرنسي الذي توفي في 1945 وكان أكبر ممثلي المدرسة الرمزية في الشعر بعد وفاة أستاذه مالارميه. لم يكن فاليري غزير الإنتاج ولكنه احتل مكانة مرموقة في لوحة المشهد الأدبي بقصائده «ربة القدر الشابة» و«رقى»، و«المقبرة البحرية» (كتب طه حسين عن هذه القصيدة الأخيرة في أربعينات القرن الماضي في مجلته «الكاتب المصري» وفي كتابه «ألوان»). ولفاليري أيضا كتابات نقدية ومحاورات فلسفية سقراطية وأطروحات في فن الشعر وعلم الجمال، كما خلف عددا من الكراسات تغطي الفترة 1894 – 1945 نشرت بعد موته وهي محور حديث كريج هنا.
يذكر رين أن فاليري المولود في 1871 درس القانون ولكنه اضطر إلى قطع دراسته لمدة عام حين كان عليه أن يؤدي الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش الفرنسي. شرع ينظم الشعر وكان له أصدقاء من الأدباء البارزين مثل آندريه جيد وبيير لويس الذي اصطحبه لزيارة مالارميه. وحين تزوج اقترب – من خلال أقارب زوجته – من أوساط الفن التشكيلي وأعلامه مثل مانيه ومونيه وديجا. وفي الفترة ما بين أبريل (نيسان) 1900 – 1922 عمل سكرتيرا لإدوار ليي مدير وكالة هافاس للأنباء. وحين زار إنجلترا تعرف على عدد من أدبائها وفنانيها مثل إدموند جوس وأوبري بيردسلي وت. س. إليوت. كذلك كان عضوا «بارزا» في الأكاديمية الفرنسية، مجمع الخالدين، حيث ألقى خطبا في الثناء على مارسيل بروست وهنري برجسون. ولكنه كان في أعماقه – كما يقول رين – مفكرا «عنيفا»، ميالا «إلى الشك، ومحطما للأوثان». ويروي آندريه جيد في يومياته كيف أنه كان عليه أن يتحلى بالصبر وضبط النفس إزاء عنف فاليري في آرائه كيلا تفسد صداقتهما. كان فاليري ينظر بعين الاستهانة إلى قمم الأدب الإغريقي – التي تعد أساس الموروث الغربي كله – وكان يزدري هوميروس بصورة خاصة. وذات مرة همس في أذن جيد: «أتعرف أي شيء أكثر إملالا من الإلياذة؟»، وهنا آثر جيد الصمت حتى لا يحدث صدام بينهما.
وفي يومياته وصف فاليري الفيلسوف مونتسكيو والروائي بروست بالزيف واللغو والإملال قائلا: «إنه ليس لديهما مثقال ذرة من القوة الذهنية». وعن الروائي جوستاف فلوبير، صاحب الرواية العظيمة «مدام بوفاري»، يقول: «إن قراءة فلوبير أمر غير محتمل لأي امرئ قادر على التفكير. فهو لا يتمشى مع الفكر». ويصف فاليري ابتسامة الموناليزا أو الجيوكوندا في لوحة ليوناردو دافنشي الخالدة بأنها خالية من الفكر، كأنها تقول: «لست أفكر في أي شيء، إنما يفكر ليوناردو بالنيابة عني».
وفي مقالة أخرى (2007) يتحدث رين عن «رسائل أ.إ.هاوسمان» A. E. Housman التي حررها آرشي بيرنيت وصدرت في عام 2007. كان الأديب الإنجليزي هاوسمان (1859 – 1936) دارسا كلاسيكيا كبيرا، وأستاذ اللغة اللاتينية بجامعة لندن ثم بجامعة كمبردج، ومؤلفا لديوان «فتى من مقاطعة شرويشير» (1896) الذي لاقى نجاحا كبيرا وجمع بين كلاسيكية الشكل ورومانتيكية المضمون. ويبدأ كرين مقالته بإيراد قول الموسيقي النمساوي آرنولد شونبرج أنه كان يتمنى لو رأى سلفه الموسيقي الكبير جوستاف مالر يعقد رباط عنقه. يريد بذلك أن يقول إن كل ما يتعلق بعظماء الرجال جدير باهتمامنا ولو كان أبسط الأمور. ويوافقه كرين على هذا الرأي فعنده أنه لا شيء في سير العظماء تافه أو يستحق الإهمال. ونحن نقرأ رسائلهم الشخصية باحثين عن مفاتيح نلج بها أبواب إبداعهم الفني.
على أن كرين يعترف بأن رسائل هاوسمان هذه (1228 صفحة في مجلدين) مملة في أغلبها، وبعضها لا يتعدى طوله سطرا واحدا. ولكنه يستدرك قائلا: ليس هذا الإملال بالأمر المهم. فأغلب الحياة ممل، وهذا هو السبب في أننا نقدر الإثارة والانفعال تقديرا عاليا.
ونتوقف أخيرا عند مقالة كرين القصيرة (2006) عن صمويل بكيت (1906 – 1989) Samuel Beckett. إنه يعده كاتبا متفاوت المستوى على نحو بالغ، مشكلته هي أنه يحاول أن يحاكي جيمس جويس – صديقه وأستاذه – دون أن يملك غزارة مادة جويس ووفرته. إنه يحاول أن يباري رواية جويس «يوليسيس» (1922) مستخدما أدواته المحدودة. وهو يعاني من نضوب القوى الإبداعية والإنهاك. ينظر إلى الأدب وإلى المسرح بعين الازدراء، ولكنه يصر على كتابة أعمال فنية تسخر من ذاتها، أو تحاكيها محاكاة ساخرة، ويولد – أثناء ذلك – مؤثرات مسرحية بارعة وصورا لافتة. إنه لا يكتفي بكتابة مسرح – ضد («في انتظار جودو») ولا يكتفي بالتشاؤمية الميلودرامية («لعبة النهاية») وإنما يقدم فنا لا يكف عن الحركة واللغو في مسرحيته القصيرة المسماة «ليس أنا» أو «رؤوسا ثلاثة أجسامها مدفونة في جرار تمثل المثلث الأبدي (الزوج والزوجة والعشيق أو العشيقة) تروي قصصها الغرامية وكأنها شخصيات خارجة من إحدى دوائر» جحيم دانتي.
إن عنوان كتاب كرين «مزيد من الديناميت» يوحي بأنه ينظر إلى النقد الأدبي والفني على أنه نوع عنيف من الانفجارات، ديناميت ينسف الآراء المتعارف عليها والمعتقدات السابقة. ولكنه إذا استثنينا أحكامه القاسية (وغير العادلة) على مسرحيات بكيت أو نثر و.هـ.أودن، وإذا استثنينا إسرافه في الثناء (بصورة غير مقبولة) على بعض الأدباء مثل الكاتب المسرحي توم ستوبارد، فسنجد أنه ليس محطما «للأوثان ومستخدما» للديناميت (مثلما كان نيتشه مثلا في أواخر القرن التاسع عشر) وإنما هو، عموما، ناقد معتدل، متوازن الأحكام، يذكر ما لموضوعه وما عليه وهو - إلى جانب قلائل آخرين مثل مارتن إيمس وكلايف جيمز – من أفضل نقاد الصحافة الأدبية البريطانية في يومنا هذا.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».