حزب الله في الخليج.. أوراق من دم تتطابق أهدافها مع «داعش»

الكويت على نار الجغرافيا بين أطماع إيران وسوء حال العراق

مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره
مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره
TT

حزب الله في الخليج.. أوراق من دم تتطابق أهدافها مع «داعش»

مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره
مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره

كشفت السلطات الأمنية الكويتية عن مؤامرة تفجيرات واسعة النطاق يخطط لها حزب الله اللبناني، التابع لإيران، عبر تهريب كميات كبيرة من الأسلحة إلى شبكة من الخلايا السرية المتعاملة معه، يوضح بصورة ما عادت تقبل الجدل حول الأطماع الإيرانية في منطقة الخليج ككل. ذلك أن ما حدث في الكويت ليس جديدًا على الساحة المحلية بل سبق للكويت أن شهدت عمليات إرهابية كثيرة من قبل نفذها الحزب ومن هم وخلفه.
كذلك فإن مواقف طهران وقيادة الحزب من المملكة العربية معروفة، والمطالبات الإيرانية بالبحرين قديمة وتجدد للابتزاز وتبرير التدخل والتخريب. ولقد ارتفعت هذه الوتيرة أكثر بعدما فضحت «عاصفة الحزم» تخطط طهران لتطويق شبه الجزيرة العربية وصولا إلى اليمن.
بعد تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، خرج حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني، في خطابات تلفزيونية معتادة، موجها التحية أداء وكلمة لأمير الكويت والشعب الكويتي ومجلس الأمة ووسائل إعلام كويتية وسنة وشيعة، لأنهم وفق حديثه قدموا نموذجا رائعا في التعاطي مع حادث تفجير المسجد خلال شهر رمضان الماضي. وقال نصر الله يوم ذاك إن «ما حصل في الكويت مشهد إنساني وأخلاقي لا يملك الإنسان إلا أن يضرب له تحية»، وتمنى أن يعمّم التعامل الكويتي على المنطقة.
تلك التحية الإيرانية التي أداها نصر الله لأمير الكويت، كانت مجرد شيء عابر. وهو – أي نصر الله - وإن صفق له عدد يسير من شيعة الكويت، لم تجد تحيته صداها كما كان يتمنى وهو المتعكر المزاج منذ بدء «عاصفة الحزم» لإعادة الشرعية إلى اليمن، وتزايد خسائر أوراق قوته على الميدان في سوريا التي يتورط فيها حشد من مقاتلي حزبه في إبادة الشعب السوري.
الكويت منذ العام 1983 تدفع ثمنًا داميًا باهظًا بفعل ما يعرف بحزب الله الكويتي. ولقد أعاد كشف وزارة الداخلية خلية كويتية ترفع ولاءها لحزب الله اللبناني، ومصادرة كمية كبرى من الأسلحة والمتفجرات في مناطق عدة داخل الكويت تورط حزب الله فيها، إلى الأذهان كل صفحات تاريخ الدماء والأطماع الإيرانية في الكويت.
«الجمهورية الإسلامية الإيرانية» التي تقود من خلف الكواليس حزب الله اللبناني، الذي يعد الذراع الأولى لها في المنطقة، كانت قد اصطدمت بقوة الأمن الكويتي بعد كشف وزارة الداخلية لخلية تجسس إيرانية تنشط في الكويت بمنتصف العام 2010، وأسقطت معها أسماء وقيادات كبرى، حاولت إيران لاحقًا التبرؤ منها، واعتبرت أن القصد من ذلك الإعلان «إثارة الفرقة بين الدول الإسلامية».
ثم بعد تورّط حزب الله في الأزمة السورية، سعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى إغلاق المنافذ المالية التي كانت ترد له من حوالات من بعض دول الخليج، التي كان يعمل عليها عدد من جامعي التبرعات للحزب. وحينذاك اتفق الخليجيون تحديدا في العام 2013 على «اعتبار حزب الله منظمة إرهابية»، وهو ما تعتبره كذلك دول كثيرة على امتداد العالم في مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
كشفت الداخلية الكويتية قبل أيام مصادر تهريب تلك الأسلحة والمتفجرات عبر جزيرة إيرانية، يفتح كذلك باب القلق من وجود «الحرس الثوري الإيراني»، خاصة وأن ثمة تقارير صحافية تشير إلى تمركزه في جنوب العراق على بعد كيلومترات من الحدود الكويتية. وهذا أمر يقلق دولة الكويت التي تخشى من تمدد الاضطرابات العراقية وتأثيرها على الداخل الكويتي.
ما كشفته السلطات الكويتية يعيد فتح الملفات عن حزب الله في الخليج، من الكويت إلى المملكة العربية السعودية. ومع محاولاته الحثيثة للتحرك داخل مملكة البحرين وما تكشفه الأجهزة المعنية فيها وفي باقي دول الخليج من القبض على خلايا إيرانية تجسسية أو تنفيذية لأعمال تخريبية يعيد جديًا طرح التساؤلات عن حقيقة ما تريد إيران في المنطقة.

حزب الله وجه لـ«داعش»

المحلل السياسي الكويتي، سالم العجمي قال خلال اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إنه «بالمقارنة مع أحداث تفجير مسجد الإمام الصادق وخلية حزب الله الكويتي، يظهر تطابق كبير في الأهداف وهو محاولة ضرب التعايش في الكويت بين السنة والشيعة بوصفه المثال الأول في الخليج».
وأوضح العجمي أن الكشف عن خلية حزب الله واعترافات المنتمين لها أنهم تلقوا تدريبات عسكرية في لبنان على يد الحزب، وتلقيهم كل الأطنان الكبيرة عبر البحر من موانئ إيرانية، له تفسيرات عدة تلتقي في إجابة واحدة هي «داعش»... أن لحزب الله أجندته الخاصة حيث كان أفراد الخلية ينتظرون ساعة الصفر لبدء استهداف أمن الكويت وربما نقل تلك الأسلحة إلى دول خليجية أخرى من بينها على وصفه السعودية والبحرين. واعتبر أن الخسائر الكبرى التي مني بها حزب الله والنظام الإيراني في اليمن وسوريا، جعل الأمر يأخذ طابع ردة الفعل على الخليجيين، وخصوصا الكويت التي تعد بوابة الخليج من إيران والعراق، التي يساند عدد منهم إيران و«بذراع مغنية جديد بقيادة حزب الله على الأرض».
وأضاف العجمي أن «إيران عبر قيادتها لحزب الله الذي يشن حربًا بالوكالة في المنطقة، ترى دوما في عناصر وخلايا حزب الله الكويت، دورًا مؤثرًا على بقية الأفراد والخلايا في الخليج»، كاشفا كذلك عن تاريخ الحزب في إمداد عناصر شيعية تتبع لحزب الله في البحرين بالأسلحة والموارد المالية للقيام بهجمات إرهابية واختطاف.
ومن ثم، طالب العجمي دول الخليج، والمجتمع الدولي كذلك، بسرعة التدخل لوقف تدخلات حزب الله وتهديداته للمنطقة وسعيه إلى إشاعة الفوضى، مبينًا أن الوقت الحالي يستدعي مواقف شجاعة وتاريخية بعيدة عن المجاملات من أجل مصلحة استقرار دول المنطقة، والقضاء على العبث الإيراني وأذرعه التي ينفذها حزب الله وجماعة الحوثي.

تاريخ إرهاب حزب الله في الخليج

من ناحية أخرى، فإن فضح السلطات الأمنية في الكويت أدوار حزب الله في الخليج، منذ تأسيسه وحتى اليوم، وإن كانت البحرين هي في الأساس الدولة التي لا تغيب عن خطابات حسن نصر الله، يشير إلى أن هذا الحزب يستهدف أيضًا الكويت والسعودية على وجه التحديد. وفي هذا السياق اعتبر الباحث السياسي الكويتي عبد اللطيف الفرج في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الكويت والسعودية، نظرا للضربات الأمنية المتلاحقة، وعدم وجود بيئة حاضنة تتقبل أعمال حزب الله، تتصديان له، لكنه يتجه كذلك إلى دول خليجية يراها أرضا جيدة، خاصة إذا كثرت بها الاضطرابات، معربا عن أمله أن تتجه منظومة مجلس التعاون الخليجي إلى مجلس الأمن لوضع حد لانتهاكات حزب الله والسلطات الإيرانية لأمن الإقليم، وسعيهما إلى تجنيد خلايا إرهابية في دول المنطقة. وتابع الفرج أن «الكشف الإعلامي عن تلقي الخلية المقبوض عليها للأسلحة والعتاد العسكري الكبير منذ ثلاثة أعوام يفسر حالة التكتيك الحربي الذي يقوم به حزب الله»، معلقا أن الحزب «دون شك يضع تصورات استخدامها بعد أي تغير جيوسياسي في سوريا أو بعد صدور أي قرارات بشأن قضية اغتيال رفيق الحريري».
وأردف الفرج أن «الكويت كانت ولا تزال من أكثر الدول عرضة لأكبر محاولات الإيرانيين ووكيلها حزب الله التخريبية كردة فعل على فشل مشروعهم، بدءا من حرب إيران والعراق، ومحاولة الانتقام من الفشل الذي تكبدته القوات الإيرانية أمام القوات العراقية». واعتبر أن الحزب - ومن خلفه إيران - يشكل اليوم الخطر الأكبر على الخليج لتمرسه في أعمال الحروب الاستراتيجية والتكتيكات الإرهابية، لافتًا إلى الأزمات التي تسبب بها الحزب على لبنان والمنطقة.
ورقات حزب الله في الخليج، كما سبقت الإشارة، بدأت من الكويت منذ العام 1983. وإن اختلفت مسميات الأذرع الإرهابية فإنها تدين جميعها بالولاء لحزب الله الذي يعرف نفسه بأنه «حزب ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني، مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة».
في ذلك العام شهدت الكويت حادثتين، الأولى في شهر مايو (أيار) عبر اختطاف طائرة كويتية على متنها أكثر من 500 راكب توجه بها الخاطفون نحو مدينة مشهد الإيرانية. ثم في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) استهدف أفراد خلية تابعة لحزب الله الكويتي، في هجمات متزامنة، كلا من: مطار الكويت ومجمعًا نفطيًا وسفارتي الولايات المتحدة وفرنسا، ومحطة الكهرباء الرئيسية للعاصمة الكويتية، أسفرت عن سقوط سبعة قتلى وأكثر من 60 جريحا.
ثم في أواخر شهر (مايو) من العام 1985 حاول حزب الله اغتيال أمير الكويت – آنذاك - الشيخ جابر الأحمد الصباح، أثناء توجهه من قصر السيف، وهو قصر الحكم، إلى قصر دسمان مقر سكنه، بواسطة سيارة مفخخة. ويوم ذلك لم يصب الأمير سوى ببعض الكدمات التي نتجت عن تصادم سيارة حراسته الخاصة نتيجة قوة الانفجار بسيارة الإرهابيين، وقتل في الحادثة اثنان من الحرس الخاص. وبعدها بشهر ونصف الشهر استهدف حزب الله مقهيين شعبيين بمدينة الكويت خلفا الانفجاران عشرات القتلى والمصابين.
وفي العام التالي 1986 أحبطت الكويت مسلسل اختطاف الطائرات الكويتية مؤقتا بعد محاولة 16 شخصا اختطاف طائرة كويتية كانت متوجهة إلى إحدى الدول الآسيوية، ولكن شهد شهر أبريل (نيسان) من العام 1988 الحادثة الأبرز لحزب الله عندما قاد عماد مغنية (القيادي الأمني الراحل في الحزب) مجموعة خطفت طائرة «الجابرية» التابعة لشركة الخطوط الجوية الكويتية بعد إقلاعها من مطار بانكوك في تايلاند. ولمدة أسبوعين جابت الطائرة المخطوفة الأجواء العُمانية وهبطت في مدينة مشهد الإيرانية، قبل أن يرفض لبنان هبوطها في بيروت، ومن ثم تتوجه إلى قبرص، ومنها إلى الجزائر حيث أطلق سراح الخاطفين حينها.
حزب الله برّر عملية الاختطاف، التي كانت خلفها إيران، بالمزاعم الإيرانية عن وقوف الكويت مع العراق في حرب الثماني سنوات ضد إيران، مع مطالبات متكررة لحزب الله بإطلاق سراح المتورطين بحوادث تفجير عدد من المنشآت الكويتية التي وقعت في الكويت العام 1983.

استهداف السعودية

أما بما يخص المملكة العربية السعودية، فبعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، وولادة حزب الله اللبناني، كانت المراجع الدينية الإيرانية في قُم على ارتباط وثيق بتجنيد عدد من الشيعة السعوديين للقيام بعمليات تخريبية على أهداف استراتيجية داخل المملكة. وكانت أولى نتائجه محاولة إثارة القلاقل في موسم الحج في العام 1987 وكلف بها ما يعرف بـ«حزب الله الحجاز» الذي تورط مستفيدًا من الحشد الإيراني الداعم للثورة الإيرانية، وتمكنت حينذاك الأجهزة الأمنية السعودية من تقليل حجم الأضرار رغم أعداد القتلى والمصابين.
وبعد تلك الحادثة بعام واحد استهدفت عناصر «حزب الله الحجاز» مقر شركة «صدف للبتروكيماويات» في المنطقة الشرقية، وهي حادثة اشتد معها الحزم السعودي مما أدى إلى تجفيف منابعه والقضاء على جذوره. ولقد غيرت تلك الحادثة الأمور العمليات التكتيكية كثيرا بترحيل حزب الله لعناصره من الكويت إلى السعودية في العام 1989، والقيام بعمليات تخريبية بالقرب من الحرم المكي، مما دفع السعودية للمواجهة بحزم أكبر، عبر سرعة محاكمة المتورطين وتنفيذ أحكام القضاء الشرعي فيهم حدًا خلال ذات العام.
وفي المقابل، غير حزب الله قواعد لعبته فاستعاض عن الوجود المكاني داخل السعودية بمحاولة استهداف سفارات المملكة في الخارج، من تايلاند إلى تركيا، وكذلك باكستان، والسعي لاغتيال دبلوماسيين سعوديين يعملون في تلك الدول. ثم شهد العام 1996 ما كشفته تقارير أمنية عن تورط أسماء لها صلة بـ«حزب الله الحجاز» ورأسه في لبنان جريمة «تفجير الخبر» الذي أوقع 19 قتيلا، ومئات من الجرحى. وفي مارس (آذار) من العام الماضي، أدرجت السعودية عددا من التيارات المتطرفة إلى لائحة قوائم الإرهاب، ومنها «حزب الله داخل المملكة».



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».