الكويتيون يلطفون حرارة صيفهم اللاهب.. بالثقافة

مهرجان «صيفي ثقافي» بمشاركات عربية وأجنبية

الكويتيون يلطفون حرارة صيفهم اللاهب.. بالثقافة
TT

الكويتيون يلطفون حرارة صيفهم اللاهب.. بالثقافة

الكويتيون يلطفون حرارة صيفهم اللاهب.. بالثقافة

يلطّف الكويتيون صيفهم الحار بالثقافة، فهم على عكس الكثير من الدول التي تتوقف لديها الحركة الثقافية في فصل الصيف، فإنهم ينشطون وبشكل لافت ليس فقط من خلال فعاليات متفرقة أو عابرة، بل عن طريق برنامج مدروس أطلقوا عليه «صيفي ثقافي». وهو مهرجان ضخم يستمر لأكثر من أسبوعين، أسسه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ويكون مزدحمًا بمختلف الأنشطة، بدءًا من الأمسيات الشعرية إلى الحفلات الفنية، ومروًا بالمعارض التشكيلية ومعارض التصوير الضوئي وورش الكتابة والمسرح والندوات الأدبية والمحاضرات ومعارض الكتب، وعروض سينمائية، ليكسروا بذلك الاعتقاد السائد بأن «الثقافة موسمية».
وقد وصل المهرجان، الذي افتتح يوم أمس برعاية وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان صباح السالم الحمود الصباح، ويستمر لأكثر من أسبوعين، إلى دورته العاشرة التي انطلقت على مسرح عبد الحسين عبد الرضا في السالمية بفرقة الطرب الأصيل بقيادة الموسيقار د. صالح حمدان. ويحرص المهرجان في خضم هذه الفعاليات على أنشطة وطنية ذات طابع ثقافي، فسوف يقام معرض بعنوان «الكويت توحدنا» ويتضمن مقتنيات شهداء الكويت، ومحاضرة حول «متحف شهداء القرين» يلقيها د. عمر الدوسري، ومحاضرة «المواطنة» يلقيها د. محمد الوهيب، ومحاضرة بعنوان «القراءة والثقافة الطريق إلى القمة» للدكتور إيهاب العرابي، وجلسة حوارية حول «فلسفة العطاء»، يتحدث فيها كل من معالي العسعوسي وعبد العزيز الكندري، ومعرض للفنون التشكيلية وآخر للقطع الأثرية من مقتنيات رضا علي العوضي وحفل لفرقة الفنان العراقي علي الورد، وأمسية شعرية مهمة يشارك فيها: كريم معتوق من الإمارات، ود. أشجان هندي من السعودية، وأشرف العاصمي من عُمان، ورجا القحطاني من الكويت، وأمسية شعرية أخرى للشاعرين خلف الخالدي ومبارك بوظهير، وورشة كيف تكتب مقالاً للكاتبة والشاعرة سعدية مفرح، وورشة «رواية من الأدب التراثي» تقدمها كوثر الرفاعي، وورشة عن ترميم وتحفيز الاهتمام بالآثار، ومحاضرة حول مفاهيم التسامح والإيجابية يلقيها أحمد بوعركي، ومحاضرة التخطيط السليم للتنمية المستدامة يلقيها سعيد المحيلبي، وحفل فرقة «نايا» الأردنية ومعرض «رواد فن التصوير في الكويت قبل وبعد الاستقلال» وورشة عن الأدب التراثي وقصص الأطفال، وحتى ورشة عن الكتابة الإملائية للدكتور مشاري الموسى، بينما تقدم فرقة مسرح الخليج العربي، عرضًا مسرحيًا بعنوان «شارع أوتوقراطيا». هذا إلى جانب معرض للكتاب يضم إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
وبعض هذه الأنشطة، وخصوصًا الورش الكتابية، والمعارض فإنها تستمر لعدة أيام.
وإذ تجول هذه الأنشطة في مختلف قاعات ومكتبات الكويت، فإنها في حفل الختام تعود من حيث انطلقت في مسرح عبد الحسين عبد الرضا في السالمية بحفل للفرقة الأوكرانية.
وقبل هذا المهرجان، كان المجلس الوطني للثقافة أيضًا قد خص جيل الناشئة والأطفال بـ«مكافأة» ثقافية صيفية، تمثلت بمهرجان ضخم خاص بهذه الفئة العمرية، واشتمل أيضًا على أنشطة متعددة محفزة للقراءة والأدب والفن.
وكان الأمين العام المساعد لقطاع الفنون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب محمد العسعوسي قد صرح للصحافة بقوله: «نؤكد أن المجلس لا يركن إلى الراحة خلال فترة الصيف إنما يقدم مجموعة من الأنشطة والفعاليات في مختلف قوالب العمل الثقافي، فهناك أنشطة في مجال المسرح، والموسيقى، والشعر، وكل هذه الأنشطة والفعاليات تأتي استكمالاً لدور المجلس التي نحاول من خلالها شغل أوقات الفراغ، وأيضًا تقديم وجبة ثقافية مميزة لجمهور الحراك الثقافي في دولة الكويت».



رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة
TT

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

ليس أكثر من قصائد الشعر بمختلف اللغات وفي شتى العصور، ولكن ما عسى الشعر أن يكون؟ يقول جون كاري (John Carey) أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة أوكسفورد في كتابه «الشعر: تاريخ وجيز» (A Little History of Poetry)، (مطبعة جامعة ييل، نيوهفن ولندن، 2020) إن «صلة الشعر باللغة كصلة الموسيقى بالضوضاء. فالشعر لغة مستخدمة على نحوٍ خاص، يجعلنا نتذكر كلماته ونثمنها». وكتاب كاري الذي نعرضه هنا موضوعه أشعار عاشت على الزمن منذ ملحمة جلجامش البابلية في الألفية الثالثة ق.م وملحمتي هوميروس «الإلياذة» و«الأوديسة» في القرن الثامن ق.م حتى شعراء عصرنا مثل الشاعر الآيرلندي شيمس هيني (تُوفي في 2013) والشاعرة الأفرو - أميركية مايا أنجيلو (توفيت في 2014) والشاعر الأسترالي لس مري (توفي في 2019).

ليس الشعر كما يظن كثيرون خيالاً منقطع الصلة بالواقع أو تهويماً في عالم أثيري عديم الجذور. إنه كما يوضح كاري مشتبك بالأسطورة والحرب والحب والعلم والدين والثورة والسياسة والأسفار. فالشعر ساحة لقاء بين الشرق والغرب، ومجال للبوح الاعترافي، ومراوحة بين قطبي الكلاسية والرومانسية، وأداة للنقد الاجتماعي، ومعالجة لقضايا الجنس والعرق والطبقة. إنه كلمات يختارها الشاعر من محيط اللغة الواسع ويرتبها في نسق معين يخاطب العقل والوجدان والحواس. فالشعراء كما تقول الشاعرة الأميركية ميريان مور يقدمون «حدائق خيالية بها ضفادع حقيقية».

وتعتبر الشاعرة اليونانية سافو (630 ق.م-570 ق.م) من جزيرة لسبوس أول شاعرة امرأة وصلت إلينا أشعارها في هيئة شذرات (القصيدة الوحيدة التي وصلت إلينا منها كاملة عنوانها «أنشودة إلى أفروديتي» ربة الحب). المحبوبة في قصائدها تفاحة حمراء ناضجة في شجرة عالية بعيدة المنال. أو هي زهرة جبلية يطأها الرعاة الأجلاف بأقدامهم فتترك أثراً أرجوانياً على الأرض. وفى قصيدتها المعروفة باسم «الشذرة 31» ترى صديقة لها تتحدث مع رجل وتضاحكه فتتولاها الغيرة ويثب قلبها في صدرها وتشعر كأن ناراً ترعى في بدنها فتعجز عن الكلام وتغيم عيناها وترتعد فرائصها (للدكتور عبد الغفار مكاوي كتاب صغير جميل عن «سافو شاعرة الحب والجمال عند اليونان»، دار المعارف، القاهرة).

والشعر مشتبك بالدين كما هو الحال في غزليات الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي (من القرن الرابع عشر الميلادي) الذي لا نعرف الكثير عن حياته. نعرف فقط أنه حفظ القرآن الكريم في طفولته واشتغل خبازاً قبل أن يغدو من شعراء البلاط ودرس الصوفية على يدي أحد أقطابها. وهو يستخدم صور الحب والخمر كما يفعل المتصوفة رمزاً إلى الحب الإلهي والوجد الصوفي والنشوة الروحية المجاوزة للحواس. وقد غدت قصائده من كنوز اللغة الفارسية، ودخلت بعض أبياته الأمثال الشعبية والأقوال الحكمية، ولا يكاد بيت إيراني يخلو من ديوانه.

كذلك نجد أن الشعر يشتبك بكيمياء اللغة وقدرتها على الإيحاء ومجاوزة الواقع دون فقدان للصلة به. يتجلى هذا على أوضح الأنحاء في عمل الشاعر الرمزي الفرنسي أرتور رامبو من القرن التاسع عشر. فعن طريق تشويش الحواس والخلط بين معطياتها يغدو الشاعر رائياً يرى ما لا يراه غيره وسيتكشف آفاق المجهول. فعل رامبو هذا قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر، وذلك في قصائده «السفينة النشوى» (بترجمة ماهر البطوطي) و«فصل في الجحيم» (ترجمها الفنان التشكيلي رمسيس يونان) و«اللوحات الملونة» أو «الإشراقات» (ترجمها رفعت سلام). وبهذه القصائد غدا رامبو - ومعه لوتريامون صاحب ديوان «أغاني مالدورور» - أباً للسريالية في العقود الأولى من القرن العشرين.

والشعر مشتبك بالسياسة خاصة في عصرنا الذي شهد حربين عالميتين وحروباً محلية وصراعات آيديولوجية ما بين نازية وفاشية وشيوعية وليبرالية وديمقراطية وأصولية دينية، كما شهد المحرقة النازية وإلقاء أول قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي. وممن عاشوا أزمات هذا العصر الشاعر التشيكي ياروسلاف سيفرت (1986-1901) الحائز جائزة نوبل للأدب في 1984. إنه في ديوانه المسمى «إكليل من السوناتات» (1956) يخاطب مدينته براغ التي أحالتها الحرب العالمية الثانية إلى ركام معبراً عن حبه لها وولائه لوطنه. وشعر سيفرت يقوم على استخدام المجاز. وقد جاء في حيثيات منحه جائزة نوبل أن شعره الذي يمتاز بالوضوح والموسيقية والصور الحسية يجسد تماهيه العميق مع بلده وشعبه.

ومن خلال الترجمة يتمكن الشعر من عبور المسافات وإقامة الجسور وإلغاء البعد الزمني، وذلك متى توافر له المترجم الموهوب القادر على نقل روح القصيدة ونصها. هذا ما فعله المترجم الإنجليزي آرثر ويلي (توفي في 1966) الذي نقل إلى الإنجليزية كثيراً من الآثار الشعرية والروائية والمسرحية الصينية واليابانية.

ومن أمثلة ترجماته هذه القصيدة القصيرة من تأليف الإمبراطور الصيني وو-تي (القرن الأول ق.م) وفيها يرثي حبيبته الراحلة:

لقد توقف حفيف تنورتها الحريرية.

وعلى الرصيف الرخامي ينمو التراب.

غرفتها الخالية باردة ساكنة.

وأوراق الشجر الساقطة قد تكوّمت عند الأبواب.

وإذ أتوق إلى تلك السيدة الحلوة

كيف يتسنى لي أن أحمل قلبي المتوجع على السكينة؟

ويختم جون كاري هذه السياحة في آفاق الشعر العالمي، قديماً وحديثاً، شرقاً وغرباً، بقوله إن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على طرح الأسئلة على الكون، بغية إدراك معنى الوجود، أسئلة لا تجد إجابة في الغالب، ولكن هذا التساؤل - من جانب الفيلسوف والعالم والشاعر - يمثل مجد الإنسان ومأساته معاً.