هل تدعم استقالة جيفري هينتون مطالب «ضبط جماح» الذكاء الصناعي؟

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» عن 6 مخاطر يجب تجنبها

هينتون الأستاذ بجامعة تورونتو والخبير السابق لدى «غوغل» (جامعة تورونتو)
هينتون الأستاذ بجامعة تورونتو والخبير السابق لدى «غوغل» (جامعة تورونتو)
TT

هل تدعم استقالة جيفري هينتون مطالب «ضبط جماح» الذكاء الصناعي؟

هينتون الأستاذ بجامعة تورونتو والخبير السابق لدى «غوغل» (جامعة تورونتو)
هينتون الأستاذ بجامعة تورونتو والخبير السابق لدى «غوغل» (جامعة تورونتو)

كما ندم ألفريد نوبل على اختراع الديناميت، وكفّر عن ذنبه بتخصيص جائزة نوبل للأبحاث التي تفيد البشرية، فإن «عرّاب الذكاء الصناعي» جيفري هينتون، الذي قادت أبحاثه في خوارزميات التعلم الآلي إلى كثير من تطبيقات الذكاء الصناعي؛ منها «تشات جي بي تي»، يبدو أنه يشعر بنفس المشاعر، لكنه اختار طريقاً آخر يكفر به عن ذنبه، وهو الحديث عن أخطار السلاح الذي أسهم في إنتاجه.
وفي مفاجأة صادمة، استقال هينتون من منصبه في «غوغل»، قائلاً في تغريدة نشرها على حسابه بموقع «تويتر»، إن «ذلك سيساعده على الحديث بأريحية بشأن مخاطر الذكاء الصناعي».
وعمل هينتون على خوارزميات التعلم الآلي في «غوغل» لأكثر من عقد قبل مغادرته الشركة، وبحسب ما ورد في تقارير صحافية، فإن عمله المستمر على الشبكات العصبية أكسبه لقب «الأب الروحي للذكاء الصناعي».
وتأتي هذه الاستقالة وسط مخاوف متزايدة بشأن استخدام الذكاء الصناعي في مختلف الصناعات، بما في ذلك الرعاية الصحية والتمويل والنقل، ويجادل منتقدوه بأن الذكاء الصناعي يمكن أن يؤدي إلى الاستغناء عن الوظائف وانتهاك الخصوصية وحتى تطوير أسلحة مستقلة.
في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» نُشرت أول مايو (أيار) الحالي، صرح هينتون بأنه كان أكثر قلقاً بشأن استخدام الذكاء الصناعي لإغراق الإنترنت بالصور ومقاطع الفيديو والنصوص المزيفة، لدرجة أن الناس «لن يكونوا قادرين على معرفة ما هو حقيقي».
كما أبدى تخوفاً من أن تحل تكنولوجيا الذكاء الصناعي محل العمالة البشرية؛ حيث يعتقد أن الذكاء الصناعي يمكن أن يشكل تهديداً للبشرية في المستقبل، بسبب قدرته على اكتساب سلوكيات غير متوقعة من الكميات الهائلة من البيانات التي يحللها، وأعرب عن بعض الأسف على مساهماته طوال حياته، قائلاً: «أعزّي نفسي بالعذر العادي: لو لم أفعل ذلك، لكان شخص آخر يفعل ذلك».
وتسببت مبررات استقالة هينتون في حدوث صدمة بجميع أنحاء صناعة التكنولوجيا؛ حيث يراها العديد من الخبراء الذين استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، داعمة لمزيد من الرقابة والتنظيم لضبط جماح الذكاء الصناعي.
وفي الأشهر الأخيرة، أعرب كل من المنظمين والمشرعين وقادة صناعة التكنولوجيا عن قلقهم بشأن تطوير الذكاء الصناعي. ووقّع أكثر من 2600 من المديرين التنفيذيين والباحثين في مجال التكنولوجيا على خطاب مفتوح في مارس (آذار) أعدّه معهد «فيوتشر أوف لايف» بأميركا، وطالبوا فيه بتعليق مؤقت لتطوير الذكاء الصناعي لحين وضع قوانين تضبط جماحه، مشيرين إلى «المخاطر الجسيمة على المجتمع والإنسانية».
وفي أبريل (نيسان)، وقع 12 مشرعاً من الاتحاد الأوروبي على رسالة مماثلة، ويصنف مشروع قانون حديث للاتحاد الأوروبي أدوات الذكاء الصناعي وفقاً لمستويات المخاطر الخاصة بها، بالإضافة إلى ذلك، ستقدم المملكة المتحدة 125 مليون دولار لفريق العمل لتطوير «الذكاء الصناعي الآمن».
يقول لويس مونيز بيريرا، أستاذ علوم الكومبيوتر ومدير مركز الذكاء الصناعي في الجامعة الجديدة في لشبونة بالبرتغال، وهو أحد الموقعين على خطاب مارس، لـ«الشرق الأوسط»: «بالإضافة لخطري الصور والفيديوهات والنصوص المزيفة، وإحلال التكنولوجيا محل البشر في الوظائف، فإننا مقبلون على خطر ثالث، وهو (حياة القص واللصق)».
ويوضح أنه «قريباً سنتحدث إلى بعضنا في الشبكات الاجتماعية بطريقة (القص واللصق)، لأنها الطريقة التي يتيحها تطبيق الذكاء الصناعي (تشات جي بي تي)، وهي ستكون أقل مجهوداً، ولن يتطلب الأمر تفكيراً نقدياً».
ويضيف: «تشات جي بي تي يعتمد على نموذج اللغة الكبير (LLMs)، الذي يتيح إجابات نموذجية صماء بلا إبداع، لأنه لا يمتلك تفكيراً نقدياً».
ويشير بيريرا إلى أن هذا المعنى عبّر عنه الفيلسوف المشهور ديفيد بابينو من كلية كينجز لندن، عندما قال في مؤتمر عبر الإنترنت: «أتصور الآن في الغالب الأشخاص الذين يتحدثون إليّ على أنهم (تشات جي بي تي)، فهذا التطبيق سيغير من الكيفية التي يتصور بها بعضنا بعضاً».
ويأمل مدير مركز الذكاء الصناعي بالجامعة الجديدة في لشبونة أن تعطي استقالة هينتون مزيداً من الاهتمام بهذا الأمر، الذي يراه الأكثر خطراً من بين الأخطار التي يتحدث عنها الخبراء.
ويتحدث إدوارد سلفادور، من قسم فيزياء الكم والفيزياء الفلكية بمعهد علوم الكون بجامعة برشلونة، الذي شارك هو الآخر في التوقيع على خطاب مارس، عن 3 أخطار أخرى. ويخشى سلفادور، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، استخدام الذكاء الصناعي للسيطرة على آرائنا السياسية والتأثير على حياتنا الاجتماعية لصالح أقلية ما، وقد يتسبب هذا في فقدان الاهتمام بالحصول على المعلومات والتفكير بحرية، وبهذه الطريقة سنفقد الاستمتاع بحياتنا.
وبالإضافة لهذا الخطر، يتحدث سلفادور عن خطر وجودي، يتمثل في لحظة ستأتي إن لم نضع ضوابط، سيصبح فيها الذكاء الصناعي التوليدي أكثر ذكاءً من البشر، وبعد ذلك، سيكون الذكاء الصناعي قادراً على إنشاء كود جديد بنفسه وتطبيقه على تقدمه الخاص، لذلك سيصبح البشر غير ضروريين. يقول: «قد يبدو هذا خيالاً علمياً، لكنه خطر حقيقي أكثر مما نعتقد».
ويرتبط بهذا الخطر الوجودي خطر آخر، يتمثل في استخدام الذكاء الصناعي بطرق عسكرية أو طرق مدمرة أخرى، وهو ما يفرض في رأيه، ضرورة وضع بعض اللوائح الدولية بشأن تطوير تطبيقات الذكاء الصناعي بشكل مشابه لتلك المتعلقة بالتقنيات الجينية من أجل ضمان التحكم الأخلاقي في الذكاء الصناعي.
ويرى سلفادور أن استقالة هينتون ستمنح مزيداً من الدعم للتوجه السائد حالياً، الذي يطالب بضبط جماح الذكاء الصناعي، لأنه «يتطور بسرعة كبيرة قد تؤدي، إن لم نتحرك سريعاً، إلى فقدان السيطرة عليه، إن أردنا لاحقاً تحقيق ذلك».



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».