«خرج ولم يعد»... مسيرة البحث المؤلمة عن المفقودين في السودان

أعداد المفقودين المدنيين تقدّر حالياً في ولاية الخرطوم بـ250 شخصاً

الدخان يتصاعد وسط المعارك في الخرطوم (رويترز)
الدخان يتصاعد وسط المعارك في الخرطوم (رويترز)
TT

«خرج ولم يعد»... مسيرة البحث المؤلمة عن المفقودين في السودان

الدخان يتصاعد وسط المعارك في الخرطوم (رويترز)
الدخان يتصاعد وسط المعارك في الخرطوم (رويترز)

عندما توقف الشاب السوداني أيمن أبو عركي، وعمّه حسام، عن الردّ على هاتفيهما، لجأت عائلتهما إلى «فيسبوك»، حيث سرعان ما وصلتها عبر الموقع صورة لسيارة وقد اخترقها الرصاص من كلّ مكان وبداخلها جثّتان.
وعلى هذه الصورة التي تلقّتها الأسرة من أحد المدوّنين، كان رقم السيارة واضحاً، وهو مطابق لرقم تلك التي استقلّها الرجلان «وذهبا بها لشراء مياه» وسط المعارك في 16 أبريل (نيسان)، حسب ما قال لوكالة الصحافة الفرنسية قريب لهما طالباً عدم الكشف عن هويته.
وقُتل الرجلان غداة اندلاع المعارك بين الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتّاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو الملقّب بـ«حميدتي».
واندلعت المعارك بين حليفي الأمس وعدوّي اليوم في العشر الأواخر من رمضان من دون سابق إنذار، الأمر الذي لم يمكّن الأسر السودانية من التزوّد بما يكفيها من مؤونة كافية من الطعام والمياه.
وبسبب نفاد المياه لم يجد الشاب وعمّه بداً من المخاطرة بحياتهما والخروج تحت الغارات الجوية ونيران المدفعية والبنادق الآلية لجلب الماء لعائلتهما.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1652723616579207170?s=20
وفي خضمّ المعارك في الخرطوم، المدينة التي يقطنها أكثر من خمسة ملايين نسمة، وحيث انقطعت الكهرباء والمياه الجارية بصورة شبه تامّة، باتت شبكات التواصل الاجتماعي أداة تواصل ثمينة للسكان المحبوسين داخل منازلهم خوفاً من الأعيرة الطائشة.
وعلى «فيسبوك» و«تويتر»، أصبحت الأسر التي انقطعت الاتصالات بينها وبين أبنائها، تطلق نداءات استغاثة ودعوات للمساعدة على أمل أن تجد من لديه أي معلومة عن أحبّائها المفقودين.
من بين هؤلاء الطبيبة هبة التي فقدت والدها في 23 أبريل بعدما «خرج لشراء بعض الأدوية الضرورية من الصيدلية لأنّه مصاب بأمراض مزمنة، لكنّه لم يعد».
وتضيف الطبيبة لوكالة الصحافة الفرنسية أنّ والدها «شخص مسالم ولا ميول سياسية له»، مشيرة إلى أنّ «عمليات البحث عنه ما زالت مستمرة، وأتمنّى أن يكون بخير وفي مكان آمن».
وتظهر منشورات على موقعي «فيسبوك» و«تويتر» عشرات الإعلانات عن مفقودين، معظمهم لرجال وأطفال فقدوا في ظروف مختلفة منذ اليوم الأول للاشتباكات.
وإزاء العدد الكبير لهذه الأسر، قرّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان قبل أيام تخصيص خط هاتفي للإبلاغ عن المفقودين.
منيرة فقدت شقيقها الأكبر بابكر أدوينن الذي يعمل في مصنع بمنطقة الخرطوم بحري (شمال العاصمة)، في اليوم الأول للاشتباكات.
وتروي لوكالة الصحافة الفرنسية أنّ آخر تواصل بينها وبين شقيقها كان عبر مكالمة هاتفية يوم السبت 15 أبريل طلب منها خلالها إبلاغ زوجته وأطفاله الستّة بأنّه بخير وسيغادر المصنع للعودة إلى منزله بأمّ درمان.
لكنّه لم يعد، وظلّت أسرته بلا أخبار عنه.
إزاء هذا الوضع قرّرت منيرة تبليغ «مفقود»، وهي مبادرة عبر الإنترنت لمساعدة الأسر على معرفة مصير أبنائها المفقودين.
وبعد أن أبلغت «مفقود» بشأن شقيقها، تلقّت في 27 أبريل اتصالاً هاتفياً من المبادرة.
وتقول، «لقد أبلغوني بأنّه تمّ العثور عليه مقتولاً برصاصتين، ولم نستطع تسلم جثمانه المتحفّظ عليه حتى الآن في المسجد الكبير بمنطقة السوق العربي، وذلك لصعوبة إخراجه من هناك، لكنّنا على تواصل مع إمام المسجد».
وتوضح أنّ «قوات الجيش في إحدى نقاط التفتيش أرغمت اثنين من أشقائي على العودة أثناء محاولتهما الذهاب لتسلم الجثمان ودفنه بسبب صعوبة الأوضاع والاشتباكات».
https://twitter.com/aawsat_News/status/1653314689562992641?s=20
وتشكّلت مبادرة «مفقود» في عام 2019 لمساعدة أسر المتظاهرين الذين فُقد أثرهم في أعقاب قمع الجيش وقوات الدعم السريع لاعتصام نظّمه يومها متظاهرون مطالبون بالديمقراطية أمام مقرّ القيادة العامة للجيش في العاصمة.
وتقدّر أعداد المفقودين المدنيين حالياً في ولاية الخرطوم منذ اندلاع القتال بـ250 شخصاً، معظمهم من كبار السنّ وذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال، حسب المتحدث باسم المبادرة مصعب كمال.
وأوضح كمال أنّه «خلال الأسبوع الأول من الاشتباكات نشرت حالات لمفقودين يقدّر عددهم بحوالي 100 إلى 150 شخصاً يومياً؛ خصوصاً أنّ المعارك بدأت بصورة مفاجئة من دون تحذير».
وأضاف أنّ «هؤلاء لا تنطبق عليهم شروط المفقودين، بل تقطّعت بهم السبل وحالت الاشتباكات دون وصولهم إلى ذويهم ومنازلهم بسهولة».
وتابع أنّه «خلال الأسبوع الثاني من الاشتباكات نشرت حالات للمفقودين بصورة أكثر دقة، بواقع 10 إلى 15 مفقوداً يومياً».
وأوضح أنّ «بعضاً ممن تمّ العثور عليهم كانوا معتقلين» لدى قوات الدعم السريع أو الجيش.
وتعمل المبادرة حالياً على توسيع جهودها للبحث عن المفقودين، إلا أنّ الظروف الراهنة تمنعها من العمل بكفاءة، خصوصاً أنّ هناك أعداداً كبيرة من الجثث في الشوارع لا يمكن الوصول إليها وبالتالي يستحيل إحصاؤها.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1648688426969866240?s=20



وزير يمني يحذر من مخطط حوثي لإغراق البلاد بالسياحة الطائفية

الحوثيون استغلوا حرب غزة لتجنيد أكثر من 400 ألف عنصر (رويترز)
الحوثيون استغلوا حرب غزة لتجنيد أكثر من 400 ألف عنصر (رويترز)
TT

وزير يمني يحذر من مخطط حوثي لإغراق البلاد بالسياحة الطائفية

الحوثيون استغلوا حرب غزة لتجنيد أكثر من 400 ألف عنصر (رويترز)
الحوثيون استغلوا حرب غزة لتجنيد أكثر من 400 ألف عنصر (رويترز)

حذر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني مما وصفه بـ«مخطط حوثي» لإغراق البلاد بالسياحة الدينية ذات البعد الطائفي، متهماً الجماعة بتدمير المعالم الأثرية والتاريخية والثقافية؛ خدمة لأجندتها في تدمير الموروث اليمني.

وقال الوزير الإرياني في تصريح رسمي إن الحوثيين يخططون لاستقدام عشرات الآلاف من إيران وباكستان وأفغانستان ولبنان والعراق، للمناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتهم، تحت غطاء زيارة المراقد الدينية والأضرحة، عبر ما يسمى «مشروع دليل البرنامج السياحي والمعالم السياحية والتاريخية المتعلقة بالهوية الإيمانية وأعلام الهدى».

طلبة في جامعة صنعاء أجبرهم الحوثيون على ترديد «الصرخة الخمينية» (إ.ب.أ)

اتهم الإرياني، وهو أيضاً وزير السياحة والثقافة في الحكومة اليمنية، الجماعة الحوثية بأنها عمدت منذ انقلابها إلى تجريف المعالم السياحية عبر انتهاك حرمة وحصانة الأعيان الثقافية والمواقع الأثرية واستخدامها في العمليات العسكرية وتخزين الأسلحة، كما عملت على نبش المواقع الأثرية بغرض الاتجار بالآثار لتمويل عملياتها العسكرية.

وتخطط الجماعة الحوثية - طبقاً للإرياني - لهدم 500 مبنى أثري في مدينة صنعاء القديمة، المدرجة ضمن قائمة التراث الإنساني من قبل «اليونسكو»، ومن بينها «سوق الحلقة»، إحدى أهم الأسواق الحرفية التاريخية في المدينة؛ بهدف إقامة مزار ديني، وإقامة مناسبات طائفية خاصة بها لا علاقة لها باليمنيين، حيث تعمل، وفق قوله، نحو «التوسع التدريجي في التحول نحو حالة كهنوتية لاهوتية».

وقال وزير الإعلام اليمني إن هذا التحرك الحوثي الخطر المتمثل في فتح «السياحة الدينية» ليس مجرد خطة لتنشيط السياحة، «بل وسيلة خبيثة» لتعزيز النفوذ الإيراني في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وإدخال الخبراء من إيران و«حزب الله»، والمقاتلين إلى الداخل اليمني، مما يعمق الهيمنة الإيرانية ويقوي قبضتها على مقدرات البلاد، ويمثل تهديداً خطيراً لليمن واليمنيين على المستويات السياسية والاجتماعية والفكرية والتركيبة السكانية، وفق تعبيره.

تهديد سياسي واجتماعي

من الناحية السياسية، أشار الإرياني إلى أن هذه الخطوة الحوثية تمثل «محاولة لاستحضار الصراع المذهبي في اليمن، وفرض الانقلاب الحوثي عبر دعم (طائفي) إيراني مباشر تحت غطاء السياحة الدينية، وتحويل البلاد إلى ساحة مفتوحة للتدخلات الإيرانية، وهو ما يهدد أمن واستقرار اليمن والمنطقة، ويعمل على تعميق الأزمة اليمنية وتقويض فرص التهدئة وإحلال السلام».

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

بينما أوضح وزير الإعلام اليمني أنه من الناحية الاجتماعية والفكرية، فإن خطة الحوثيين تهدف إلى الترويج لأفكار ومعتقدات متطرفة مستوردة من إيران وبعيدة كل البعد عن الهوية اليمنية الوسطية، كما تندرج ضمن محاولات الجماعة لتغيير البنية الثقافية والدينية والتركيبة الديمغرافية للمجتمع اليمني، وزرع الانقسامات الطائفية التي تهدد السلم الأهلي والنسيج الاجتماعي المتماسك وقيم التنوع والعيش المشترك، والتي سادت لقرون بين اليمنيين.

ودعا الإرياني اليمنيين إلى التحلي بالوعي واليقظة تجاه ما وصفه بـ«المخططات الخبيثة»، وإلى الوقوف صفاً واحداً ضد أي محاولة لتكريس النفوذ الإيراني في البلاد تحت أي مسمى، والحفاظ على الهوية الوطنية والعربية التي تحاول ميليشيا الحوثي الإرهابية تجريفها لصالح هوية فارسية تعادي كل ما هو يمني وعروبي، ورهن مستقبل البلد بيد إيران ومشاريعها المأفونة في المنطقة، وفق تعبيره.