الرياض تستعيد روائع محمد الموجي بمشاركة عمالقة الفن العربي

تخليد ذكرى «فارس النغم» في ليلة استثنائية

الموجي ساهم في صناعة اللحن العربي الحديث (الشرق الأوسط)
الموجي ساهم في صناعة اللحن العربي الحديث (الشرق الأوسط)
TT

الرياض تستعيد روائع محمد الموجي بمشاركة عمالقة الفن العربي

الموجي ساهم في صناعة اللحن العربي الحديث (الشرق الأوسط)
الموجي ساهم في صناعة اللحن العربي الحديث (الشرق الأوسط)

تستعيد السعودية روائع الموسيقار الراحل محمد الموجي، بإقامة حفلة موسيقية تحتضنها العاصمة السعودية الرياض، يشارك فيها ثمانية من كبار الفنانين العرب، تخليداً لإرث موسيقي ضخم تركه «فارس النغم» و«صانع النجوم»، الذي يعد أحد أبرز ملحني العصر الذهبي للأغنية العربية.

لحن الموجي لطلال أغنيتين: «ضايع في المحبة» و«لي طلب» (هيئة الترفيه)

ويحيي الحفل الذي تقيمه هيئة الترفيه السعودية، بالتعاون مع برنامج «جودة الحياة» وهيئة الموسيقى، كلٌّ من الفنانين، عبادي الجوهر، ماجد المهندس، أنغام، صابر الرباعي، وائل جسار، شيرين عبد الوهاب، مي فاروق، وزينة عماد، في حين يشرف عليه فنياً الموسيقار يحيى الموجي، ويقود الأوركسترا الموسيقار وليد فايد.
ويعد الموجي أحد أبرز الملحنين العرب، حيث تعاون مع كبار المطربين والشعراء، وساهم معهم في إحداث نقلة نوعية باللحن والأغنية العربية، وأصبح أحد أهم الموسيقيين الذين أسسوا الموسيقى الشرقية الحديثة وأبرز مبتكريها.


كانت بداية عبد الحليم والموجي في أغنية «صافيني مره»
التي أطلقتهما للنجومية (هيئة الترفيه)

الموجي الذي عاش طفولة متواضعة في كفر الشيخ، شمال مصر، تعلم عزف العود وأتقنه في الثامنة من عمره، حيث علمه والده على الآلة التي رافقته لاحقاً طول حياته، فبدأ عازفاً في عدد من الفرق الموسيقية، ثم اتجه إلى التلحين، ليبدأ مسيرته التي استمرت قرابة الأربعين عاماً لحن خلالها أكثر من 1800 عمل.
وكان أول تعاوناته مع الراحل عبد الحليم حافظ، حيث كانت أغنية «صافيني مره» باكورة تعاونه مع العندليب، التي كانت سبباً في انطلاق الاثنين نحو النجومية، ليستمرا بالتعاون في أكثر من 85 أغنية بينها العاطفي والوطني، كان آخرها «قارئة الفنجان».
أما كوكب الشرق أم كلثوم، فلحن لها «للصبر حدود» و«حانة الأقدار» وغيرها الكثير من الروائع التي عمل عليها الموجي مع كوكب الشرق بالتعاون مع مختلف الشعراء، وكانت سبباً في تدوين اسمي الاثنين في سجلات التاريخ الموسيقي العربي، ليصبحا من أهم أعمدة الأغنية العربية.

كان الموجي أبرز من تعاونوا مع كوكب الشرق أم كلثوم

وانتشرت شهرة الموجي عبر الأقطاب العربية ليلحن لعمالقة الفن العربي، من أبرزهم طلال مداح ونجاة الصغيرة وميادة الحناوي وشادية وصباح وغيرهم الكثير من الفنانين الذين وضع الملحن العبقري بصماته على أشهر أغانيهم التي لا تزال تسمع حتى اليوم.
وكان للموجي علاقة متميزة مع الفنانين والشعراء السعوديين، حيث لحن لطلال مداح أغنيتين هما «ضايع في المحبة» و«لي طلب» التي كتبها الأمير الشاعر بدر عبد المحسن، كما لحن لابتسام لطفي أغنية «بعد الحبيب»، إضافة إلى مشاركته في المهرجان الوطني السابع في الجنادرية عام 1992، وتلحينه أغنية عبد الحليم حافظ «يا مالكاً قلبي» التي كتبها الأمير عبد الله الفيصل.

محمد الموجي وعبادي الجوهر (هيئة الترفيه)

يأتي حفل الموسيقار محمد الموجي امتداداً لنجاح الليالي الفنية التي سبقته مثل ليلة «صوت الأرض» وليلة «ذكريات مع الموسيقار هاني شنودة»، و«ليلة من الماضي الجميل»، ومن المتوقع أن تستضيف الرياض المزيد من التكريمات لفنانين آخرين.
تأتي هذه الخطوات ضمن أهداف برنامج «جودة الحياة» التابع لرؤية السعودية في إطار سعيها لدعم الفن وحماية التراث الموسيقي العربي وإبرازه للأجيال الجديدة، وتعزيز أهمية نشر الفنون والمحافظة عليها.
وتعمل السعودية من خلال هيئتي الموسيقى والترفيه على الاهتمام بالفن وتطوير مواطنيها في المجالات الإبداعية، حيث تهدف إلى نشر المعاهد الموسيقية وإدراج مناهجها في صفوف التعليم، نظراً لما تحمله من أهمية ثقافية واجتماعية كبرى.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.