عمّال لبنان يعانون: «نزيف» في الرواتب وهجرة مستمرة

تدهورت قيمة العملة اللبنانية وارتفع التضخم بنسبة 168 %؜ منذ عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
تدهورت قيمة العملة اللبنانية وارتفع التضخم بنسبة 168 %؜ منذ عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

عمّال لبنان يعانون: «نزيف» في الرواتب وهجرة مستمرة

تدهورت قيمة العملة اللبنانية وارتفع التضخم بنسبة 168 %؜ منذ عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
تدهورت قيمة العملة اللبنانية وارتفع التضخم بنسبة 168 %؜ منذ عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

ينهي أحمد أسعد (48 عاماً) دوامه الليلي منتظراً وصول الحافلة لتقله إلى منزله بعد قضاء أكثر من عشر ساعات في عمله - حارساً لإحدى الشركات التجارية في وسط بيروت - بعد صرفه من عمله السابق. وهو الحامل لشهادة جامعية في الهندسة المدنية. يتحدث أسعد لوكالة أنباء «العالم العربي» عن قسوة الأمر، ليس من ناحية نوعية الوظيفة الحالية، إنما عن تلك السنين الطويلة التي أمضاها في الدراسة والعمل، وكان من المفترض أن تصل به إلى استقرار مالي واجتماعي يتناسب مع قدراته المهنية وجهوده. فالأزمة الاقتصادية خلال السنوات الثلاث الماضية وصلت تبعاتها لشركته السابقة، فقررت تسريحه مع عدد من الموظفين لعدم قدرتها على دفع رواتبهم.
أزمة صرف العاملين من وظائفهم شملت مختلف القطاعات. فبحسب الأرقام الصادرة عن مصرف لبنان، انخفض عدد الموظفين العاملين في المصارف من نحو 25941 موظفاً في نهاية عام 2018. إلى 18440 موظفاً عام 2021.
ويتحدث طارق يزبك، الذي يعمل سائقاً لسيارة أجرة، عن المعاناة المشتركة مع الزبائن. فتسعيرة الراكب الواحد تحددت بين 150 و200 ألف ليرة لبنانية (ما بين 1.5 و2 دولار تقريباً)، ونتيجة اشتداد الأزمة المالية على الموطنين ازدادت المفاوضات بين الراكب والسائق لمحاولة تخفيض التكلفة. ويتساءل: «هل يقبل بائع الخبز أن يخفض من سعره، أو الطبيب من قيمة معاينته للمريض؟ لا أحد يقبل منهما، فلماذا يفرض علينا الزبائن القبول وكأننا نحقق أرباحاً عالية؟». وكانت التعرفة في شهر فبراير (شباط) الماضي 100 ألف ليرة للراكب الواحد، بينما كانت ألفي ليرة عام 2019. يعتبر يزبك أن العمال يعيشون أزمة مجتمعية، نتيجة اتساع فجوة القدرة الشرائية بين المواطنين، فهناك من يقبض رواتبه بالليرة اللبنانية، وأغلبهم من موظفي القطاع العام، والآخر يتسلمه بالدولار، ومعظم هؤلاء من العاملين في مؤسسات القطاع الخاص.

* نزيف قطاع العمال
في 27 أبريل (نيسان) الماضي، أعلن المكتب الإعلامي في وزارة المالية عن تسديد كامل رواتب القطاع العام العائدة لشهر مايو (أيار) 2023 على سعر صرف 60 ألف ليرة، الخطوة التي اعتبر رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر أنها لا تكتمل إلا بتثبيث سعر صرف الدولار. وقال الأسمر للوكالة: «كل علاج خارج هذا الإطار لن يؤدي إلى شيء، فنحن في دائرة مميتة».
ويصف الأسمر الخطوة بأنها تخدير مؤقت للعمال بالقطاعين العام والخاص، الذين قال عنهم: «ما حققوه هو بعض المكتسبات، ولكن إذا ارتفع سعر الصرف، فهم يخسرون هذه المكتسبات في لحظات». ويرى الأسمر أن الحل يكمن في التوافق السياسي كمدخل للاستقرار الاقتصادي. ويقدّر الأسمر الحد الأدنى المقبول للأجور بأربعين مليون ليرة لبنانية (نحو 416 دولاراً)، مشيراً إلى أن هذا هو الحد الذي يؤمّن العيش فقط من أساسيات وضروريات، لكنه لا يشكل القدرة الشرائية اللازمة للعيش اللائق. ويشير رئيس الاتحاد العمالي العام إلى أن عدد العمال في القطاعين العام والخاص يبلغ نحو 800 ألف. ويقول: «نعاني من واقع سيء، ومن هجرة الأدمغة والجامعيين والفنيين، ونزيف أكثر من 100 ألف جامعي غادروا لبنان خلال بضع سنوات، إضافة لمئات الأطباء والمدرسين والتقنيين».
ويتخوف الأسمر من تحول لبنان إلى بلد كهل، وإن كان يشير إلى أن هناك من يرى أن من يغادر البلاد يساهم من خلال تحويلاته المالية في دعم عائلته وإنعاش الاقتصاد، حيث تُقدر تحويلات العاملين في الخارج بنحو سبعة مليارات دولار سنوياً. وفي دول الخليج العربية وحدها هناك 450 ألف عامل لبناني. ويؤكد الأسمر على ضرورة رقابة مؤسسات الدولة على المؤسسات التجارية والمصارف وقطاع المحروقات، وهو ما وصفه بأنه رقابة مفقودة بفعل عدم وجود الأجهزة اللازمة والأعداد الكافية.
ويتابع: «في وزارة الاقتصاد تقريباً بين 70 و80 مراقباً، وفي وزارة العمل 100 مراقب. فلا قدرة للدولة على مراقبة كل شيء، إضافة إلى تحرك الدولار بشكل كارثي. فخلال 40 يوماً (بين شهري مارس (آذار) وأبريل) تحرك إلى 100 ألف ليرة، ثم بعد أسبوعين تراجع إلى 50 ألف ليرة. هناك غرف سوداء تتحكم بمصير الناس، ولا قدرة للدولة على ضبطها».

* ارتفاع نسب الفقر
تشير الدكتورة علا بطرس، المشرفة العامة على خطة لبنان للاستجابة للأزمة، إلى عام 2019 وتقول إنه كشف عن أزمة اقتصادية عميقة، بحيث تدنى مستوى النمو إلى ما دون الصفر. رافق ذلك تدهور قيمة العملة اللبنانية وارتفاع التضخم بنسبة 168 في المائة؜، لترتفع البطالة عند الشباب بنسبة 48 في المائة؜ حالياً، بالإضافة إلى أزمات مالية وصحية ناجمة عن جائحة كورونا، ليتفاقم الوضع أكثر مع انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
وتقول علا بطرس: «كل هذه الأزمات أدت إلى ارتفاع نسب الفقر عند اللبنانيين بشكل سريع، حيث بلغ الفقر النقدي 55 في المائة؜ حسب البنك الدولي، إضافة إلى فقر آخر طال مناحي حياتهم ورفاهيتهم وهو الصحة والتربية والخدمات، ونعني به الفقر المتعدد الأبعاد الذي بلغ 82 في المائة». وتضيف: «يُقدر عدد اللبنانيين غير القادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية بمليونين و100 ألف شخص».
وخطة لبنان للاستجابة للأزمة هي شراكة بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة والمجتمع الدولي المانح والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية.
وتشير علا بطرس إلى وجود برامج تُعنى بتقديم المساعدات النقدية للبنانيين، وتحديداً مشروع الأسر الأكثر فقراً، الذي يغطي 75 ألف عائلة لبنانية، وهو يأتي كمنح من الجهات الدولية المانحة ضمن خطة لبنان للاستجابة للأزمة.
وهناك قرض حصلت عليه الحكومة من البنك الدولي يُعرف ببرنامج «أمان»، ومتوقع أن يغطي 157 ألف عائلة و87 ألف تلميذ في المدارس الرسمية، بالإضافة إلى شراكات أخرى كالمنح النقدية لذوي الاحتياجات الخاصة وبعض الشراكات بين الجهات الوزارية والمنظمات غير الحكومية.
وتلفت علا بطرس إلى بنية الاقتصاد اللبناني، الذي يستند على الخدمات وليس على الإنتاج بعدما تحوَل إلى مجتمع استهلاكي نتيجة السياسة النقدية التي اتُبعت بعد عام 1990. وتقول: «كان اللبناني يحصل على قروض ميسرة ويضع أمواله في المصارف بفوائد عالية، وهذا ما أدى إلى خروج العملات الصعبة على الاستيراد، خاصة بعد أزمة النزوح السوري في عام 2011 ووجود عدد كبير من اللاجئين والنازحين بما فاق المليونين». وتُسلّط علا بطرس الضوء على أهمية الاستثمار في المجال الزراعي، لا سيما الصناعات الغذائية، وعلى ضرورة الاعتماد على الطاقة المتجددة لاستمرار الخدمات والإنتاج، مؤكدةً أن ما يحتاجه لبنان هو تنمية قطاعاته الإنتاجية بالشراكة مع القطاع الخاص، واستثمارات عربية كونه يملك موارد طبيعية، لا سيما المياه والأراضي الزراعية ذات الجودة.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.