يحتفل الليبيون، هذه الأيام، بذكرى الانتصار في «معركة القرضابية» على قوات الاحتلال الإيطالي، التي دارت رحاها قبل 108 أعوام، وذلك على وقع انقسام سياسي بين حكومتين متنازعتين على السلطة في البلاد راهناً.
والقرضابية - القريبة من مدينة سرت؛ مسقط رأس الرئيس الراحل معمر القذافي - شهدت معركة فاصلة بين المقاومة الليبية وقوات الاحتلال الإيطالي، في 29 أبريل (نيسان) عام 1915، انتهت بهزيمة الطرف الأخير ودحره.
وبدا أن كلاً من أطراف الأزمة الليبية يتعاطى مع ذكرى المعركة من منظور خاص، فبينما تجاهل عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الحديث عن المناسبة، والذي شارك في فعاليات معرض «تكنوفيست 2023»، بإسطنبول، بحضور الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، استغلّها خصمُه فتحي باشاغا، لتأكيد وجود حكومته، المدعومة من مجلس النواب، في دائرة الضوء، كما حرص أنصار القذافي على إعادة تداول مقاطع فيديو له وهو يتحدث عن المعركة وسرت التي تضم «رفات أجداده الذين قاتلوا الإيطاليين»، وفقاً لقوله.
وسرت، المُطلة على البحر المتوسط، تقع بين طرابلس العاصمة، وبنغازي، وتخضع لسيطرة «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، ولحكومة باشاغا، الذي أجرى زيارة ميدانية، مساء السبت، للنصب التذكاري لـ«معركة القرضابية» في محلة «أبو هادي» جنوب سرت، و«مقبرة الشهداء»، رافقه خلالها قيادات المدينة؛ ومن بينهم مختار المعداني، عميد بلدية سرت.
وكانت بلدية سرت قد أعلنت احتفالها بذكرى «ملحمة القرضابية»، التي قالت إنها «إحدى معارك الوحدة الوطنية، الفاصلة في الجهاد الليبي ضد الاحتلال الإيطالي؛ إذ شارك فيها جميع أبناء الوطن شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً؛ دفاعاً عن ترابه من المحتلّ الأجنبي».
واستكمالاً للاحتفالات التي تشهدها المدينة، وضع باشاغا حجر الأساس لمدرسة القرضابية للفروسية، في سرت التي تزينت بإعادة تأهيل المناطق الخضراء، وتركيب أعمدة الكهرباء على جانبي الشوارع، بتمويل من حكومة باشاغا، بعدما طالها التخريب، خلال السنوات الماضية.
واستبَق باشاغا زيارته إلى سرت، متحدثاً عن ذكرى «معركة القرضابية»، التي تحل على ليبيا، وقال مغرِّداً إن «الأجداد تآخوا ضد عدو الوطن، فتكلَّل نضالهم وتصالحهم ووفاقهم بنيل الاستقلال»، متابعاً: «ما زلنا نحمل هذا الموروث المشرِّف ونسير في هذا الدرب، الذي نعتبره دربنا الوحيد الذي يوصلنا إلى الدولة».
وكان محمد المنفي، رئيس «المجلس الرئاسي الليبي»، قد استغلّ ذكرى المعركة، للحديث عن «ملاحم البطولة والشرف، التي سطرها الآباء والأجداد ضد الاحتلال الإيطالي الغاشم، وتوحدت فيها رايات الجهاد الوطني، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً؛ دفاعاً عن تراب الوطن».
ومضى المنفي قائلاً: «نذكر، نحن الأحفاد، ذلك اليوم؛ فإنه حريٌّ بنا أن نجمع شتاتنا ونعيد بناء دولتنا الديمقراطية المدنية لإنهاء المراحل السياسية الانتقالية، وتجديد الشرعية للمؤسسات، وصولاً ببلادنا وشعبنا إلى بر الأمان».
واستهدف الإيطاليون، من وراء هذه المعركة التي قادهم فيها الجنرال أمياني، العودة إلى مدن الجنوب الليبي التي طُردوا منها، من بينها مرزق وسبها، لكن الغلبة كانت للمقاومة الليبية، في ذلك اليوم الذي انتهى بهزيمة ساحقة للمحتلّ الإيطالي، في حين كانوا لا يزالون يسيطرون على طرابلس وبعض المواقع الساحلية.
غير أنه، بعد قرابة 16 عاماً، كرر الإيطاليون محاولاتهم، تزامناً مع وصول موسوليني إلى السلطة في روما، فانتهت حملتهم باعتقال شيخ المجاهدين الليبيين عمر المختار، وإعدامه في 16 سبتمبر (أيلول) عام 1931.
وترتبط ليبيا راهناً بعلاقة قوية مع الجانب الإيطالي، إذ سبق للدبيبة إبرام اتفاق في مجال الطاقة مع الحكومة الإيطالية، في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، متغاضياً عن الاعتراضات الواسعة التي واكبت هذه الخطوة، ورأى أنها «استثمار غير مسبوق وتصبّ في مصلحة البلاد».
والاتفاق، الذي أُبرم بحضور رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، في طرابلس العاصمة، يقضي باستثمار شركة «إيني» 8 مليارات دولار في حقلين بحريين ليبيين، يبلغ إجمالي احتياطيهما 6 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
ليبيون يحتفلون بانتصارهم في «القرضابية» وسط انقسام سياسي
مرور 108 أعوام على معركة «الأجداد» ضد الاحتلال الإيطالي
ليبيون يحتفلون بانتصارهم في «القرضابية» وسط انقسام سياسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة